السلام عليكم ورحمة الله
أخي يعاني من تأتأة شديدة مزعجة، في طفولته الأولى كان محل اهتمام، وكان يحبه الجميع ويحبه كل كبير يلتقي به لما يتمتع به من جمال في الشعر والبشرة والعينين ربما كان منذ صغره يعاني من ضعف وقصر في البصر ولكننا لم نكن ندري ـ قبل دخوله المدرسة كان نشيطا في البيت، ومعاكسا لإخوته، وكان يتكلم طبيعيا بما يناسب سنه، وكان يغني ويقلد أغاني الأطفال.
إلا أن ظروفا لم تمكنه من مخالطة الأطفال غير إخوته، ولم يكن يلعب بالشارع. وعند دخوله المدرسة كان قليل الاختلاط إلا مع ابن عمه، وكان لا يناقش ولا يتكلم ولا يتعارك، حتى أن المدرسات اشتكين من سكوته في الفصل وعدم مناقشته وعدم تفاعله .
كان مستوى نجاحه متوسطاً وكان دائماً هادئاً وطيباً وقليل الاختلاط حتى أثناء دراسته في الإعدادية والثانوية، والكل يلاحظ ويعلم ذلك. وربما كان يعلم أن الكل يعلمون بحالته. وكان يعاني كما سـبق القول من ضعف وقصر في النظر، ولكننا لم ننتبه لذلك أبداً، وقد يكون ذلك هو سبب إعادته للثانوية العامة أربع مرات،
وكان يعاني من التأتأة ((الوتوتة)) التي تزداد معه شيئاً فشيئاً لدرجة الانزعاج، وهو يحس ويعلم بذلك، لذلك كان يكره كثرة الكلام، وكان يرد على كل من يخالطه الحديث بعنف وباختصار شديد جداً، لذلك كان يقول أنه يكره صوته والعمل الذي يجبره على الكلام والكتابة ويريد عملا يدويا منعزلا.
عندما كان والده يوجهه مع إخوته ((توجيهات عامة ودينية)) كان يفهم بالطبع ولكن لا يرد أبداً وكان معه أثناء استماعه عادة نتف حبات الشباب بكثرة، ولم يترك هذه العادة حتى الآن رغم ملاحظة والده له صراحة .
والآن هو يدرس بالمعهد العالي وينجح الأول بامتياز، وقد اختار تخصص الإلكترونيات لأنها لا تستوجب منه كثرة الكلام، وقد زادت فيه التأتأة والارتجاف في كلامه. الغريب عندما يلقنه والده سور من القرآن يقرأها بعد ذلك دون تأتأة ولا ارتعاش، وقد ينطبق ذلك في قراءته في أي كتاب كان قد قرأه من قبل، وكذلك أثناء إقامته للصلاة .
لقد قال مرة صراحة أنه يكره صوته ويقول أنه يعلم بمشكلته ويضخمها، ويقول أنه سيسعى للعمل لكسب المال لمعالجة نفسه وصوته والتأتأة التي بلسانه، وقد أخبر والده أن لسـانه يعلق في مكان واحد خلال الحرف الذي سينطق به ولا يستطيع رده بسهولة. ربما لاحظ في صغره غضب والده بسبب بعض أخطاء إخوته في الدراسة وفي البيت وليس منه شخصياً .
الآن جسمه قوي ويمارس رياضة وهو فرح بها ويفتخر، ويفضل التمرين لوحده منزوياً. الآن له صاحب في الدراسة يتبادل معه الحديث فيما يخص الدراسة، وأيضاً مواظب على صلاته ويذاكر في دروسه. نظرا لقصر النظر الذي يعاني منه فهو يستعمل نظارات طبية في الشارع، ولا يستطيع بدونها النظر إلى التلفزيون، ويستعملها أيضا أثناء ألعاب الحاسوب.
أخلاقه عالية مواظب على صلاته يمزح مع إخوته، وكثيرا من الأحيان يختصر حديثه وإجابته مع إخوته في البيت، وأحيانا يتضايق من كثرة الكلام. كتابته وخطه رديء، يجد صعوبة في الرد على الهاتف، ويلاحظ عليه الارتباك حيث ينكب على جهاز الهاتف بوجهه مع شعوره بالخجل، وهو غير مطمئن لصوته، ربما كانت مشكلة صوته بسبب مرض اللوز المتكرر أثناء طفولته، دائما يتكلم بصوت خافت ولكنه متسرع، وحاول والده أن يدربه على الرد البطيء ولكنه لم يفلح.
