مجانين .. أمستردام .. لاهاي ... مجانين2
صبيحة الخميس 1/11/2018 ثالث أيام السفرة الأولى إلى هولندا استيقظت في الثامنة صليت وجهزت نفسي لإفطار خفيف ... لأنتظر المهندس محمد الذي يعمل في أمن المعلومات في جهاز حساس في البلد.... وكان آخر مرة رأيته فيها هي جنازة أمه يرحمها الله وأنا طبيب امتياز بمستشفيات جامعة الزقازيق يعني سنة 1988 في شهر أبريل إن لم تخني الذاكرة ... وقتها كان مراهقا يبدو هادئا ... وانقطعت بعدها رؤيتي له.. أنا انشغلت في متابعة سيرتي كطبيب نفساني وهو بدراسته الجامعية وكنت أطمئن عليه من والده الذي لم يقطع وده للأسرة، ... وجدته قبل البحث عن الإفطار ولم يمهلني لإفطار سألني فقط عن الموعد الذي يجب أن أكون متواجدا فيه مع المجموعة في المساء إن كنت لم أزل مصرا على المبيت في الفندق ليلة الجمعة وعدم قبول دعوته باستضافتي ليلة عنده.... أخذني بعد ذلك بسيارته متجها إلى مكان بيته على بعد حوالي 70 كم من أمستردام وفي الطريق نزل بي على مكان لنزور متحف الجبن ونفطر... وكنت قد شاهدت مصنع جبن بالأمس لكن الأمر هذه المرة كان مختلفا ورسميا إلى حد ما فقد طلبت هويتي قبل الدخول وعرضت طريقة عمل الجبن وتصنيعه في فيديو حوالي 12 دقيقة ... وكانت معروضات القطع الأثرية لآلات وأدوات تصنيع الجبن وتعليبه أثرى بكثير ...... ثم دخلنا لنفطر وعرفت منه أن البطاطس المقلية هي الإفطار الشائع .... أـجمل ما في بطاطس هولندا المقلية أنها تقلى بقشرها وهي الحالة الأصح طبيا وغذائيا وأنا أحبها على هذا الشكل ولو كره الموسوسون وربما كره غيرهم، ومررنا بسوق يعرض الجبن وغيره .... ولم أشأ التوقف لأنني كنت اشتريت بالفعل من مصنع الجبن الأول الذي مررنا به الأربعاء، ............
وبعد مسيرة عدد لا أذكره من الدقائق بالسيارة وقفنا عند واحد من المولات أو الأسواق واحدة الطابق فيما استشعرت من نور الله الذي كان يضيء كل أركان المكان ما كان منها واجهات محال وما كان دواخل المحال وما جاء بين المحال والمحال .... شمس كانت ساطعة بل ودافئة ... ولم أشعر بمصدر ضوء صناعي واحد ... وكان المحل الذي قصدناه كبيرا شبيها بكارفور ... كنت أود شراء بعض أدوات مدرسية لجواد ولدي الصغير وقد أغرتني البراية التي اشتريت الأربعاء لجواد، المهم أنني لم أجد أروع منها واشتريت بعض الأغراض، ..............
اتجهنا بعد ذلك إلى بيته أو بالأحرى إلى شقته.... وفي تحول غريب اختفت الشمس وبدأت الأمطار ومن الواضح أننا كنا نتجه صوبها وحين دخلنا إلى مدخل شقته كانت الأمطار الغنية المصحوبة بالرياح اللطيفة ... مفاجأة بحق كانت شقته الرائعة على ضفاف النهر ... يعيش محمد في الشقة التي تقع مباشرة على شاطئ النهر وأخرجني من باب في شقته على شويطئ صغير ولم يفتني التقاط الصور لنفسي في ذلك المنظر الخلاب، ..... شربت قهوة ... معه على ضفاف النهر في حرم شقته ...
