هل يمكننا تعريف السياسة بأنها مهارات تحقيق السعادة؟
قد يبدو السؤال غريبا، لكنه يمتلك رصيدا معقولا من الواقعية ويستحق النظر والتفكير.
فالمجتعات السعيدة عندها أنظمة سياسية مستقرة، وساسة مرموقون يجيدون فنون الارتقاء بمجتمعاتهم إلى حالات متقدمة ومتواكبة مع زمنها، وربما متقدمة عليه.
والمجتمعات التعيسة، لا تمتلك أنظمة سياسية واضحة، ولا يوجد فيها ساسة محنكون قادرون على أخذها إلى آفاق التقدم والنماء.
فبعض المجتمعات برغم ما عندها من الثروات، تتميّز بالتعاسة والمآسي والويلات، وقلة الفرح وانعدامه، وتستلطف الحزن واللطم على الأموات، والتغني المأساوي بما فات.
مجتمعات فيها كل ما تحتاجه لتحقيق السعادة، ولا تعرفها ولا تقترب منها، ومنشغلة بالصراعات الفتاكة، وباستحضار أسباب ومولدات التعاسة والويلات.
وهذا يشير إلى أن أهم سبب في هذه المعادلة الدامية هو غياب المهارات السياسية، وفقدان البوصلة الوطنية الاجتماعية، وعدم وجود الحنكة السياسية، والنظريات التي يسترشد بها القادة في الحياة.
وعليه فإن الجهل السياسي يؤدي إلى التعاسة، والمعرفة السياسية والفهم المعاصر لمهاراتها ونظرياتها يساهم في بناء السعادة.
ولهذا فإن العديد من المجتمعات برغم محدودية ثرواتها ومصادرها، استطاعت أن تبني سعادتها، بينما مجتمعات غنية بثرواتها وتأريخها وتراثها لكنها تتميز بتعاسة واضحة، ويعشعش القهر والحرمان والاستلاب في أركانها.
وهذا يشير إلى أن العيب الأساسي يكمن في المهارات السياسية، وليس بغيرها.
قد يقول قائل ما يقول، ويحلل ويستنتج ويأتي بنظريات وتفسيرات وما يشاء من الرؤى والتصورات، لكنه ينسى بأن المشكلة الحقيقية أصلها في غياب النظام السياسي الناضج الصحيح المناسب القادر على تحقيق السعادة الاجتماعية والوطنية، التي تبدو واضحة على قسمات وجوه أبناء المجتمعات المتقدمة.
بينما لا نرى هذه الملامح على وجوهنا، رغم الثراء الطبيعي والغني الفاحش في بلداننا المحكومة بالنفط، والذي عجزنا عن استثماره من أجل سعادتنا، وحققنا بواسطته أعلى درجات التعاسة الممكنة في حاضرنا ومستقبلنا.
ولا نملك أملا في بناء السعادة الوطنية، إلا بتسليم القيادة للشباب الوافد الذي نرجو أن يحررنا من تعاستنا، ويعلمنا كيف نبني آفاق السعادة الوطنية المنشودة.
فساستنا وأحزابنا وحركاتنا خبيرة في إرساء دعائم المشاريع المولدة لمزيد من التعاسة والعناء، ولا يوجد نظام حكم في بلداننا يتكلم بلغة الفرح والأمل، وإنما جميعها تتحدث بمفردات التهديد والوعيد والخراب التعذيب والحرمان والقتل والتغييب في المعتقلات والسجون.
وتسعى بجد ونشاط من أجل تعويق حركة الناس وأسرهم في أصفاد الحاجات المتفاقمة، وتسمي هذه الأساليب التعسفية سياسة وحكما، وهي امتهان وتفريق وتبديد للطاقات ومحق للبشر الذي لا يمكنه أن يكون يوما سعيدا.
ويبدو أن من حقنا أن نقيّم أنظمة الحكم وفقا لمقياس السعادة والتعاسة، فإذا كانت السعادة سائدة في المجتمع فهي مقبولة وناجحة، وإذا كانت التعاسة متفوقة فعلينا أن نقول لها بوضوح: "الشعب يريد تغيير النظام".
يا كراسي يا ينابيع المآسي
أنتِ عنوان دمارٍ وافتراسِ
لا سعيدٌ في ديارٍ من وجيعٍ
وعذابٍ وامتهانٍ واندراس
وسعيدٌ سيّد الأيام فيها
يجعل الأوطان في بئر انتكاسِ
واقرأ أيضا:
الأنهار كائنات حية!! / الأمية الزراعية!!