لاحظنا تقطع في نفسه أثناء الكلام وأثناء قراءة القرآن أي لا يستعمل النفس الطويل واللحن في التلاوة.
لاحظنا أنه يتجنب مقابلة النساء الغريبات والتحدث إليهن.
14/5/2019
رد المستشار
الأخت السائلة العزيزة أهلا بك، أحييك أولاً على اهتمامك بمشكلة أخيك وإن كنتُ أحس بمزيجٍ من الاستغراب والأسف، لأن أخاك لم يكتب لنا بنفسه مع أنه بالتأكيد يدخل الإنترنت كما يفهم من نوعية دراسته، وسببُ الأسف هو أن من أهم متطلبات تحسن حالته أن يلجأ بنفسه بعد الله إلى طبيبٍ أو معالجٍ نفسي يوضح له عديدًا من المفاهيم المختلطة والمغلوطة لديه ويدربه كذلك على توكيد ذاته.
وتعتبر التأتأةُ هي اللب المحوري الذي تدور حوله معاناة أخيك في شتى المجالات وهي إضافةً إلى قصر نظره واضطراره إلى وضع النظارة الطبية على وجهه يظهران لنا كالسبب الذي دفعه إلى الانطواء في معظم مراحل عمره السابقة، وهذا هو الاحتمال الأغلب.
والتأتأةُ Stuttering وهيَ كلامٌ يتميزُ بتكرارٍ سريعٍ أو تطويلٍ في الأصوات أو المقاطع اللفظية أو الكلمات، أو بترددات وانقطاعاتٍ كثيرةٍ تقطع الانسياب الإيقاعي للكلام Speech Fluency، وسوء الإيقاعات البسيطة Simple Dysfluency من هذا النوع شائعةٌ جدا كمرحلة عابرةٍ في الطفولة المبكرة، أو كسمةٍ كلامية بسيطةٍ ولكن دائمة في الطفولة المتأخرة أو الحياة البالغية، وفي بعض الحالات تكونُ هناك حركاتٌ مصاحبةٌ في الوجه أو جزء من آخر الجسد أو كليهما تتزامنُ مع التكرارات أو الإطالات أو الانقطاعات في انسياب الكلام.
وأسباب التأتأة غير معروفةٍ علميا على وجه الدقة ما تزال، فقديما كانت هناك نظريات تتحدث عن صراعاتٍ نفسية كامنة تسببُ القلق وما شابه، ولم تثبت هذه النظريات صحتها لا من الناحية البحثية ولا من ناحية نجاح طرق العلاج المبنية عليها، ووضعت بعد ذلك نظرياتٌ ترجع الأمر إلى أسباب عضوية في تميز نصفي الدماغ عن بعضهما وفي النشاط الكهربي المقارن بين نصفي المخ خاصةً وأن نسبة العَسَر (بفتحتين من أعسر) أي الذين يستخدمون اليد اليسرى بدل اليمنى أعلى في من يعانون من التأتأة، كما أرجع الأمرُ إلى الجينات الوراثية أيضًا نظرًا لزيادة معدلات التأتأة في الذكور مقابل الإناث، حيث نجدها في أنثى واحدة مقابل كل أربعة ذكور، كما بنيت بعض النظريات على التوجه السلوكي في علم النفس والذي يرى في التأتأة استجابةً متعلمةً لسوء الإيقاعات البسيطة الطبيعية العابرة في مرحلة الطفولة المبكرة، كما رأى البعض فيها استجابةً متعلمةً يعززها اهتمام الأهل بها إلى آخر ذلك من نظرياتٍ قد تصح في بعض الحالات لكنها كثيرًا ما تعجزُ عن تقديم الحل الكامل والمستمر للمشكلة، وجماع الرأي العلمي الآن هو أن تفاعل عديد من العوامل الجينية والبيئية هو السبب في التأتأة.
