الوسواس القهري في الأطفال واليافعين OCD in Children & Adolescents
في الماضي تم اعتبار اضطراب الوسواس القهري OCD حالة نادرة وكان يُنظر إليه على أنه مشكلة تصيب البالغين بشكل رئيسي. نعلم الآن أن هذا التفكير ليس فقط خاطئاً، بل بعيد تماماً عن الحقيقة، حيث تشير أحدث البيانات إلى أن ما لا يقل عن 80% من جميع حالات الوسواس القهري تبدأ في مرحلة الطفولة والمراهقة، ولكنه غالباً لا يُشخَّص في تلك الفترة. كما نعلم أن هذه المرحلة هي بالضبط عندما تشهد المناطق الدماغية الأكثر ارتباطاً بالوسواس القهري تطوراً ونضجاً لافتاً. لذلك، من المهم جداً أن نتمكن من التعرف على هذا الاضطراب في وقت مبكر.1
هناك تحديات إضافية2 عند التعامل مع الأطفال والمراهقين. عند تشخيص الوسواس القهري، نجد أن بعض العلامات والأعراض مشابهة بشكل ملحوظ لتلك التي تظهر لدى البالغين، لكننا غالباً ما نميل إلى تجاهلها عندما نراها لدى الأطفال والمراهقين. قد يقول أطباء الأطفال والوالدين "إنها مرحلة يمرون بها" أو "إنهم فقط يتصرفون بسخافة أو طفولية. إنهم فقط ينظمون أو يرتبون جواربهم بطريقة معينة." لكن ما نعلمه أن حوالي 20% من الأطفال والمراهقين لديهم سلوكيات وسواسية وقهرية صحية، وهذه السلوكيات تساعدهم ولا تعيق وظائفهم. لكن عندما تبدأ أعراض الوسواس القهري في التأثير على الوظائف النفسانية، أو البدنية، أو العمل، أو الدراسة، يجب أن نبدأ في التفكير في وجود الاضطراب.
ما يزيد الأمر تعقيداً أن بعض الأطفال الأكثر موهبة وخيالاً وإبداعاً هم من يعانون من الوسواس القهري، وكأن الخيال لديهم يصبح مفرط النشاط ويخرج عن السيطرة تماماً. في الواقع، الوسواس القهري لدى الأطفال يعني أنهم لا يتلقون إشارة "كل شيء على ما يرام". جميعنا نختبر بعض الأفكار الوسواسية؛ إذا كان هناك شيء متسخ، نحاول تجنب التلوث. قد نتحقق مرة واحدة من قفل الباب للتأكد من أنه مغلق. لكن لحسن الحظ، بالنسبة لأولئك الذين لا يعانون من الوسواس القهري، نحصل على إشارة "كل شيء على ما يرام" بعد التحقق، ويمكننا الذهاب للنوم. للأسف الطفل المصاب بالوسواس القهري لا يحصل على هذه الإشارة، بل يختبر العكس تماماً، حيث تزداد الأمور سوءاً ويشعر بأن الخطر يزداد.3
هناك تداخلٌ كبيرٌ بين الوسواس القهري والاكتئاب2,3,4. وفي الواقع فإن التعايش بين الوسواس القهري واضطرابات أخرى هو القاعدة وليس الاستثناء، ويُعد الاكتئاب من أبرز الاضطرابات المصاحبة. على سبيل المثال، ثلث مرضى الوسواس القهري لديهم اكتئاب مصاحب وقت التشخيص، وثلثا المرضى سيصابون بالاكتئاب في مرحلة ما من حياتهم. لذلك، يجب أن نكون متيقظين للاكتئاب سواء عند التشخيص أو خلال مسار علاج الوسواس القهري.
بشكل أساسي، يُعتبر الفص الجبهي الأمامي بمثابة مركز القيادة التنفيذي للدماغ، بينما يعمل الجسم المخطط كسكرتير للدماغ، والمهاد بمثابة محطة مركزية، حيث يدعم الوعي والإدراك وغير ذلك. واحدة من أكثر النتائج الثابتة في اضطراب الوسواس القهري لدى الأطفال والبالغين هي أن الدائرة العصبية بين هذه المناطق لا تعمل بشكل صحيح، وهناك بالفعل بعض الدراسات التي تشير إلى أن العلاجات يمكن أن تستهدف هذه المناطق.
العلاج
يمكن تقسيمه إلى ثلاث فئات رئيسية 5,6. بالنسبة للوسواس القهري مع أو بدون الاكتئاب المصاحب، يعتبر العلاج السلوكي المعرفي، وتحديداً التعرض ومنع الاستجابة، التدخل الأكثر فعالية وقوة حيث يظهر تأثيراً أكبر مقارنة بالأدوية وحدها. كما هو الحال مع مرض السكري، حيث يوجد علاج بيولوجي مثل الأنسولين وعلاجات نفسية اجتماعية مثل النظام الغذائي والتمارين الرياضية، فإن العلاج البيولوجي للوسواس القهري المصحوب بالاكتئاب يكون عادةً باستخدام مثبطات إسترداد السيروتونين الانتقائية (م.ا.س.ا SSRIs)، والعلاج النفساني الاجتماعي يكون باستخدام العلاج السلوكي المعرفي.
