السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف الحال؟ إن شاء الله على خير ما يرام.. نعود لنكمل حكايتنا.. هل تذكرون أين وصلنا؟ وصلنا إلى اللحظة التي سيشحذ فيها إبليس كل إمكانياته لتحقيق هدفه الذي سأل الله أن يمد في عمره إلى يوم القيامة فقط من أجل تحقيقه ألا وهو: إغواء آدم وذريته من بعده انتقاماً منه لأنه هو السبب في خروجه من رحمة ربه..
نكمل الحكاية:
بعد أن انتهى موقف ابليس وما فعله أسكن الله عز وجل آدم في الجنة ففرح كثيراً وأخذ يتجوّل في حدائقها يشرب من أنهارها ويأكل من ثمارها وحمد الله كثيرا على أن أسكنه في جنته وسمح له أن ينعم بقربه.. لكنه أحسّ بالوحدة.. فلم يكن له قرين وأليف من نفس جنسه يسكن إليه.. كل من حوله ملائكة ومخلوقات من مخلوقات الجنة:
حور وولدان.. لم يكن هناك بشر غيره..
ولكن الله الرحيم لم يتركه يعاني هذه الوحدة طويلاً، فبينما كان نائما، أخذ الله عز وجل ضلعاً من أضلاع قفصه الصدري، وخلق منه كائنا بشرياً آخر ليؤنسه في وحدته وليقوم معه بتحقيق الهدف الذي خلق الله تعالى آدم أصلاً من أجله، وهو خلافة الأرض فكانت حواء..
فتح آدم عينيه وإذا به يرى مخلوقا غريباً لم يكن موجوداً من قبل ولكنه غاية في الجمال واللطف فسأله: من أنت: قالت: أنا حوّاء
فسألها: ولماذا خُلقت فقالت: لأكون سكناً لك..
وهنا نادى الله عز وجل آدم فقال له "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ" (البقرة:35)،جاء التكليف الإلهي ما أسهله من تكليف شجرة واحدة فقط لا نأكل منها ويجوز أن نأكل من ملايين الأشجار الأخرى..!!
ولكن إبليس الملعون لآدم وحواء بالمرصاد.. فأخذ يمثّل عليهما دور الصديق الناصح وأخذ يتودد لهما ويتقرب إليهما بمعسول الكلام لينسي آدم موقفه منه حين رفض السجود له وحين توعّده وذريته بالإغواء وما زال بهما إلى أن اطمئنا له وعندها نفث سمّه فحرّضهما على الأكل من الشجرة التي منعهما مالك الجنة وخالقهما من الأكل منها, لم يجد هذا اللعين طريقة يقنعهما بها بالأكل من الشجرة إلا أن يفتري الأكاذيب فقال لهما:"فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى" (طه:120) وليزيد من ضغوطه لإقناعهما جعل نفسه كما لو كان يخبرهما سراً من أسرار الملك جلّ وعلا:"مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ " (الأعراف : 20)..
وما زال بهما إلى أن أقنعهما فعلا فأكلا من الشجرة.. هل نستطيع أن نقول إن ابليس أستاذ في فنون الحوار والإقناع؟ نعم, لكنه أستاذ في الشر لأنه لم يتورع عن استخدام أحط الأساليب من كذب وخداع واستغلال لطيبة قلوب الآخرين وقلّة خبرتهم فكان له ما أراد.. وما أكثر تلاميذ إبليس اليوم وفي كل مراحل البشرية من الذين يستحقون درجة الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف في الحوار والإقناع ولكن:المضلل..
ولكن لا عجب فمازالت أكاديمية إبليس الأب مفتوحة إلى اليوم وستبقى مفتوحة إلى أن تنتهي هذه الدنيا تخرّج الأكفاء والقديرين.. فهو قد طلب من الله أن يتركه حيا إلى يوم القيامة وها هو ذا يقوم بدوره على أكمل وجه ممكن...
ما إن أكلا من الشجرة حتى انتبها لأمرهما وفطنا إلى أنهما فعلا شيئا خطيرا جدا, فصحيا على أنهما عصيا أمر الله عز وجل.. وهنا عاتبهما الله عز وجل لأنهما لم يستطيعا الصمود في وجه تلاعب إبليس بهما, مع أن الامتحان الذي وضعهما الله فيه هو امتحان بسيط جدا وتمهيدي بهدف إعدادهما لمهمتهما في الأرض, وحتى يكونا على بينة من أمرهما، و"مفتحين تمام" وواعيين لأعدائهما, فقد اجرى الله تعالى هذا الاختبار لهما في الجنة, وعلى شيء بسيط جدا.. وهذا إعداد لهما لينزلا إلى الأرض ويقوما بمهتمهما خير قيام..
ولكنهما خُدعا وبسهولة، وهذا درس لم ينسياه طوال حياتهما، بل هو أول درس علّماه لأولادهما.. لم يكونا يريدان أن يقع أولادهما بنفس الفخ الذي وقعا فيه.. فكان من أولادهما من استمع لنصحهما.. ومنهم من تكبر عن التعلم والاستفادة من تجربتهما، فوقع في شرّ مما وقعا فيه.. ومن هنا بدآ في إعمار هذا الكوكب الأزرق.. إذا، آدم وحواء شريكين في خلافة الله تعالى في عمارة هذه الأرض وحكمها بما يرضي مالكها وخالقها الأصلي، جلّ وعلا..
ولكن.. ماذا لو تشاجرا؟ ماذا لو اختلفا؟ ماذا لو أراد كلّ منهما أن يقوم بنفس المهمة؟ كيف الحكم، وما العمل؟
هذا ما سنعرفه في المقال القادم إن شاء الله..
اقرأ أيضاً
الكلمة الافتتاحية / أصل حكايتنا نحن البشر / الصحة النفسية للطفل (1)