ابنتي تبلغ من العمر سنتين ونصف وهي البكر ولدينا طفل عمره 1 سنة، المشكلة باختصار في أن ابنتي "حساسيتها مفرطة" في مشاعرها!!! بمعنى أنها لو رأت أي مشادة كلامية أو شجار سواء في الواقع أو في التليفزيون (تتوتر وتبكي وتخاف)، وأحاول بهدوء تهدئتها لكنها تكون مذعورة،
وللعلم فإنني وزوجتي كنا دائمين الشجار والمشادات بل والضرب!!! وكانت هي ترى بعينيها هذا كله، لكننا اتفقنا أن ننتهي عن هذه التصرفات أمامها.
المشكلة الآن كيف نمحو هذه الذكريات السلبية لديها وكم سيستغرق هذا من الوقت؟ أم أنها قد اختزنت كل هذه المشاهد في اللاشعور ولن تنساها أبداً؟
وهل هناك علاج سلوكي معين يمكنني اتباعه معها؟؟
27/5/2022
رد المستشار
السلام عليك أخي الفاضل
فعليا تشير الأبحاث إلى أن طفلًا لا يتجاوز عمره 6 أشهر يمكن أن يتأثر سلبًا بخلافات الوالدين، لكن ليس الأطفال الصغار فقط هم من يتأثرون بشجار الوالدين فقد أظهرت دراسات أخرى أن الشباب حتى سن 19 يمكن أن يكونوا حساسين للنزاعات بين الوالدين.
وتختلف طريقة التأثر من طفل إلى آخر ومن فئة عمرية إلى أخرى ففي سن مبكرة جدًا – لا تزيد عن ستة أشهر – قد يظهر على الأطفال أعراض الضيق عندما يتشاجر آباؤهم ويمكن أن تشمل ردود أفعالهم الخوف، والغضب، والقلق، والحزن، وهم أكثر عرضة لخطر المعاناة من مجموعة متنوعة من المشاكل الصحية، واضطراب النوم، وصعوبة التركيز والنجاح في المدرسة، كما قد "يظهرون" توترهم في شكل "عدوانية، أو سلوك معاد للمجتمع وغير ممتثل للقوانين، أو انحراف وتخريب"، أو "تخزن بداخلهم" ثم تتمثل في شكل "اكتئاب، قلق، انسحاب وعزلة".
بالإضافة إلى ذلك، "من المرجح أن يكون لدى الأطفال في المنازل التي تشهد نزاعات عالية مهارات شخصية ضعيفة، انخفاض قدراتهم على حل المشكلات والكفاءة الاجتماعية". وإذا لم يتم التدخل مبكرا لتصحيحها قد تمتد آثار هذه المشاكل إلى المستقبل وتؤثر سلبا على علاقاتهم العاطفية في مرحلة المراهقة والشباب، حيث تؤدي النزاعات إلى "تصور الأطفال لأنفسهم وعوالمهم الاجتماعية بشكل أكثر سلبية" و"الحصول على مزيد من الصور السلبية أو التمثيلات الداخلية للعلاقات الأسرية". وبالتالي، يمكن أن تؤدي العلاقة التي تتسم بدرجة عالية من الصراع بين أحد الزوجين إلى علاقات سلبية أخرى في الجيل التالي.
قد تتساءل أخي الفاضل لماذا هذا التأثير الكبير من خلافات بين شخصين بالغين على مستقبل جيل؟
لأنه وببساطة لا يمكن إنكار دور الوالدين في حماية أطفالهم من الأذى والتوتر فهم البيئة الآمنة التي يفترض أن ينشأ فيها الطفل ويتعلم فيها المهارات الحياتية الأولية، لذا فعندما يصبح الأساس أو أرضية البيئة غير مستقرة ويسكنها الخوف والقلق فإنها تفقد فاعليتها كبيئة تعليمية إيجابية وقد يصبح مصدر التعلم لدى الطفل خارجي، ولكن قبل أن أنتقل إلى بعض الحلول، من المهم هنا أن نذكر بأننا لا ندعو إلى أن يقوم الآباء بتدليل وحماية أطفالهم بإفراط، ولكن كونوا وسطا
والآن كيف نصلح ما قد حدث وهل بالإمكان إصلاحه بدون أن يكون هناك تلف نفسي دائم؟
نعم يمكن، فالجيد لدى الأطفال هو أنهم يمتلكون مرونة نفسية عالية، وهذا يعني أنه يمكن تعديل أي تلف ما لم يكن تعرض لفعل وحشي عميق.
