أصبت باضطرابات نفسية بعد وفاة أبي
من حوالي خمسة شهور أصيب والدي بأزمة قلبية أمام عيني، وخرجت روحه لبارئها أمام عيني، ووقع بين يدي، وهذا المشهد لا أنساه يومياً وكأني أعيشه كل يوم بنفس الشعور الموجع.
بكيت أول أسبوع بعد وفاة أبي، وبعدها أصبت بنوبات هلع شديدة جداً ولم أستطع السيطرة عليها بكل الطرق نهائياً، وانفصلت عن الواقع بشدة، وعاد اضطراب "اختلال الآنية" بقوة، وأصبح وسواس الموت لا يفارقني ليلاً ونهاراً حتى أنني في أحلامي أرى الموت، وعندما أصلي أشعر أني سأموت، وعندما أكل الطعام أشعر أني سأموتي، كل تحركاتي أصبحت مربوطة بالموت.
كنت أعرف أن كل هذا غير حقيقي ولكني لم أستطع المقاومة، وكنت متيقن أني أمر بحالة نفسية لكني لم أستطع أن أسيطر على ماحدث لي، وكنت أذهب لدكاترة القلب وأجري التحاليل الطبية يومياً، وأعيد الذهاب لعيادات القلب وأحس أن قلبي سيتوقف في أي لحظة وأن مصيري سيكون مثل مصير والدي (الموت بنفس الطريقة).
أصبت بالاكتئاب وتبلد المشاعر، وأصبحت أخاف الخروج من المنزل ومقابلة البشر، وأصبح كل شيء لا طعم له ولا لو،ن وأحس بضغط عصبي وكره للإضاءة والأصوات العالية، وأصبحت أجلس بالظلام، ورأسي كأنه يوجد به ما لا يقل عن ١٠٠ صوت يتحدث في وقت واحد، مع ووساوس دينية، وخوف شديد مما بعد الموت، وخوف لا يطاق من عذاب القبر لأني قرأت أن المؤمن أيضاً يعذب في قبره، فأنا لا تفارقني تخيلات وأنا في قبري أُعَذَّب من الملائكة، وكيف سيكون العذاب، أنا لا أخاف الموت ولكن أخاف مما سيحدث لي بعد الموت.
أنا أصلي _ولله الحمد_ ومحافظ على صلواتي، وأختم القرآن كل شهر مرة قراءة، وأقرأ الأذكار، وأبر أمي _حفظها الله_، وأتصدق بقدر المستطاع، وكل فترة أستخدم الرقية الشرعية، وأشرب ماء مقروء عليه القرآن.
ذهبت لعيادة نفسية وتم تشخيص حالتي بـ "اضطراب ما بعد الصدمة"، ووصف لي الدكتور "لوسترال ١٠٠مجم" يومياً، و"لاميكتال ٢٠٠ مجم" يومياً، و"أمبريد ٥٠ مجم" يومياً، و"كالميبام" عند حدوث نوبة الهلع... انقضى من العلاج ٤ شهور وخف "اضطراب الآنية" بنسبة ٧٠٪، وتحسن مزاجي بنسبة ليست مرضية فأنا مازلت مكتئب وأشعر بوساوس عن الموت لا تفارقني لحظة، ويومياً أتقيأ وأحس بغثيان فظيع، وعندما أتقيأ أشعر بألم في صدري وكتفي اليمين بعد التقيؤ، فهل هذه لها علاقة بالقلب فقد سمعت أن من أعراض الأزمة القلبية ألم الصدر وألم الذراعين؟ وهل سيرحمنا الله في القبر؟ هل سيتجاوز عن سيئاتنا ويغفر لنا ولا يعذبنا؟
ليس هناك شخص معصوم من الخطأ أو الذنوب فنحن بشر، وأنا _ولله الحمد_ مسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، وأؤمن أن الجنة حق والنار حق والبعث حق وعذاب القبر حق، ولكن أخاف ألَّا أجيب على أسئلة الملكين (وهذا ما يقلقني)، وأخاف من لحظة انقطاعي عن الدنيا وخروج روحي وما إذا كانت ستأتيني ملائكة الرحمة أم العذاب.
