سبق أن ناقشت في مقال بعنوان "أنواع العقول والديمقراطية المضروبة"! نشرت في الوفد بتاريخ 1-6-2011 قلت فيه بعد أن قدمت لكتاب أنواع العقول لدانيال دنيث، العقول بمعنى مستويات برامج الوعي عند الحيوانات، قلت أن الأحياء التي استطاعت أن تبقى حتى الآن وتقاوم قوى الانقراض فعلت ذلك لأنها استطاعت أن توظف برامج الوعي الجمعي لحفظ نوعها، بمشاركة كل أفرادها معا للحفاظ على الحياة وسط عدد هائل من الأحياء المتنافسة الأخرى.
بصراحة نحن نفتقر حاليا إلى هذا الوعي الجماعي عند الإنسان عبر العالم، حتى ذهب بعض الباحثين إلى وضع فرض يقول: إن الجنس البشري أصبح يمثل عدة أنواع من الأحياء لا تربطها برامج بقاء مشتركة، فلم يعد البشر نوعا واحدا، ومِن ثمَّ راح هذا الفرض يفسر حروب الإبادة، والتجويع، والاستغلال. حتى أوصلنا إلى وضع أدنى من الحيوانات، وأنا أقر هذا الفرض بحذر شديد، لأن معناه أن الحيوانات أصبحت أكثر دراية بتسيير برامج بقائها الحيوية من الجنس البشري، لكن يظل هذا الفرض ينبهنا إلى ضرورة إعادة النظر في معظم الأساليب التي نتعامل بها مع بعضنا البعض شعوبا وطبقات، مهما بدت مقدسة أو ناجحة ومدعومة إعلاميا لحاجة في نفس المعولمين.
اعترفت مكررا أنني رضخت للديمقراطية كمرحلة، لكن ما لم تساعد التكنولوجيا الأحدث والإبداع البشري في تطوير هذه الديمقراطية لتسهم في أن يعود البشر نوعا واحدا يتكاتف ضد القوى المهددة بانقراض الجنس البشري، طمعا وكفرا، فلا بد من إعلان الإنذار للعالم أجمع: يا أيها الناس، الخطر الخطر!!!، معا، أو الطوفان.
نعم، هناك طرق أخرى حاليا لقياس الوعي بسرعة وتلقائية، تجعل من كل فرد حكما سريعا على تصرفاته أولا بأول، طرق أعمق من الضمير، وأجهز من الردع الخارجي، (بل الإنسان على نفسه بصيرة) وهي طرق لا أستطيع أن أدعي أنها بديلة أو جماعية، لكنها أكثر مصداقية وأنفع بالنسبة لبعض الأفراد وللمجموعات الصغيرة جدا، وقد تأكدت من خلال العلاج الجمعي كمثال.
الخلاصة: ما دام الإنسان قد ورط نفسه بالوعي ومبادرة امتلاكه درجة من الإرادة تسمح له بالإسهام في إدارة تخطيط برامج بقائه بما في ذلك احتمال مسئوليته عن مضاعفات الانقراض المحتمل، فعليه أن يحسن حمل الأمانة لعل الله سبحانه ينقذه من جهله وظلمه لنفسه.
