بينما كنت أنظف أدراج مكتبي القديم، سقطت من بين الأوراق رسالة كتبتها قبل سنوات ولم أرسلها أبداً، رسالة اعتذار لصديق قديم، مليئة بالكلمات التي كنت أخجل من قولها وجهاً لوجه، أمسكت بالرسالة وقرأتها مرة أخرى، وفجأة شعرت وكأنني أتجول في متحف شخصي، متحف مليء بالقطع الأثرية من أخطائي الماضية، كل ورقة قديمة تحكي قصة خطأ، وكل صورة تذكرني بقرار خطأ. اقرأ المزيد
الغرض التوثيقي للشعر يتواصل ولن ينتهي، أما الأغراض الأخرى بأنواعها، فأن شعراء الأمة استنفذوها، ولا يمكن لللاحق أن يأتي بأحسن مما أبدعوه، ولهذا فالغرض التوثيقي هو الأبقى والأصلح للأمة، ولكي تدرس التأريخ عليك أن تطلع على شعراء المرحلة التي تتناولها، فعندما تدرس عصر المماليك عليك بالبوصيري، وعندما تدرس العراق في القرن العشرين، اقرأ المزيد
"ما زلزلت مصر من كيد ألمّ بها.... لكنها رقصت من عدلكم طربا" هذا بيت شعر يختصر تفاعل الحافين من حول الكراسي مع سيدها، ويمثل آليات التكسب والمديح الكاذب، والتصوير الباذخ بالكلمات لحالات متخيلة لا وجود لها في سلوك الشخص المعني. اقرأ المزيد
ألاحظ في الآونة الأخيرة كيف أصبح الكثيرون منا مهووسون بالأرقام، لا أقصد أرقام الحسابات المصرفية، بل أرقاماً من نوع آخر، أرقاماً تخبرنا كم خطوة مشينا، وكم ساعة نمنا، وكم كوب ماء شربنا، وكم سعراً حرارياً حرقنا، وحتى كم مرة تنفسنا بعمق في اليوم الواحد؟! هؤلاء الناس يستيقظون كل صباح ليتفقدوا «تقرير الليلة الماضية» الذي ترسله لهم ساعاتهم الذكية، كم ساعة من النوم العميق حصلوا عليها؟ كم مرة استيقظوا؟ وما مستوى الأكسجين في دمهم أثناء النوم؟ فأصبحوا مع الوقت لا يعتمدون على شعورهم بالراحة أو التعب لمعرفة جودة نومهم، بل على تقييم جهاز إلكتروني صغير لا يعرف شيئاً عن أحلامهم أو همومهم! اقرأ المزيد
الكتابة بأنواعها صنعة أو حرفة ومهنة يرتزق منها أصحابها كأية حرفة أخرى، فالكُتاب والشعراء بضاعتهم كلماتهم، ويتباينون في مهارات تسويقهم وآليات تقربهم من بلاط الكراسي عبر العصور وحتى اليوم. فالكاتب يعيش على ما يكتبه، وكذلك الشاعر بضاعته شعره الذي يبيعه لمن يدفع أكثر، وكأن الشعراء المعروفون يجيدون فنون المزادات، وكيفيات بيع قصائدهم بأثمان عالية. فالجاحظ – على سبيل المثال- أهدى كتاب الحيوان للفتح بن خاقان، والبحتري اقرأ المزيد
تصفح الهاتف لساعات دون هدف محدد، مشاهدة مقاطع فيديو قصيرة بلا نهاية، الانغماس في مسلسلات تلفزيونية لا تنتهي، التسوق العشوائي عبر الإنترنت، الأكل دون جوع حقيقي، النوم الزائد عن الحاجة، أو حتى العمل المفرط والانشغال المستمر بتفاصيل لا تنتهي، كلها ليست مجرد عادات عفوية أو تصرفات بريئة نمارسها دون وعي، بل هي طقوس هروب دقيقة ومحكمة ومدروسة نؤديها يومياً، دون أن ندرك حقيقتها العميقة، إنها الطرق الماهرة والذكية التي اخترعناها لتجنب مواجهة أنفسنا والهروب من الأسئلة الصعبة والمشاعر المعقدة والحقائق اقرأ المزيد
يفغر مدلوق لسان يتغرغر بالنجيع يكتب مأساة أنا على صخرةٍ تنعى الوجيع تخاطب أشجانا تنشد ألحانا والنبض بلا رجيع فالقلب صادي والروح تتلوى كالثعبان المرهون بثعبان والموت هو العنوان والصمت صراخٌ وهدير حياةٍ في الوديان نطق التراب اقرأ المزيد
في زمنٍ أصبح فيه الظهور الدائم والتألق المتواصل معياراً للنجاح، بات من الغريب، بل ربما من المعيب، أن نعترف بأننا نحب لحظاتنا العادية الهادئة، التي لا تحمل في ظاهرها أي شيء مميز، تلك اللحظات التي نعيشها بعيداً عن عيون الناس، ولا نلتقط لها صوراً للإنستغرام، ولا نرويها في حكايات المساء، ولكنها مع ذلك تشعرنا بطمأنينة وسكينة، وتمنحنا شعوراً نادراً بالسلام الداخلي! الهدوء هنا ليس فراغاً ولا مللاً، بل هو مساحةٌ من التصالح مع الذات، حين لا نحتاج لأن نُثبت شيئاً لأحد، ولا لأن نعيش في سباقٍ محموم لإرضاء معايير الآخرين، إنه ببساطة تلك اللحظة التي تضع فيها رأسك على وسادتك دون قلق، أو تجلس مع اقرأ المزيد
في المرحلة الإبتدائية أول ما تعلمته عبارتين هما الإستعمار يستعمل سياسة "فرّق تسد"، وكلمة "فلس...طين"، وما كنت أعرف معانيهما، لكني حفظتهما، وأمضيت العمر وهما يرافقاني، وبعد أن وعيتهما، وجدتهما يمعنان بالفرقة والشقاق، وإذا بفلسطين كما وعيتها طفلا، تنتهي إلى انشطارات ذات تداعيات مزمنة ومتراكمة!! هذه عاهة سلوكية فاعلة في مجتمعاتنا منذ بداية القرن العشرين، وربما منذ منتصف القرن التاسع عشر، فالمفكرون شخصوا العاهات ووضعوا الأدواء، لكنهم مع الأيام عضلوا المشكلات، وأبعدوا الحلول، فتحولت الحياة إلى مرتع للويلات والتداعيات والخسران الأليم. اقرأ المزيد
في عالمنا اليوم، بات الجميع يركض نحو التميز، نحو الاستثنائي، نحو المختلف، وكأن هناك عيبًا خفيًا في أن تكون ببساطة إنسانًا عاديًا، فأصبحنا مهووسين بفكرة أن حياتنا يجب أن تكون دومًا قصة مثيرة تستحق أن تُروى، وأن نجاحنا يجب أن يكون لافتًا للأنظار، وأن كل شيء نفعله لا بد أن يكون استثنائيًا أو مبهرًا، وإلا شعرنا بأن ثمة خللًا ما في حياتنا! لكن، دعني أسألك بهدوء: هل فكّرت يومًا أن من نراهم «عاديين جدًا»، قد يكونون أكثر سعادةً منا جميعًا؟! هؤلاء الذين لا يكترثون بأن يُثبتوا شيئًا للآخرين، ولا يحتاجون إلى تصفيق جمهورٍ افتراضي أو واقعي كي يشعروا بقيمة حياتهم، ويعيشون اقرأ المزيد






