انتبه
" عيادات جديدة للعلاج والدعوة.... وأحيانا الفتوى
" حتى الطب النفسي أسلموه
" هل الوسواس من الشيطان... أم نابع من الإنسان؟!
" علاج الاكتئاب بنصائح تدعو إلي الرضا بالقدر!!
" هل يوجد طب نفسي إسلامي... وآخر بوذي.... وآخر مسيحي؟!!
تراهن الظاهرة الدينية المتشددة... في شكلها الجديد في تغيير حياة الأفراد العاديين، وبعد الفشل الذي منيت به التنظيمات العنيفة والإرهابية والمحظورة، مع المتغيرات العالمية في وسائل الاتصال بدأت هذه الظاهرة تتخذ منحني جديدا ومزيدا من التركيز علي الموضوعات الاجتماعية التي تهم حياة الناس، وتمكن دعاة الأسلمة من التسلل إليهم تحت غطاء ديني وتواري الخطاب السياسي... وظهر الخطاب الاجتماعي.
هكذا انطلق الدعاة الجدد يتنافسون في إلقاء الدروس في موضوعات اجتماعية تجتذب الشباب مثل "الحب في الإسلام" والخطوبة، والعلاقة بين الجنسين، والعلاقة مع الأهل، وهي موضوعات تنافس عليها "عمرو خالد" و"صفوت حجازي" و"خالد عبد الله" والكثيرات من الداعيات النساء ومع الوقت تطورت الظاهرة وظهر دعاة متخصصون في الاستشارات الاجتماعية الأسرية وهي مهنة معروفة ومنتشرة في المجتمع الأمريكي، وإن كان الذين يحترفونها في مصر يسبغون عليها ثوبا إسلاميا ويلعب هؤلاء دورا مهما في اجتذاب الآلاف من المراهقين الذين لا يجدون من يهتم بهم أو يخاطبهم.
وهكذا ظهر ما يسمي بعلم النفس الإسلامي وهو مفهوم يخلط بين دور الداعية والطبيب النفسي والاستشاري الاجتماعي والواعظ الأخلاقي، وهو مفهوم يتبناه مجموعة من الأطباء الذين ينتمون لجيل الثمانيات في الحركة المتأسلمة والهدف في النهاية يبقي هو اجتذاب المزيد من جمهور الشباب والمراهقين علي الأرضية الدينية المتطرفة من خلال الإجابة عن تساؤلاتهم الشخصية وتلبية حاجاتهم للإرشاد والتوجيه وهي الحاجة التي تتعاظم في ضوء حالة الموات التي تمر بها مؤسسات المجتمع المدني مثل الأحزاب والجهات الأهلية.
وقد ظهر هذا الاتجاه في عدة كتب منها كتاب الدكتور وائل أبو هندي عن "الوسواس القهري" خصص أحد فصوله عن الوسواس الديني القهري، وكتاب عن علاج الإدمان أيضا من منظور إسلامي وعبر مواقع الاستشارات والمشاكل النفسية علي شبكة الانترنت، ويخلط أطباء النفس من الإسلاميين بين ما توافق عليه علماء النفس حول خصوصية كل مجتمع واختلاف نوعية الأمراض من مجتمع لآخر وبين محاولة أسلمة الطب،
فالمجتمعات قد تتشابه في الظروف الاقتصادية والاجتماعية رغم"اختلاف الديانة" الهند ومصر مثلا " في حين أن هموم المسلم الذي يعيش في لندن تختلف عن هموم المسلم الذي يعيش في مدينة طنطا وهو خلط يقع فيه الإسلاميون الجدد الذين يخلطون بين طب ملائم للمجتمع المصري ولثقافته الإسلامية وبين طب ملائم للإسلاميين الجدد، حيث يلعب الطبيب دور الفقيه ويخلط بين دور الطبيب والمفتي ويمارس أحيانا سلطة التخويف علي المريض بدعوى أن ما يفعله حرام، من جهة أخري سنجد أن الأطباء من الإسلاميين الجدد يدعون أن ما يفعلونه لا يعارض العلم في حين أنهم يناصبون مدارس ومناهج كاملة في الطب النفسي العداء ولا أحد يعرف ماذا سيكون رد الطبيب من هذا النوع لو لجأ إليه مريض غير مسلم، وهل سيطلب منه إشهار إسلامه حتى يستطيع أن يعالجه الطب رسالة إنسانية تسمو علي الفوارق بين البشر، في حين أن البعض لا يريدها كذلك، وأغلب الظن أن طب النفس الإسلامي ليس سوي حلقة من حلقات أسلمة المجتمع بكل مجالات الحياة فيه لعض النظر عن مدي صحة ما يذهب إليه المتأسلمون من الناحية العلمية.
