تمتلئ الساحة العربية الآن بما يمكن أن تسميه "الغباء السياسي"، بل قد يتجاوز بعضهم هذه المرحلة إلى ما يمكن تسميته "فرط الغباء السياسي" بمعنى أنه يدهشك لفرط غبائه وتكاد لا تصدق أنه سياسي (أو المفروض أنه يلعب دور سياسي) ويتصرف على هذا النحو الغريب الذي يفتقد أدنى درجات الفطنة الموجودة لدى عامة الناس. وهذا الغباء السياسي يجعل من السهل على القوى الدولية تنفيذ كل ما ترغبه من مخططات لتحقيق مصالحها دون أدنى عناء وهذا ما يحقق نجاحات ما يسمى بـ "الجيل الرابع من الحروب"، وهي أن يجعلك تحارب نفسك بنفسك، أي يقسم المجتمع إلى فرقاء يحاربون بعضهم بعضا بينما يجني هو المكاسب أو يعيد تشكيل المشهد بما يخدم مصالحه.
وإذا كنت تنتمي إلى فريق سياسي بعينه وفرحت بهذا المقال واعتبرته موجها نحو خصمك السياسي وأن كل ما جاء فيه ينطبق عليه تماما بينما أنت لا، فهذه علامة مؤكدة على الغباء السياسي لدى سيادتك تحتاج لعلاجها (ونعتذر عن هذه المصارحة العلاجية الصادمة).
ومن علامات الغباء السياسي:
1 – الإفراط في استخدام الدفاعات النفسية مثل :
- الإنكار: حيث لا يرى المشهد كما هو في الحقيقة وعلى أرض الواقع، وإنما يراه كما يحب هو أن يكون.
- التبرير: يبرر كل ما يقع منه من أخطاء ويعزوها إلى عوامل أخرى ليس مسئولا عنها لكي يظل مرتاح الضمير.
- الإسقاط: بمعنى أنه يسقط ما بداخله من نوايا ومشاعر وتوجهات سلبية أو عدوانية على الآخر فتتشكل صورة الآخر لديه مصطبغة بما في داخل نفسه من تشوهات فيكرهه لأنه لا يتحمل أن يرى هذه التشوهات في نفسه.
- التهويل والتهوين: فهو يكبر أشياء ويضخمها ويصغر أشياء أخرى لتوافق هواه وتطابق الصورة التي يرغبها، فمثلا يبالغ في تقدير عناصر قوته بينما يهون من شأن الطرف الآخر الذي يتنافس أو يتصارع معه.
2 – الانفصال عن الواقع: وهو يحدث نتيجة الإفراط في استخدام الدفاعات النفسية وتكون نتيجته حالة من العمى السياسي تجعل صاحب القرار يتخبط في الظلام.
3 – تكرار نفس الأخطاء مرات عديدة دون الاستفادة من التجارب السابقة، وبالتالي تكرار تجارب الفشل بلا نهاية.
4 – فقد آلية المراجعة والتصحيح ، أو ما نسميه ب "التغذية الإسترجاعية " ، والتي من المفترض أنها تصحح المسار.
5 – فقد القدرة على الاعتذار حين يكون الاعتذار واجبا ، والاستمرار في المكابرة والتعالي والمغالطة وتوجيه اللوم للآخر.
6 – تبني وجهة الضبط الخارجية بمعنى أنه يرى أن الأحداث تسير وفق الحظ أو الصدفة أو المجاملات أو المؤامرات الخارجية وبالتالي ينفي عن نفسه المسئولية فيما يجري وينتظر الحل دائما من عوامل خارجية تساعده.
7 – التعلق بالمطلق ، بمعنى أنه يريد كل شيء ولا يرضى أو يعترف بنسبية الأشياء ، فالسياسة في تعريفها البسيط هي فن الممكن وفن النسبي وليست فن المطلق.
8 – الإصرار على جني كل المكاسب وتكبيد الطرف الآخر كل الخسائر، وبهذا يفقد القدرة على التحاور أو التقارب أو تقديم بعض التنازلات الممكنة ويظل متمسكا برغبته الطفولية في أن يحصل على كل شيء وأن يهزم خصمه بالضربة القاضية حتى لا تقوم له قائمة.
9 – العناد والإصرار على المشي عكس الاتجاه دائما مهما كانت الظروف والأحوال، وكأنه يمشي على قضبان سكه حديد فلا يستطيع التوجه يمينا أو يسارا ويسعى في النهاية أن يصطدم بخصمه على نفس القضبان الحديدية.
10 – الرؤية الأحادية للمشهد والأحداث بما يحرمه من الإحاطة بالجوانب والمستويات المتعددة التي ربما تعطيه خيارات كثيرة وتسمح له بالحركة المرنة والتفكير في حلول متعددة.
11 – الاعتقاد الدائم في غباء الخصم أو ضعفه والتعويل على ذلك، إذ لا يوجد خصم ضعيف أو غبي، فالخصومة وحدها تفجر العدوان والعدوان يجعل الخصم قادرا على تكبيدك خسائر مهما كان غباؤه أو ضعفه، ولذلك كانت هناك نظرية: "ضعف القوة وقوة الضعف"، إذ مهما كنت قويا فلديك نقاط ضعف يستطيع خصمك استغلالها، ومهما كان خصمك ضعيفا فلديه عناصر قوة يستطيع إيذاءك بها.
12 – استخدام نفس الآليات مرات عديدة مع عدم القدرة على ابتكار آليات جديدة مع تغير الأحوال أو فشل الآليات القديمة.
13 – التثبيت عند نقطة معينة في الأحداث وعدم القدرة على تجاوزها والتعاطي مع المتغيرات الجديدة في موازين القوى وتفاعلات الأطراف المختلفة.
14 – التفكير المتمحور حول الذات مع تضخم تلك الذات حتى تصل إلى حالة من النرجسية تلغي العوامل الموضوعية وتفسر وتؤل كل الأشياء طبقا لاحتياجات الذات.
15– افتقاد القدرة على السماع للنصائح وآراء المتخصصين أو الخبراء والاكتفاء بالمعتقدات الخاصة لصاحب القرار المتفرد.
16– افتقاد القدرة على سماع المعارضين فهذا يحرم صاحب القرار من رؤية نقاط ضعفه وثغرات صفه السياسي.
17– الاعتقاد في أنه على صواب دائما وأن قضيته تحمل العدل المطلق والحق الواضح، وأن خصمه يحمل الظلم المطلق والشر البائن.
18 – الغرق في المشاعر والانفعالات واللعب على وتر الأحزان واستدعاءات المحن واستحضار مآسي الماضي وشحن الأتباع بتلك المشاعر والانفعالات بما يجعلهم يندفعون في اتجاه واحد يصعب تغييره.
19– افتقاد مهارات حل الصراع وهي مهارات لازمة وضرورية لمن يمارس العمل السياسي على اعتبار أن السياسة في تعريف آخر هي "فن إدارة الصراع".
20 – الاكتفاء بوسيلة واحدة أو وسائل محدودة في الصراع السياسي، كأن يعتمد مثلا على الحشود في الشوارع والميادين دون المفاوضات، أو يعتمد الحل الأمني ويستبعد الحل السياسي، أو يعتمد الحل القانوني ويستبعد التأييد الشعبي.
واقرأ أيضاً:
دعوة لعلاج وتأهيل حالات كرب مابعد الصدمة PTSD / عودة المتدين الطيب/ إرهاب المعتدلين/ أرجوك لا تترشح للرئاسة/ هشاشة النظام