أنظمة الحكم ومنذ الوهلة الأولى تأسَّست وفقًا لربط الناس بالحاكم كقوة مطلقة، فتحقَّق إضفاء قدرات إلهية عليه ليتمكن بها من القبض على مصيرهم... والحالة واضحة في بلاد ما بين النهرين وحوض النيل، فأنظمة الحكم كانت كذلك في الحالتين.
ولا تُوجَد فترات حكم كما نُسَمِّيها ديمقراطية طويلة في التاريخ، فكان نظام المدينة والمواطنة في اليونان لفترة قصيرة، وأطول فترة يمكن القول بأنها ديمقراطية كانت من (1-40) هجرية، أي منذ الهجرة للمدينة حتى نهاية حكم علي بن أبي طالب سادت فيها الشورى والكثير من معايير الديمقراطية كما نتصوَّرَها اليوم... وفي النهاية وبصورة مُتَنَامِيَة انتصر عليها طَبْعُنا الاستبدادي، وتطوُّر في أنظمة حكم تواصلت معنا حتى اليوم.
والاستبداد يَسْرِي في المجتمعات البشرية، ولم تتحرَّر منه الدول المتقدمة إلا قبل عقود، بل ولايزال فاعلًا في عَدَدٍ منها.
وعندما نأتي إلى دولنا وأنظمة الحكم فيها لا يمكننا أن نَتَّهِمُها بأنها هي الوحيدة من بين الدول التي يتحقَّق فيها الاستبداد، وبأنه السبب الرئيس والوحيد لما تعانيه، بل إنه سبب من أسباب وليس السبب الوحيد كما يُراد له أن يُفهم، فالعديد من الدول ذات الأنظمة المُسْتَبِدَّة المعاصرة مُتَقَدِّمة ومتفوقة، بل إن الديمقراطية بأبسط تعريفاتها هي استبداد الأكثرية، أي أنها استبداد مُتَطَوِّر أو مُتَحَضِّر.
وتنتشر المقالات التي تُحَمِّل الاستبداد مَغَبَّة ما يجري في البلدان للعباد، وتتغافل عن أسباب مهمة أخرى، فإقامة نظام حكم غير مُسْتَبِد يحتاج لوقت وتضحيات ووعي مُتَرَاكِم يستدعي تواصل ثقافات أجيال، بينما من السهل إقامة نظام استبدادي لأن الأجيال مُؤَهَّلَة لقبوله والعمل بموجب إرادته.
"إذا تغيَّر السلطان تغيَّر الزمان"، هذا ما قالته العرب للتعبير عن العلاقة العضوية ما بين الناس والسلطان، وفيه تعبير واضح عن الاستبداد والاستعباد... "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم" ينطبق على الكرسي المُسْتَبِد، إذا تمكن منه مَن يتقي الله.
11\12\2020
واقرأ أيضاً:
وهْمُ الوحدة العربية / فقه الغنيمة والكرسي / أنياب الديمقراطية!