** موقع إسلام أون لاين الإسلامي كان أول من طرح هذه الفكرة من خلال صفحة مشاكل وحلول التي يرأسها دكتور أحمد عبد الله وهو خارج من عباءة جماعة الإخوان مع مزيد من التطور، وقد سألته عن مفهوم علم النفس الإسلامي وما إذا كان محاولة للاتجار بالدين أو تلفيق مفاهيم متعارضة مع بعضها، فمدارس علم النفس معروفة، فهناك مثلا مدرسة التحليل النفسي لفرويد، والمدرسة السلوكية لبافلوف في حين لم يعرف أن أحد الفقهاء كان طبيبا نفسيا، لكن أحمد عبد الله يقول أنه وزملاؤه يستخدمون كل الأدوات العلمية المطروحة فهو يمكن أن يستخدم منهج الاقتراب التحليلي "فرويد" أو الاقتراب السلوكي "يونج" ولكنه يري أن منهج الاقتراب المعرفي هو أقرب الطرق لأسلمة علم النفس والاجتماع وهو يعرف منهجه هذا بأنه يعني رد المشكلة إلي أصولها ووضعها في سياقها الاجتماعي والثقافي، وهو ما يساعد علي تفسير المشكلة!
النفسيون الإسلاميون أسسوا موقعا ليعبر عن أفكارهم علي شبكة الانترنت وهو يحمل اسم "مجانين دوت كوم"ومؤسسه د/ وائل أبو هندي أستاذ مساعد بكلية طب الزقازيق وقد سألته حول ما إذا كان المفهوم الذي يتبناه محاولة لركوب موجة التدين وجذب المزيد من الجماهير وهو يري أن تاريخ علم النفس كله ينطلق من غيبيات حيث أن علم النفس ليس سوي محاولة لفهم السلوك الإنساني بناء علي افتراض غيبي، حيث ينطلق كل عالم نفسي من نظرية معينة يحاول أن يفسر بها السلوك الإنساني، وإذا جئنا للمدرسة التحليلية التي كانت أساس علم النفس، فسنجد أن كل العلماء النفسيين انقلبوا علي فرويد... وهكذا فإذا كانت نظريات علم النفس تنطلق من الغيب فما المانع من أن ننطلق نحن من الغيب الخاص بنا والغيب هنا هو ما أخبرتنا به السماء.
" ولكنها مسألة مضحكة أن يكون هناك علم نفس إسلامي وأخر مسيحي وآخر بوذي؟..
- علم النفس له أصول إسلامية لدي ابن سينا وابن القيم الجوزيه... والإمام أبو حامد الغزالي تكلم عن نوبة اكتئاب مر بها هو شخصيا.
" وما الفرق بين علم النفس الإسلامي وعلم النفس المادي؟
- علم النفس المادي مثلا لا يعترف بالشيطان ودوره مع الإنسان... أنا مثلا أري أن هناك شيطانا... وبدلا من أقول للمريض ينبغي أن تقاوم نزعاتك... أقول له يجب أن تتوقف عن هذا لأنه حرام، وبشكل عام فإن أكثر المدارس النفسية تطرفا،تقول أن علي الطبيب أن يحترم ثقافة المريض وصحيح أن الإسلام ليس به نظرية لعلم النفس، ولكن به قواعد عامة.
فأنا مثلا أطبق القاعدة التي تقول أن الإسلام يغلب مصلحة الجماعة علي مصلحة الفرض وللعلم فإن كثير من المرضي هناك يشتكون من أن الأطباء النفسيين لديهم علمانيون، وكلما ذكر المريض مشكلة لها علاقة بالدين يقول له الطبيب هذا كلام غير علمي في حين أننا نتبع منهجا مختلفا، فالمريض المتدين نستخدم معه المنهج الديني.
"وماذا لو كان المريض غير متدين؟
- أعالجه بشكل عادي، ولكن الدين له أحكام قاطعة، وهذا يختلف مع دور الطبيب، هناك من هو مريض بالسرقة مثلا.. أو من يتورط في علاقة غير شرعية كنتيجة لمرض...