ولا تعتبرُ كل تأتأةٍ بمثابة المرض النفسي الذي يستوجب العلاج فهناكَ عتبةٌ من الشدة والمعاناة والإعاقة الحياتية يجبُ أن تتجاوزها الحالة لكي تصنف باعتبارها اضطرابا نفسيا، وهذا هو الواضح في حالة أخيك ، حيث أن المشكلة جعلته يبرمج حياته بحيث يتجنب محادثة الآخرين ما استطاع إلى ذلك سبيلا، كما أن تأثيرها المعنوي عليه يبدو متضخما بشكل يستوجبُ العلاج في حد ذاته كما يفهم من تعبيره المتكرر عن كراهيته لصوته، ومن شعوره بالضيق والارتباك بسبب عدم اطمئنانه لكلامه حتى أمام الهاتف كما يظهر من وصفك في إفادتك (يجد صعوبة في الرد على الهاتف، ويلاحظ عليه الارتباك حيث ينكب على جهاز الهاتف بوجهه مع شعوره بالخجل، وهو غير مطمئن لصوته)، إضافةً إلى جعله العلاج من هذه المشكلة واحدًا من أهم أهداف حياته فهو يريد النجاح وتحقيق الثروة من أجل العلاج.
وأما ما اعتبرته غريبا حين قلت في إفادتك (الغريب عندما يلقنه والده سور من القرآن يقرأها بعد ذلك دون تأتأة ولا ارتعاش، وقد ينطبق ذلك في قراءته في أي كتاب كان قد قرأه من قبل، وكذلك أثناء إقامته للصلاة)، وهذا ليس بالغريب بل هو الملاحظ في حالاتٍ كثيرة من التأتأة حيث تختفي مثلاً عندما يقرأ أو يغني الشخص أو يعيد ما حفظه غيبا، وأما عبثه بحبات الشباب أثناء استماعه لتوجيهات الوالد فلا أظن فيه دليلاً واضحًا على اضطراب كاضطراب نقر الجلد المتكرر Repetitive Skin Picking وليس أكثر في تخميني من تعبير عن معاناة أخيك الداخلية وقلقه النفسي.
فإذا ما وصلنا إلى العلاج فإن طرق العلاج المبنية على نظريات السبب الواحد لم تثبت في أغلب الأحيان أكثر من نجاح عابرٍ ومؤقت، وآخر ما استنتجه الباحثون في هذا المجال هو أن أهم دعائم العلاج هو أن يتقبل الشخص اختلافه أي ألا يعتبر صوته وكلامه عورةً يخجل من أن يراها الآخرون، ولعل هذا ما يعني جنوحًا في طريقة التفكير الغربي التي لا تسمح بالتباين والاختلاف كما ناقش أخي الدكتور أحمد عبد الله في إجابةٍ على صاحب مشكلة مشابهة لمشكلة أخيك بعنوان التأتأة والأيزو و"السادة العلماء" إعادة نظر
والتي تعتبر قراءة أخيك لها واستيعابه لما يرد فيها أول مراحل تغيير أفكاره في الاتجاه الصحيح للعلاج.
وأما الخطوة التالية في العلاج فهي الأسهل والأيسر إن شاء الله وقد تكونُ تدريباتٍ سلوكيةٍ وقد تكونُ شكلا من أشكال البرمجة اللغوية العصبية (Neuro-Linguistic Programming NLP)، ولكن من المهم أن يعالجه الطبيب النفسي المتخصص من اكتئابه وقلقه وخجله المبني على مفاهيم خاطئة إضافةً إلى حاجته إلى تدريبات توكيد الذات لكي يتعلم كيفية تقبل ذاته أولاً ثم كيفية فرض قبولها على الآخرين، وفي النهاية نتمنى أن يكتب لنا أخوك بنفسه وأن يهديه الله إلى التماس العلاج لدى المختصين، وتابعينا بأخبارك وأخباره.
واقرئي أيضًا:
التأتأة أصل وفصل وطريق العلاج
علاج التأتأة أحيانا عقاري فقط
التأتأة ونقاط للعلاج
مثلث الكلام: ثلاثة أضلاع
التأتأة والأيزو والسادة العلماء: إعادة نظر!