حكاوي القهاوي (38)
(174)
(174)
النوايا الطيبة لا تكفي
رغم تأكيد المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الإيمان بثورة 25 يناير؛ بل والإعلان الكامل لدعمها، إلاّ أن المرء يشعر أحياناً عند تقييم أداء هذا المجلس أنه يعاني من سمة غالبة ألا وهي التأخر في اتخاذ القرار إلى الدرجة التي قد تفقد القرار عند اتخاذه الكثير من فاعليته. فعلى سبيل المثال تأخر المجلس في إقالة شفيق وتعيين حكومة تتماشى مع روح الثورة، كما تأخر في عدم السيطرة الفورية عقب الثورة على جهاز أمن الدولة لمنع إتلاف ما لديهم من وثائق ومستندات تظهر كثير من الحقائق المتعلقة بالنظام السابق. ولم يتخذ المجلس أية خطوة قانونية عملية في سبيل استرجاع أموال الفاسدين بما فيهم مبارك وعائلته من بنوك أوروبا، كما يتباطأ المجلس في حل أزمة الفراغ الأمني على الرغم من وجود الكثير من الحلول الفعالة التي يمكن القضاء بها على هذه المشكلة،
وأيضاً لم يضع المجلس نظاماً للتعامل مع المطالب الفئوية ليحد من هذا الانفلات الأمني، كما يصر المجلس على عدم الاعتقال أو فرض الإقامة الجبرية على رموز النظام القديم وبلطجيتهم وذلك لحماية الثورة من نشر الفتن ومن الثورة المضادة. هذا التأخر في اتخاذ الكثير من القرارات الضرورية واللازمة قد يعطي الانطباع بأنه هكذا نحن دائماً نتحرك في اللحظة الأخيرة أو ما بعدها؛ فهذه كانت إحدى سمات الشخصية المصرية التي تؤدي إلى افتقارنا للقدرة على القراءة الجيدة للواقع والتحرك الصحيح في الوقت الصحيح نحو المستقبل.
إلاّ أن هذا الأداء للمجلس الأعلى قد اختلف كثيراُ بعد تولي د عصام شرف لرئاسة مجلس الوزراء، مما يشير لحد كبير إلى أن المشكلة ليست في المجلس بقدر ما هي أيضاً في شفيق الذي يبدو أنه كان السبب في هذا التباطؤ في اتخاذ القرارات. وقد يبلغ سوء الظن منتهاه إلى أن التأخر في اتخاذ بعض القرارات إنما هو متعمد بما يعكس عدم إيمان شفيق بثورة 25 يناير، أو قد يعكس ما هو أسوء من ذلك وهو أن هناك اتفاق ضمني بينه وبين النظام السابق مفاده أنه رجل النظام الذي لن يتحرك إلا إذا كان مضطراً. بمعنى أن شفيق يعمل على غض الطرف عن تحركات النظام السابق وأزلامه طالما أنه لم ينتبه أحد. فإذا مرت الأمور بسلام فأهلاً وسهلاً ولكن في حال انتباه الثوار وقيامهم بالضغط لتنفيذ قرار معين؛ فهنا سيكون الرجل مضطراً لعدم التدخل ليتخذ المجلس الأعلى الإجراء اللازم. وأظن أن هذا الشعور كان واضحاً لدى كثير من المواطنين مما خلق أزمة ثقة وساعد في عدم التفكير في ترك ميدان التحرير بل وإلى الضغط المستمر على المجلس لأتفه الأسباب.
لقد تبدل الأمر مائة وثمانون درجة بعد تولي عصام شرف لرئاسة مجلس الوزراء فهو رجل يستمع جيداً للثوار، ويجيد قراءة الواقع، كما أنه وجد بسهولة وكفاءة عالية صيغة للتفاهم مع المجلس العسكري مما سهل سرعة اتخاذ القرارات اللازمة وتنفيذها في التوقيت الصحيح. إن وضعنا في مصر الآن أشبه بالصياد الذي يوجه بندقيته لاصطياد هدف متحرك، فإذا فقد هذا الصياد أي من الدقة على تحديد الهدف، أو الدقة في التصويب؛ أو التأخر أو الاستعجال في إطلاق رصاصته؛ فإن النتيجة حتما ستكون الفشل ولا محالة. لهذا لابد في تصوري أن يتحمل عصام شرف مسئولياته ليكون هو الآن قائد الثورة؛ وبالرجوع دائماً للمشاركة مع الثوار الذين أعطوه الشرعية، وإلا فإن الثورة ستخسر كل شيء، وأعتقد أن الرجل قادر على هذا وبجدارة.
(175)
سيناريو
يوجد على حد علمي بجميع أجهزة الدولة الحساسة كالجيش والشرطة خطط لكل موقف من المواقف الطارئة؛ فيتم تنفيذ الخطة حال وقوع الموقف الطارئ. فتجد مثلاً مظروف مكتوب عليه لا يفتح إلا عند سماع كلمة السر "..."، وعند سماع القيادة لهذه الكلمة يفتح المسئول المظروف ليجد التعليمات الواجب تنفيذها. يبدو لي أن هذا ما حدث من قيادات أمن الدولة عقب إلقاء القبض على حبيب العادلي؛ بتنفيذ الخطة "...". والتي كانت تقضي بتطهير الأفرع من كل ما فيها، فتم نقل أجهزة التعذيب وكذلك تم فرم جميع المستندات الموجودة في أفرع أمن الدولة. ولكن وكما أتصور أن قيادات جهاز أمن الدولة في الأفرع كانوا مطمئنين إلى بقاء رئيس الوزراء احمد شفيق ووزير الداخلية محمود وجدي في منصبهما.