هل تتعامل معه كمذنب؟
- أحكام الدين ليست جامدة والفقهاء الآن يسألوننا قبل أن يصدروا الفتوى... هل هنا مريض أم لا وإذا كان هذا مرضا، فليس علي المريض حرج."
هذه بالنسبة للفقيه أما بالنسبة للطبيب الإسلامي فهو يتعامل علي أساس أن هذا السلوك غلطة من المريض... لا يمكن أن أقول للمريض أن ما ارتكبته غير حرام... أقول له ما فعلته حرام، ولكن أنت تستطيع مقاومته وبالطبع هناك اختلافات
ففي الغرب مثلا أخرج علماء النفس المثلية الجنسية من دائرة المرض... واعتبروها اختيارا.. نحن نعتبرها مرضا وهم فعلوا هذا حتى يتخلصوا من تكلفة علاج المثليين علي نفقة التأمين الصحي، نفس الأمر بالنسبة للعلاقات المحرمة أو زنا المحارم، المريض يأتي وهو يشعر بالذنب وأنا أعالجه وأستند إلي أحكام الشرع أيضا.
وحول أبواب الاستشارات الاجتماعية والنفسية وما إذا كانت وسيلة لاجتذاب المراهقين علي أرضية دينية يقول د.وائل أبو هندي... سبب الإقبال الكبير هو أن الناس محتاجون لمن يرشدهم.. ولا يوجد باب مفتوح أمامه.. والأجيال الجديدة ليس لديها تجربة للتعامل مع المشكلات النفسية والاجتماعية وظهور الانترنت أزال حاجز الحرج وفتح بابا كبيرا للبوح وحل المشاكل ولا شك أن للظاهرة علاقة بالمد الديني الموجود حاليا، وخاصة أن علم النفس كان متهما بأنه علم غربي وليس له علاقة بالإسلام.
ويضيف: في الماضي كان الناس يلجأون للمشايخ من أجل حل مشاكلهم النفسية.. والآن ظهر الطبيب النفسي ولكن في رداء إسلامي.
**الموقع الذي يروج لطب النفس الإسلامي علي شبكة الانترنت يضم مقالات حول الطب النفسي والدين ويؤكد أن الاثنين ليس بعيدين عن بعضهما والغريب أن البعض أرسل أسئلة حول ما إذا كان استخدام الأدوية للأمراض النفسية حلالا أم حراما والبعض تحدث عن أن الغرب كان يحتقر المرضي النفسيين ويحرقهم باعتبار أن الأرواح الشريرة تلبستهم في حين أن المجتمعات الإسلامية تعتبر المريض النفسي رجلا مبروكا من الأطباء النفسيين الذين يتبنون هذا المفهوم أبضا د/ عمر أبو خليل .
وهو طبيب سكندري، وهو يعرف الطب النفسي الإسلامي بأنه نوع من الطب يناسب عاداتنا وظروفنا وتقاليدنا وبيتنا، وهو يري أن هذا ليس بدعة فالهنود مثلا لديهم طب نفسي خاص بهم، والصينيون كذلك، وهو يري أن الطب النفسي متعلق بتكوين النفس البشرية، وهذه بدورها تتأثر بالثقافة العامة والدينية للإنسان...
وعلي سبيل المثال لو نظرنا لمرض "الضلالات" هي عبارة عن اعتقاد خاطئ يسيطر علي عقل المريض .. فسنجد أن الضلالة الدينية تختلف من مريض لمريض، فالمريض المسلم يعتقد أنه رسول الله.. في حين أن المريض المسيحي يعتقد أنه المسيح.. وفي نفس الوقت سنجد أن مريض المدينة المصاب بالبارانويا يعتقد أن الأقمار الصناعية تراقبه، وأن هناك كمبيوتر عملاقا يسيطر علي عقله... في حين أن مريض القرية يعتقد أن الجن والعفاريت هي التي تسيطر عليه، وأنا أقصد أن الأمراض النفسية يكون لها علاقة دائما بثقافة الفرد والمجتمع، ومن ثم فإن العلاج لابد أن يكون نابعا من الثقافة نفسها، وعلي سبيل المثال فإن أحد أشكال العلاج الغربي للتوتر في العلاقة الجنسية هو إجراء تدريبات في حضور اختصاصي... ولو طرحت هذا علي زوج من الريف المصري، فهو سيعتبرها إهانة؛
وعلي سبيل المثال فهم في الغرب يسمون الشذوذ مثلية جنسية، ولا يعتبرونه مرضا ونحن نعتبره مرضا وهم كانوا يعتبرونه كذلك منذ عشر سنوات مضت ثم رفعوه من قوائم المرض، وهذا مرفوض علي مستوي ثقافتنا، نحن نعتبره نوعا من المشاكل النفسية، والطب الغربي مثلا يعتمد علي التقليل من قلق المريض ويدربه علي أن يقبل نفسه كما هو، في حين أننا نزيد من قلقه ونساعده علي التوقف ونؤكد له أن هذا حرام.
