أباحَ الله للزّوج هجر زوجته في المَضجَع إن كانت ناشِزاً، أي مُتمَرِّدةً عليه ومُستعليةً على طاعته وقَوامته، ولَم تَستَجِب للموعظة. وهَجرُها في المَضجَعِ فَسَّرَهُ ابن عباس رضي الله عنه بأن يَمتَنِعَ الزّوج عن مُعاشرةِ زوجته النّاشِز المُعاشرة الجنسيّة، ويبقى يَنامَ معها في سريرٍ واحدٍ كما جَرَت عادة الأزواج، لكنّه يُوَلِّيها ظهره، والآية تحتمل أن يفهم منها أن الهجر في المضجع هو الابتعاد عنها والنوم في غير مضجعها كأن يكون في سرير منفصل أو غرفة أخرى، لكنه لا يصل إلى ترك البيت والنوم في بيت غيره.
وهذا النّوع المُحدَّد مِن الهجر يَختَلِف في آثارِه النّفسيّة عن الهجر العام حيث يَنقَطِع المُتخاصِمان عن أن يُكَلِّمَ أحدهما الآخر، فإن التقيا أعرَضَ هذا وأعرَضَ هذا، فهذا الهجر العام يُعبِّرُ عن الغَيظ والعداء حيث يَجِد الإنسان المُغتاظ المحنق من شخصٍ آخر رفضاً نفسيَّاً وصعوبةً لديه في التّواصُل والتّكلُّم مع مَن أَغاظَه وأَساء إليه، إنَّ مشاعر الغَيظ النّاجمة عن الإساءة، سواء كانت الإساءة حقيقيّةً أو مُتوهِّمة، تَقِف حائلاً بينهما وتُفقِدُ صاحبها الرّغبة في التّحدُّث مع خصمه...
إنَّ المقاطعة والامتناع عن الكلام مع شخص ما تعبيرٌ ووسيلةُ تَواصل صامتة يَتمُّ من خلالها إفهام المُسيء أنَّ الطّرفَ المُتضرِّرَ مُتأثِّرٌ بالإساءة تأثُّراً بالِغاً، وقد يُعبِّر الهَجر عن الازدراء والتّرفُّع إن كانت العلاقة بين هذين المُتخاصِمَين فيها اختلافٌ في المَكانة بحيث يكون الهاجرُ أعلى مكانة، أمّا إن كان الهاجِرُ أقلَّ مكانةً وقوَّة، فإنَّ الهجر والامتناع عن الكلام مع الآخر هو نوعٌ من العدوان السّلبي، أي العدوان الّذي يَتمُّ من خلال الامتناع عن القِيام بفعلٍ ما وليس مِن خلال القِيام بفعلٍ مؤذٍ مُوَجّه ضدَّ الطّرف الآخر، لذا سُمي في عِلمِ النّفس العدوان السّلبي.
إنَّ اللّجوء إلى الهَجر الشّامل أمرٌ من طبيعة الإنسان، وقد عَرَفَت كثيرٌ من المُجتمعاتِ البشريّةِ القَبَليَّة هذا الهَجر كوسيلة عِقاب وضغط على مَن يَخرُج من أفرادها عن تقاليدها وأعرافها، حيث يبقى هذا المُخالِف يعيش بينهم لكنَّهم لا يُكلِّمونه، وقد عُوقِبَ ثلاثةٌ من الصّحابة الكرام الّذين تَخَلَّفوا عن غزوة تَبوك بِلا عُذر، عُوقبوا بالهَجر من قِبَل المُسلمين في المدينة المُنوَّرة خمسين يوماً ضاقت عليهم فيها الأرض بما رَحُبَت. والإسلام بواقعيَّته لَم يُحَرِّم الهجر تحريماً مُطلقاً، إنَّما حَرَّمَ أن يَهجر مسلمٌ مسلماً فوق ثلاثةِ أيَّامٍ يفترض أن تكون كافيةً لهدوء المشاعر وبلوغ الرِّسالة المَقصودة من الهجر، إذ لو طال الهَجر والقَطيعة وانعدام التَّواصل بين المُتخاصمين فإنَّ العَداوة ستزيد والغَيظ سيتحوَّل إلى غلٍّ وحقدٍ، وديننا يُريد لنا حياةَ المودَّةِ والرّحمة، لا حياة العَداوة والبَغضاء.