وفي الصور الأولى صورة التقطها محمد لي في المكان بعد قيامنا من الإفطار الهولاندي الشهي وقال لي أن ما خلفي مبنى إداري لمكاتب شركات ومحاميين والتمثال أمامه دا مجرد عمل فني يغيرونه كل فترة، وفي الصورة الثانية والثالثة أظهر على اللسان الخشبي الممتد على النهر وقد دخلته من شقته، وفي الرابعة التقط لنا هو صورة بكاميرا المحمول الأمامية "سلفي".
قلت له محظوظ أنت بهذه السكنى فقال بلى لكن ليس في الشتاء ..... فربما الثلوج تدخل من النافذة لولا طرق الحماية المتبعة... قلت له صحيح لابد لهذا الجمال الصارخ المزايا من عيوب قد لا تبدو للناظر المتعجل، .... وبعد ذلك صليت الظهر والعصر عنده ثم انطلقنا في طريقنا إلى لاهاي...
ذهبنا أولا إلى مبنى زجاجي كبير مضيء ... أضواء صناعية وكنا عصرا والأجواء ممطرة لكنها مضيئة خارج المبني وفي ساحته حيث تجد نفسك وفوقك السماء ومن حولك أربع أركان وحوائط لبناء من الزجاج والألمونيوم يحيط بمستطيل فسيح .. قلت له لكن هذا ليس سوقا أقصد ليس مولا ... إنه أشبه بمبنى اجتماعي ... فقال لي ما تظنه ؟ قلت له ليست سوقا وليست مستشفى ولا هي محكمة العدل الدولية بالتأكيد .. قال هذا مجلس المدينة .... كانت صدمة يعرفها كل مصري حين يقارن مجلس مدينته بما يرى !
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
وخرجنا بعد ذلك نتجول في شوارع لاهاي الأنيقة، كان المطر رقيقا والريح معقولة اللطف .. وقصدنا سوق بريماك للمرة الأولى لأني سمعت عن بضائعه أنها ليست بالمستوى المطلوب من الأصالة ... كان يريد شراء بنطال له ويريدني أن أشتري واحدا لي وأذكر أني جربت بنطالا هو الوحيد الذي أعجبني لكنه لم يناسبني.. وحقيقة فوجئت بأن هناك معروضات جميلة وقيمة كذلك في هذا السوق.. لكنني لم أشتر إلا نموذج طائرة زرقاء من خامة بلاستيكية قوية لابني الصغير جواد وبعض ملابس داخلية له، واشترى محمد ما أراد وزاد بنطالا ... وأخذني بعد ذلك نستكمل الجولة في الشوارع الجميلة ووصلنا إلى جوار مبنى جميل فإذا به القصر الملكي في لاهاي وكانت الشمس في لحظات الغروب الأخيرة وهو بالكاد يظهر خلفنا في الصور مثلما نرى أنواره الخافتة بعيدا داخل السور ... تبدو لك الشوارع كأنها قطع فنية مرتبة ... وفي وسط هذا كله أشار لي محمد إلى شقة في بناية قريبة في واحد من تلك الشوارع المفرطة الجمال والنظافة ليقول لي هذه كانت شقتي عندما كنت أعيش في لاهاي ...
أخذني بعدها إلى محل يبيع ساندوتشات الطعمية صحيح بالحمص ... لكن هو شيء يذكره بمصر وبأيامه الأولى في هولندا.. وهذا المحل مشهور هنا كما سترى ... وبالفعل كان محلا مزدحما وضيقا ويقدم ساندوتشات رائعة لك أن تعبأ مع وجبتك ما تشاء من المقبلات من صناديق في واجهة المحل ... لكن كان المرء جوعان والطقس باردا والصوص الحار رائعا .. وأكلت 2 ساندويتش ...
