الصراع القائم الآن بين الديمقراطية والانقلاب وليس بين الإخوان ومعارضيهم
المسألة المثارة الآن، في هذه الأيام العصيبة، التي بدأت مع أحداث 30 يونيو سنة 2013 وبلغت أوجها في الانقلاب العسكري الذي جري في 3 يوليو سنة 2013، المسألة المثارة الآن ليست حكم الإخوان المسلمين وهل يبقون في السلطة أو لا يبقون، إنما هي مسألة النظام الدستوري الديمقراطي الذي تفتقت عنه ثورة 25 يناير، وهل تحتفظ مصر بهذا النظام أم يقضى عليه وهو في مهده ليحل محله انقلاب عسكري يدخل مصر في حكم استبدادي جديد لعشرات السنين المقبلة.
إن متابعة الأحداث منذ 3 يوليو الجاري، يكشف أننا أمام حركة قامت بها قيادة القوات المسلحة وأعلنها القائد العام وزير الدفاع بعد اجتماع سياسي مع بعض الوجوه السياسية والدينية التي اصطفاها لتقف معه وتؤيده، وأعلن بذلك تعطيل الدستور المستفتى عليه من الشعب المصري والحائز على 63.6٪ من أصوات الناخبين في حركة استفتاء حر ونزيه.
كما عين رئيسا مؤقتا للجمهورية بما يفيد عزل الرئيس الدستوري المنتخب في انتخابات باشرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة وكانت حرة ونزيهة.
وأعطى قائد الانقلاب الرئيس المؤقت الذي عينه، أعطاه سلطة إصدار إعلانات دستورية، وكل ذلك لمدة غير محدودة ولوزارة لم تتشكل بعد، ثم تقرر اعتقال رئيس الجمهورية الذي عزلته الحركة الانقلابية. وصرنا بلدا بغير دستور ولا نظام حكم معروف.
والسؤال الذي يثور، ما هو الانقلاب العسكري إذا لم يكن ذلك انقلابا عسكريا؟
إذا قيل إن الأمر كان يتعلق بالإطاحة بحكم الإخوان المسلمين. فإن انتخابات مجلس النواب طبقا للدستور الجديد القائم كانت على الأبواب، بل كان تحدد لها أن تجري وتتم فعلا يتشكل المجلس مع بداية شهر يونيو، لولا أن رفعت المعارضة دعاوى إبطال قرار الدعوة للانتخابات ووافقتها المحكمة لأسباب شكلية وتبدو قانونية ولولا مسائل تفصيلية تتعلق قانون الانتخابات، وحتى هذه العوائق كانت على شفا الانتهاء وصار القانون وإجراء الانتخابات على الأبواب.
ولا يقال إن الإخوان كانوا سيسيطرون على أجهزة الدولة لضمان نتيجة الانتخاب، لأن وقائع الانقلاب الذي جرى الآن تثبت أن الدولة بأجهزة الإدارة والأمن والقمع لم تكن تحت سيطرة الإخوان مهما حاولوا.
وكان مفاد وجود أغلبية برلمانية غير إخوانية في المجلس المرتقب، حسبما هو متوقع بسبب انخفاض شعبية الإخوان بعد أن تولوا محنة الحكم، (كان الإخوان وصلوا في عز التأييد الشعبي لهم في أواخر 2011 على أقل من 40٪ من مقاعد مجلس الشعب، ورئيس الجمهورية الإخواني حصل بين مرشحي الرئاسة في أول جولة على نحو 25٪ من الأصوات وحصل في ثاني جولة على 51.7٪ فقط من أصوات الناخبين في الإعادة بينه وبين أحمد شفيق)، أقول كان مفاد انخفاض شعبيتهم في الانتخابات المرتقبة أن تتشكل الوزارة من غيرهم أو ألا يكون لهم فيها صوت راجح.
وإن دستور 2012، الذي عطلته قيادة انقلاب 3 يوليو 2013 يعطي للوزارة المؤيدة من مجلس النواب سلطات شبه كاملة في رسم السياسات وإدارة شئون البلاد، وهي سلطات أكثر كثيرا من سلطات رئيس الجمهورية، وهذا الدستور ذاته يجعل للوزارة وضع الحاكم على إرادة رئيس الجمهورية في الغالب الأغلب مما يصدر من قرارات.
كان كل ذلك على الأبواب وفقا للدستور وإجراءات دستورية مؤسسية سليمة، ولكنه لم يتبع، وتحركت قيادات القوات المسلحة لتعلن وقف العمل بالدستور وتعود البلاد من جديد إلى مرحلة حكم غير دستوري ولا ديمقراطي.