" وهل فرويد حلال أم حرام؟
- المسألة لا تقاس هكذا.. والمدرسة التي أسسها فرويد تعرضت لانتقادات كثيرة جدا جدا وهو له احترامه كرائد تاريخي لكنني أختلف معه، ولا آخذ سوي ما يتمشى معي... والرسول صلي الله عليه وسلم يقول(الحكمة ضالة المؤمن آني وجدها) وفي عملي كطبيب مسلم استخدم المدارس التحليلية والسلوكية والمعرفية في بعض الأحيان كالما هذا ليس ضد مصلحة المريض، وليس ضد عقيدتي وبشكل عام فنحن نحاول أن نتجنب الأدوية بقدر الإمكان ونعلي من شأن النفس البشرية.
" ما هي ملامح هذا الطب النفسي الإسلامي إذا كانت موجودة؟
- نحن نلجأ لمفاهيم عادية مثل مفاهيم الإيمان بالله والرضا بقضائه في حالات الاكتئاب وفي المشاكل السلوكية التي يريد فيها المريض أن يتخلص من سلوك ما نركز علي فكرة الخوف من الله واتقاء غضبه.. وهذه نقطة مهمة فقد يأتي مريض ويقول أنه يريد العلاج خوفا علي وضعه الاجتماعي.. وهذا نتائج علاجه تكون أقل من الذي يأتي خوفا من الله عز وجل، كما أننا نستخدم الدين في مسائل مثل إيضاح علاقة الحزن والخوف بالله وكيف أن المؤمن معرض للمرض، وعناك أيضا الوسواس القهري الديني الذي يسيطر علي المرضي، والذي يستدعي معرفة من المريض بالأمور الدينية، ونحن نعتبر أن أول من عالج الوسواس الديني القهري هم الفقهاء المسلمون.
" ما المقصود بالوسواس القهري الديني؟
- الشك في وجود الله.... والشك في صحة الصلاة .. وأشياء أخري وهنا ك كتاب الفقيه د:/ محمد شريف سالم به فصل كامل عن الوسواس الديني القهري وكيفية علاجه ومسألة الوسواس القهري الديني هذه أكثر ما يميز الطب النفسي الإسلامي.
تتحدثون بشكل علمي كامل.. وضرورة مراعاة ثقافة المجتمع اتجاه عالمي.. وهو ما يشي بأنكم تطرحون مسألة الطب الإسلامي لمجرد التميز أو جذب الجمهور.
في الحقيقة لا توجد اختلافات إلا في مسألة الوسواس القهري الديني، وكذلك في مسألة الشذوذ الجنسي، وكذلك هناك كتابات عن علاج الإدمان من وجهة نظر إسلامية.. ويضيف د / عمر أنه لا يعتقد أن الطب النفسي الإسلامي الذي يروج له وزملاؤه يعد حالة من التعصب أو امتداد لحالة الأسلمة التي شملت كل المجالات.
وهو يعتقد أن التقسيمة العالمية للأمراض النفسية تثبت أن هناك فوارق بين المجتمعات... وهناك مثلا أمراض نفسية خاصة بالهند وكلامه قد يكون صحيحا.. ولكن في هذه الحالة، ستكون هناك أمراض خاصة بمصر أو أكثر انتشارا بمصر.. وليس أكثر انتشارا بين المسلمين لأن هؤلاء موجودون في كل مكان من أمريكا ومن روسيا للصين.. والظروف تختلف في كل مجتمع.
ويعترف د/ عمر أبو خليل بأن المواقع النفسية للشباب تخلط بين العلم والدين والخبرة السياسية وهو ساهم في تأسيس صفحة الشكاوى في موقع إسلام أون لاين، ويضيف أن موقع الشكاوى والاستشارات هو أحد أهم عوامل الجذب للشباب، وهو أحد أدوات ما يسميه الجيل الثاني من الإسلاميين في التواصل مع المجتمع بوسائل أخري يعتبرها أكثر انفتاحا من تلك التي كان يستخدمها التقليديون من الإسلاميين.
