حالة من التبلد والاضطراب
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا رند من السعودية طالبة نظم معلومات عمري 21سنة أعيش مع أهلي نحن فتاتان وولدان، وأعيش مع أمي وأبي في نفس المنزل، عشت حياتي بشكل طبيعي مع أسرة هادئة لم نعتد على رفع الأصوات ولهواش أسرة راكدة. تربيت خير التربية وتعودت على الهدوء والمناقشة والمحاورة ولم أعتد على أي شيء يعكر حياتي والحمد لله من المرحلة الابتدائية وحتى نهاية الثانوية كنت بحالة رائعة ولله الحمد، حالة من التفاؤل والسكينة وكان مستواي الدراسي ممتاز، تخرجت من الثانوية بمعدل 95% وقُبلت في جامعتي على الرغبة الأولى.
- دخلت الجامعة وكان هنا التغيّر. في الحقيقة بدأت أول مستوى بحالة تفاؤل على الرغم من أن مستواي في بعض المواد كان سيئاً إلا أنني نجحت بها، وبعدها في المستوى الثاني لم أستطع تحمل الضغط في الدراسة فرسبت في 3 مواد ولم أعرف وقتها السبب في رسوبي. هل كان ذلك بسبب دوام الجامعة الطويل الذي كان يمتد من الساعة 8 حتى4:20 دقية والاستراحات نصف ساعة فقط للصلاة؟ أم كان السبب أنني لم أستطع تنظيم يومي فالكثير من زملائي في نفس التخصص قد نجحوا بدون حمل مواد ولكن أنا حملت 3 مواد.
- ما يؤلمني حقاً أنني لم أبكي عندما حملت المواد بل أكملت روتيني بشكل اعتيادي ولم أخبر عائلتي بحمل مواد على الرغم من أن والدي شخص متفهم ولا يحب ان نتحمل شيء فوق طاقتنا ووالدتي مُراعية ولكن كنت خائفة من أن تزول صورتي الجيدة والذكية أمامهم ولا أريدهم فيما بعد أن يعرفوا أني حملت مواد ولكن والدتي شعرت بشيء وأصرت على معرفة ما بي فأخبرتها. ساندتني ولم يخفى عليَ صدمتها ولكنها تحاول ألا تُظهر لي ذلك إلا أنني أشعر بذلك ولا يمكنني كبح نفسي عن الندم على إخبارها. والدتي فقط من تعلم بتعثري الدراسي دون أهلي.
- أصبحت أتجنب الزملاء في الجامعة كي لا يسألوني عن المواد أو لماذا حملتها؟ أستطعت بعدها أن أستيقظ من حالتي تلك وأستجمعُ شتات نفسي وبدأت المحاولة من جديد وبدأت درجاتي تُرضيني إلى أن وصلت للاختبارات النهائية من ذلك المستوى، وأصابتني حالة تبلد لم أستطع تفسيرها، فأنا لا أستطيع حفظ معلومة ولا أستطيع أن أكبح نفسي عن التوهمات والأفكار.
أنا أجلس حوالي 6 ساعات من المفترض أن أذاكر بها ولكنها تنتهي بتأمل الجدار والتفكير ولا أستطيع أن أخرج من تلك الحالة ولا أستوعب أني أسرف في الوقت إلا قبل الاختبار بساعات فأبدأ المذاكرة وبعض الأحيان لا يكفي الوقت وكل مرة أندم وأعد نفسي بقتل حالة التبلد ثم أصبح من جديد في تلك الحالة، تجاوزت الاختبارات النهائية ولم أحمل مواد والحمد لله وذلك بفضل الله ثم بفضل عدم إهمالي من بداية المستوى، لكن بعدها أُصبت بالتبلد والإهمال واللامبالاة والاضطراب وضعف الشخصية بين أصدقائي وأصبحت مُهملة في دراستي بشكل كامل ولم أستطع الوقوف مرة أخرى، أصبحت لا أريد أصدقاء كي لا يسألوني عن مستواي الدراسي وأصبحت لا أجتهد ولا أحاول.
- تعبت من هذه الحالة وحملت مادتين من جديد بسبب ذلك ولم أستطع إخبار والدتي بذلك لأنها سوف تقلق ولم أرد أن أقلقها. أحاول كثيراً تنظيم وقتي لكن كل ذلك يفشل عندما أتذكر المواد التي حملتها، كل شيء أحاول فعله أصبح لا ينجح ولا أحصل علي أي علامة جيدة ولم أعد أتذكر تحقيقي لشيء منذ سنتان وأصبحت مهزوزة الشخصية أتأثر بأي كلمة تُقال فمثلاً عندما تخبرني والدتي بأن شعري الذي قصصته لا يتناسب مع وجهي فأنا ل أجرؤ على مخالفة رأيها. أنا حقاً لا أعرف ما أريد؟ أو ماذا أنجزت؟. أيامي تمشي بلا أي إنجازات.
أصدقائي الكثر في الثانوية لم أعد أتواصل معهم حتى بدأت أصبح بلا أصدقاء ولا يوجد أي شخص يمكنني أن أخبره بهمي ولا أريد أن أخبر أختي كي لا تكون سلبية أو أعطيها نظرة تشاؤم وقطعت وعداً أني لن اخبر أمي بشيء بسبب أني لا أريد أن تقلق، لم يعد هناك شخص أخبره بهمي ولا يوجد لدي سوى صديقة واحدة ولا أستطيع إخبارها بمشكلتي لأنها تعاني من مشاكل عائلية، أنا فعلاً أصبحت وحيدة يائسة انطوائية وغير واثقة، الجميع يستطيعون هز ثقتي بنفسي وذلك يؤلمني للغاية،
أنا لا أعلم ماذا أفعل أو هل أنا أعاني من حالة نفسية أم لا؟؟
أتمني تخبرونني.