افتراضات أساسية
خطرت لي عدة افتراضات نابعة مما سبق بمناسبة نتائج هذه الانتخابات الواقعية الرائعة
أولا: إن ما تمر به مصر ليس إلا جزءا من مشكلة من حولها من جيران وشركاء، بل وفرقاء
ثانيا: إن ما تمر به مصر ومن حولها (الربيع/الشتاء/ الخريف العربي...) ليس إلا جزءا من مشكلة العالم (بدءا باللعب في الاقتصاد حتى التنكر للإيمان)، من أول أمريكا حتى أستراليا مرورا ببنجالاديش محاذاة للصين اختراقا لروسيا وأوربا.....إلخ
ثالثا: إن مشكلة العالم ليست إلا جزءا من مشكلة الجنس البشري وتعرضه للانقراض إلخ..... إلخ
طيب، وما علاقة كل ذلك بانتخابات مجلس الشعب هذه؟
تعالوا نتساءل مع بعض الابتسام: من ممن نجح يعيش هذه الافتراضات ضمن مسئوليته وهو يمثلنا بالسلامة؟
هناك شيء اسمه المنطق البديهي، وهو أقرب ما يكون إلى ما أسماه كارل بوبر الحس المشترك، وهو هو الذي اعتبره أينشتاين أساس العلم كله، وقد تعرفت عليه خبراتيا أكثر فأكثر مؤخرا (أربعين سنة) من خلال العلاج الجمعي في قسم الطب النفسي في قصر العيني مع مرضى بعضهم لا يفك الخط، وأغلبهم لم يكمل تعليمه، وهم الذين تعلمت من خلالهم ما هو الوعي الجمعي، وما هو الحس المشترك، وأن الله سبحانه يحضرنا في كل جلسة بلا استثناء (ثم في كل لحظة "هنا والآن")، وأنه يـُدْرَك ولا يُثْبَت بالحجج والبراهين، يدرك حتى نكاد نلمسه أثناء تصعيد الوعي الجمعي وهو سبحانه يعيننا على أنفسنا ونحن نتوجه إليه نحو الصحة وبصراحة لم أستطع أن أفصل أيا من هذا الذي أمارسه أسبوعيا عن صناديق الانتخاب أو حكاية المعونات المشبوهة من جهات غامضة لمنظمات غافلة..... إلخ.
قلت: ما دام هذا التجمع الجماعي (العلاجي) له منهج غير منهج تسويد علامة الرأي في ورقة توضع في صندوق فلماذا لا أجرب اختبار لمحة من نفس المنهج في السياسة، فاخترت إحدى التقنيات وهى "الألعاب النفسية" كالتالي:
اللعبة: مزيج من السيكودراما الشديدة القصر، وتلقائية إكمال النص، نحن نعرض على المريض أو المتطوع جملة ناقصة، ونطلب منه أن يعيدها حرفيا وهو يقوم بتمثيل محتواها، ثم يكملها بسرعة وبتلقائية كيفما اتفق دون تفكير تقريبا، وغالبا ما يكتشف جانبا آخر من رأيه، أو وعيه، أو موقفه أو وجوده، قلت فماذا لو جربناها في السياسة ولو كعينة؟
أبدأ بأن أقدم مثالا مع الرد عليه قبل أن أتقدم ببعض ما خطر لي:
دعوة: عزيزي عضو مجلس الشعب، بعد تهنئتي الخالصة والله العظيم ثلاثا، أرجو أن تكرر الجملة التالية بسرعة، وأن تستجلب تعبيرات الوجه والجسم واليدين المناسبة لكلماتها، ولا تهتم -وأنت تكملها- إن كانت تمثل رأيك أم لا، شكرا
المثال اللعبة:
٠ الحمد لله بجد، أنا ما كنتش متصور إني حاخد الأصوات دي كلها بس برضه (أكمل)..........
الاستجابة للمثال:
٠ الحمد لله بجد، أنا ما كنتش متصور إني حاخد الأصوات دي كلها بس برضه أنا أستاهل أكتر من كده
والآن تفضل بممارسة ما تشاء من الألعاب التالية :
٠ أنا صحيح نجحت الحمد لله، بس بصراحة خايف لما أقابل ربنا إنه (أكمل من فضلك)...
٠ إحنا مالنا ومال اللي بيجرى في الصين ولا حتى في العراق ولا أفغانستان، أنا كل اللي أنا عايزه ....(أكمل من فضلك)
٠ لا، دا أنا حاخدم ناس دايرتي عشان أرد لهم الجميل، لكن حكاية الاقتصاد والسياحة والكلام ده بقى انا يا عم....(أكمل من فضلك)
٠ طبعا، حا عوّض كل صرفته عشرين مرة، هو أنا يعنى... (أكمل من فضلك)
٠ هوه عشان أتمتع بالحصانة لازم أرتكب جريمة يعني؟ ما هو أنا لازم آخد حقي تالت ومتلت، يبقى بقى.....
٠ والله أنا خايف أروح جهنم ييجي كام "سبعين خريفا" على الكلام اللي أنا قلته أثناء الدعاية، أنا ماكانش قصدي، بس برضه...... (أكمل من فضلك).... إلخ
16-1-2012
واقرأ أيضاً:
بروفيل مرشحي الرئاسة 3 / ظاهرة "ولاد ابواسماعيل" / أبعاد الاختيار السلفي لـ(أبو الفتوح) وتبعات القرار / مسار الثورة: رقعة الشطرنج