السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا في الواقع أرسل لكم رسالة صديقي الذي منعه الخجل من الكتابة لكم، ولولا أنني مقرب منه لما أخبرني بحكايته التي أتعبته كثيرا وتركته حائرا، وإليكم نص رسالته.
أنا شاب في الثانية والعشرين من العمر مقيم في الغربة منذ طفولتي، ومنذ طفولتي أعاني من الجبن فأخاف من الظلام وأخاف من البقاء بالمنزل وحيدا بالليل خصوصا وقت النوم، مع العلم أنني أحب السفر وأجرؤ عليه جدا حتى إن كنت وحيدا ولا أخشى المبيت في غرفة الفندق وحدي، لا أخاف الحروب أو الزلازل، كما لا أخشى القطط أو الكلاب أو الغربان أو المسير في أماكن نائية وحدي، بالنهار طبعا.
ولقد تغلبت بنسبة 80% على الخوف من الظلام والبقاء وحيدا بالبيت ليلا، لاسيما أني تناولت كل من ريسبردال 1 مج وترانكوبوسكاص، ولكن الخوف الذي لم يفارقني قط منذ طفولتي وحتى الآن هو الخوف من الرجال، خصوصا نظرائي، أي من هم في مثل سني أو أصغر بقليل أو أكبر بقليل.
ولقد حاولت كثيرا سحق هذا الخوف أو نسيانه ولكن عبثا كنت أحاول، مرت علي أيام المدرسة ثقيلة بسبب جرأة التلاميذ علي، وعلمهم أنني لن أرد عليهم بالضرب القوي الذي يجعلهم يحسبون لي حسابا.
قبل 5 سنوات تقريبا كدت أصطدم وأتعارك مع شاب يقيم قريبا من بيتنا لسبب تافه هو افتعله والآن يكاد الموقف أن يتكرر؛ لأن هذا الشاب لم ينس ذلك الموقف الذي كان قبل 5 سنوات رغم أنه هو المخطئ والوقح وقاحة لا حدود لها.
فبماذا تنصحونــي لأنني كلي ثقة في أنني سأصطدم معه يوما فلا أريد أن أهان وسط الشارع وأمام الناس بل أريد أن أقلب الموقف تماما وألقنه درسا لا ينساه أبدا، لا أريد أن أشعر عند المواجهة بأن أحدا يربت على يدي فلا أستطيع أن أضربه وأدافع عن نفسي خير دفاع!!!.
أنا أود إعلامكم أنني منذ طفولتـي وحتى بلوغي 14 سنة كنت أتبول على نفسي في أثناء النوم، خصوصا في الشتاء وعند الإكثار من السوائل، وأنا الآن ومنذ سن 14 سنة لم يتكرر معي هذا التبول قطعيا، ولله الحمد.
كما أريد أن أخبركم أنني أعانـي منذ السابعة عشرة ونيف من عمري من المرض المشؤوم المتسلط الوسواس القهري الذي قلب حياتـي جحيما لا تطاق ولم تنفع معه خيرة الأدوية، وأشهرها زيدبركس وأنافرانيل وفافيرين وباكسيل، وفوضت أمري إلى الله العزيز الحكيـم... فهل توجد أي علاقة بين الخوف والوسواس القهري؟ وهل توجد أي علاقة بين التبول في أثناء النوم أيام الطفولة والجبن وخشية الناس، علما أنني أعاني من الجبن قبل الوسواس القهري بكثير كما أخبرتكم؟ أريد أن أفهم ما هي أسباب الجبن وكيف السبيل إلى سحقه تماما؟ وإذا كانت هناك أدوية معينة فأرجو ذكر اسمها وكيفية أخذها؟.
وبماذا تنصحوني بخصوص ذلك الوغد الذي أخبرتكم به سلفا؟ علما أنه في مثل سني وطولي ولكنه أسمن فهو لا يقل عن 80 كجم أي أكثر مني بحوالي 20 كجم، ورغم ذلك أنا مصر على مواجهته عندما يعترضني ويبدأ في الشتم أو محاولة الإخافة، وأنا بانتظار ردكم علي على أحر من الجمر لأنني في سباق مع الوقت وفي أي يوم يمكن أن أصطدم معه، وشكرا لكم مسبقا على ردكم علي.