ما رأيكم في حالتي؟ وهل سأرجع لطبيعتي؟ وكيف أتقبل موت أبي الذي لا يريد عقلي أن يتقبله؟... أنا مؤمن أن هذا قضاء وقدر، ولكل أجل كتاب، ولكن _والله العظيم_ هذا خارج إرادتي، وفعلت كل ما بوسعي وفشلت في أن أقتنع.
أنا غير متزوج، وإخوتي متزوجين، وأحس أن حياتهم غير حياتي فكلٌ مشغول في حياته وتقبلوا الفاجعة، أما أنا كنت سآخذ خطوة الزواج ولكن تراجعت وأجَّلت الخطوبة إلى أن أستقر نفسياً لأني لا أريد أن أظلم من سأرتبط بها بحالتي النفسية وتقلباتي النفسية، ولا أريد أن أُحمِّل غيري ذنبي أو أني أخطب وأترك خطيبتي بسبب الاضطرابات النفسية، فهذا سيكون ظلم مني.
أرجو من سيادتكم نصيحتي وإرشادي سلوكياً ودوائياً...
وجزاكم الله خير الجزاء.
21/10/2020
رد المستشار
صديقي
يقول الله في كتابه العزيز في سورة النساء آية رقم 147: "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما" صدق الله العظيم. لفظ آمنتم يعني الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله.... الله لم يخلقنا ليعذبنا ويتصيد لنا الأخطاء وإنما خلقنا لكي يعطينا فرصة ممارسة حرية الاختيار لاكتساب الحكمة والخبرة والارتقاء الروحاني المستمر الذي لا سبيل إليه إلا عن طريق التجربة التي تحتمل الصواب والخطأ والشك واليقين (وكل متضادات الحياة).
المنذرون بالعذاب هم المكذبون، المطففون، المنافقون، الكافرون، المشركون، الظالمون، المفسدون في الأرض.... هل أنت واحد من هؤلاء لكي تخاف كل هذا الخوف؟
الموت شيء طبيعي وسوف يحدث لنا جميعا، ويحدث في كل لحظة، فلماذا تعتبره شيئا مرعبا؟... الخوف من الموت يعني أنك لست حيا حقيقة... لا تعيش حقيقة الحياة التي تريدها لنفسك... قد تكون أيضا غير محدد في مواصفات الحياة التي تريدها لنفسك... من يعيشون اللحظة الحالية بالكامل لا يخافون الموت.... القلق والهم المتوقع في المستقبل أو القلق والحزن والندم على أخطاء الماضي، كلاهما يسلباننا اللحظة الحالية.... القلق على ما سيحدث بعد الموت لا فائدة منه إن لم يقوم أخلاقك وتصرفاتك... لن ندخل الجنة بأعمالنا فقط ولكن برحمة الله الرحمن الرحيم اللطيف الودود الغفور الغفار... فكرتك عن الله يجب أن تجمع كل الصفات التي نعرفها في الأسماء الحسنى وليس فقط اثنان منهم (الجبار المنتقم) اللذان غالبا ما يفهمان بمعنى سلبي عنيف... إنه يجبر الخواطر والكسور وينتقم من الظالمين.
من ناحية موت أبيك... ما الذي لا تستطيع تقبله؟؟؟ لقد مات ودفن"... تقبلك أو عدم تقبلك لا يغير من الأمر شيئا... ربما يجب عليك زيارة قبره عدة مرات والتفكير في معنى عدم التقبل وأنت بجانب القبر.... ربما تخاف من الموت بسبب الرعب الناتج عن غضبك من الله لأنه لم يحافظ على استمرارية طفولتك (وأنت في التاسعة والعشرين) بإبقاء والدك حيا .
أنصحك بمراجعة معالج نفساني لمناقشة هذه الأمور مع المتابعة مع طبيب نفساني لوصف الأدوية المناسبة والإشراف على العلاج الدوائي
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب
واقرأ أيضًا:
رد فعل الأسى عند الفاجعة مشاركة
رد فعل الأسى ؟ أم عصابية مزمنة؟
الثكل أو رد فعل الأسى: اضطراب تأقلم؟
بين رد فعل الأسى والحداد والاكتئاب م. مستشار