الإتفاقية كانت نعمة، لكننا حولناها إلى نقمة، ولو تفاعلنا معها كنعمة، لكنا في مقدمة الدول المعاصرة،
وما أكثر الفرص التي صيرناها غصص، وما أكثر النعم التي غدت نقما في ديارنا.
إنها الحقيقة المرة التي ربما سنستوعبها بعد أجيال وأجيال.
فمعاهدة سايكس بيكو (1916) بين إنكلترا وفرنسا ومصادقة روسيا وإيطاليا، قسّمت وطن الأمة إلى دول وفقا للمصالح والتطلعات المستقبلية المتصورة، للحفاظ على الهيمنة والاستعمار بآلياته الجديدة، فيها من السلبيات التي وظفها أبناء الأمة لصالح الطامعين بهم، وفيها إيجابيات أغفلوها فتأكدت مصالح المفترسين لوجودهم.
التسويق الإعلامي للإتفاقية على أنها شر والأمة بسببها تنحدر إلى أسفل سافلين، ومضت هذه النعرة على مدى أكثر من قرن، ولا تزال تتكرر في الواقع المفجوع بأجياله، والكراسي الرابضة على صدور أبنائه.
وتبدو الاتفاقية للباحث الحصيف أشبه بخطأ استراتيجي ارتكبته بريطانيا وفرنسا، ولكي تعالجه انطلقت في حملتها الإعلامية بعد أن انكشفت المعاهدة السرية أثناء اللثورة الروسية (1917) وانطلت اللعبة على حكومات دول الأمة، وتيقنت بأن التقسيم إلى دول هو السبب المركزي لتدهور أحوالها، وما اهتمت ببناء بلدانها، بل راحت تطارد وهم الوحدة الذي إزداد بعدا وتدميرا.
تخيلوا لو أن كل بلد إهتم بمصالحه وطور قدراته واستثمر بثرواته وطاقاته البشرية، وازداد قوة وعزة وعمرانا ورفع قيمة مواطنيه، لكانت الأمة بدولها كافة أقوى كيان في الأرض، ولحققت ما لا يخطر على بال من المساهمات الحضارية والإبداعية الأصيلة.
لقد انطلت اللعبة على الأجيال، وألقت بها في غياهب الخسران والتبعية والهوان، فبعد عدة عقود من تأسيس دولها بدت بلا قدرة على المواكبة وفي تنافر وتآمر على بعضها، ومعظمها مسخرة لتأمين مصالح الطامعين بها.
تقسمت دول فتقوّت وتقسمت دولنا فتشرذمت وتعادت وتخبطت، واستثمر أعداؤها في التقسيم ووجدوه فرصة لافتراسها والقضاء عليها.
فهل سنستفيق من أوهامنا وناعور عجزنا الدوار في أجيالنا؟!!
إنها لعبة الوحدة التي نسفت الاتحاد والتعاون الأخوي العاصم من العدوان!!
إذا كان الزمان زمان غدرِ
فما ربحت شعوبٌ دون فكر
عقول في مواطنها تخابت
تهجّرها أساطينٌ بأمرِ
سُراة علائها عاشت بعيدا
تواعدها أضاليلٌ بسجر
واقرأ أيضا:
الضِباع!! / العجب وما وجب!!