حوالي ثلث المرضى الذين يعانون من الاكتئاب والوسواس القهري يمكنهم التعامل بشكل جيد مع العلاج السلوكي المعرفي وحده دون الحاجة إلى الأدوية. ومع ذلك، عندما يكون هناك اكتئاب مصاحب، يجب أن يتمتع المعالج بالمرونة الكافية لتعديل العلاج السلوكي المعرفي ليأخذ في الحسبان الأعراض الاكتئابية، مثل انخفاض الطاقة أو ضعف التركيز، التي قد تجعل من الصعب على المريض الانخراط في العلاج. ومع وجود معالج لديه هذا النوع من الخبرة، يمكن أن يكون ذلك ممكناً.
ولكن هنا تكمن التحديات الكبيرة؛ أحد أهم الأمور في العلاج الدوائي النفساني القيام بها هو العثور على معالج يتقن العلاج السلوكي المعرفي المخصص للأطفال والمراهقين. هذا أصعب مما يبدو، حيث إن عدد المعالجين المؤهلين بهذا التدريب قليل جداً. يجب أن ندرك أن ليس كل من يقول إنه يقدم العلاج السلوكي المعرفي يقدم بالفعل النوع المطلوب لهذا الاضطراب المعقد لدى الأطفال الذين يعانون من الوسواس القهري والاكتئاب.
وهناك نقطة أخيرة يجب الإشارة إليها وهي أن ثلثي المرضى الذين يعانون من الوسواس القهري والاكتئاب المصاحب لن يستجيبوا للعلاج السلوكي المعرفي وحده. السبب في ذلك هو أن أعراضهم شديدة للغاية، وبمجرد أن يتم تقليل الأعراض إلى مستوى يمكن تحمله، يمكن تنفيذ العلاج السلوكي المعرفي بشكل أكثر فعالية. ومع ذلك، تشير البيانات إلى أن الطريقة الأسرع والأكثر احتمالاً لتحقيق الاستجابة والشفاء للوسواس القهري والاكتئاب المصاحب هي استخدام العلاج السلوكي المعرفي مع الأدوية بشكل متزامن، حيث يتفوق هذا النهج على أي من العلاجين بمفرده.
أدوية الخط الأول للوسواس القهري يمكن أن تؤدي إلى تفاقم أو تحفيز نوبات الهوس أو الهوس الخفيف، لذلك من الافضل البدء بالعلاج السلوكي المعرفي للوسواس القهري بدلاً من الإسراع باستخدام الم.ا.س.ا (مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية) وفي حالة اضطراب ثنائي القطب، غالباً ما يكون من الصعب نجاح العلاج السلوكي المعرفي بمفرده ما لم يتم استخدام مثبتات المزاج بشكل فعال للسيطرة على عدم استقرار المزاج.
مصادر:
1- Bloch, M. H., & Storch, E. A. Assessment and management of treatment-refractory obsessive-compulsive disorder in children. Journal of the American Academy of Child & Adolescent Psychiatry 2015; 54(4); 251-262.
2- Canavera KE, Ollendick TH. Ehrenreich May J T, Pincus D B. Clinical correlates of comorbid obsessive–compulsive disorder and depression in youth. Child Psychiatry & Human Development 2010; 41(6): 583-594.
3- De Caluwé, E, & De Clercq B. Obsessive–compulsive symptoms in children and adolescents: Symptomatology, impairment and quality of life. European Child & Adolescent Psychiatry 2015; 24(11): 1389-1398.
4- Garcia, A M, FreemannJB, Himle MB, Berman NC, Ogata A K, Ng J, Choate-Summers M L, & Leonard, H. Phenomenology of early childhood onset obsessive compulsive disorder. Journal of Psychopathology and Behavioral Assessment 2008; 31(2), 104-111.
5- Kotapati VP., Khan A M, Dar S, Begum G, Bachu R, AdnanM, Zubair A, & Ahmed R A The effectiveness of selective serotonin reuptake inhibitors for treatment of obsessive-compulsive disorder in adolescents and children: A systematic review and meta-analysis. Frontiers in Psychiatry, 2019; 10.
6- Skapinakis P, Caldwell D, Hollingworth W, Bryden P, Fineberg N, Salkovskis P, Welton N, Baxter H, Kessler D, Churchill R, & Lewis G. A systematic review of the clinical effectiveness and cost-effectiveness of pharmacological and psychological interventions for the management of obsessive–compulsive disorder in children/adolescents and adults. Health Technology Assessment 2016; 20(43): 1-392.
ويتبع>>>>: الوسواس القهري مع الثناقطبي في الأطفال واليافعين1
واقرأ أيضًا:
الأطعمة فائقة المعالجة ط.ف.م والصحة العامة / الدماغ واضطراب سلوك نوم حركة العين السريعة1