ابني محيرني..
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته..
موضوعي بسيط بس محيرني. ابني عنده سنين وخمس شهور بس دماغه ناشفة جدا. شقي تصوروا لما يروح الحضانة يجيب أخته يدوس على رجل البنت التخينة ولما أقول قول آسف مرات يقو ل ومرات لا..
مرة تف على جدته قلت له قول آسف مرضيش فخليت الشغالة تأخذه لفاوضته ولما راحت جدته كلمته وقلت له عملت إيه (قصدي تف ليه) قال ما قلتش ..
المشكلة أني حاسة أنه صغير بس عنده ثقة بالنفس. مرات أحس أنه مش فاهم ومرات أحس أنه فاهم كل حاجه..
مش عارفة أعمل إيه مع العلم انه يقول آسف لما يضرب الأولاد وبعد ثواني يضرب مرة ثانية..
7/1/2005
رد المستشار
الأخت الكريمة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كما بدأت رسالتك "موضوعي بسيط بس محيرني" .. هذه هي التربية حبيبتي تبدو بسيطة وهي ليست كذلك أبدا إذا ما لم نكن مزودين باتجاه إجابة نحو رحلة التربية، والعلم الذي يعيننا على هذه الرحلة، والأدوات المتعددة التي تكفل لنا تعامل أكثر فعالية مع المواقف المختلفة التي تمر بنا...
اسمحي لي في البداية أن أشير لبعض مشكلاتنا الشائعة في التعامل مع سلوكيات الأطفال:
- اعتبار سلوك الطفل مسألة قدرية يولد بها ولا تتغير، رغم أن العلم ينفى ذلك و يعول الكثير على أساليب التنشئة، وأنماط الاستجابة التي نستجيب بها لأطفالنا.. ويبقى الجينات والعنصر الوراثي نقطة هامة كشماعة نعلق عليها أخطاءنا إذ لم نتمكن من التعامل السليم. وبالطبع لا أنفى أثر العنصر الوراثي ولكني فقط أحب أن يلزمه الناس حده ومساحته الحقيقية فلا نعول عليه على خطأ لأن "كما يقولون في مصر العرق يمد لسابع جد".. الغريب أننا لا نرى أي مزية لهذا الجد في أحفاده ولكن نسمع عنه فقط إذا ما كان هناك شبهة عيب في الحفيد يشبه تلك الذي كان فيه!!!!
ما أود أن أؤكد عليه مرارا وتكرارا أن الطفل يتعلم ما نعلمه إياه، ونستجيب بالطرق التي نستجيب نحن بها له، ويسلك السلوك الذي يرى الكبار يسلكونه، أو يسلك السلوك الذي يلاقى انتباها من المحيطين سواء كان انتباه إيجابي (أي الانتباه لفعل طيب فعله) أو الانتباه السلبي (أي الانتباه لسلوك غير مقبول) .. اعلمي أن ما نلحظه ونؤيده بالانتباه من سلوكيات أطفالنا يترسخ لديه على المدى.
- الخطأ الثاني والشائع شيوعا غريبا هو تسميه الطفل والقناعة بهذه التسمية والبناء عليها في طرق تعاملنا معه وكأننا نثبت لديه كل ما ننعته به من صفات. وهذه كما ذكرت لك خطأ مشترك بين معظم الآباء أراه فيما يصلنا من استشارات وأراه في الآباء الذين أتعامل معهم فيما أقدم من دورات تدريبية.. وسأخبرك بأحد هذه التدريبات التي كانت مثيرة للدهشة:
طلبت من المتدربين أن يسجلوا النعوت التي غالبا ما ينعتون بها أطفالهم، و التي غالبا ما يسمعها الطفل عن نفسه وجاءتني قائمة زاخرة بكل الأوصاف:" عنيد، سمج، سخيف، قليل الذوق، سكرة، فتوة الحضانة.......) هل لك أن تتخيلي أن بعض هؤلاء كان في عمر طفلك أو أصغر أحيانا.. بل البعض منهم قال أن هذا الطفل تحديدا منذ أن ولد وهو عصبي، جبان، زنان!!!! و لا أدرى كيف واتتهم الجرأة على الحكم على "كائن" في طور التكوين لم يكتمل بعد بل الأغرب أننا المسئولون عن بناءه أصلا..
