أنفق مع زوجي .. هل أخطأت؟
السلام عليكم
بداية أود أن أشكر هذا الموقع الرائع على جهوده المبذولة في تنوير الرأي كما أشكر أستاذي. وأستاذتي الفاضل/ـة على حسب إن كان اسم نعمت مذكرا ومؤنثا في إفادته الموسومة بـ أنفق مع زوجي هل أخطأت للسائلة: إيمان، وهنا استسمح أستاذي الفاضل في أنني أبدي رأيا مخالفا بعدما وجدته يجانب الصواب، وطبعا لا يفسد الاختلاف للود قضية. أولا سيدي الكريم أنت أشرت ونصحت الزوجة بضرورة شد اليد قليلا حتى لا يتعود الزوج على إنفاق زوجته فيصبح ذلك إلزاما وضرورة مفروضة عليها، وقد افترضت سيدي الكريم أن هذا التصرف ربما يفسد الرجل، كما افترضت أن ذلك سيقود الزوج إلى البحث عن معين آخر في حالة إذا لم يجد عند الزوجة عما عودته عليه من إنفاق.
أولا ما يدريك أستاذي أنه سيبحث عن هذا المعين الآن وقد نصحتها بالإمساك وعدم الإنفاق مثل الأول، ففرضا أن السائلة أخذت برأيك وعملت بنصيحتك، والزوج تفطن إلى تغير زوجته فيبدأ من هذه النقطة التي نصحت فيها بهذه النصيحة بالبحث عن هذا المعين والمصدر خارج منطقة الزواج.
ثانيا أهملت في إفادتك كل النقاط الإيجابية التي ذكرتها الزوجة في زوجها ونحن في زمن قل فيها الرجال ومن يتصفون بصفات الرجال، ولم تشر ولو بالتلميح إلى هذه النقاط كما لم تشر إلى ضرورة الاعتناء بهذا الزوج ومساعدته في محنته وهو قليل الدخل. وبالمناسبة الزوجة اعترفت اعترافا صريحا بأنه لا يمسك عنها شيئا في حالة ما إذا كان قادرا على ذلك وتوفر على المال. وهنا أقول لو كان زوجا آخر لأمسك يده في هذه الحالة بالذات واستغل زوجته أي ما استغلال، وهنا في رأيي المتواضع يظهر معدن الرجال، أي في الضيق وليس في السعة.
ثالثا ألم يكن الرجل صريحا وصارحها بقلة الحال قبل الزواج، وهذه الصفة تحسب له. ولو كان مستغلا كما افترضت أنه سيكون كذلك لكذب عليها قبل رابطة الزواج، ثم يتبدل ويتغير لتكتشف الزوجة بأنه على عكس ما قال.
رابعا ألوم الزوجة والتي يبدو أنها هي من اتصفت بصفة الكذب، فلماذا لم تفترض الزوجة كل هذه الافتراضات قبل الزواج. وتقول له بالفم المليان وبلسان صريح غير كاذب بأنها لا توافق على مساعدته في كل شيء لأن ذلك سيعوده على الاتكال. آه معذرة، في ذلك الوقت كانت تبحث عن الزواج ولم يكن همها إلا الزواج، وللأسف وجدت في هذا الرجل الصريح أداة لهذه الرغبة. ثم لماذا بعد مدة من الزواج وبعد اكتشاف كل الصفات الجميلة في هذا الزوج خشيت من أن زوجها سيتعود على الاتكال؟ ثم ما هالني أيضا أن المجيب افترض كل الافتراضات السلبية التي افترضها ولم يفترض ولو فرضية إيجابية واحدة من وفاء الزوج وإخلاصه خاصة وأنه كان يجب عليك أن تبني على ما هو مذكور من إيجابيات. وحتى حينما نصحتها بالإنفاق، نصحتها من باب مرضاة الله وليس حبا في زيد وعمر. فلماذا لا يكون ذلك مرضاة لله ومرضاة لزوجها وما أجمله من رضا يرضى عنه الله. وبالمناسبة هذا الزيد وهذا العمر هو زوجها وليس زيدا وعمر آخر.
وما دمنا في باب استسهال فرضيات الخيانة فأنا كذلك افترض قبل أن أنصح هذا الزوج المسكين والصريح والكريم بأن لا يثق كثيرا في هذه الزوجة، ومثلما وعظتها بعدم الإنفاق كثيرا بدعوى أنه يمكن أن يخون ولا يكون في مستوى الثقة الممنوحة فأنا كذلك أعظه بألا يعول عليها كثيرا. فزوجة مثل هذه تكتشف ومن دون سابق إنذار وسبب وجيه بأن زوجها يتكل عليها، لا يمكن الوثوق بها في حال الشدة والضيق والعجز وعدم القدرة. وهي إذ ذاك أقرب إلى الخيانة.
نصحتها بالإمساك قليلا وهنا أنا أيضاً أنصحه بعدم صرف كل ماله ويجب عليه ألا ينفق كل ما يملكه خاصة وأن دخله ضعيف، فعلى الأقل يجد ما يصرفه في حالة ما إذا توصلت هذه الزوجة إلى قرار عدم مساعدته بدعوى عدم الاتكال ،، قلت أستاذي الفاضل أخشى أن يستفيق فجأة. وهنا لا أخشى مثلما خشيت أنت أستاذي الفاضل. لأن الزوجة فعلا استفاقت بدون أي سبب.
خديجة رضي الله عنها تركت مالها وترحالها لزوج وجدت فيه صفة الأمان والثقة من دون أن تخشى وتفترض ،، وفي هذا الخضم أستاذي الفاضل لماذا لم تنصحها بمساعدته. ليس مساعدة زيد وعمر وإنما مساعدة زوج وأب تجمعهما عشرة فيكون ذلك من باب المودة والاحترام والحب. وهنا قد يقول قائل ماذا لو فعلا لم يكن الزوج في مستوى الثقة التي عقدتها فيه؟! هنا أجيب بنقطتين. النقطة الأولى لو كان الأمر كذلك تكون إذ ذاك قد فعلت ما يجب عليها فعله من دون حسابات ضيقة وتكون ممن أرضوا ربهم فعلاً. وهي هنا بصدد بناء أسرة لا تفترض فيها افتراضات الفشل.
النقطة الثانية. أنا لا أدعوها إلى أن تكون ساذجة وخبا مثلما قال عمر بن الخطاب وهنا أنصحها مثلما نصحتها في إفادتك بالتوفير ولكن مع تعديل النية. أي توفر ولا تنفق كل مالها ولكن ليس من باب أنها تخشى وتفترض افتراضات لا تجدها ولم تجدها في زوج محب كريم.
نعم الزوجة ليست مطالبة بالإنفاق في وقت لم تكن تشتغل المرأة أصلا. ولكن إذا حبا الله عز وجل المرأة بالعمل والمال فما المانع من المساعدة؟ فلماذا نذكر أنفسنا بأمور الدين إلا فيما.... وإذا الأمر كذلك فالزوجة ليست مطالبة أيضا بأن تطبخ وتكنس وتربي أولادها، وهنا كذلك يجب أن تقتصد في جهدها حتى لا يتعود الزوج على ذلك. وحتى لا يتعود على وعلى وعلى..... إلخ ،، كنت لأتفق معك أستاذي الفاضل لو وجدت هذه الزوجة في الزوج ما يشير إلى أنه ليس أهلا للثقة.
وهنا أعود إلى النقطة الجوهرية، لماذا كذبت الزوجة قبل الزواج؟ نعم اعتبره كذبا بعدما وعدته بمساعدته. وإذا عدنا إلى الدين مثلما عدت إليه في الاستشهاد به فلماذا لم تصارحه منذ البداية وتركته يبحث عمن تقبل بمساعدته بعد الزواج ولا تخشى من أن يتكل عليها.
تقولون دائما الرجل الشرقي ،، وأنا أقول المرأة الشرقية حينما تجد كريما ابن كريم تستقوى وتتفرعن، وحينما تعيش مع شديد بخيل، تطلب الستر والعفاف ولحظة هناء في مقابل دفع كل ثروتها،، أخيرا تمسك بهذا الزوج وساعديه وأنفق عليه بما استطعت لعل الله عز وجل يبارك لك، فإذا ما أصبح قادرا على إعالتك وإعالة أولاده فحين ذاك لا تصرفي فلسا واحدا وادخر ما شئت من المال، وإذ ذاك أرجو من الله عز وجل أن لا يخشى الزوج من الإنفاق ويتجاوز ذلك إلى الفسح والاستجمام والسياحة والسفر ،، حتى لا تتعودي على ذلك. ولأنه أيضا ليس مطالبا بذلك.
معذرة على الاختلاف الذي لا يرقى أبدا إلى الخلاف.
وشكرا لكم
8/7/2022
رد المستشار
أهلا وسهلا ومرحبا بكم "أ. محمد".
أول: أود أن أبدأ بشكركم مقابلة لكم بالشكر الطيب الذي شكرتم فيه الموقع اعترافا بفضله وبالجهود التي تُبذل فيه، ثم أشكر لكم مشاركتكم الطيبة.
ثاني: عندما أرسل لي د.وائل هذه المشاركة، فكان لابد من الرجوع للاستشارات السابقة التي كانت مشاركتكم مبنية عليها، وأعدت القراءة عدة مرات لأجد نقطة محورية تدور حولها كل هذه الأفكار التي طُرحت في الاستشارات والمشاركات، لأن الأفكار حقا كثيرة، وأَخْذُ كل فكرة على حِدة لمناقشتها أمر صعب، لأنه وجهات نظر قد تتلاقى وقد تفترق، لذلك آثرْت أن أستخلص من كل ذلك خطوط عامة يمكن أن تستند عليها كل هذه الأفكار.
ثالث: فيم يتعلق بقضية النفقات داخل الزواج يمكن أن ننظر فيها إلى المعاني أولا، لأن المعاني هي المقصودة حتى وإن تاهت الطرق، أو وضعنا لها أسماءا نظن أنها المحرّكة للتصرفات، فأول معنى في ذلك يمكن أن نبدأه بالتقشير والتجريد حتى نصل للنقطة المركزية:
فقد جعل الله مسؤولية النفقة على الرجل استنادا لمعاني الرجولة التي ترتكز على النوع الصنفي، فقد قضى الله أن يكون الذكور هم يأوون، وأن تكون الإناث هم المأويْيّن، هكذا في فطرة كل من الصنفين، الذكر والأنثى، وهذا المعنى يتفرع عنه معاني أخرى أكّد عليها كذلك الشرع الحنيف، منها مثل:
النفقات والقوامة والسكن والدفء، فالنفقات على الرجال بم أن فطرتهم ترتكز على معاني الحماية والإيواء لعائلاتهم، والسكن والدفء للنساء بم أن فطرتهم كذلك ترتكز على العاطفة التي تحتاج بدورها إلى من يأويها ويحميها.
وجعل الله -جل جلاله- النسيج الباطني لهذه العلاقة يقوم على "المودة والرحمة"، لذلك يجب أن يكون أي نقاش داخل العلاقات الزوجية ينطلق أولا من عند المودة والرحمة... وانطلاقا من معاني الود ورجوعا إلى أمر النفقات سنجد أن كل النقاشات في هذه القضية ترتكز ارتكازا أصيلا على المعاني الفطرية التي خلقنا الله وأسسنا عليها، فمهما كانت المرأة غنية ستحتاج إلى يكون زوجها منفقا عليها ليس لأجل احتياجها المادي؛ ولكن لأجل الاحتياج المعنوي، وهي أنها تحت لواء رجل يأويها، تدفء نفسها بنفقات الزوج عليها؛ لأن ذلك يحقق لها معنى.. هو:؟ ارتكانها وأنها مأوية وتحت الحماية، وكذلك المعنى للزوج فتُسدُّ احتياجاته الفطرية بأنه الآوي والحامي، والإنفاق في فطرته يحقق له ذلك.
فمعاني النفقة يجب أن تكون من خلال تجديد الرؤية والنظر إليه من تلك الزاوية، أي أن المعاني عندما تفسد بين الزوجين بسبب الماديات، سنجد أن المحرك الحقيقي والدافع هو المبدأ الفطري المركوز في دواخلنا، وليس للمسميات الأخرى، كالاتكال، أو البخل، أو عدم الاهتمام أو قل ما شئت من تلك المسميات وكلا الطرفين.
لأجل هذا يجب على الأزواج في قضية النفقات أن يراعي كل واحد منهم فطرته، وفطرة الآخر في هذه القضية، فالرجال يجب أن يفهموا أنه مهما كانت المرأة تنفق بإحسان وحب وعن طيب خاطر وبدافع الود والحب والعواطف... ستَفْتُر وستملّ وستتراخى؛ لأن هذا ليس في فطرتها، نكرر من جديد لأنها؛ تحتاج للإيواء والاحتواء والحماية، والنفقة عليها تدعم هذه المعاني، بخلاف الرجل يدرك جيدا أنه لا مجال لأن يمل أو يتراخى، هذا هو ما يحقق هويته الذكورية داخل عالم الأسرة والعائلة.
وعلى النساء كذلك أن يفهمن أن دعم أزواجهن ماديا بدافع الحب والعاطفة يجب أن يبقى داخل هذه الدائرة، يعني ألا تكسر عادتها فجأة، أو تقطع نظاما بلا مقدمات، وأن تتحيّن الوقت الذي ستخبر فيه الزوج بذلك، ويجب ألا يكون ذلك في شدة أو ضائقة يمر بها، لأنه بفطرته يعرف أنه غير مفروض عليها، ويجد لا شك في نفسه شيئا تجاه عجزه وضيقته، فيجب أن تراعي المرأة ذلك وهي تتصرف مع الزوج، فهذه نقطة حساسة جدا له كرجل.
كما يجب أن نتصرف كلانا مع بعضنا بصدق وشفافية، وود وحب واحترام، إن خافت المرأة اتكالا ما!، وهذا موجود للأسف كذلك، فيجب أن تتصرف مع الزوج بذكاء عاطفي ووعي تجاه رجولته، فلا تتباكى، أو تكذب، لا أجد ذلك صحيحا أبدا، فنحن لسنا كلماتنا فقط، نحن أحاسيس كذلك، نتواصل بالإحساس أكثر من الكلام، والصدق والشفافية المُحلى بالحب والدفء منتج جدا لا شك، فتقول لزوجها بلغة طيبة ودودة لا أظنني شخص ينفق على الدوام أبدا، تتعبني معاني الفروض والمسؤوليات، يُفسد علي معاني بيننا، أشعر كأنني الرجل، ولا أحب هذا المعنى، لا شك سأدعمك في أوقات الفاقة، لن أتخلى، لكن أن أتصرف كرجل طوال الوقت... هذا ينهك أنوثتي، إلى غير ذلك، وسيفهم الزوج ذلك جدا.
وإن كانت قد التزمت بكلمة مع زوجها أنها ستساهم في المنزل، فتقول: بم أننا اتفقنا على المساعدة سأبقى عند كلمتي؛ ولكن سأشارك بهذا القدر، لا أستطيع غير ذلك، نعم أستطيع ماديا، لكن لا أستطيع معنويا، سأشعر بأنني رجل، لا أريد ذلك لي، وهكذا وإلى غير ذلك من اللغة الحسنة والحقيقية كذلك.
كما ولفتني قول وددت أن أعرّج عليه، يقول: المرأة العاملة تهمل بيتها ولذلك يجب أن تشارك مقابل هذا التقصير، هذا معنى قبيح جدا في نظر النساء، وللأسف غير حقيقي، لأن قضية الإهمال من عدمها تتعلق بالطبع والسجية، فكم من عاملة غير مقصرة، وكم من ربة منزل مهملة، والعكس كذلك موجود لا شك، القصد ألّيس هناك اضطراد في هذا القول ومحاولة سوْقه هكذا قبيح جدا حقا، لأنه يُسقط من عين النساء معنى الرجولة للأسف، فهي ترى الرجل رجلا مهما بلغت قوة مادية، فالأنوثة والذكورة يفرضان بدورهما أدوار معينة، لذلك سهل جدا أن تقول المرأة فرض بفرض، ومسئولية بمسئولية وانفاق بانفاق فلأجلس لنفسي بلا زواج، وهذا موجود أيضا، لماذا؟!، لأن الرجل في عين المرأة معنى.
الزواج يحقق للمرأة معنى الإيواء والدفء والسكن والشعور بالحماية، لذلك سوْق المرأة للإنفاق يجب أن يكون بأفكار أكثر وعيا لطبيعتها وفطرتها، وأهم نقطة في ذلك ألا تشعر المرأة بالفرض والواجب والالتزام... لأن هذه المعاني ليس في تركيبتها.
أشكركم مرة أخرى على المشاركة الطيبة "أ.محمد العمر"، وأرجو أن تجد في الرد ما يسركم ويجبر قلبكم، ويسدل سدول الوئام والمحبة على الروح وعلى البيوت ... آمين.
حفظكم الله وطيب خاطركم.
دمتم سالمين.