كانت هذه رسالة صديقي الذي أرهقته الحيرة والتفكير، وأنا سأوصل إليه ردكم فور ردكم على الاستشارة،
وشكرا لكم على مجهودكم في مساعدة الشباب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
16/8/2022
رد المستشار
أخي العزيز "Shaden" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
صديقك الذي تتحدث عنه يعاني في الأساس من حالة قلق نفسي، وما حدث له من مخاوف مختلفة (سواء من الظلام أو الوجود في البيت ليلا وحيدا أو الخوف من الأقران) ومن تبول لا إرادي ومن وسواس قهري إنما هي تفريعات للقلق النفسي الكامن بداخله، ذلك القلق الذي يتشكل في صورة أعراض مختلفة كما رأينا في كل مرحلة من مراحل العمر.
وللقلق أسباب كثيرة حسبما تراه كل مدرسة؛ فأصحاب النظرة الفسيولوجية يرون أنه اضطراب في الجهاز العصبي ممثلا في نشاط زائد في اللوزتين (الموجودتين في المخ) أو اضطراب في الجهاز الطرفي عموما يصاحبه زيادة في نشاط الجهاز السمبثاوي وزيادة في إفراز الأدرينالين، وهذا الاضطراب يجعل الشخص في حالة توتر وهشاشة خاصة في مواجهة بعض المواقف التي تستثير المزيد من القلق لديه.
أما أصحاب المدرسة التحليلية فيرون أن القلق ناتجا عن صراعات بين الهو (المليء بالرغبات المرفوضة) من ناحية والأنا والأنا الأعلى من ناحية أخرى؛ فهناك دفعات غريزية جنسية أو عدوانية تهدد بالخروج عن سيطرة الأنا والأنا الأعلى؛ وهو ما يجعل الشخص في حالة خوف مما سيحدث، وهذا الخوف يتشكل ظاهريا في أي موضوع للمخاوف، وهذه المخاوف تكون غير منطقية ولا يخاف منها عموم الناس.
أما السلوكيون فيرون أن الخوف يتكون من خلال ارتباطات شرطية حدثت في مراحل نمونا المختلفة، حيث ارتبطت الأشياء التي نخاف منها بمشاعر سيئة في بعض الأوقات فأصبحت هذه الأشياء تثير تلك المشاعر كلما تعرضنا لها.
والعلاج هنا سيكون موجها نحو القلق -الذي هو الأصل في كل المشكلات الناتجة- ويفضل أن يكون العلاج متعدد المستويات؛ فنعطي علاجا دوائيا في صورة إحدى مانعات استرداد السيروتونين النوعية مثل الفلوكستين أو الباروكستين أو السيرترالين مع بعض مضادات القلق مثل البوسبيرون أو البنزوديازيبين بجرعات مناسبة ولوقت كاف.
وفي نفس الوقت يخضع المريض لعلاج سلوكي لتقليل حساسيته تجاه المخاوف المختلفة ويقلل أيضا من أعراض الوسواس القهري.
ويستحب أن يواكب هذا علاج نفسي فردي أو جماعي يزيد من بصيرة المريض بمشكلاته النفسية ويساعده على التغير للأفضل والنمو على المستوى الفردي والاجتماعي، وهذه الأنواع من العلاجات النفسية والسلوكية يقوم بها أحد الأطباء النفسيين أو الأخصائيين النفسيين المدربين على هذه الأنواع من العلاجات، وهناك فرصة كبيرة للتحسن في حالة التزام المريض بالبرنامج العلاجي وفي حالة إتقان المعالج النفسي لتقنياته العلاجية.
ويصاحب كل هذه الوسائل علاج ديني يتمثل في أداء العبادات بانتظام خاصة الصلاة حيث إنها تبعث في النفس راحة وطمأنينة وسكينة خاصة صلاة الليل، والدعاء يشعر الإنسان بمعية الله ودعمه ومساندته، والتوبة تخفف من مشاعر الذنب وتعطي إحساسا بالتطهر وفرصا للبدايات الجديدة، والصوم يمنح الإنسان صفاء وروحانية، والحج يعيد ترتيب النفس بالكامل ويعطي فرصة لبدء صفحة جديدة ناصعة، وفعل الخيرات يقوي النفس ويعطي الإحساس بالأمن والسعادة ويقرب الإنسان من الله ومن الناس.
ونتذكر قول الله تعالى في سورة المعارج: "إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا. إِلاَّ الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ. وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ. وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ. إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ. وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ. أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ".
وكما هو واضح من الآيات أن الإنسان عموما معرض للهلع والجزع، ولا يحميه من هذا المصير إلا ما ذكر في الآيات البينات التي هي بمثابة عوامل وقائية وعلاجية في مواجهة القلق الذي يواجه الإنسان بأشكال مختلفة.
اقرأ أيضًا:
اكتئاب حاد: ماذا يعني؟
الاكتئاب في شخصية قلقة
قلق واكتئاب مختلط محمول من الطفولة