رغم حِرص القادة الصهاينة على عدم إثارة ضجة إعلامية، بالتوسع في الحديث عن مواقفهم مما يجري في مصر؛ خشية أن يؤدي تدخلهم الفج إلى نتائج عكسية سلبية، إلا أنهم في المقابل أبدوا اهتماماً منقطع النظير بمآلات الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية في مصر.... فقد كشف التلفزيون الإسرائيلي النقاب عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) ظل حتى ساعات الفجر الأولى من يوم الاثنين الموافق 18-06-2012، وهو يتابع نتائج الانتخابات المصرية، ومنذ ذلك الوقت وهو يجري اتصالات مع كبار مستشاريه ومع الإدارة الأمريكية؛ لمواجهة الواقع الجديد في حال تبين أن مرشح الإخوان المسلمين قد فاز في هذه الانتخابات.
اهتمام بمشروع النهضة "الإخواني"
لم يقتصر الاهتمام الصهيوني بمعرفة هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية المصرية، بل تعداه إلى محاولة الوقوف على الخطوط العامة لـ "مشروع النهضة" الذي تقدم به الدكتور مرسي كبرنامج للانتخابات. فقد قام الجنرال (يعكوف عامي درور) رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، بتشكيل طاقم من الخبراء والباحثين والمستشرقين لدراسة هذا المشروع، وتقديم التوصيات إلى دوائر صنع القرار بشأن سبل التعامل مع هذا المشروع، في حال وصل مرسي إلى سُدة الحكم.
ومن نافلة القول أنهم سيبحثون كيفية إحباط هذا المشروع؛ عبر التعاون مع الولايات المتحدة ودول الإقليم والداخل المصري. ولا يقتصر اهتمام (إسرائيل) على محاولة تحديد التوجهات المصرية في ظل القيادة الجديدة، وتحديداً استجلاء موقفها من معاهدة "كامب ديفيد" فقط، بل إن (إسرائيل) باتت متأكدة أن الشراكة الاستراتيجية التي استمرت لأكثر من 30 عاماً مع نظام مبارك قد انتهت! ليس هذا فحسب؛ فأكثر ما يزعج الصهاينة مستقبل سُلم الأولويات الذي سيُطبقه مرسي على الصعيد العسكري والاقتصادي والحضاري.
ومن المفارقة أن العديد من الخبراء الاستراتيجيين والمستشرقين الصهاينة، قد نصحوا أن تُركز دوائر التقدير الاستراتيجي في الكيان الصهيوني على مراقبة أنماط اهتمام الإدارة المصرية الجديدة بالتعليم، على اعتبار أنها السبيل للمنعة الاقتصادية والعسكرية، كما يقول أب الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي (يحزكيل درور).
الوزير الإسرائيلي الأسبق (بنيامين بن إليعازر) ـ الذي يوصف بأنه "مهندس العلاقات الإسرائيلية المصرية" ـ رسم صورة سوداوية لمستقبل (إسرائيل) في حال فاز مرسي؛ حيث قال إن فوز مرسـي يعني "تغيير البيئـة الاسـتراتيجيـة بشـكل كارثي (لإسـرائيل)، وعلينا الاسـتعداد لأسـوأ السـيناريوهات".
ولم يفت وزير الخارجية الإسـرائيلي (ليبرمان) أن يؤكد بعد ظهور مؤشـرات فوز مرسـي، أن مصر أصبحت أخطر بمئات المرات من إيران، وأن (إسـرائيل) مطالبـة بالاسـتعداد لأكثر السـيناريوهات تطرفاً. وقد طالب (ليبرمان) مجدداً بإعادة بناء الجيـش الإسـرائيلي على أُسـس مغايرة، بعد سـيادة التوقعات أن (إسـرائيل) على وشـك أن تفقد العوائد الاسـتراتيجيـة للعلاقـة المتميزة مع مصر.