حين سألتهن عن التصرف التالي الذي يتصرفه الطفل عقب سماع هذا النعت (طلبت منهم ملاحظة ذلك) معظمهن ذكر أنه يفعل كما وصفنا؟؟؟؟؟
هل أدركت حبيبتي كيف أن " المرء عند ظن الناس به“.. لو نعتك بخفة الظل؛ غالبا ما تحاولين في المرة القادمة لتعاملنا أن تثبتي لي خفة ظلك، ولو نعت طفلك بالغباء غالبا ما سيثبت لك هذا الغباء وإن لم يكن أصيلا فيه.
هذا العيب خطير جدا في تربية أطفالنا لأننا غالبا ما نبنى أحكاما مسبقة خاطئة عن الطفل والأخطر أننا نتعامل معه وفقها كما لو كانت حقيقة وتجيء النتيجة المعروفة بازدياد الأمر سوءا!!!
لو أننا نعتنا طفلنا "دماغه ناشفة" سيجتهد في تثبيت هذا النعت.. الطفل يصدق تصديقا تاما من حوله خاصة الوالدين ولذا لابد أن يكونوا عين محبة ترى الجيد من السلوك وتثبته، وتعلم وتعلم لتزيد هذه السلوكيات الصحيحة ليس أن نقف عندها ونعتبر الطفل جاء إلينا "جاهز".. هذا غير حقيقي بالمرة.. الطفل يحتاج للتعلم.. للتعلم.. للتعلم..
وكل شيء في الحياة يعلم: السلوك يعلم، طريقة التفكير تعلم، مهارات التفكير تعلم، إدارة المشاعر تعلم...... بشرط صدق النية في تعليم طفلنا وتحمل بعض المشقة واللذة أيضا في سبيل الوصول لذلك.. والتزود بالمعرفة لنعلم بالطرق الصحيحة بل لنعرف أصلا كيف نعلم.. والأهم على الإطلاق أن نركز ونحدد أهدافا نصل إليها: سلوكيات نود أن يسلكها الطفل، مشاعر نريده أن يشعر بها، طرق لتعامله مع مشاعره المختلفة، أخلاقيات معينة.....
إذن اتبعي هذه الخطوات لبناء ما ترغبين من سلوكيات لدى طفلك: ثم لنتواصل معا سيرا في طريق البناء:
1- توقفي تماما عن نعت طفلك سواء على مسمع منه أو حتى بينك وبين نفسك. (دماغه ناشفة جدا – شقي - عنده ثقة بالنفس )
2- حددي هدفك: "ما الذي تريدين تعليمه لطفلك"
ما هدفك: أن يقول آسف، أم أن يلعب بطرق مقبولة مع الآخرين؟؟
أولا أن يلعب لعبا مقبولا مع أقرانه، وإن أخطأ يعتذر.
أول ما عليك أن تعرفي سمات مرحلة طفلك.
طفلك لم ينمو اجتماعيا ولا انفعاليا بالقدر الذي يسمح له بالتحكم في نفسه تحكما تاما، أو أن يتواصل مع الآخرين تواصلا سليما.. إذن كيف لنا أن نكسبه هذه المهارات الاجتماعية والوجدانية في هذا السن، سأجعل من هذا مقالا أرفقه مع استشارتك.
3- فتتي هذا الوصف لسلوكيات: مثلا: إن أردت تعويده اللعب اللطيف مع الآخرين سيكون هذا متضمنا: الإبتسام في وجه رفيقه، إعطاءه لعبته لمدة خمس دقائق (وهذه فترة مناسبة لتدريب الطفل على العطاء)، قول السلام عليكم عند الدخول عليه، توديعه بإسامة، إعطاءه قطعة حلوى.....
هذا ما يعنيه اللعب للطفل، حددي بوضوح لطفلك ما الذي تريدينه أن يفعله ودربيه عليه.. دربيه.. الطفل لا يتعلم بمفرده ولكن يتعلم إذا علمناه وأثنينا على محاولاته وأعطيناه بديل إيجابي للسلبي الذي يفعله.
4- انتبهي لكل مرة يفعل فيها الطفل فعلا طيبا وعلقي عليه: اقتربي منه وابتسمي له وانظري في عينيه وقولي: "ما شاء الله أعطيت مصطفى لعبتك التي تحبها.. هذا ما يسمى كرما،..... إيثارا.... "المهم إوصفى ما ترى وحاولي أن تسميه "كرم، إيثار، شجاعة، لطف...." .. ولهذا عدة مزايا أولا طفلك يثبت عليه ما تمدحين من صفات، الوصف المحدد يصدقه الطفل ويفهمه، تسميه ما ترين تجعله يفهم مدلول الكلمات ومدلول الأوصاف حتى المجرد منها، حيث من المعلوم أن الطفل لا يدرك المجردات في هذا السن ولكن نعتك لسلوك موصوف بدقة يقرب إليه المعنى مما يعينك على ترسيخه وطلبه منه في المرات القادمة.