وقد يلجأ زوجان مُتخاصمان إلى الهجر الشّامل والامتناع عن أن يُكلِّمَ أحدهما الآخر، ويَطول الهَجر، وتَهدأ النُّفوس، ويُصبح سبب المُشكلة والخِصام من التّاريخ، ويُصبِح واضحاً لكليهما أنَّ الأمرَ لا يَستحق، لكن الكِبرياء والعِزَّة بالإثم تجعل المُتخاصمين ينتظر كلٌّ منهما الآخر ليكون البادِئ بالصّلح، أي ليكون الآخر هو الطّرف المُتنازِل والمُتذلِّل، فيَطول الهجر، ويُصبح الأولاد وسيلةَ التّواصل بين الزّوجين المُتهاجريَن، هو يقول لابنه أو لابنته "قولي لها كذا وكذا..." وأمّها تَفعل مثله، والأطفال يعيشون التّوتُّر النَّفسي وفقدان الشّعور بالأمان، إذ لا بُدَّ لهم من تَوقُّع الطّلاق والانفصال الكامل بين الوالدَين، ومثل هذا التّوتُّر والخَوف على مُستقبل الأسرة يَجعل الطّفل قلقاً خائفاً، أو يَجعله مُنحرِفاً جانحاً يكون جنوحه السّلوكي وسيلةً وحِيلةً من حِيَلِ النّفس البَشريّة الدِّفاعيّة ضدَّ القلق النّفسي، لكن هذه الوسيلة الدِّفاعيّة يُمكِن أن تُؤدِّي إلى انحراف الطّفل أو المُراهِق وتُحوِّله إلى شخصيّةٍ إجراميّةٍ بِلا أخلاقٍ ولا دينٍ، وذلك إن لَم يَتمّ الانتباه للأمرِ في وقتٍ مُبكِّرٍ بحيث يُعالَج هذا الطّفل أو المُراهِق المُنحرِف الجانِح.
إنّه إن جاز للزّوجين أن يَهجر أحدهما الآخر هجراً شاملاً مُدَّة لا تَزيد عن ثلاثة أيَّام، فإنَّه لا يَجوز بحالٍ من الأحوال الهجر هجراً شاملاً أكثر من ذلك، والهجر لثلاثةِ أيَّامٍ يَتلوها المُصالحة والتّفاهُم وعودة المَودَّة والرّحمة قد يكون مفيداً للأطفال، إذ من خلال رؤيتهما لوالديهما يَتهاجران بعدَ خِصامٍ، لكنَّهما يعودان إلى التّفاهم ويَغفر أحدهما للآخر ويَعتَذِر المُسيء ويَزول الخِلاف خلال ثلاثة أيَّام، إنَّ رؤية الأطفال لهذا تُعلِّمهم كيف يتصرَّفون عندما يُصبحون أزواجاً وزوجاتٍ، وهذا درسٌ حياتي مُفيدٌ جدَّاً لِنموِّهم الاجتماعي.