وبعكس ما يُردد بعض المرجفين من فلول نظام مبارك، الذين يزعمون أن فوز مرشح الإخوان المسلمين سيؤدي إلى تورط مصر في مواجهة مستعجلة مع (إسرائيل)، فإن الجنرال (رون تيرا) ـ الذي تولى مواقع متعددة في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ـ يؤكد أن مرسـي لا يحتاج إلى أن يشـن حرباً على (إسـرائيل) حتى يُسـبب لها أذى كبير، بل يكفيـه أن يتخذ مواقف سـياسـيـة ودبلوماسـيـة صارمـة، حتى يُقلص هامـش المناورة الاسـتراتيجي أمام (إسـرائيل) بشـكل غير مسـبوق.
الاعتماد على العسكر
ومجدداً يتبين أن الحصن الأخير الذي يلوذ بـه الصهاينـة في مصر هو العسـكر، لدرجة أن المسئولين في "تل أبيب" لا يترددون في شـن حملات دوليـة سـرية وعلنيـة؛ للمطالبـة بعدم الضغط على عسـكر مصر للتنازل عن صلاحياتهم، التي تضمن لـ (إسـرائيل) عدم الحياد عن الخطوط وعن السـياسـات الإقليميـة لنظام مبارك.
وهناك فرق واضح في نظرة كل من (إسرائيل) والولايات المتحدة للخلاف بين العسكر والقوى الثورية المصرية؛ فـ "تل أبيب" لا تأبه بتداعيات المواجهة التي قد تحصل بين العسكر والثوار، على اعتبار أنه ليس لديها ما تخسره في حال حدثت هذه المواجهة، بينما الولايات المتحدة تخشى أن تؤدي أي مواجهة بين الثوار والعسكر إلى خسارتها مصالحها بشكل أسرع مما كانت تتوقع.
ويرى الأمريكيون أن شرعية بقاء العلاقات المميزة بين النخبة الحاكمة في مصر والإدارة الأمريكية، ستنهار في حال لاحظ الجمهور المصري أن الإدارة الأمريكية تميل إلى جانب العسكر على حساب الثوار، من هنا؛ فقد صدرت التحذيرات من قِبل أكثر من مسئول أمريكي للعسـكر بتسـليم السـلطـة للقيادة المدنيـة المنتخبـة، لكن مما لا شـك فيـه أن كلاً من "تل أبيب" وواشـنطن معنيتان بمواصلـة العسـكر التمتع بالصلاحيات، التي تضمن لهم التحكم بخيوط اللعبـة في القاهرة.
التعلق بدور الولايات المتحدة
من هنا؛ فلم يكن من قبيل الصدفة أن كل التسريبات الإسرائيلية تؤكد أن (إسرائيل) راهنت بشكل قوي على دور الولايات المتحدة لإحباط أي تطورات تضر بالمصالح الإسرائيلية؛ جراء إفرازات الانتخابات الرئاسية المصرية. فحسب قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، فقد حثَّ (نتنياهو) الرئيس (باراك أوباما) على قيادة حملة دولية تشارك فيها دول عربية لإنجاح أحمد شفيق. وقد تبين أن واشنطن حاولت على مدى فترة طويلة طمأنة صُناع القرار في "تل أبيب" أن شفيق وليس مرسي سيكون الرئيس القادم لمصر؛ من هنا فقد سادت مشاعر القلق الصدمة بعد أن تبين أن مرسي في طريقه ليُصبح الرئيس القادم لمصر.
قُصارى القول.. تُمثل نتائج الانتخابات الرئاسـيـة المصريـة نقطـة تحول واضحـة في العلاقات الصهيونيـة ـ العربيـة بشـكل عام، والعلاقات مع مصر على وجـه الخصوص، لكن دوائر صُنع القرار في "تل أبيب" لن تُسـلم ببسـاطـة بخسـارتها مصالحها التي ضمنها نظام مبارك..!!
صحيفة السبيل، عمّان، 25/06/2012