هل فعلا يمكن التعافي من الخيانة الزوجية؟
وهل يمكن أن تعود العلاقة بين الزوجين كما كانت رغم زلزال الخيانة؟
وهل هناك خطوات محددة على الزوجين أن يسلكاها أم أن الأمر مجرد تسامح وغفران من الطرف المغدور (المخدوع) واعتذار من الطرف الخائن؟
وماذا عن العلاقات المتعددة والخيانات المتكررة؟ وكم مرة يستطيع أحد الشريكين العفو والتسامح والغفران؟
سنحاول أن نجيب عن هذه الأسئلة قدر الإمكان من خلال عرض لأفكار وبرنامج للتعافي من الخيانة بناءا على الدراسات والمحاولات العلاجية على أرض الواقع.
أولاً: المراحل التي يمر بها الطرف المغدور (المخدوع) بعد اكتشاف حدث الخيانة:
1 – الصدمة Shock : وفيها يشعر الطرف المغدور بأن الدنيا انقلبت رأسا على عقب ويكون (تكون) في حالة تشوش ودهشة وعدم تركيز وفقدان القدرة على التفكير, فكأن شيئا سقط فوق رأسه (رأسها) فأفقده (أفقدها) الوعي.
2 – الإنكار Denial : وكأنها (كأنه) لا تريد أن تصدق ما حدث, أو كأنه لم يحدث, أو كأنه حلم أو كابوس.
3 – الغضب Anger : حيث تتوجه مشاعر الإحباط والقلقوالشك والحيرة والغضب نحو الطرف الخائن وتثور تساؤلات: لماذا... وكيف... وأين؟, وتكون ثمة مشاعر عتاب أو لوم أو رغبة في الإنتقام.
4 – الحزن Sadness : حين تتأكد الخيانة ويتأكد انهيار العلاقة الزواجية وتتأكد حالة الوحدة والضياع وتضيع مشاعر الحب وتضيع أحلام الإخلاص والوفاء تتشكل حالة من الحزن العميق.
5 – القرار Decision : وهو إما قرار بإنهاء العلاقة الزواجية تماما حتى تخرج من الصراع, أو قرار بإعطاء فرصة للمحاولة مرة أخرى واستعادة الحبيب المفقود.
6 – التعافي Recovery : وذلك بناءا على الخطوات التي اتخذت لاستعادة التوازن النفسي سواءا بالابتعاد والانفصال أو بمحاولة استعادة العلاقة بشروط جديدة.
ثانيا: إرشادات هامة على طريق التعافي:
٠ إن حدث الخيانة الزوجية يعتبر أحد الصدمات الكبرى في الحياة, ولهذا نتوقع أن يمر وقت طويل حتى تلتئم العلاقة, وهذا يستدعي صبرا طويلا من الزوجين ومن المعالج.
٠ وعلى الرغم من ذلك فإن كثيرا من الأزواج استطاعوا أن يتعافوا من الخيانة وأن تعود علاقاتهم أكثر قربا وحميمية.
٠ هناك مؤشرات تحدد إمكانية نجاح الزوجين في إنقاذ واستعادة علاقتهما الزوجية بعد حدث الخيانة نذكر منها:
- نوعية العلاقة الزواجة قبل حدوث الخيانة
- حرص كل من الزوجين على استعادة العلاقة
- وجود مهارات تواصل جيدة لدى الطرفين
- وجود مستشار زواجي أو معالج زواجي متفهم وصبور وذي خبرة عالية في هذا المجال.
٠ أحيانا تكون معرفة الدوافع الحقيقية للخيانة أمرا صعبا, وهذا يجعل الوقوع في خيانات أخرى أمرا محتملا.
٠ قطع العلاقة الحالية نهائيا أمر مهم ولكنه ليس كافيا وحده لو استمرت سلوكيات الخيانة كما هي.
٠ معتادو الخيانة ومتعددو العلاقات يكون التعامل معهم صعبا لأن لديهم مشكلات في شخصياتهم يصعب تغييرها, وهذا يستلزم تفهما عميقا وواقعيا من الطرف الآخر في حالة القرار بالاستمرار في العلاقة الزواجية.
٠ على الرغم من أن الخيانة يمكن أن تحدث في وجود علاقة زواجية جيدة, إلا أنها يمكن أن تشير في حالات كثيرة إلى وجود خلل في العلاقة مثل عدم التوافق الأساسي أو غياب الحب أو ضعف مشاعر الألفة والصحبة, أو الملل, أو تسلط الطرف الآخر, أو الإهمال, أو النبذ أو الاحتقار.