أمَّا الهَجر في المَضاجِع فَأَمْره مُختلف، إذ هو هجرٌ يَتمُّ في الخَفاء، فلا يَشعُر به الأطفال ولا يَتأثَّرون أيّ تأثُّرٍ سَلبي. والهَجر في المَضاجِع تَعبيرٌ من قِبَلِ الرّجل عن غيظه من زوجةٍ نَشزَت فَتمرَّدَت واستعلَت ولَم تَعتَرِف لزوجها بِقوامته عليها، وهذه الوسيلة الّتي أباحها الله عندما تخفقُ الموعِظة، لا تُسَبِّب للزّوج حِرماناً جنسيَّاً، إذ بطبيعة الحال إن كان الزّوج مُستاءً من نشوز زوجته، ونفسه ممتلئة بالغَيظ منها، فإنَّه لن يَجِد رغبةً حقيقيَّةً في الاتّصال بها جنسيَّاً، لأنَّ الاتّصال الجنسي بين الزّوجين، الأصل فيه أن يكون تعبيراً عن الحُبّ والرِّضا وبخاصّة مِن قِبَلِ الرّجل، فالمُعاشرة الجنسيّة وما فيها مِن إقبالٍ على الزّوجة وتَقَبُّلٍ لِجسدها والتحامٍ بها تُمَثِّل بالنِّسبة للرّجل خير وسيلة للتّعبير عن الحُبّ والدّخولِ في الحِمَّةِ (الحميميّة) معها، فَيَقتَرِبُ من زوجته ذاك الاقتراب العاطفي الدّافِئ...؛
والذَّكَرُ مَفطورٌ على الاستقلاليّة والانفصال النّفسي، وهو في الغالِب لا يَميل إلى الالتِصاق والاندِماج بالطّريقة الّتي تُحَقِّقُ الأنثى من خلالِها الحِمَّةِ (intimacy) حيث تُحِبُّ الأنثى تَحقيق ذلك بالقبلة والعِناق وكلمات الغَزَل والحُب، وآخر ما تَبحث عنه هو الجنس، والأنثى تقيس الأمور بمقياسها وتَظنُّ العَواطف الّتي يُعبِّر عنها زوجها عند المُعاشرة الجنسيّة عواطِف زائفة تَهدف إلى الحصول منها على المُتعة الجنسيّة فَحسب، فتُزعجُها هذه العَواطف أكثر ممّا تُسعدها، ولعلَّ لانتشارِ الرُّومانسيّة والاعتِقاد أنَّ الرُّومانسيّة هي الحُبّ الحقيقي دوره في جعل المرأة تَظنُّ ذلك، لكن الأجيال القديمة كانت ترى في مُعاشرةِ الزّوج لزوجته جنسيّاً تَعبيراً عن حبِّه لها، فتَسعَدُ المرأة بذلك، إذ عند الإثارة الجنسيّة يَذوبُ الجليد النّفسي الّذي يُغلِّف النّفسَ المُذكَّرة، فَنَجِدُ الرّجل الّذي اعتادَ على إخفاءِ أيّة مشاعر يَظهر من خلالها ضعيفاً أو مُحتاجاً لِغيرِه، نَجده يُعبِّرُ لزوجته عن الحُبِّ بكلماته وبالتّقَبُّل الشّديد لجسدها دون أنفةٍ أو تقزُّزٍ أو نفورٍ.
والهَجر في المَضاجع من قِبَلِ الرّجل هو بمثابة سَحبٍ للحُبِّ عِقاباً لها على النُّشوز، وبمثابة تَعبيرٍ عن الغَيظ بشكلٍ إراديٍّ، إذ في كثيرٍ من الأحيان، إن امتلأت نفسُ الزّوج بالغَيظ والاستياء من زوجته فإنَّ نفسه تُعبِّرُ عن ذلك من خلال ضَعفٍ جنسيٍّ وعَنانةٍ مُرتبطةٍ بالزّوجة، إذ هو يَجِدُ القدرة مع غيرها إن كانت له زوجة أخرى، ومِن ناحيةٍ أخرى فإنَّ ضعف الإثارة والجَفاف المِهبلي يُمكِنُ أن يَنتُجَ عن مشاعِر غَيظٍ واستياءٍ امتلأت بها نفسُ الزّوجة ولَم تُعبِّر عنها بالطُّرق الأخرى.
