امرأة متمردة
يلتف الليل بسواد حالك، تتزركش السماء بلوحات فنية نجوم تتناثر هنا وهناك، وشهب تظهر وتختفي، قمر يجالسك حتى ساعات السحر، وأرق يظهر بهالات سوداء تحت مقلتيك، لا تعرف للنوم طريقاً، ابتلعت الكثير من المهدئات وأنًى لها أن تسكن عواصف ذهني، وأمواج عاصفة تعصف بأوردتي.
لا أعتقد بأني مررت بطفولة عادية، لم أرضى يوماً بدمية جميلة، أو فستان يزف براءة طفلة صغيرة، لم أقبل بشعر تهذبه شرائط وردية، ولم أكن ضمن مجموعة الفتيات ألطف الكائنات.
اللطف .... وما أدراك ما اللطف .... لا أعتقد بأني كنت يوماً لطيفة، كنت تلك المتمردة المتلقية للعقاب دوماً وعجزوا عن تهذيب شكلي، أرادوني فتاة لطيفة، مهذبة الهندام تأسرك برقتها. كنت العكس تماما، بشعر قصيرخصلاته السوداء تشبه ظلام قلبي رغم صغره وثياب صبي مشاكس، ولأن والدي يمتلك مزرعة، كنت أتوغل بلا خوف بين الأشجار، ألاحق الدبابير، وأركض بلا توقف، إن نال التعب من الجسد الهزيل، أستلقي فوق الحشائش، بين الطبيعة، بلا تصنع.
ألاحق الفراشات لأزعجها، وأجمع العناكب بزجاجات صغيرة وأفخر بمجموعتي كأنها أحجار كريمة، تغيب الشمس على حياء...... يحل الظلام وأعود سعيدة، والطين يغطي ملامحي والوحل يلطخ ثيابي، أعلم بأن لي نصيبا من الصفعات والغضب الساطع قادم للمتمردة الهائمة بين الغابات والأشجار، أعاقب وأجبر على حمام يزيل آثار الطبيعة عن ابنة الأرض.
لا تؤلمني الصفعات، ولا تقتلني نظرات الغضب، ولا بواكي للصغيرة الماكرة. أنا أفعل ما يحلو لي، وما يدخل شيئاً بسيطاً من السعادة لقلبي، ليتك تفهمين يا أمي، اختلافي ...... ابنتك لا تحب الدمى، وتمقت ثياب الفتيات، ابنتك تعشق القراءة وليس أمجاد صناعة ما لذ وطاب من طعام.
ابنتك لا تجيد ما تجيده وتتسابق لأجله النساء، لن أتزين كمهرج لأبدو جميلة فمن خلقني، خلقني وبث الروح بي فلم العبث بملامحي، أمي لا أبحث عن إعجاب أحدهم ولا أود أن أكون جولييت الباحثة عن روميو، ولاحقا سأصبح السيدة السمينة التي تتقن صفع أطفالها كلما تغضب. أمي لست من سوق النخاسة والعبيد لأقدم القهوة لمن سيقرر إن كنت عروسه المستقبلية ففي ذاك عار كمن تساق للبيع ،أمي لا أحلم بفستان أبيض ولا أدري ما قصتي مقتي للفساتين، كنت وما زلت سيدة أنيقة وما زلت تلك المشاكسة المتمردة.
ألتهم الطعام كأسد ينقض على فريسته، عبثاً حاولتي تهذيب هذا الكائن وهي السيدة الرقيقة، غضب أبي يقوده لصفعي فأقع ويتبعثر الطعام في كل مكان، أكمل وليمتي دون إظهار قهري ....
إنها أنا بتفاصيلي، أنثى أم نصف أنثى تعجبني روحي وكسري لقيودكم، تعجبني نوبات جنوني، أتألم من صفعة أبي ولأني فتاة وحيدة بين ذكور، لم يمانعوا بامتلاكي لكيس ملاكمة بغرفتي، نعم كيس يتدلى من السقف وأنهال بقبضات يدي معلنة هذا الغضب وأضرب لدرجة أكاد أفقد وعيي، عشت بهذه الدنيا ألاحق شغفي وكان علم السموم شغفي فكانت تلك دراستي.
كنت أحقن الفئران والجرذان بتجاربي ولم تضايقني نظرات من ينظر لفتاة في مختبر للجرذان وللقردة إن شئتم.
طبعا الدراسة والنجاح هو نصيبي, والعزوبية والهروب من قطار الزواج مصيري.
ثمة إناث لم يُخلقن للقاء شريك وإكمال نصف الدين والتشرف بلقب أم، إناث من هذه الفئة خلقن مكتملات، بلا أنصاف، بأهداف ولسن هائمات، واعدات ورائدات ولكن صدر الحكم بفشلهِن وبل بإطلاق أقسى كلمات تمس كرامتهن عوانس.........
لو نلت جائزة نوبل بالفيزياء، أو لربما أصبحت رائدة فضاء، ليس سوى وجود شريك للحياة .... زوج يكمل صورتك الاجتماعية وما دون ذلك يجعلك من الأقل حظاً، فكر ومعتقد يسكن كل خلية في رأس كل شرقي.
فاتبعي شغفك وقودي طائرتك فلسن ممن ينتظرن القطار لركوبه، لا هبوطا اضطراريا إنما تحليق بين الغيوم وفوق قمم الجبال .....
جميلاتي في كل مكان أحدثكن وأكتب بحبر صادر من حجرات القلب، كوني أنت ولا تعيشي ضمن القطيع، ليس عليك التلطخ بالطين والوحل مثلي، ولا ممارسة رياضة عنيفة، إنما عيشي شغفك أيما كان، اخرجي من القطيع وعيشي لو شئت كنمر وحيد، الكثير من الكرامة، وجميل الحرية، وروعة هدوء الوحدة إن شئت ...فالقاع مزدحم فعليك ببلوغ القمة وأنت لها.
واقرأ أيضاً:
مغامرة من داخل العيادة النفسية / أمطار الحزن