٠ من المفضل أن يسير الزوجان في برنامج خطوة خطوة للتعافي بمساعدة معالج نفسي متخصص في العلاج الزواجي, فالخيانة حدث كبير يستحق تدخلا مهنيا متخصصا, والعلاقة الزواجية علاقة مهمة تستحق بذل أي جهد لإنقاذها.
ثالثا: مراحل التعافي من الخيانة:
٠ المرحلة الأولى: التعامل مع صدمة الاكتشاف:
إن العلاقات الرومانسية تبنى جزئيا على بعض الأوهام العاطفية اللذيذة وبعض الافتراضات الأساسية مثل أن الحبيب مخلص دائما وأنه لا يخون مهما خان غيره وأن مشاعره لن تتغير وأنه ملك لحبيبه (أو حبيبته). واكتشاف الخيانة يبدد هذه الأوهام الرومانسية اللذيذة ويحطم الافتراضات الأساسية التي قامت عليها العلاقة الزواجية من كونها علاقة حصرية لا تقبل دخول طرف ثالث وأنها علاقة أبدية وأنها علاقة شديدة القرب وشديدة الخصوصية. ومن هنا تترسب في نفس الطرف المغدور (المخدوع) حالة من انهيار اليقين في أي شيء, وحالة من الشك الدائم في كل شئ وفي أي شخص, وتتوجه أسئلة معاتبة أو غاضبة نحو الطرف الخائن:
- من أنت؟!.... أكاد لا أعرفك بعد كل هذه السنين؟
- كيف فعلت ذلك؟.... ولم فعلته؟
- وماذا عن علاقتنا؟
وحالة الصدمة وما يتبعها من انهيار الافتراضات الأساسية في المحبوب وانهيار الوهم الرومانسي اللذيذ تؤدي في النهاية إلى حالة من الاكتئاب والغضب والخجل, والأفكار الوسواسية, والإنشغال الدائم بالبحث عن تفاصيل الخيانة وتتبع أخبارها ورصد حركات وسكنات الطرف الخائن, مع حالة من ضعف التركيز والتشوش في التفكير, وفوران داخلي, وتأجج نفسي حركي, ورغبة في الانتقام والثأر للكرامة, وأعراض نفسجسمية (صداع وغثيان وقئ واضطرابات في المعدة والقولون وغيرها), وإهمال واجبات الشخص نحو الأبناء أو العمل والتفرغ التام لموضوع الخيانة.
والتعامل مع مرحلة الصدمة يرتكز أساسا على الإنصات الإيجابي والمتفهم للطرف المخدوع, ومناقشة الأفكار والمشاعر التي تنتابه (تنتابها) بهدوء وبدون موقف قيمي متسرع يمنع الاسترسال والتنفيس. ومن المهم الابتعاد عن الاستجابات السريعة أو الوعود غير المنطقية أو إعطاء نصائح مبكرة, فالنصائح بالذات غير مفيدة في هذه المرحلة, حيث تكون المشاعر هي الطاغية فتؤثر على كفاءة التفكير المنطقي (ينخفض بنسبة 70% طبقا لبعض الدراسات).
إذن فالإنصات المتفهم والمتعاطف من الطرف الخائن ومن المعالج هو الأهم في هذه المرحلة على أن يكون ذلك في جو آمن ومطمئن وداعم (وهذه مسؤولية المعالج لتهيئة هذه الحالة في أكثر من جلسة).
وعلى الطرف الخائن أن يبتعد قدر إمكانه عن استخدام الدفاعات النفسية (الإنكار أو التبرير أو الإزاحة أو الإسقاط) لكي يبرئ ساحته أو يلقي باللوم أو المسؤولية على الطرف الآخر حتى لو كان بعض ذلك صحيحا فنحن لا نلوم أو نحاسب أو نعاقب المجروح أو المصدوم.
ويشارك المعالج الزواجي بتدخلاته المحسوبة في تسهيل التواصل الصحي بين الزوجين وإتاحة الفرصة للتعبير والنقاش والتنفيس لاستعادة التوازن النفسي لدى الطرفين. ويهيئ المعالج لأحد الطرفين أو كليهما جلسات إرشاد نفسي أو علاج نفسي فردي أو علاج جمعي أو مجموعات مساعدة ذاتية.
وقد يساعد في تجاوز مرحلة الصدمة مشاركة "رشيدة" من بعض الأهل أو الأصدقاء أو ذوي الرأي والحكمة.
٠ المرحلة الثانية: تحديد مسار العلاقة:
بعد تجاوز الصدمة الأولى من المفيد إجراء تقييم للزوجين لاستكشاف مدى رغبتهما لحل المشكلة وإنقاذ العلاقة الزواجية من آثار زلزال الخيانة.
