كنت في صحبة ثرية تطبخ أفكارا دسمة، وبعد غذاء العقل لابد من سعي!!
أعجب لمن يحرمون أنفسهم من "المشي"... السير في الأرض، في الوطن، في وسط الناس ببطء تشاهدهم وهم يتحركون ويتكلمون ويتشاجرون، تفهم كيف يتواصلون أو يتابعون، كيف يغضبون، وبما يشعرون !!!
شحنات تصلك مباشرة حيت تسير بينهم: الحزن المكتوم، والأمل الذي يحاول أن يفلفص، أن ينعتق من ألف قيد وقيد.
محاولات التوفيق والتلفيق واللعب على أكثر من حبل، استقبال المفاجآت اليومية الواردة من الحكومة، أو الواردة من البشر أو القدر !!
والتكيف والتواؤم، ومراوغة الضغوط والإحباطات للحصول على لحظة حب وتحقق!!
السير لا ينفع إلا مع النظر:
"قل سيروا في الأرض فانظروا" أو "ثم انظروا والنظر يحتاج إلى سير، وإلى تأمل، وإلى تعلم واجتهاد.
ومحاولة إنجاز كل شيء -في نفس الوقت– ربما تصل إلى لا شيء !!!
وللسرعة مزايا وعيوب، وللبطء كذلك، والجمع بينهما صعب، ولكنه ليس مستحيلا، إنه الحكمة بحيث يكون كل شيء مليح في مكانه.
قبل العيد مشيت ذهابا إلى هيئة الكتاب لأشتري رواية لم أجدها، ولكنني اشتريت أشياءً وكتبا أخرى مهمة، وقابلت ذلك الصديق العجيب، وحكايته لا تنتهي، وقلت في نفسي ها هو العام يبدأ !!
ثم كنت في قلب المهندسين قبيل مغرب يوم وقفة عرفات، أو ربما قبلها بيوم، لا بل قبلها بأيام، كنت متعبا أبحث عن مواصلة، لم تقف أية سيارة أجرة، الشوارع مزدحمة، ومقصدي مزعج لعربات الأجرة، ومواصلات الناس مقدسة، سرت جيئة وذهابا ثم أخيرا انحشرت في سيارة ميكروباص، أومأت فتاة مراهقة لسيدة عجوز أن تنضم إليها وأختها لتفسح مكانا لي، ربما احترمت المشيب الذي يتسارع في شعري، أو احترمت البدلة التي كنت أرتديها – على غير عادتي - آه ..إذن كان يوم الخميس قبل الماضي حين ارتديتها للتصوير في قناة الجزيرة.
وتحركت المرأة العجوز فجلست مكانها لأشعر بدفء عجيب يسري في أوصالي.
شعرت بأنني أتغطى بهمِّ، بالناس، وأنني أعشق صحبتهم الدافئة، ومسالكهم الراقية حين تترك لنفسها العنان بعيدا عن سنابك الطحن اليومي للأخلاق والقيم، والنفوس والمشاعر. كم تعلمت من السير، ومن الناس .
**اقرأ أيضا:
على باب الله ---------- كيف نقرأ ؟!/ على باب الله: في بيتنا هيفا !!!!!!!