بالنسبة لابنتك لازالت صغيرة وفي عمر مناسب جدا للغرس، لكل القيم والمهارات، لذا ابدأ معها أنت ووالدتها بشرح ما كان يحدث بشكل مبسط جدا، كمثال .. أنت قد تختلفين مع أختك أحيانا أو صديقتك ولكن هذا لا يعني أنك لا تحبينها، نحن نحب بعضنا و لكن من الطبيعي أن نختلف، فهذا شرح لما قد حصل فأكبر مخاوف الطفل هو أن ينفصل الوالدان ويكرهها بعضهما ويضيع مكانه الآمن وهذا إحساس يأتي بحس البقاء.
الآن الشق الثاني
لماذا كانت أصواتكما عالية؟ هل هكذا تحل الخلافات؟
سيترتب عليكما الاعتراف أنها كانت طريقة خاطئة للحوار وأنكم جميعا كأسرة لن تحاوروا بعضكم بصوت عال، بشكل عام لن يخلو بيت من خلافات واضطرابات وإلا سيكون الوضع غير طبيعي، ولكن يجب شرح الوضع للطفل ليس التفاصيل ولكن ما يطمئنه، ومساعدته على المشاركة في إيجاد حلول.
وأخيرا عند بناء أسرة ومع وجود الأطفال لا تحاول جعل المكان مثاليا، آمن نعم ولكنه نموذج مصغر من الحياة الأكبر اجعل أطفالك مستعدين لها:
• علمهم مهارات حل المشكلات فتعلم كيفية حل المشكلات بمفردهم هو شيء يجب تدريسه منذ الصغر، التفكير النقدي ومهارات اتخاذ القرار ستكون مفيدة في مرحلة البلوغ.
• امنحهم المساحة التي يحتاجونها لاتخاذ الخيارات لن تؤدي التربية مع الحماية الزائدة إلا لطفل لا يمكنه الاختيار، تأكد من أنه يمكنهم فعل ذلك من خلال توفير المساحة والوقت والحرية.
• اعمل على تعزيز الوعي الذاتي فيجب أن يكون الأطفال على دراية بكيفية رؤية الناس لهم، وحقيقة أن أفعالهم لها عواقب، في حين أن النضج العقلي لن يسمح بذلك بشكل كامل حتى مرحلة لاحقة من التطور، فمن المفيد البدء مبكرًا.
• ساعد الأطفال على تحدي أنفسهم، مثلا بدلاً من فرض وقت دراسي صارم أو أهداف للصف، حاول أن تجعل أطفالك يضعون أهدافهم وجداولهم الخاصة، لتحدي أنفسهم دون ضغط أو دافع خارجي.
• وأخيرا علمهم أن يتعلموا من الأخطاء - واسمح لهم بهذه الأخطاء. وهنا يمكن الاستفادة من تجربتكم الخاطئة ليتعلم منها الأطفال، جميعنا نخطيء والذكي من يتعلم، علم أطفالك ألا ينظروا إلى الفشل على أنه شيء سلبي تمامًا، بل على أنه فرصة للتعلم. وعندما يرتكبون أخطاء، اظهر لهم أنك لا تحكم عليهم - وإلا فقد تجعلهم يتجنبون المخاطرة بلا داع ويخافون من الآراء السلبية.
وفقكم الله