أحيانا نرى أن الطرفين متحمسان للوصول لحل واستعادة العلاقة الزواجية مرة أخرى, وأحيانا أخرى (وهذا هو الأغلب) نجد أن ثمة طرف متحمس لحل المشكلة وإنقاذ الزواج (غالبا الخائن) بينما الطرف الآخر (غالبا المغدور) لديه تناقضات في المشاعر وتشوش في الأفكار ولا يستطيع اتخاذ قرار محدد في هذه المرحلة. وهنا نركز على هذا الطرف المشوش حتى يحسم قراره, لأن رحلة التعافي تحتاج لطرفين يسعيان نحو نفس الهدف وهو استعادة العلاقة الزواجية.
وهنا يكون من المفيد عمل جلسات فردية للطرف المتضرر حتى نصل معه إلى حالة من التوازن النفسي مع منحه بعض الوقت حتى تهدأ المشاعر السلبية لديه, وأحيانا يحتاج الأمر لضمانات مادية أو معنوية يقدمها الطرف الخائن لإثبات جديته في الحفاظ على حقوق الطرف الآخر في المستقبل (كأن يقدم تأمينا ماديا, أو هدية ثمينة, أو دليلا دامغا على قطع العلاقة الأخرى نهائيا وإلى الأبد, وأن يحدث تغييرات في نمط حياته, أو أن يفعل كل ذلك). ولكن لا يجب أن يكون هذا الأمر في صورة ابتزاز مادي أو معنوي للطرف المتورط, بل تطوع نبيل منه لجبر خاطر الطرف المغدور وطمأنته.
٠ المرحلة الثالثة: إصلاح العلاقة واستعادة الثقة:
إذا قرر الطرفان أنهما يرغبان في استعادة العلاقة وإنقاذ زواجهما فإن هذا يحتاج إلى:
- فهم أسباب ودوافع الخيانة, واتخاذ إجراءات لتغيير السياق الذي تمت فيه وتصحيح الأخطاء لدى الطرفين وتحسين نوعية علاقتهما الزواجية.
- بعض الأشخاص قد لا تكون لديهم بصيرة كافية بأسباب ودوافع سلوكهم, ولهذا فهم لا يستطيعون بدقة تحديد سبب خيانتهم, أو أنهم لا يريدون الإفصاح عن ذلك حتى لا تتأزم الأمور أكثر, ولكن هذا الموقف يعوق التعافي الكامل من الخيانة, لذلك يجب على المعالج النفسي أن يساعد الطرف المتورط للإفصاح وأن يساعد الطرف المغدور على التفهم. وعلى الطرف المتورط أن يكون مستعدا للإجابة عن أسئلة الطرف المغدور حول تفاصيل الخيانة لأن هذا يثبت حسن النية والرغبة في الابتعاد عن الخيانة. إن الإفصاح عن الحقيقة قد يكون مؤلما ولكنه ضروري لالتئام العلاقة بشكل حقيقي.
- تمكين الطرف المغدور من الإحساس بالسيطرة على حياته, واستعادة ثقته بنفسه (نفسها) وبشريكه وبالناس وإمكانية العودة للحياة الطبيعية مرة أخرى.
- أن يعمل الزوجان معا لاستعادة حالة الثقة واليقين التي فقدت, وذلك من خلال التقارب المتبادل وزيادة رصيد المشاعر الإيجابية بكل الطرق الممكنة (فالخيانة تجعل رصيد المشاعر صفرا).
- قضاء شهر عسل جديد (أو عدة أيام حسب الظروف) ينفرد فيه الزوجان ويسافران إلى أي مكان جديد يستمتعان بقضاء أوقات حميمية بعيدا عن الأجواء التي عاشا فيها أحداث الخيانة.
- البعد عن كل ما يثير الشك مرة أخرى حتى ولو كانت تصرفات عادية أو بريئة.
- الامتناع عن مراقبة الطرف الخائن أو تفتيش متعلقاته أو استمرار الشك فيه, ولنا الظاهر فقط من سلوكه.
- العفو والتسامح والغفران وتجاوز الهفوات والزلات, فنحن نتعامل مع بشر وليس مع ملائكة لا يخطئون.
- تفهم مشكلات ذوي العلاقات المتعددة والخيانات المتكررة المزمنة حيث تكون لديهم غالبا اضطرابات شخصية بعضها قد يستجيب للعلاج النفسي المتخصص وبعضها قد لا يستجيب, ويتحدد القرار بالاستمرار في العلاقة من عدمه على ما تمنحه العلاقة للطرفين على الرغم من التكرار القهري أو الإدماني أو الانفلاتي للخيانة.
واقر أ أيضاً:
مقياس السعادة الزوجية / مقياس السعادة الزوجية للرجال / رومانسية الرسول / فن الخناقات الزوجية