أريد أن أهرب لكن إلى أين ؟ م11
كيف أتعرف على نفسي من جديد أزمة هوية
أحيانا أشعر أنني لا أعرف نفسي جيدا. لا أعي تماما هويتي الحقيقية. ما النسبة المئوية ل"أنا" الحقيقية في داخلي؟!! وما هي نسبة ال"أنا" المستأجرة أو الواردة من الخارج؟؟ هل هذه أنا؟؟ هل هذه هي أفكاري أم الأفكار التي تسربت إلي بتأثير أحدهم؟!! أحيانا أشعر أنني لربما أسعى للفت الانتباه. من أنا؟ أتمنى لو أعرف. أتمنى لو أجد وسيلة أصفي بها نفسي من كل الشوائب وأبعثر محتوياتها وأستطيع أن أقول نعم هذا ملكي لا هذا ليس لي هذه ليست أنا وأتخلى عن كل ماهو ليس أنا.
لم أعد أعرفني منذ وقت طويل. ولا أظن أنني بشخصيتي العادية أستحق الاهتمام أو الالتفات إلي.. لذلك عندما فكرت في الموضوع توصلت أنني لعلني لست أنا وكل ما أفكر به أو أقوم به هدفه أن أنال الاستحقاق أو ألفت الانتباه... شخصيتي ضعيفة يا دكتور، مهزوزة خائفة من داخلي أحيانا أكون قوية وأتظاهر بعكس الضعف في داخلي أقول وأردد لا أخاف سوى من خالقي. لكن هذا الضعف والاهتزاز موجود بقوة وأنا أعلم بحقيقته. ولاأقوى دوما على المواجهة.. أستطيع أن ألخص أزمتي في تحديد الهوية وعدم معرفة من هي أنا فعلا (أو بالأحرى تمييز أنا الحقيقية عن أنا المفتعلة) حيث تداخلت الاثنتان كثيرا بكلمات بسيطة:"جميع الأسئلة الوجودية التي قد تخطر على البال"
لا أريد أن أفكر كالجميع أو لا ينبغي بي أن أفعل ذلك ولست مقتنعة بكل ما يفكر به الآخرون وكل أفكارهم عن الأخلاق الصحيح والخطأ الحلال والحرام. وبنفس الوقت ماذا لو كانوا هم الصح وأنا الخطأ؟! أحيانا كثيرة لا أفرق بين الصح والخطأ في هذه الحياة أشياء كثيرة لا أستطيع أن أحدد موقفا منها. كل شيء عائم ورمادي... لا أعرف من أسمع ولمن أقرأ لكي يطمئن قلبي لمنظومة فكرية واحدة.
أسمع الشيوخ فلا يعجبني جميع قولهم وأجد أنهم يعيدون ويزيدون في الماضي ولا يهتمون بمناقشة حقيقية لقضايا جدية وحاضرة في زمننا المعاصر. بل يتهربون منها بشكل مباشر أو غير مباشر. ويريحون أنفسهم بتحريمها وخلاص على قول الفقهاء القدامى. غير طبعا كلامهم عن المرأة الذي أعتبره غير منصفا في كثير من الأحيان ومراقبة أدق تفاصيلها وملابسها والتشديد على مسألة الحجاب واعتبارها مسألة مفروغ منها. وهمزات المرأة ولمزاتها والمبالغة في ذلك وحرمانها من أبسط حق المساواة. إلا من رحم ربي.
أسمع العلمانيين فأجد أنهم يقومون بنفس الشيء لكن في الجهة المقابلة. وكلامهم بعيد عن الدين غير أنني لا أفهم لماذا الخوض في ثوابت الدين من صلاة وصيام وحج؟! ما الضير في هذه الممارسات الروحانية لا تضر أحدا. قد أتفق معهم في التعددية واحترام الآخر المختلف وأن له حقوقا مدنية ومواطنة له ما له وعليه ما عليه حتى لو كان دينا هو اخترعه بنفسه. هذا حقه. وحرية التعبير عن الرأي.
من جهة أخرى أشعر أن دفاعهم عن المرأة ليس نصرة لها بل نصرة لفكرهم وكأن قضايا المرأة بالنسبة لهم تجارة.. وبين هذا وذاك تخبط رهيب وضياع بوصلة وهوية. ولا أعرف أسمع لمن أم لمن؟!! وكل طرف يخطئ الآخر وهكذا.
قد يبدو كلامي هذا بعيدا عن السياق لحد ما أو عن الطب النفساني لكن يا دكتور أنا أحاول أن أوضح الصورة لحضرتك. أحيانا أشعر أن هذه هي أنا أحيانا أشعر أنني لست هي. وهكذا ضبابية.. من المهم أن أذكر أن الموضوع لا يقتصر على هذه الأمور بل قد يمتد ليشمل جوانب أخرى أقل جدلية. لكن لعلها تحدد بشكل أو بآخر هوية وشخصية الفرد أيضا لدي ضبابية أو رمادية غير محددة. هل هذه أنا أم من أدعي أنها أنا؟!
كيف أحدد مبادئي وأكون أنا أنا.. ليس عقلا مستأجرا كيف أدافع عن أفكاري وقناعاتي أو كيف أكتشف قناعاتي هذه وأعرف ما الذي أنا مقتنعة به أو الذي غسل به دماغي لكن من داخلي غير مقتنعة؟! قد تحسب أنك تدافع عن أفكارك في حين أنك تدافع عن أفكارهم التي زرعوها في رأسك. كيف أقوي شخصيتي وأزيد من ثباتها أكثر بالذات أمام ذوي الشخصيات القوية؟!
شيء أخير أحيانا وربما منفصل أشعر أنني أستحق أن أعامل على نحو سيء ولا أستحق التعامل الحسن. وإن صرخ أحد الأطباء في وجهي مثلا أشعر أنني أستحق فأنا غبية وسؤالي ما كان في محله. وليس عليه أن يعتذر. بل أنني فوجئت بنفسي حين وجدتها مؤمنة ومتيقنة من هذا!
وأحيانا لا أعلم متى يكون الحق معهم
ومتى يجب أن يعتذر ومتى لا!
13/8/2022
رد المستشار
شكراً على استعمالك الموقع.
سؤالك هو: كيف أتعرف على نفسي من جديد؟
الإنسان الوحيد القادر على الإجابة على هذا السؤال هو السائل نفسه. يستقبل الإنسان عبر جهازه العصبي العديد من الأحاسيس الخارجية والداخلية ويتم إرسالها صوب الجهاز العصبي المركزي. المعلومات لا يتم خزنها فقط وتنتهي، ولكن يتم التصرف بها عن طريق الناقلات العصبية وإفراز هرمونات تؤثر على جميع أعضاء الجسم. هذه الحلقة في النهاية يتم حسمها بتأليف رواية يتمسك بها الإنسان ويضيف إليها الفصل بعد الآخر٬ ويتصور بأن روايته أصيلة لم يطلع إليها أحد.
روايتك لا تختلف عن روايات غالبية الناس٬ والروايات بحد ذاتها تعكس النضج العاطفي للإنسان٬ شخصيته٬ وعصابه المزمن الذي يحمله ولم يتخلص منه. روايتك بعد عام قد تكون غير روايتك هذه، وربما سيأتي الوقت كذلك الذي ستتخلصين فيه من العصاب المزمن الذي تحمليه.
التناقضات الموجودة في المجتمع الشرقي تختلف فقط في محتواها عن التناقضات الموجودة في المجتمع الغربي. يستوعب الإنسان هذه التناقضات ويمضي في حياته مواجها التحدي بعد الآخر لكي يسد احتياجاته الناقصة ويستمتع بالحياة الدنيا.
وفقك الله.
ويتبع >>>>: أريد أن أهرب ولكن إلى أين؟ م13