الخطأ جزء من الحياة، ومن السعي فيها، ومن احتمالات ونتائج أي فعل بشري، وهو المعلم الأكبر لمن يريد التعلم ، وإذا تكرر بحذافيره، فالمعنى أن الدرس لم يصل، ولم ينته التعلم من الخطأ.. بعد!!!
قطاع كبير من المصريين يسرفون في تقدير أهمية السياسة من حيث هي إجراءات وانتخابات، ويعولون عليها في تغيير أوضاعهم، رغم أن ما هم بصدده الآن ليس انتخابات حقيقية، وعلى الرغم من أن التصويت والانتخاب السابق لم يحل شيئا من مشكلاتهم المتراكمة، ولا يبدو أنهم يفهمون أنه أيضا.. لن يحل شيئا!!
هذه الحفلة الاستعراضية تشبه سابقتها من حيث أن "التنافس" يجري بين طرفين بالأساس أحدهما ينتمي إلى النظام الذي قامت 25 يناير تطالب وتهتف بإسقاطه، وطرف أو أطراف لا تنتمي إلى دوائر هذا النظام، وشبكاته المسيطرة على المال العام، وما تبقى من إمكانات الدولة المصرية المنهارة، وكذلك أدوات القمع والردع المسلحة من شرطة وجيش!!
نتيجة هذا التنافس محسومة سلفا: إما أن ينجح مرشح النظام فيحاول أن يعود، ويحكم سيطرته، ويحاول تجديد شبكاته، وشرعيته، ولو بتنحية وجوه تلوثت، وجذب لصوص جدد لم تتلوث سمعتهم بعد!!
أو أن ينجح المرشح من خارج تلك الدوائر المتسلطة، وقد ظهر جليا وعمليا أنه في حالة نجاح هذا المرشح ستقف الأجهزة ضده ما بين العمل الدؤوب لإفشاله، أو على الأقل عدم التعاون معه لتنهار حياة المصريين، وتزداد معاناتهم أكثر!
والاحتمال الثالث، والأخير أن يتكيف هذا المرشح –من خارج دوائر السيطرة -ويتوائم حتى يصبح جزءا من شبكات النهب والفساد والتبعية، وهو ما يشبه الحالة التي حصلت لمبارك نفسه، الذي كان موظفا عسكريا من خارج عصابات المال والسلطة، ثم سرعان ما صار جزءا متوحشا فيها، وهو نفس المآل المتصور للسيسي.. هذا على افتراض أنه لم يتلوث بعد بسرقة أو فساد مالي، أو سلطوي، وموقفه داخل شبكات النظام ليست بالقوة التي يتصورها المتحمسون له.. وذلك لأسباب كثيرة.. ليس هذا مجال ذكرها!!
مدهش إذن أن هؤلاء المصريين لم يتبين لهم بعد.. أن الثورة، والتغيير، وحتى الاستقرار.. لهم طريق آخر، واتجاه آخر، ومقدمات ومسوغات أخرى، غير تلك التي يأملون، ويتمنون أو يتوهمون!!
ربما لا يرون هذا، وربما لا يريدون أن يروه!!
لا مستقبل لمصر، ولا أي قطر عربي إلا إذا حرر الإنسان العربي نفسه من قيوده، وأوهامه، وخرافاته، من برمجة البيئة المحيطة به له على السمع والطاعة والإذعان تحت شعارات الدين، والأصول، والعادات، والتقاليد، تلك البرمجة التي مسخته مشوها لا صوت له، ولا رأي، ولا كيان، ولا حياة حقيقية كما البشر!!
بحيث صار مجرد ترس في آلة، أو فرد في قطيع، أو مجرد قطعة بازل في مشهد طائفته، أو طبقته الاجتماعية، أو عشيرته القبلية، أو مجموعته العرقية، أو حزبه الأيدلوجي!!
جرائم وضغوط التسلط والتخلف والتفتيت الاجتماعي والتحديث المزيف مزقت أنسجة مجتمعاتنا، وكرست الفرقة، والتقسيمات المذهبية، الطائفية، والثقافية النفسية، والمجتمعية، والطبقية، والجهوية، والأيدلوجية!!
مدهش أننا ما نزال متمسكين بهذا الميراث البغيض، وفي نفس الوقت ننتظر التغيير، والاستقرار دون تحرر عقلي، واجتماعي، ووعي روحي حقيقي يبني تراكيب جديدة، وقواعد جديدة، وتوائمات، واتفاقات، وأسس فكرية، وإنسانية جديدة!!!
ثورات الربيع العربي كان لها الفضل في كشف هذا المستور الصادم، وهي بداهة لم تنشأ ولم تستحدث شيئا منه، بل هي أماطت لثام الغفلة، والتستر، وأزاحت عنه الحجب!!
لن تعمل السلطات المسيطرة، ولا شبكات المصالح المهيمنة لمصلحة الناس، ووعي الناس، ولن يستطيع حاكم فرد أن يفكك هذه الشبكات، ولا أن يواجهها!!!
فقط تحرير وبناء، ومن ثم تمكين الفرد والمجتمع القوي لينظم هو عمل الدولة، ويعيد بناءها على قواعد جديدة.. هو الأمل في استكمال التغيير، وتحقيق الاستقرار، وغير ذلك محض اشتغالات، وهدر، وتبديد وقت وجهود ورصيد آمال ، وأحلام ، وطاقات!!
الصندوق لم ولن يكون طريق استكمال ثورة، بل هو مدخل من مداخل إجهاض الثورات.. في كل العالم!!
وهذه ثورة لن تكتمل إلا بما بدأت به: وعي جديد فارق ومفارق، صيغة تجمع كل الأطراف، تنازلات ومبادرات وتفاهمات وتوزيع أدوار، وبغير ذلك فإن العصابات مستفردة بكل مجموعة في ركن، تتناوب الأدوار عليها في القتل، والتحرش، والانتهاك!!
لا عندنا يسار فيه أمل، ولا إسلاميين تبدو عليهم سمات المراجعة الحقيقية، والتغيير الجذري الحتمي المطلوب، ولا عندنا دولة يعول عليها!!
لكننا حين نتواصل ونجتمع وندرك الخطر المشترك، والحلم المشترك.. يمكن أن نتفاهم خطوة بخطوة، ومن ثم نتطور معا.. حقا، إذ لا يتطور أحد وحده بمعزل عن الآخرين، والبيئة المحيطة!!
ولا مستقبل بدون تطوير جذري للأطروحات المزمنة التي ما تزال المجموعات المختلفة تكررها بوصفها حلا!!
هذه هي التحديات التي تواجهنا، والتشاغل عنها.. لا يأتي بخير، بل لا يأتي بشيء!!
16/5/2014
واقرأ أيضا:
صفحة جديدة.. ممكنة/ التربيط/ مسار الثورة لحظة محمد محمود 19/11/2013/ مسار الثورة 7 ديسمبر.... فرصة نادرة !/ أين الخلل ؟