غابت الشمس عن الأفاق، وبدأ الليل ينسج خيوط ظلمته بأحكام، وخيم الصمت على تلك البقعة من المدينة التي لم يعد يتذكر أحد أصحابها ولم يقطع سكون الليل سوى صوت بكاء أيقظ صاحب المكان، فنهض ليرى سر الأنين، فوجد شاب في ريعان الشباب جالس علي الأرض يبكي، فتقدم إليه وسأله: ما بك إلي هنا في هذه الساعة؟ ولما تبكي؟
فلم يعيره اهتمام وحاول أن يجفف دمعه ولكن بلا جدوى، فجلس العجوز إلي جواره وأسند ظهره إلي الشاهد وبدا علية الهدوء، فسأله: أتزور أحد هنا؟؟
فرفع الشاب عيناه لأول مرة لينظر إلي محدثة، فراه عجوزاً كسا الشيب رأسه وأطلق لحيته بيضاء، حفر الزمن تجاعيد وجه كشاهد على ما كان، دولما طال الصمت بينهما، قال العجوز: أكان عزيز عليك لهذه الدرجة؟؟
فأجابه الشاب: نعم أعز ما عندي
فسأله العجوز: من هو؟؟
فأجابه متحسراً: أنا
آه فهمت.
فأحتد الشاب عليه: لا لم تفهم شيء، فأيامكم كانت أسهل من أيامنا.
فضحك العجوز بشدة حتى كاد الشاب ينفجر صارخاً في العجوز لولا أن تداركه العجوز قائلاً:
لا تؤاخذني فلقد غلبني الضحك، فلا يفتأ جيل أن يقول هذا عن من سبقه حتى إني أظن أن الزمن الوحيد الذي لم يقل فيه الناس هذا هو زمن آدم علية السلام، ابني لم يكن هناك زمن أفضل من غيرة، فلكل زمن همومه، ولكل زمن رجاله.
فأستسلم الشاب وأفضى بما في نفسه قائلا: تعلمت غير إني جاهل وعملت غير إني عاطل، ولم أجد المعلم يوماً، فلم أجد الطريق.
فنظر إلي عين العجوز وستكمل ساخراً:أريت إني لا أملك شيء؟؟!!!!
حقاً أنت لا تملك شيء، أذا فلن تخسر شيء فجرب كل شيء تراه صواب ولا تنتظر شيء فلن يأتي شيء إليك وحده، واستعن بالماضي فإن الماضي يفيد، ودع القبور لأهلها فأنت رجل الزمان.
فأسرع الشاب بسؤاله: ألن تقل لي من أنت؟
فرد العجوز دون أن يلتفت إليه: أنا أنت عندما تسكن التراب.
اقرأ أيضا:
رفات حب/ ما هو المستحيل في الحب المستحيل/ الحب المستحيل، والفقه../ على باب الله: لندن دفء الحب/ الحب..ومنهجية الجنون !/ اعترافاتي: جراح الحب لا يمكن تجنبها