وسواس الصيام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الله يسعدك، أرجو إجابتي عن الصيام. أُعانِي من وسواس الصيام منذ ثلاث أو أربع سنوات، ولا يكاد يَمُرُّ يومان إِلَّا وقد ارتكبت ما يُفسِدُ صَوْمِي. علماً أنِّي آخُذُ حبوبًا مانِعَةً للحيض لِمَشَقّة الصوم والقضاء بالنسبة لي.
هذه السنة قرَّرت تجاوز أغلب الأيام، وقرَّرت ألَّا أقضيها، ولكن كان أشد وسواسي في الارتجاع والقلس والرِّيق الخارج للشفتين. ولكن بقي أيام قليلة لم أستَطِع تجاوزها، منها أنِّي في يوم أحسست بخروج القلس من المريء أثناء ركوعي لصلاة العصر، فابتلعته سريعاً حتى لا يخرج لفمي، ولكن لا أعلم هل ابتعلته قبل وصوله لفمي أم بعدما وصل. ويوم آخر كنت أريد القيام، فأحسست بالجُشَاء ومعه جُرْمُ طعام، فبلعته بسرعة كي لا يخرج فيُفسِد صومي، ولكن لا أعلم هل بلعته بعد أن وصل فمي أم قبل أن يَصِل. فما الحكم؟
السؤال الآخر: آخر يوم في رمضان، في وضوء الفجر جاء في خاطري أنِّي أريد استنشاق الكثير من الماء ليدخل جوفي (كيف جاء هذا الخاطر. لا أعلم!)، ولكني عندما استنشقت، استنثرت الماء مع الإحساس بدخول بعضه إلى الجوف، فهل عليَّ قضاء (مع أنِّي استنشقت لِأَجْلِ الوضوء، ليس لغرض آخر)؟ لكن هل خاطري أو نِيَّتِي استنشاق الماء ليدخل جوفي تؤثر على صحة الصيام؟
أرجو أن تُجِيبَنِي، فأنا في هَمٍّ لا يعلمه إلَّا الله.
علمًا أنَّ لدي وسواس في جميع العبادات تقريبًا منذ سنوات.
30/5/2021
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. مرحبًا أُختَنا السائلة.
الجواب على استشارتك من شِقَّيْنِ، الأول: الوسوسة، والثاني: التفاصيل.
أمَّا عن الوسوسة: فإنَّها مَرض يُبتَلى به فئات من الناس، فَلَسْتِ وحدك مَن أُصِيبَ بهذا المرض، ولا بُدَّ من استصحاب بعض القواعد في التعامل معه من الناحية الدينية، وذلك على النحو التالي:
أولًا: الوسوسة ابتلاء من الله تعالى، والابتلاء يكون في عامة الناس لا فرق بين مسلم وكافر، فالله تعالى يبتلي عباده جميعًا لأن هذا من سُنَنِ الله في خلقه وكونه. وهذا يُخَفِّف من حِدَّةِ الابتلاء بالوسوسة.
ثانيًا: أنَّ الابتلاء بالوسوسة من الأمور التي يُكَفِّر الله تعالى بها السيئات، ويَرفَعُ بها الدرجات، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذلك لِأَحَد إِلَّا للمؤمن، إن أصابته سَرَّاء شَكَر فكان خيراً له! وإن أصابته ضَرَّاء صَبَر فكان خيراً له". وفي صحيح البخاري ومسلم: "ما يُصِيبُ المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمٍّ ولا حَزَنٍ ولا أَذَىً ولا غَمّ، حتى الشوكة يُشاكُها إِلَّا كَفَّر الله بها من خطاياه":. وهو من علامات حُبِّ الله للعبد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الله عبدًا ابتلاه"، فالمسلم مع معاناته لهذا المرض يَستَصْحِبُ مَحَبَّة الله تعالى له.
ثالثًا: أن الواجب في مثل هذا المرض الصبر، لقوله تعالى: "إنَّما يُوَفَّى الصابرون أَجرَهم بغير حساب"، كما الواجب أيضًا الأخذ بالأسباب من الذهاب إلى الطبيب وإجراء الكشف الطبي، واتِّبَاع تعليمات الطبيب للمُدَاوَة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تدَاوُوا عباد الله، فإنَّ الله لم يَضَع داءً إلَّا وضع له دواء":.
أمَّا عن الأمر الثاني، فيما يتعلق بالأسئلة الجزئية، فكل ما حصل لك لا علاقة له بفساد الصيام، فصيامك صحيح، ولا تَلتَفِتِي لأيِّ وسوسة خاصة به. وقد قال العلماء: "خير علاج للوسوسة ترك الوسوسة:. فإنَّ الصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع وسائر المُفطِرَات، وكل ما حصل لك لم يُفسِد صيامك، وصيامك صحيح إن شاء الله تعالى.
أمَّا عن السؤال الثاني، وهو استنشاق الماء: فلو استنشق الإنسان الماء ووصل إلى الحلق، ولم يتَعَمَّد ذلك، فصيامه صحيح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ عن أُمَّتِي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه":. إنَّما الذي يُفطِر هو إدخال الماء عَمْدًا بِنِيَّة الشرب، وهذا لم يحصل لك.
أمَّا الوسوسة في جميع أمورك، فهذا يعود إلى المرض الذي تُعانِين منه، ثم هُوَ ليس بِيَدِك ولا دَخْلَ لكِ فيه، فلا تَلُومِي نفسك عليه، فإنَّ الإنسان لا يُلَام على شيء يكون رَغْمًا عنه.