قد يقال إن حركة قيادة القوات المسلحة جاءت نتيجة الحراك الشعبي الذي جرى في 30 يونيو، وإنه حراك يشبه حراك الجماهير أثناء ثورة 25 يناير 2011. وهذا قياس فاسد وغير صحيح، لأن حراك 25 يناير كان حراكا سياسيا واحدا مجمعا عليه من جموع الشعب المتحركة في مطلب واحد يتمثل في إقصاء حسني مبارك وجماعته من الحكم وإقامة نظام ديمقراطي مع إطلاق الحريات، وبهذه الوحدة في مطالب الجموع الشعبية حُقَّ للقوات المسلحة أن تتحرك استجابة لإجماع شعبي غير منازع ولا متفرق.
أما الآن، فإن حراك 30 يونيو 2013 حراك شعبي منقسم بين جماهير تجمعت في ميدان التحرير وما يماثله معترضة على حكومة رئيس الجمهورية المنتخب، وبين جماهير أخرى تجمعت في ميدان رابعة العدوية وما يماثله مؤيدة للرئيس الموجود المنتخب ولوزارته ومطالبة ببقائه.
وهذا الحراك المنقسم بين جماعات وجماعات أخرى وتعارض الأهداف والمطالب، هذا الحراك المنقسم لا تحسمه إلا انتخابات تجري وفق الدستور. ولا يسوغ لقيادة القوات المسلحة أن تتدخل فيه لتحسم نتيجته لصالح فريق ضد فريق.
إن ذلك منها يعد عملا حزبيا تنصر به جماعة سياسية حزبية على جماعة حزبية سياسية أخرى مما لا تملكه، لأنه ممنوع عليها الاشتغال بهذا النوع من السياسات، وهو حراك يكون منها بعيدا عن مجال المصالح الشعبية العامة وحفظ الأمن القومي.
إنه تغليب لحزب على حزب ولسياسات داخلية على سياسات أخرى، ومن ثم يعتبر عملا انقلابيا.
نحن الآن لسنا إزاء معركة بين الإخوان المسلمين في السلطة وبين غيرهم من معارضيهم، لأن هذه المعركة كانت يمكن أن تحسم في ظل دستور 2012 بانتخابات مجلس النواب وما يفضي إليه من تشكيل وزاري يعكس حكم التأييد الشعبي الصحيح لكل فريق من الفرقاء المتصارعين، وهو ما كان من شأنه دستوريا أن يقيد سلطات رئيس الجمهورية وفقا لنتيجة الانتخابات.
ولكننا إزاء معركة تتعلق بالديمقراطية وبالدستور، وهو ما انتكس بفعل قيادة القوات المسلحة في الانقلاب الذي حدث أخيرا.
واستغلت هذه القيادة رصيدا شعبيا معارضا للإخوان المسلمين لتسوقهم جميعا إلى تأييدها في معركة القضاء على روح ثورة 25 يناير 2011 والديمقراطية الدستورية، ولتعود بنا إلى الوراء وإلى نظام حكم استبدادي غاشم.
وأنا أتصور أن القوات المسلحة ذاتها برجالها وناسها بريئة من هذا الصنيع، لأنهم نزلوا إلى الشوارع بأمر القيادة وسيطروا على مرافق البلاد لا للقيام بانقلاب عسكري، ولكن لتأمين منشآت الدولة وجماعة المصريين في حراكهم المرتقب في 30 يونيو وحتى لا يندس بينهم مخربون، ثم استغلت القيادة هذا النزول لترتب عليه آثارا سياسية أخرى تتعلق بهدم ما يشيد المصريون من نظام ديمقراطي دستوري.
ولم يدرك قائدو الانقلاب أنهم بتعطيلهم الدستور وعزلهم رئيس الجمهورية قد أسقطوا الوزارة التي يكتسب القائد العام شرعية أوامره التنظيمية من وجودها بحسبانه وزيرا بها.
وعلى الناس أن يدركوا أن سعيهم الآن لا يتعلق بإعادة حكم الإخوان، ولكنه يتعلق بالدفاع عن الدستور وعن النظام الديمقراطي، وأن يصطفوا اصطفافهم السياسي لا بين إخوان مسلمين ومعارضيهم، ولكن بين مدافعين عن الديمقراطية وبين مؤيدين لحكم الاستبداد.
وإلى من يسعون الآن للتقريب بين وجهتي النظر، وقد سألني كثيرون عنها وطلبوا مني الحديث عنها والمساهمة فيها، إلى هؤلاء أقول إننا أمام معضلة، وهي أن من يقوم بانقلاب عسكري يكاد يستحيل عليه العدول عنه لأنه قد صار مصيره الشخصي متعلقا بمصير الانقلاب.
وإن من يريد التنازل عن بعض الأوضاع الدستورية الديمقراطية ليتفادى إصرار القوة الانقلابية المادية، من يريد ذلك إنما ينشئ سابقة دستورية خطيرة تهدد النظام الديمقراطي دائما، وهي إمكانية أن تتحرك قوات في أي وقت لفرض أي مطلب في ظل أزمة سياسية فعلية، مما عرفته تجارب دول أخرى في تركيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا لعشرات من السنين.
حفظ الله مصر من هذا المصير..
والحمد لله..
واقرأ أيضاً: