السلام عليكم
ابني عنده سنة ونصف، ووالده سافر إلى إحدى الدول العربية للعمل منذ أن كان عمره سنة وثلاثة أشهر؛ ولذلك أحب أن أعرف كيف أتعامل معه وأربيه تربية سليمة ودينية؛ حيث إن والده لن يعود قبل سنة ونصف، مع العلم أن ابني عنيد جدّا ويصر على ما يريده.
فأريد أن أعرف أنسب سن للفطام وكيف أجعله يستغني عن الحفاضة لأنني حاولت كثيرا بعدة وسائل وهو يرفض، ومن الممكن أن أجلس بجواره نصف ساعة، ولكن دون جدوى وبمجرد أن يلبس الحفاضة يقوم بعمل التبول أو الإخراج
مع العلم أنه يقول لي كلمه "بي بي" قبل أن يقوم بعمل ذلك، وأنه غير منتظم في النوم ولا الأكل،
ومتعلق بي جدا مع أنني أجلسه مع والدي ووالدتي وأختي وأتركه وأذهب للعمل.
17/7/2022
رد المستشار
دعيني أحدد النقاط التي تتساءلين عنها:
1- كيف أربي ابني ذا العام والنصف في غياب والده؟
2- ماذا أفعل مع عناد ابني ذي العام والنصف؟
3- ما هي السن المناسبة للفطام؟
4- تدريب المرحاض.
5- تنظيم مواعيد النوم للطفل.
6- تنظيم مواعيد الأكل.
7- شدة التعلق بك.
وقبل أن أجيب عن هذه التساؤلات أود أن أطمئن على أم الطفل أي عليك أنت أولا هل أنت قلقة؟ ،، بالتأكيد شعورك بالمسؤولية لا شك أنه يقلقك وهذا واضح لي في طريقة عرضك للأسئلة وكأنك تقولين:"؟طيب أعمل إيه في كذا وحأعمل إيه في ده طيب لو حصل كذا حأتصرف إزاي؟"، أنت قلقة إلى حدٍّ ما، بلا شك فسفر الزوج يفجر براكين من القلق داخل الأم، لكن دعيني أفكر معك لو زوجك معك ولم يسافر هل كان هو صاحب الكلمة في أن يقول هيا نفطم الولد؟ هل كان سيقول لك لا تقلقي سأقوم أنا بعبء تدريب المرحاض؟ هل كان سيعطي الطفل طعامه وشرابه وينظم مواعيد نومه؟ أنا لا أنكر دور الأب في تربية الأولاد لكن معظم هذه المهام في الغالب تقوم بها الأم.
عزيزتي: الطفل في هذه السن بأشد الحاجة إلى أم واعية، فأنت صاحبة الدور الأكبر تجاه الطفل في هذه السن، سواء كان والده هنا أم سافر طلبا للرزق وفقه الله،.. إذن ما الحكاية؟ .. الفكرة تكمن دائما في الدعم النفسي الذي تشعر به الزوجة بجوار زوجها والسكينة التي هي من إعجاز المولى بين الزوجين والتي إن توفرت كانت نعمة من الله؛ لأنها هي الباعث والدافع للجد والاجتهاد فتربي الأم أطفالها وهي هادئة مطمئنة ... ربما تشعرين أنت الآن بشيء من القلق لهذا السبب؟ لكن دعينا نبحث عن حلول لك أولا قبل أن نتكلم في تساؤلاتك عن طفلك.
سيدتي الفاضلة.. "زمان كان رب الأسرة يسافر والأسرة تنتظر يوم واتنين على ما يأتي تلغراف يطمنهم... ويقعدوا أسبوعا واثنين حتى يأتي جواب وينزلوا السنترال يطلبوا ترانك عشان يكلموا الراجل الغايب والخط يقطع ونعرف فتات الفتات عنه وعن أحواله وهو كذلك"، لكن الآن بنو آدم يعيشون في شقة، بل في غرفة واحدة افتحي الإنترنت وضعي الكاميرا وتحدثي إلى زوجك وناقشيه في كل الأمور وتبادلي معه الآراء، ولا بأس من مكالمات ورنات المحمول على مدار اليوم... إذن زوجك معك بإذن الله خطوة بخطوة.
أما من ناحية الطفل فماذا تعني سن السنة ونصف؟؟ المشي، الرغبة في اكتشاف الأشياء، العناد نوبات الغضب، مخاوف الانفصال، صراع الأم والطفل في تدريب المرحاض.. إن كل هذه الأشياء حقيقة مرتبطة ببعضها... كيف؟ العلاقة بين المشي ومخاوف الانفصال والالتصاق بالأم، أي سأبدأ بشدة التعلق بك ... الطفل في هذه السن وقد أتقن المشي قد اعتاد أن يبتعد عن المكان الذي به أمه، ولكن اكتشافه المفاجئ أنه ابتعد عنها يثير قلقه فقد يبكي باحثا عنها ويهرول إلى حيث تجلس.. لماذا؟
إن الطفل في هذه السن ما زال يتعلم أن هناك أنا، وهناك الآخر، ومعنى الآخر أنه كيان مستقل، وأن شعور الأمان لا يعني الالتصاق، أي ما زال يتعلم أن ديمومة بقاء الشيء لا تكون مرتبطة بوجوده أمام عيني... فأنا أبتعد عن أمي لكنها موجودة وتعود وأعود إليها، وينبغي لهذه المرحلة لكي تمر بسلام أن يكون الطفل للأم صورة ذهنية بداخله تطمئنه دائما، وهذا يحدث حينما تكون الأم معطاءة حنونة بلا تدليل، ولا تظهر أمام الطفل دائما بوجه عابس منفعل.
وفي حالة طفلك لا يبدو غريبا شعوره أكثر بمخاوف الانفصال والتصاقه بك.. لماذا؟ لأن والده سافر وغاب عنه والحياة تغيرت وأنت تخرجي وتتركينه مع والديك؟ تعالي نفكر تفكيره "وأنا إيه يضمن لي يمكن تغيب هي كمان... خليني لازق فيها وبكده أضمن أنها مش حتبعد عني".
وهناك احتمال آخر أن تشعر الأم بالذنب لتركها طفلها أثناء ساعات العمل فتعود إليه وكأنها تكفر عن ذنبها فتفرط في تدليله، والأطفال يدركون هذه اللعبة الجميلة وربما يخبرك والداك أنه كان هادئا طوال فترة غيابك لكن ما إن تعودي إلا ويبدأ الصخب ويثير الطفل الضجة ويلتصق بك فهو يلعب معك وكأنه يقول هيا كفري عن ذنبك مثل كل يوم.
لكن ماذا تفعلين حيال هذا؟ المهم ألا تكون فترات غيابك عنه طويلة فهو في هذه السن بحاجة إليك؛ لذلك اجعلي وقتك معه فرصة لألعاب تنمين فيها ذكاءه ويتعلم من خلالها أن يكون بمفرده مثل بعض أقراص الكمبيوتر التي تعلم الكلام، لكن دون تركه لفترات طويلة بمفرده ومن المفضل أن يختلط ويلعب كثيرا مع أطفال في مثل سنه.
والآن ما هي العلاقة بين المشي والعناد؟ في هذه السن تظهر بعض السلوكيات المتحدية التي تثير الأم أحيانا لكن مثل هذه السلوكيات لا تعتبر مشاكل سلوكية على الإطلاق، لكنها أمر طبيعي للطفل في هذه السن ... إنه يرغب في هذه المرحلة في اكتشاف البيئة من حوله فلقد أصبح بإمكانه الابتعاد عنك والتجول والاكتشاف فمثلا قد تنادين عليه ولا يجيب ويستمر في شيء جذب انتباهه فأنت هنا تحرمينه من متعته كما أن الرغبة في إثبات الذات في هذه السن قد تجعله لا يستجيب لك.. وكذلك الأمر إذا نهرته لو أمسك بشيء تودين أن يتركه هو يكتشف ويثبت ذاته وأنت تحبطين ذلك، إذن عليك بالمرونة والذكاء فلو أمسك بشيء تودين أن يتركه عليك بتحفيزه وإغرائه بالبديل، عليك دائما تحويل انتباهه في خفة ومهارة إلى شيء آخر دون أن تقفي أمامه وتصرين أنت على أن ينفذ أمرك، واعلمي أيضا أن الإصرار على تدريب المرحاض قد يزيد من العناد.
السن المناسبة للفطام:
سأجيب عليك من الناحية النفسية للفطام، لكن من الناحية الصحية التي تشير إلى جدول الفطام فلابد من استشارة طبيب الأطفال.
أما عن الناحية النفسية فالفطام -يا عزيزتي- يحمل معنيين: المعنى البدني، وهذا يخص الطفل وحده، والمعنى النفسي، وهذا يخص الطفل والأم على حد سواء وربما يفطم الطفل ويمر الأمر لديه بيسر لكن تصاب الأم بشيء من الاكتئاب.. لماذا؟ لأن الرضاعة تؤكد حميمية الالتصاق بالطفل ومن ثم متى توقفت قد تشعر الأم بفقدانها لجزء من هذه العلاقة أو قد تشعر بفقدانها لجزء كبير من أهميتها.. وكذلك الطفل في بعض الأحيان يكون الفطام شيئا عصيبا بالنسبة له.
عزيزتي، الفطام من أجل الصحة النفسية والبدنية نبدؤه بالتدريج وليس بشكلٍ مفاجئ، فالمفترض أن يكون قد بدأ من السنة الأولى بإدخال بعض الأطعمة مع استمرار الرضاعة وتقليل مرات الرضاعة بالتدريج وزيادة الوجبات المقدمة بالتدريج كما ينصح طبيب الأطفال حسب جدول محدد.
تدريب المرحاض:
عزيزتي، إن تدريب المرحاض يعتبر من أصعب المهام التربوية وهي مرحلة مهمة لا أخفيك سرًّا أن هذه المرحلة إلى حد كبير ترسم شكل العلاقة بين الطفل والأم، وكذلك لها دور في تحديد ملامح شخصية الطفل.. فالطفل العنيد والشخصية الوسواسية مثلا كانت تعاني من قهر وضغط في أثناء هذا التدريب لأنه لم يكن تدريبا بل كان معركة.
لابد أن نعرف هل الطفل مستعد للتدريب الآن؟ ويبدو هذا من ازدياد وطول الفترة التي يبقى فيها جافا وانتظام الأمعاء والذي يبدو في ثبات مواعيد التبرز بعد الأكل مثلا. وإشارة الطفل إلى أنه يريد أن يتبرز أو يتبول وذلك بأن نكون قد لفتنا نظره إلى ذلك مسبقا بكلمات تشير إلى هذا المعنى.. عزيزتي، لا نقول متى ندرب لكن نقول هل هو مستعد والاستعداد نمو جسماني أي التحكم في عضلات المثانة وتنظيم الأمعاء كما ذكرت لك واستعداد نفسي لست أنت ولا طفلك في هذا المرحلة مستعدين له فلا يصح أن نبدأ هذا التدريب وأي من الطرفين أنت أو الطفل في حالة توتر، والأمر كذلك بالنسبة لكما الآن بسفر الأب وتغيير البيت والظروف المحيطة.
فلا بد من تأجيل هذا التدريب في هذه الفترة؛ لأن نتائجه لن تكون مرضية أبدا بالنسبة لك ولا تقلقي فالأمر بالنسبة لطفلك لن يكون صعبا فهو يستطيع التحكم لكن هو يفرض إرادته.. والاستغناء عن الحفاضة يكون في أغلب الأطفال من سن 2-3 سنوات وكلما كان الطفل مستعدا كان الأمر أقل عناء.. أما إذا كنت مصرة على ذلك الآن خاصة أن من حولك ربما يلحون عليك في ذلك ويشعرونك بأنك تأخرت في التدريب فعليك أن تكوني هادئة وإيجابية، اجلسي طفلك على النونية في مواعيد منتظمة لفترات قصيرة بعد تناول الوجبات، كافئيه كلما جلس عليها امدحيه وأثني عليه وهللي له إذا نجح ولو مرة واحدة، تجنبي العنف، تجنبي إرغامه على الجلوس على النونية.
تنظيم مواعيد النوم:
يعتمد كثيرا على البيت هل أنتم منتظمون في عادات النوم؟ أم أن هناك صخبا وضوضاء أثناء الليل؟ وإليك هذه النصائح:
1- تفريغ طاقة الطفل أثناء النهار في ألعاب مفيدة.
2- تقليص فترات الغفوة في أثناء النهار.
3- تنظيم مواعيد الطعام.
4- استعمال طقوس ما قبل النوم والتي تجعل الطفل يفهم بتلقائية أن موعد النوم قد حان مثل: غلق التلفاز، خفض الإضاءة، حمام ما قبل النوم، قصة ما قبل النوم، كوب من الحليب الدافئ.
5- لا تجعلي الطفل يتحايل عليك بكثرة الطلبات حتى يؤخر ميعاد النوم مثل (عايز أشرب، عايز آكل..)، أعطه هذه الأشياء قبل البدء في طقوس ما قبل النوم، وأظهري حزما في عدم التراجع عن ميعاد النوم الآن بشرط أن يكون ميعادا يوميّا ثابتا.
تنظيم مواعيد الوجبات:
في هذه السن قد يحتاج الطفل مع الرضاعة ثلاث وجبات مع وجبات خفيفة على أن يحتوي طعامه على العناصر الغذائية المهمة لهذه المرحلة والتي يجب فيها أيضا مراجعة طبيب الأطفال... لكن بالنسبة للجزء النفسي الخاص بتناول الطفل للطعام أود أن ألفت نظرك إلى أن الأطفال في هذه السن يلعبون بمشاعر الأم، ويمارسون ضغوطا عليها من خلال شعورهم بأهمية هذا الموضوع لها والتي تشعر أنه مسألة حياة أو موت ويدرك هو ذلك ويبدأ اللعب معها.
وإليك بهذه النصائح:
1- لا تقلقي الطفل بأخذ احتياجاته من الطعام بآلية وفطرة من الله سبحانه وتعالى.
2- اجعلي وقت الطعام سارّا لكي ينتظره الطفل.
3- احذري رشوة الطفل من أجل أن يتناول طعامه وكذلك التهديد.
4- اجعليه يجلس معك على المائدة على أن تكوني أنت نفسك منتظمة في مواعيد الطعام.
5- قدمي لطفلك أقل مما سيأكله بالفعل وليس أكثر، فالطعام الكثير في الطبق يفسد شهية الطفل؛ لأنه يذكره برفضه إكمال الطعام وغضب أمه من ذلك، كما أن إنهاء الطفل لطعامه يشعره بالإنجاز والنجاح.
هذه الخطوات من شأنها أن تجعل الطفل يحب وقت تناول الطعام، وهذه أول خطوة لتنظيم مواعيد الطعام.
عزيزتي.. هل رأيت كم أنك أنت التي يقع عليها عاتق التربية والتنشئة في هذه السن؟ أما إذا كنا نتكلم عن غرس القيم والأخلاق في هذه السن فهو يأتي تدريجيّا بالنمذجة والقدوة؛ فالأطفال يتعلمون بالتقليد لمن حولهم في كل الأمور دينيّا واجتماعيّا.
وفقك الله لكل خير.