إنَّ البرودَ والعَنانةَ يُمكِن أن يكونا بمثابةِ هجرٍ للطّرف الآخر قرَّرته النّفس في أعماقِ اللاشعور. لِذا فإنَّ هَجرَ الزّوج لزوجته النّاشِز في الفِراش هَجرٌ مُنسجمٌ مع الطّبيعةِ البَشريَّةِ انسجاماً كاملاً. ثمَّ هو هجرٌ يَسعى إلى الضّغطِ على الزّوجة النّاشِز علَّها تَعودُ إلى الصّواب فَتُطيع زوجها وتَعترِف بقوامته عليها، لكن هذا الضّغط لا يأتي من خلالِ حرمان المرأة جنسيّاً، إذ أغلبُ النِّساء يرِدْنَ الحُبَّ والعواطف أكثر بكثيرٍ من الجنس، والمرأة وبخاصّة الشّابّة تُقَدِّمُ الجنس لزوجها لِتَحصَل منه على الحُب، وإن كانت تَجِدُ المُتعة في الجنس بِحَدِّ ذاته، لكن المرأة لا تَثورُ رغبتها وشهوتها بِمُجَرَّد رؤية الرّجل، كما تَثور شهوة الرّجل إن هو رأى امرأةً أَعجبته.
إنَّ الهجرَ في المَضجعِ وسيلةَ ضغطٍ على الزّوجة النّاشِز تَهدف إلى الحَدِّ من غرورِها ونَرجسيّتها اللّذين يُغريانها بالتّمرُّد والنّشوز، إذ هنالك من البشرِ أشخاصٌ نرجسيّتهم زائدة، فهم مُعجَبون بأنفسهم ويَستشعرون أهميَّةً زائدةً ومُبالغاً فيها لأنفسهم، ويَتَصوَّرونَ أنَّهم أصحابُ مواهب وعبقريّة أعظم بكثيرٍ من واقعهم، ومنهم مَن يتصوَّر نفسه أجمل بكثيرٍ من حقيقته، والشّخصيّات المُتمرِّدة المُسمّاة السّيكوباثيّة لديها قَدَرٌ زائدٌ من النّرجسيّة، وليس من المُستغرَبِ أن يكون لدى الزّوجة النّاشِز مثل هذه النّرجسيّة، وبخاصّة وهي ترى زوجها يَفقدُ هيبته ورَزانته أمام جسدها العاري عند المُعاشرة الزّوجيّة، إنَّ ذلك يزيدُ عُجْبَها ويُثْبِتُ لديها نرجسيّتها، ومن جهةٍ أخرى يَجعلُ زوجها في نظرها شخصاً ضعيفاً يُمكِنها التّحكُّم فيه من خلال الجنس، ثمَّ هو لضعفه الّذي تراهُ عند المُعاشرة الجنسيّة، ليس جديراً في نَظَرِها بأن يُطاعَ إذا أمرَ، وبأن يكون قواماً عليها تحتاج إلى إذنه حتّى تخرج من البيت...
إنَّ الهجرَ في المَضاجِع يُثبِتُ للزّوجة النّاشِز أنَّ زوجها قادرٌ على الاستغناء عن جمالها، وقادرٌ على التّحكُّم بشهوته الجنسيّة، وأنَّه ليس لجسدها ذلك السّحر الّذي لا يَبطل ولا يُقاوَم، وهكذا يكون في الهَجر في المَضجَع ضربةً مُوجَّهةً إلى نرجسيَّةِ الزّوجة النّاشِز وكبريائها وعُجْبها وغرورها... إنّ ذلك ضروريٌّ لردِّها إلى الطّاعة، فالنُّفوسُ المُتمرِّدة الّتي لا تَمتَثِل للقِيَم والقَوانين، لا يَنفَعُ معها في كثيرٍ من الأحيان إلّا القُوّة، وأوّلُ درجاتِ القوّة هو تجريدها من أسلحتها الّتي اغترّت بها. والهَجرُ في المَضجَع تجريدٌ للزّوجة النّاشِز من أقوى أسلحتها أمامَ زوجها، وتجريدها من سلاحها هذا فيه نوعٌ من التّربيةِ لها، فالقُوّة الّتي يُمارسها المجتمع مُمَثّلاً بالدّولة لإجبار الأشخاصِ المُتمرِّدين فيه على القِيَمِ والشّرائعِ قُوّةٌ نافعةٌ تُعينُ هؤلاءِ المُتمرِّدين على كَبحِ جماح نفوسهم، وتُعينهم على أن يكونوا أُناساً صالحين.
والهَجر في المَضجَع قد لا يَنجح في ردِّ الزّوجة النّاشِز إلى صوابها، عندها إن غَلبَ على ظنِّ الزّوج أنَّ ضربها ضرباً غير مُبْرِحٍ يُمكِنُ أن يُفيد، وهذا عائدٌ إلى ثقافةِ المرأةِ وذكائها وشخصيَّتها عموماً، فقد أباح الله للزّوج أن يَلجأَ لهذه الوسيلة لا لِيخضعها لِسلطته إخضاعاً قائماً على الخوفِ من بطشِه وجبروتِه وأذاه، إذ لو كان ذلك لمَا اشترط ربُّ العالَمين أن يكون الضّرب غير مُبرحٍ بحيث فسَّره المُسلمون بضربٍ رمزيٍّ أكثر منه حقيقي، المُهم أنَّه بالضّربِ يَتمُّ توجيه ضربة أخرى لنرجسيّة الزّوجة النّاشِز وإلى غرورِها وإعجابِها بنفسِها الّذي يُغريها بالتّمرُّد، وقد يَنجح ذلك في رَدِّها إلى الصّوابِ وقد لا يَنجح، عندها يَنتقِلُ الأمرُ إلى حَكَمٍ مِن أهلِه وحَكَمِ مِن أهلِها.
إنَّ الهَجرَ في المَضجَعِ والضّربِ في بعضِ الحالاتِ يُمكِن لهما تحقيق قدر من النّجاحِ في المُحافظة على الأسرة من التّفكُّك، لكن ذلك مُختَلِفٌ تماماً عن العُنفِ الأسري الّذي يُحاوِلُ فيهِ الزّوج إرهاب زوجته، وجعلها تعيشُ في خَوفٍ دائمٍ من بَطشِه، فيَضمَنُ بذلك خضوعها له وبقاءها عنده.
هذا الأسلوبُ مُحرَّمٌ في دينِ الله، وهو أسلوبٌ يَتنافى مع الهدفِ الأساسيِّ للزّوجيّة، وهو أن يَسكُنَ الرّجلُ إلى المرأةِ وأن تَسكُنَ المرأةُ إلى الرّجلِ، ولا سَكَنَ معَ الخَوف والرُّعب. إنما ما أذن به ربنا من الضرب، هو الضرب التربوي الرحيم، تماماً كما قد نضرب أولادنا إن هم رفضوا الصلاة وقد بلغوا العاشرة من عمرهم، هو ضرب من أجلهم، ومن أجل منفعتهم وحرصاً عليهم، لأننا نحبهم وتهمنا مصلحتهم، لا نضربهم لننفس عن مشاعر الغيظ أو الحقد لترتاح نفوسنا، ويشتفي غليلنا.
ولا هو ضرب الإخضاع بالقوة والجبروت والإرهاب، كي لا تكون لهم شخصية أمامنا، إنما هو ضرب المربي الرحيم، وهكذا على الزوج أن يكون، إن اعتقد أن ضربه زوجته سينقذ أسرته من التفكك، أما إن كان المتوقع أن ضربه لها سيعقد الأمور أكثر، فعليه الامتناع عن الضرب، لأن الله أذن بضرب الزوجة الناشز ولم يفرضه فرضاً، ويجب أن نكون حكماء، فنستفيد من إذنه فيما يغلب على ظننا أننا سنحقق المصلحة به، ولا نعمل به إن خشينا الضرر منه، كل حالة بحسبها.
يبقى أن نُناقِشَ هَجر الزّوجة لزوجها في المَضجَعِ، وهو هَجرٌ مُحَرَّمٌ، إذ هو ليس هجراً بالمعنى الحقيقي للهَجر، بل هو امتناعٌ عن الزّوج عندما يُبدِي رَغبته في مُعاشرةِ الزّوجة جنسيّاً، ومِن النّادِرِ جدّاً أن تكون الزّوجة هي المُبادِرة وهي الطّالبة، إنَّما في الغالِب الزّوج يَطلب، والمرأة تَستَجيب، وحتّى لو كانت المرأةُ راغبةً في المُعاشرة الجنسيّة، فإنَّها تكتفي بأن تتزيَّنَ، وبأن تلبسَ أمامَ زوجها ما يُبدِي مَفاتِن جسدها، فَتَثور شهوةُ الزّوج ويَطلبها للفِراش.
إنَّ امتناع الزّوجة إن طلبها زوجها لِفِراشِه، لا يُمكِن أن يكون وسيلةً لمُعالجةِ نشوز الزّوج أو إعراضه، إذ الامتناع هنا لا يُشكِّل ضربةً لنرجسيَّةِ الزّوج فحسب، بل هو ضربة لكرامته، وهو إذلالٌ له، يَستَثيرُ في نفسه الكَراهيّة والحِقد والرّغبة في الانتقام، وبحكم الطّبيعة البشريّة الّتي يتفوَّق فيها الرّجل على المرأة في القوّةِ البدنيّةِ، فإنَّه لا مَجال لأيّةِ مُحاولة من قِبَلِ الزّوجة لِتأديب زوجها من خلال الامتناع الجنسي عنه، إذ ليس سلاحُ الزّوج الّذي قد يُغريه بظلمِ زوجته والتّقصير في حقِّها، ليس جاذبيّةً جسديّةً وجنسيّة، إنّما هو قوّةٌ عضليّةٌ لا تتأثّر بامتناعِ زوجته عنه، بل قد يكون في الامتناعِ إثارة لكبريائه الجريحة ولِرغبته في الانتقام، فَيلجَأ إلى سلاحِه الّذي لم يتأثّر بامتناع الزّوجة عن مُعاشرته جنسيّاً _ أَقصدُ قوَّته العضليّة_ فيَنتقِمُ لكرامته بأن يَضربَ زوجته، أو بأن يُعاشرها جنسيّاً رُغماً عنها، فيكون ما يُسمّى الاغتصاب الزّوجي.
إنَّ الرّجل كما ذَكَرْتُ مفطورٌ على الاستقلاليّة، وإنَّ أيّ تعبيرٍ منه عن الحاجةِ إلى غيره، يُشكِّلُ بالنِّسبة له تهديداً لِمكانته وقَدره عند نفسه وعند الآخرين، لأنَّ الرّجل يَستمِدُّ الكثيرَ من تقديره لِذاته من استقلاليّته واكتفائه الذّاتي، وهو عندما يدعو زوجته إلى فِراشه، يتمنّى أن يَفعلَ ذلكَ بالتّلميح لا بالتّصريح، ويَنزَعِجُ كثيراً إن تَظاهرت زوجته بعدمِ فَهمِ تلميحه، فكيف إذا امتنعتْ عنه بعد التّصريح، إنَّ امتناعها يُشعره بالذّلِّ، لأنّه عبّر عن حاجته إلى شخصٍ آخر، ليس إلى مالٍ يَقترضه أو عَونٍ يَلتَمسه، بل حاجة إلى جسدِ الشّخصِ الآخر، ودَعوته لها اعترافٌ منه بهذه الحاجة، فهو يَفعل ذلك وهو يَكبت أيّة مشاعر من الكبرياء، فإن امتَنَعَتْ فإنَّه يَشعر بالذّلِّ والمَهانة، وكأنَّها قالت له: "إنَّكَ ضعيفٌ لا تَستغني عن جسدي، فلا تُصدِّق أنَّك ذلك الكائن المُستقلُّ المُكتَفي ذاتيّاً، إنّك لست ذلك القوي العزيز، إنَّكَ إنسانٌ ضعيفٌ مَهينٌ".