26/2/2020
رد المستشار
أهلا وسهلا بك "رند" على موقع مجانين للصحة النفسية.
يبدو من خلال تاريخكم الأسريّ أنكم أسرة هادئة متّزنة تخلو من المشاكل، وأمامنا بنت مسارُها الدراسي كان نموذجيا، وسلوكها مرضيّا على المستوى النفسي (الخاص بها) والاجتماعي. يبدأ التعثّر الدراسي وربما سوء اختيار التخصص ما بعد الثانوية ويتفاقم بشكل تدريجي لينعكس على نفسيّتك، تدخلين حالة اكتئابية تفقدين فيها تركيزك الذهني وتزداد حالة الشرود وتقل كفاءتك العقلية وقت المراجعة واستيعاب المواد، صرتِ أكثر حساسية واهتزّت ثقتك بنفسك لدرجة أنّ كلمة بسيطة قد تُربكك وتبعثر كيانك.... صرت أكثر انطوائية وتبتعدين عن الأصدقاء حتى لا يقيّمونك ويسألونك على "دراستك"، كلما أردت أن تنظمي وقتك وتعودي للياقتك التي عهدتها عجزتِ عن ذلك..... تقولين أنك لا تجدين من تبوحين له ولا تريدين أن تقلقي أمّك (نوع من التقوقع وتجنب سماع الانتقادات والخوف من قراءة ملامح الخيبة والتعجّب على وجوه من تخبرينهم).....
هذا التحوّل الحاصل بعد الثانوية، والذي يترافق مع الأعراض التي ذكرنا يُنبئ باكتئاب بدأك قبل أشهر سببه اضطراب التأقلم أو التكيف Adjustment Disorders، أو يُسمى الاكتئاب التفاعلي. وهو اضطراب يسببه تحول كبير (في الدراسة أو العمل أو الحالة الاجتماعية والأسرية) يجد الفرد صعوبة في التأقلم معه، يدوم لأشهر بعد الواقعة أو الكرب وإن تجاوز تلك المدة ينبغي العلاج منه بشكل فوريّ لاحتمالية وجود اضطراب آخر يتزامن مع ضغوطك الدراسية.
المشكل أن السلوكات التي تقومين بها لا تزيد إلا من تفاقم حالتك، هروبك من التفاعل الاجتماعي، تضخيمك لفشلك وتعثّرك (فأنت الفتاة المهذبة المثالية التي لا يناسبها التعثّر!!) تحاولين تمثيل دور "القوية التي لا تشكو من شيء"، تحاولين أن تقدمي الصورة التي يريد أن يراك عليها المجتمع ولو كان ذلك على حساب نفسك، لا تريدين أن تشاركي همومك فتزيدين في التقوقع على أفكارك السلبية وأخطائك السلوكية وتقلّلين من احتمالية تلقي المساعدة والعون أو نصيحة حكيمة ممن مرّ عليه مثل ما يمرّ عليك. تقولين لا تريدين أن تقلقي أمّك، لكن في الحقيقة إنما أنت من سيقلق إن أخبرتها، ستقلقين من ردة فعلها، من مكانتك التي تريدينها مقدّسة لا تطالها شائبة، ستقلقين من نظرتها التي ستتغيّر اتجاهك أو أن تخبر أحدا آخر...
ستبدئين أولا بمحاربة الصورة المثالية التي تريدين تصديرها، من حقك أن تضعفي من حقك أن تمرضي وتتعثّري، وصحتك أولى من دراستك ولو مؤقتا، من حقك أن تبكي ومن حقك أن تطلبي المساعدة ومن حقك أن تنالي معاملة خاصة في هذه المرحلة... كفّي عن تمثيل دور الفتاة الخارقة المستعبدة من قِبل النقاط والتحصيل والنجاح... كُفّي عن هذا مرحليا حتى تستعيدي عافيتك، فأنت تحتاجين تدخّلا طبيا ولا داعي لإنكاره خشية وصمة عار، لأن إنكار أنك مصابة بالاكتئاب هو أخطر من الاكتئاب نفسه، وهو حلّ غبيّ ترقيعي يستند فيه الناس على فكرة أنّ الاكتئاب "سيرحل بسرعة كما جاء"!
هذه الخطوة الأولى... بعدها ستكون كل الخطوات سهلة، بعد تكسير الدفاعات يجب أن تزوري طبيبا نفسانيا في أقرب وقت وتتبعي نصائحه وإن أعطاك دواء تأخذينه بانتظام وبالجرعات المطلوبة فليس مهدئا ولا منوما كما يروّج الناس والذين لا يعلمون... لكن الأهم هو اتباعك لبرنامج علاجي سيكون ناجعا جدا في حالتك.
وأتركك مع بعض الروابط وأتمنى لك الشفاء العاجل
صدمة نفسية: اضطراب التأقلم
بعيدا عن أسرتي أدرس: اضطراب التأقلم
من عدم التأقلم إلى الاكتئاب