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
أكملنا جولتنا بعد ذلك في شوارع لاهاي وجلسنا بواحد من المقاهي المفتوحة على جانب شارع جانبي ليأخذ هو قهوة ولا أذكر حقيقة ما شربته أنا لكني أستبعد أن يكون قهوة لأن المغرب كان قد ولى وتبعته العشاء، ... تحدث معي كثيرا عن مشكلة تحويل الجنس وآثارها في المجتمع الهولاندي وقال لي هل هي مرض نفسي أم شيء طبيعي ؟ فقلت له مرض نفسي لكنه ملغز ما يزال، وهناك حركات على مستوى العالم تدعو لاعتباره أمرا طبيعيا واختيارا فرديا مثله مثل الشذوذ الجنسي ... ولا أظن هولاندا بعيدة عن نشاط مثل هذه الحركات ....... كما حدثني عن ظواهر الانحلال الأسري في هولاندا ..... وحوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال فقلت له ما عندهم للأسف عندنا ولا ندري ! ولا تكن يا محمد كمن يعزي خيبة أمله في أمته وبلده بعرض لمساوئ المجتمع الهولاندي ... والواقع أن هولاندا ككل بلاد العالم الغربي يعيش أهلها حضارة تحمل بالتأكيد عوامل انحلالها... بينما تعيش أمتنا خارج التاريخ.لم ننس بالطبع أخذ صورة مع تمثال مؤسس هولاندا "وليام فان أورانجه" أو بالأحرى "يوسف إبراهيم فان أورانجه" وهو الاسم الذي سمى به نفسه أواخر حياته والذي كشفت رسالة دكتوراه لمؤرخ هولاندي وقد تعمد الهولانديون حذف هذه المعلومة من تاريخهم لأن هذا الملك كان بطل هولاندا القومي.... سعدت بأن أخذت صورة عند تمثاله رغم أنها معتمة.
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
وسـألته بعد ذلك عن محكمة العدل الدولية ولماذا لم نذهب إليها فقال ببساطة لأننا لن نستطيع الوصول إلى مكان قريب من المحكمة فهناك إجراءات أمن حولها وأنا أعرف ذلك من خلال عملي .. قلت له إن شاء الله لن تكون المرة الأخيرة لي هنا ... انطلقنا بعد ذلك على الطريق إلى أمستردام وانتبهت إلى أني لم أشعر بالمسافة التي قطعناها صباحا في طريقنا من أمستردام إلى بيت محمد... تحدث طويلا عن العلاقات الزوجية في هولاندا وعن القوانين المنظمة لها وكثيرا عن الحالات الغريبة أو الأحداث الزوجية الغريبة التي تهتم بها وسائل الإعلام الهولندية ثم عن المتحولين جنسيا في المجتمع .... إلخ.... وبصراحة إلخ ما أتذكر.
أخيرا وصلنا إلى أمستردام ... ولحظة وصولنا الفندق كانت الحافلة التي ستأخذ زملائي في السفرة إلى العشاء تبدأ التحرك فعرض علي ودعوني زملائي لأصطحبهم إلى العشاء والحقيقة أن الطعمية كانت أسبق ... فقلت لمحمد بل سنبقى معا في الفندق نستكمل الحديث.... وبالفعل حكى لي عن أشياء كثيرة من الحياة اليومية في هذا البلد وتواعدنا على اللقاء في مصر أو هولاندا أيهما أقرب.... وصعدت لأعيد ترتيب الحقيبة وقد أهدى لي محمد حقيبة سوداء صغيرة ... خصصتها لمخزون الحلوى والشيكولاتة الذي اشتريته كما لم أشتر من بلد أوروبي من قبل، ورتبت قوالب الجبن الهولاندي وما اشتريت لأولادي وكذا ما كان معي من ملابس.... وصليت المغرب والعشاء ... ونمت قبل أن يعود الزملاء.
في الصباح كنا جاهزين للتحرك من الفندق ظهرا إلى المطار .... ولا أجد في ذاكرتي بعد ذلك من هذه السفرة إلا انتظارا طويلا في مطار القاهرة لوصول الحقيبة التي أهداها لي محمد والمحشوة بالحلوى والشيكولاتة .... ثم أتذكر توزيعها ... ولا شيء آخر.... فبعد مضي عام على السفرة من الصعب أن أطمع في أكثر من هذا.... لكنني والحمد لله عدت من لاهاي وأمستردام إلى مجانين.
واقرأ أيضًا:
مجانين ... استانبول ... بوخاريست استانبووووووول3 / مجانين... هونج كونج !! تيفون !! .. دبي.... مجانين1
التعليق: قصة مشوقة معززة بالصور الرائعة