دروس الهجرة سبيل لإصلاح حال الأمة:
تشرق على الدنيا بشائر العام الهجري الجديد حاملة فى طياتها أعظم حدث فى التاريخ والذي قام به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتبعه من آمن بدعوته وصدق رسالته، فبهذا الحدث تغير وجه التاريخ وصار يوم الهجرة أول يوم فى العام الإسلامي يحتفل به المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ويأخذون منه الدروس والعبر التي تعينهم على إصلاح حالهم النهوض بمجتمعاتهم ويثبتوا للعالم أنهم أمة لها تاريخ ودور فاعل فى صياغة مستقبل العالم وحتى يتحقق لهم ذلك عليهم أن يجدوا ويجتهدوا فى أمور دينهم وحياتهم متخذين القدوة من رسولهم صلى الله عليه وسلم .
المرحلة الأولي:
أن الهجرة هي المرحلة الأولى من مراحل الدعوة الإسلامية والإخبار بها كان معهوداً ومعروفاً من قبل ويؤكد ذلك قول ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليتني أكون حياً إذ يخرج أهلك ورد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً أو مخرجي هم؟ فكان نبأ هجرته معهوداً ومعروفاً من قبل.
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصرف لأمة تتبعه وتقتدي به ومن بين أتباعه مستضعفون لم يعلن نباء هجرته بل هاجر فى السر ولم يعلن كما أعلن عمر رضي الله عنه لأن سيدنا عمر حين يعلن هجرته وله ظهور تحميه فهو يتصرف انطلاقاً من توجه خاص به واجتهاد له معين، أما تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان انطلاقاً من الصالح العام لمن تبعه من المسلمين وهذا شأن القائد الماهر الذي يعطي درساً عظيماً لمن تبعه من الخلفاء والحكام على مر التاريخ إلى أن تقوم الساعة.
شجاعة القائد:
وأن القائد الماهر يحقن دم أمته ويصون الذين يتبعونه وهكذا كان النبي الرؤوف الرحيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فلم يشأ أن يعلن هجرته بل أخذ بالأسباب واستخفى عن أعين المشركين.
صلوات الله وسلامة عليك يا صاحب الهجرة يا من أعطيت دروساً لقادة الدنيا وحكامها وشعوب العالم على مر التاريخ وأن الرواد والمصلحين في كل زمان ومكان لابد وأن يلاقوا من المشقة ما شاء الله تعالي حتى ترتفع درجاتهم عند الله جل وعلا.
ويقول الدكتور منيع عبد الحليم محمود عميد كلية أصول الدين بالقاهرة جامعة الأزهر: وأن البلاء لما اشتد بالمسلمين بسبب إيذاء المشركين لهم ضاق المسلمون بالأمر ذرعاً وشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذنوه فى الهجرة فقال لهم قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب من أراد الخروج فليخرج إليها وأخذ المسلمون يهاجرون سراً وتبدوا عليهم أثار تربية الرسول صلى الله عليه وسلم من الثقة فى الله والصبر وتحمل المشاق فى سبيل دينهم.
الهجرة فى العصر الحاضر:
أما الهجرة فى العصر الحاضر فتتمثل فى الجهاد والنية بجهاد النفس لتتزكي وجهاد الأسرة لتستقيم وجهاد المجتمع ليسير على مبادئ الإسلام وجهاد الأعداء حتى يخرجوا من كل شبر من أرض الإسلام ويصاحب الجهاد فى جميع ميادينه نية خالصة لوجه الله تعالى في كل عمل نقوم به وفي عمل نتركه.
وإذا استقام الفرد على ذلك واستقامت الأمة على ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يتكفل له ولها بالنصر والفوز وسعة الرزق ويكفل له ولها أيضاً الخير كاملاً غير منقوص ففي دروس الهجرة السبيل الأمثل لإصلاح حال الأمة.
ويقول الدكتور محمد أبو ليلة رئيس قسم الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر: أن الهجرة النبوية أعظم حدث فى تاريخ البشرية لأن بها انتصر الحق على البطل وكلل الله تضحيات المسلمين الأوائل بالنصر المبين وانتشر بها الإسلام بين العرب ثم باقي ربوع الدنيا لأن الهجرة كانت عاملاً استراتيجياً حاسماً في تاريخ الإسلام لأن مكة في بداية ظهور الدعوة الإسلامية لم تكن تصلح أن تكون حاضنة لها وعاصمة روحانية للمسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها لذلك لم يفكر النبي صلى الله عليه وسلم فى جعلها عاصمة للدولة الإسلامية بعد الفتح لأن عاصمة الدولة الإسلامية لابد وأن تتسم بالحضارة وتكون قريبة من دول ذات حضارة وعلى طرق تجارية وذلك كله لم تتسم به مكة.
الهجرة ليست هروباً:
كما أكد أن الهجرة لم تكن تعني مجرد الهروب من أذى مشركي مكة فقط بل كانت إقامة الدولة الإسلامية، هي الشغل الشاغل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الهجرة عملاً يهدف إلى توسيع رقعة الدولة الإسلامية وتكثير عدد المسلمين وإحداث نوع من الإعلان والإعلام عن هذه الدعوة المباركة وفي هذا درس عظيم للمسلمين عليهم أن يعلموا به محاولين توسيع دولتهم وتسخير إعلامهم لخدمة قضايا دينهم.
ويشير د. أبو ليلة إلى أن يهود المدينة لم يكونوا يشكلون تياراً سياسياً أو عسكرياً داخل المدينة لذلك لم يدخلهم الأنصار في حساباتهم كقوة بالمدينة حينما بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على النصرة ورغم ذلك لم يمهلهم أو يتجنبهم النبي صلى الله عليه وسلم بل أبرم معاهدة معهم كانت الأولى فى تاريخ الدولة الإسلامية بين المسلمين وغيرهم واعتبرت وثيقة المدينة اليهود أمة واحدة مع المسلمين ولم تلزمهم بأية نفقات أو تبعات فى الدفاع عن المدينة بالداخل؛
وأرسى النبي صلى الله عليه وسلم ولأول مرة دعائم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وما فعله الأنصار من الحب والإيثار لإخوانهم المهاجرين يتعدى بكثير ما تصوره بعض الفلاسفة قديماً عن المدينة الفاضلة ويدل على ذلك قول الحق تبارك وتعالى "وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر : 9)" .
واقرأ أيضا:
الحج موسم عالمي