إذا كان هناك بالفعل اطمئنان لدى قيادات أمن الدولة لوجود رئيس الوزراء ووزير الداخلية، فقد يشير ذلك إلى أنهما كانا عالمين بما يجري من عملية إخفاء للمعلومات بأمن الدولة. أو أن كلاهما مجرد ديكور ولا يمكن القلق منهما؛ وقد انقلب الحال بتولي عصام شرف ومنصور العيسوي فكان عليهم الإسراع في إخفاء جرائمهم. أعتقد أنه يجب مُساءلة شفيق رئيس الوزراء ومحمود وجدي وزير الداخلية للوصول إلى حقيقة من فيهم المتآمر ومن الطرطور.
عندما شعر رجال أمن الدولة بالخطر عند إقالتهما بدأوا في الحرق لإنهاء ما كان يجب عليهم إنهاؤه منذ أيام على الأقل؛ فراحوا يتخبطون بنقل الأوراق المفرومة في غير الأوقات المناسبة، وكذلك حرق ما لم يتم حرقة بعد؛ فانفضح أمرهم وبدأ الشباب في التحرك لاقتحام المقار فكان ما كان. أعتقد أنهم بدأوا عملهم بالقضاء على ما هو "سري للغاية" ولينتهوا بالتقارير قليلة الأهمية وغير الموثوق فيها والتي تحتاج إلى تأكيد صحتها من مصادر للمعلومات، أو تلك التقارير المفبركة والتي قد يصل الحد في فبركتها لتشويه السمعة أو ليظهر من فبركها من نفسه بأنه الرجل الذي يقوم بعمله على أكمل وجه؛ أو أنه نجح في تجنيد من يريد. هذه التقارير الأخيرة قليلة الأهمية أو المفبركة هي ما وقعت في أيد الناس. عموماً وكما وهب الله رئيس مصر المحروسة غباءً أدى إلى عدم اتخاذه القرارات التي في مصلحته في الوقت المناسب؛ فكان له ما كان لينجي مصر وأهلها من شروره هو وعائلته، فقد وهب الله بالمثل أمن الدولة نفس درجة الذكاء فكان لهم ما كان، ورب ضارة نافعة حتى نصمم على ضرورة إلغاء هذا الجهاز الفاشل وليس إعادة هيكلته كما يرى البعض.
(176)
حتى لا ننسى
يبدو أن الجماهير في دمنهور لديها من الحس الثوري والإبداعي ما يستوجب علينا أن نحتذي حذوها. فقد جعلوا من مقر أمن الدولة متحفاً أسموه متحف الظالمين. وجعلوا منه مزاراً ليرى الناس كيف كان هؤلاء وما كانوا يفعلوه من جرائم في حق الشعب؛ وكيف كانت الزنازين؛ وكيف كانت أدوات التعذيب وأساليبه؛ بل ووضعوا مرشداً يشرح للزوار كل التفاصيل. يجب علينا عمل هذا المتحف وبهذا المسمى؛ ويكون فيه المرشدين للزوار من ضحايا التعذيب على أيدي الجهاز، ونجعل من المتحف بانوراما لتُعرض فيه أفلام تسجيلية بأبطالها الحقيقيين لما كان يجري من أساليب التعذيب ليحكوا للشعب ما الذي تعرضوا له على أيدي هؤلاء. إذا فعلنا ذلك فسنسعى جاهدين بكل السبل للحفاظ على الثورة التي ردت لنا كرامتنا في 25 يناير، وعدم تكرار مأساة أمن الدولة بأي حال من الأحوال.
(177)
أمن الدولة والسلفيون
كشفت الحقائق ووثائق جهاز أمن الدولة أن الجهاز هو من كان وراء تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية لإشعال الفتنة الطائفية، وأيضاً كان وراء تفجيرات شرم الشيخ انتقاماً وتأديباً لحسين سالم لتخفيضه عمولة جمال مبارك من توريد الغاز لإسرائيل. وقد استخدم النظام الجماعات السلفية لتنفيذ هذه التفجيرات، فأمدهم بالمتفجرات ورسم لهم خطة التنفيذ والتوقيت. فهل هذا يعني أن النظام قد اخترق هذه الجماعات السلفية وقام بتوجيهها لمصلحته الخاصة؟ بمعنى أن قيادات هذه الجماعات ينتمون لجهاز أمن الدولة. أم أن النظام هو الذي أنشأ هذه الجماعات لتحقيق أهدافه الخاصة؟ هل يعني هذا أيضاً أن جهاز أمن الدولة لم يستطع اختراق جماعة الأخوان المسلمين؟ أم أن جماعة الأخوان ليس لديها جناح عسكري يمكن استخدامه من جانب أمن الدولة؟
(178)
طرائف وعجائب
من أطرف الطرائف وأعجب العجائب ما سمعناه عن حضور مندوب أمن الدولة في اجتماعات أحزاب المعارضة لتسجيل ما يحدث فيها، منتهى القهر من أمن الدولة لأن ترسل مندوبها ليحضر اجتماعات الأحزاب للتأكد أن الحزب لم يخرج عن الخط المرسوم له. ومنتهى الخنوع والخضوع والركوع والانبطاح لأحزاب المعارضة أن توافق على ذلك. أليس هؤلاء بحق كانوا مجرد أكشاك للمعارضة
ويتبع >>>>>>>>: حكاوي القهاوي (40)واقرأ أيضاً:
ثورة 25 يناير ومكامن الخطر/ الاستراتيجيات العشرة لخداع الجماهير/ إطلالة نفسية على الثورة المصرية/ هل ألقى عمر سليمان خطابه تحت تهديد السلاح؟/ حكاوي القهاوي