5- عودي عينك وعقلك على التقاط الإيجابي من تصرفات ابنك وأمسكيه متلبسا بهذا الفعل الطيب.. دربي عينيك وعقلك على هذا الأمر وأرجو أن تخبريني بالنتيجة، احسب ستكون فارقة جدا في رحلتك مع طفلك (بل وكل من تتعاملين معهم).
6- ماذا نفعل في الموقف المحدد الذي ذكرت: أعتقد أنه المهم أن يتعلم كيف يتعامل مع الصغار في الحضانة، ليس أن يقول آسف، أليس كذلك.. طفلك لم ينمو اجتماعيا بعد وأعتقد أن الهدف من ذهابه للحضانة هو أن تعوديه هذه الحياة الاجتماعية وإن كان صغير بعض الشيء فكيف حاله في الحضانة؟ المهم أن نعرف أن الحياة الاجتماعية لأطفالنا لابد أن نتدرج فيها فنشركه تحت ملاحظاتنا مع طفل واحد أولا حتى يتعلم أن يتشارك لوقت قصير معه ثم تطول المدة شيئا فشيئا، ثم نتخلى عن ترتيب جلسة اللعب لهم ليتولوا بأنفسهم ترتيبها واختيار ما يودون من اللعب وذلك تحت إشراف إلى أن يمر بعض الوقت وتزيد قدرة طفلنا على التأقلم
7- التعامل مع الآخرين يمكن أن نتركهم بمفردهم بعض الوقت.. ثم يمكننا أن نزيد مجموعة الأصدقاء واحدا فواحدا.. هذا هو التدريج الأنسب؛ فليس من المفيد أن ندمج أطفالنا في جماعات كبيرة لا تسمح لهم بالتعلم المقصود لبعض المهارات الاجتماعية. (التشارك، الدور، الترتيب، الاستئذان لأخذ لعبة وإعطاء أخرى، التفاوض على اللعب،.....) هذا ما تسمح به أولا الجلسة المرتبة تحت إشراف ومع عدد قليل من الأطفال ثم تزداد الفترة وعدد الأطفال تدريجيا..
ولذا عليك أن تطلبي من مدرسة بالحضانة أن تتابع تصرفاته مع الأطفال (هل يتشارك، هل يعطى، هل يلعب بحرية، هل هو عنيف بعض الشيء معهم، هل يميل للعب بمفرده، في جماعة.............)
وأكرر لا تعلقي على السلبي من التصرفات، حاولي جهدك أن تعلقي على الإيجابي وتسميه، ولا بمنحى الهدايا في مقابل ذلك، اسمحي له أنم يتذوق حلاوة الاندماج مع الآخرين ولذة الإنجاز في ذاتها ليزداد لديه الحافز الذاتي.
عندما ترين طفلك "بصق" قولي له بهدوء وحزم: البصق غير مقبول “في بيتنا لا نبصق". (لا تقولي له أنت سيء، قليل الأدب...) لا تصفى الطفل أبدا، صفى تصرفه..
المهم أن تلمحي بعد ذلك تصرف جيد له كأن يقبل جدته، يعطيها حلوى، يرد بأدب... علقي كما سبق أن أشرت ثم زيدي:" هذه تصرفات أحمد المهذبة، بارك الله فيك الآن كتب لك الملك حسنة، عندما تزيد الحسنات كثيرا ندخل الجنة... "
اغرسي الوازع الذاتي بحب الجنة وتعليمه طرق الوصول إليها..
بارك الله لك فيه وأنبته نباتا طيبا وجعله طريقك للجنة.. اللهم آمين.
حبيبتي اجتهدي وشدي عن ساعد الجد فالتربية متعة لا تضاهيها في الحياة مثيل جربيها ولكن بإحساس الاستمتاع والاحتساب عند رب العباد..
حبيبتي اجتهدي فأمتنا تحتاج لكل نفس.. والله المستعان..
وأخيرا أرجو أن تطالعي الموضوع الآتي..
أفكار للتنمية الوجدانية لطفلك