لكن الأطباء من ذوي الانتماء الإسلامي يخلطون بين الطب والدين.. وهي مسألة غير علمية.. لكن الدكتور عمرو خليل لا يري الأمر هكذا وهو يري أن الناس عندما يطمئنون للمرجعية الدينية لمن يرد علي الشكاوى يمنحونه المزيد من الثقة.
د/ أحمد عبد الله من جهته يعتبر أن منهج الاقتراب المعرفي هذا هو رد المشكلة إلي أصولها وجذورها ويضرب مثلا بفتاة سعودية عمرها 29 عاما أرسلت بالصفحة تقول أنها معجبة بداعية تليفزيوني وسيم الشكل وأنها تحس بعواطف تجاهه وتريد الزواج منه ويقينه أن زميله الذي رد علي الفتاة قال أن الفتاة مصابة بهوس الشهرة في حين أنه عندما رد علي الفتاة قال أن ما تشهر به هو نتيجة لانغلاق مجتمعها، وأن رغبتها في الزواج جعلت عواطفها تتجه تجاه الداعية.. وأنها طبيعية من الناحية النفسية.
ولا يعتبر دكتور أحمد أنه يخلط بين دور الطبيب والداعية ولكن بعض الأشخاص يرسلون له شكاوى عن ممارسات لهم يعتقدون أنها محرمة شرعا في حين أنها ليست كذلك.
*د/أحمد شوقي العقباوي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر يعترض علي تصنيف الطب النفسي الإسلامي أو الطب النفسي "الديني" عموما ويري أنه لا يوجد تعريف واحد أو جامد لماهية النفس البشرية، وكل التعريفات للنفس البشرية هي مجرد اجتهادات من واضعيها وليس هناك ما يؤكد صحة أحد الافتراضات بنسبة مائة في المائة، ولكن المشكلة في محاولة فهم النفس وفقا لمفهوم ديني هي أن هذا التعريف يكتسب صفة الثبات لأنه صادر عن منطلق إلهي، وهو ما يكسب هذا التعريف صفة الحقيقة المطلقة، في حين أن حقائق العلم قابلة للتغيير من جيل إلي جيل.
والعلم في أساسه هو مجموعة افتراضات لفهم الحياة قابلة للتغيير إذا ظهرت حقائق أخري، أما الفكر الديني فهو ثابت فيضيف د/ العقباوي أن هذا الفهم الديني للأمور يفترض أن القاعدة الأساسية هي الحلال والحرام وليس الصواب والخطأ، وهذا يتعارض مع الرؤية الإنسانية للطب.
لأن أرقي تعريف للصحة النفسي هو تحقيق الإنسان للذات ونجاحه في إخراجها للواقع، ولكن من المنطلق الديني المسألة مختلفة، وعلي سبيل المثال في مرض الوسواس القهري فإن الفهم الديني للطب النفسي يقول إن الشيطان هو الذي يوسوس للإنسان، في حين أن تعريف العلم للوسواس هو أنه أفكار ودوافع تلح علي الإنسان، وهو مدرك لعدم منطقيتها ويحاربها، لكنه يفشل في التحكم فيها، وهذه كما نري مسألة ليست لها أي علاقة بالإيمان أو بعدم الإيمان؛
ولكن عندما يقول الطبيب الذي يعالج وفقا للمنهج الديني للمريض أن الوسواس من الشيطان وأنه يجب أن يقاومه فإنه يجعله يشعر بالذنب ويزيد حالته سوءا، ومن هنا يأتي التناقض بين العلم الإنساني وبين النظرية الدينية، فالعلم متغير والدين بطبيعته ثابت، ولكن الجميع الآن يحاول وصف كل شيء بأنه إسلامي، من الطب للاقتصاد ومن التجارة إلي علم النفس.
تحقيق وائل لطفي
المصدر :روزاليوسف العدد 3972 السبت 24/7/2004 صفحة 44-46
*ويتقدم موقع مجانين بالشكر الجزيل لمجلة روزاليوسف العريقة، خاصة بعد نشرها لرد الدكتور وائل أبو هندي، في عددها الموجود حاليا بالأسواق 3974 والصادر السبت 7/8/2004 صفحة 74-75.
ويتبع : ................ ردا على روزاليوسف : النبي عربي يا دوك