يتحدثون عن المستبد المستنير أو المنوَّر، وكأن الشخص الذي تمكن منه الاستبداد يمتلك عقلا بموجبه يقرر، فالاستبداد حالة انفعالية عاطفية غابية الطباع معبرة عن طاقات أمارة السوء الفاعلة في الشخص، ومستعبدة للعقل ومسخرته لتحقيق نوازعها ومراميها، فلا يمكن لسدود العواطف والانفعالات أن تسمح لنفاذ شعاع نور من خلالها، لأنها صلدة صماء.
ولا يختلف مستبد عن آخر إلا بكيفيات التعبير عن نوازعه، وما تأجج فيه من تطلعات محمومة بالسوء والبغضاء والكراهية لكل موجود حتى نفسه هو!!
فالمستبد عدواني على الذات والموضوع، وينتقم من نفسه ومن غيره، ولهذا معظمهم تكون نهاياتهم قاسية ومشينة، لأنهم يبطشون.
وليس من الموضوعية أن نقرن التنوير بالاستبداد، لأن المستبد يسخّر كل شيء لتحقيق رغباته، ولا يعنيه الآخر أيا كان، ويمكن القول أن الاستبداد يمثل غرائز واضطرابات الشخصية العدوانية أو السايكوباثية، التي تمتهن الإجرام والآثام وتسوّغه بما تستطيعه وتقدر عليه.
والمستبدون يمتطون الأديان والأقلام، فتجد وراء كل مستبد، جمهرة عمائم وطوابير أقلام، ومواقع إعلام تروّج وتضلل وتتعاطى على أفكها مالا وفيرا.
الاستبداد يدين بوجوب الطاعة والخنوع والخضوع، وأي فرد أو مجموعة لا تحمد ربها على بقائها تستنشق الهواء، توصف بما يبرر محقها الفوري، وما أكثر تخريجات الاجتثاث والأمر بالإعدام.
فهل وجدتم مستبدا لم يسفك دما، ويتباهى بالمظالم والقدرة على سحق الإنسان؟
وهل وجدتم حيوانا مفترسا أو طيرا جارحا، تنوّر بالرأفة والرحمة، وأبى أن يفترس؟!!
علينا أن نتحدث عن القائد الوطني الذي يستوعب هموم المواطنين، ويجاهد لصناعة إرادة فريق العمل الواحد، القادر على النهوض بالبلاد والعباد، وتحريرها من أصفاد النكوص وأنواع الاستعباد، وبواسطته تستيقظ العقول وتتواءم النفوس، وتلد الأوطان إرادتها ويظهر جوهرها المكنون.
فهل لنا أن ننير ونثير ونستنير؟!!
واقرأ أيضاً:
البشر الطائر!! / الطعام يا عَرَب! / الأُمَّة المَبْعُوجَة!