لقد حَرَّمَ الله على الزّوجة أن تَمتَنِعَ عن زوجها إذا دعاها إلى فِراشِه، حتّى لو كانت تَخبز خُبزَ العائلة على التّنور، كما جاء في الحديث الشّريف، بينما أَذِنَ للزّوج أن يَهجرَ زوجته في المَضجَعِ إن هي نَشزَتْ، هو جل جلاله، لَم يَفعل ذلك محاباةً للرّجل أو تَمييزاً ضدَّ المرأة، ولَم يَفعل ذلك لأنَّ شهوةَ الرّجل إن ثارَت فلا بُدَّ له مِن إشباعها على الفَور وإلّا كانت الكارثة، إنَّما فَعَلَ ذلكَ - وهو أعلم بما فَعَل - فَعَلَهُ لِيحمي الزّوجة من عواقب المَشاعر الّتي يُثيرها امتناعها عن زوجها في نفسه، فمشاعر الانتقام إن هي لَم تدفعه إلى ضربِها وشَتمِها وكُرهِها، لأنها سببُ ما فيه مِن مَذلَّة، فقَد تدفعهُ إلى مُحاولةِ الاستغناءِ عنها جنسيّاً، لِيَستَرِدَّ كرامته وقدره من خلال العادة السِّريَّة، أو إن كان ضعيف التّقوى، من خلال مُعاشرة غيرها بالحَرام، وإن كان كثيرَ المالِ، فإنَّه يتزوّج عليها لِيُشعرها بالمَهانة كما أشعرته، وقد يجعله امتناعها عنه يَلجأ إلى تَحطيم ثقتها بجمالها عن طريق انتقاده لعيوبها الجسديّة والجماليّة، ونادِراً ما تكون المرأةُ خاليةً مِن شيءٍ تَراهُ عَيباً في شكلِها، وحتّى إن كان جمالها كاملاً، فإنَّ جَمال الدُّنيا لا يَدوم، ولا بُدَّ للسِّنين من أن تترُكَ أثرها فيه.
إنّه من أجلِ دوامِ المودّةِ والرّحمةِ بين الزّوجين، حَرَّمَ الله على الزّوجة أن تَمتَنِعَ عن زوجها، أو أن تهجرَه في المَضجعِ. ومِن أجلِ دوام المودّةِ والرّحمةِ بين الزّوجين، أباح الله للزّوج هَجرَ زوجته في المَضجعِ. ومِن أجلِ دوامِ المودّةِ والرّحمةِ بين الزّوجين وبين المُسلمين جميعهم، حَرَّمَ الله أن يَهجُرَ أحدٌ أخاه (أو زوجه) أكثر من ثلاثة أيَّامٍ، وجَعَلَ خيرهما الّذي يبدأ صاحبه بالسّلام، فسُبحانَ الّذي يَعلَمُ مَن خَلَقَ وهو اللّطيفُ الخبير.
واقرأ أيضاً:
هل الخيانة الزوجية مرض نفسي أو اجتماعي؟!! / لماذا يخون الرجال؟! / متى تخون المرأة؟ / كيف تكتشفين خيانة زوجك / رجل وامرأة وآذان صاغية
التعليق: الإشارة إلى ضرب المرأة وهجرها ونشوزها لا يتلائم مع العصر الذي نعيش فيه ولا حتى مع الدين الحنيف الذي شجع الناس على التطور. هناك حديث في رياض الصالحين رواه ابن داود وغيره بأن الرجل لا يُسأل عن ضرب امراته.؟ .
حان الوقت أن نعيد كتابة تراثنا بصورة اكثر صحية ولا تقتلوا الإسلام. إن كانت الغاية هو قتله بهذه القيم والترويج لها فأرجو أن تقتلوه بلطف رجاءاً.