![]() |
ذات السطور الذهبية رفيف الصباغ في ذمة الله!1
يبدو أنني بعد 3 أسابيع من رحيل د. رفيف الصباغ والتي كانت سندنا الفقهي في الموقع وفي كثير من عملنا مع الموسوسين في أمور الدين، يبدو أنني بدأت أفيق على حقيقة مؤداها أنني سأحمل وحدي -ولو لقدر من الزمان- ليس فقط مسؤولية الاستشارات الخاصة بالوسواس القهري الديني وعلاجه المستند إلى الفقه الإسلامي وإنما مسؤولية الحفاظ على ما كتبته رفيف الصباغ على الموقع وجمعه مثلا في كتاب، وكذا عليّ الاستمرار فيما بدأناه معا (أكتب أنا وتراجع وتصوب هي) من كتابة الفقه الخاص بمرضى الوسواس القهري الديني، ومن يقرأ ما كتبته على الموقع سواء الاستشارات أو المقالات يجد أنها رحمة الله عليها قد أنجزت الكثير ووضعت الأساس الفقهي الراسخ لما سميناه "الفقه للموسوسين"... ولعل الله سبحانه وتعالى ينعم علينا بمن يساعدنا كما أنعم علينا برفيف.
ما مررت به أنا من خبرات الفقد والأسى كان ثقيلا ومفاجئا بالنسبة لي حتى أنني قلت ما استغربه السامعون لكنه وصف الشعور الحقيق الذي شعرت به على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية بكل صدق "أنا أشعر كأن أمي ماتت مرتين" معقول يا دكتور؟ حضرتك تبالغ كثيرا.. والحقيقة هي أنني لا أبالغ! وربما سبب استغراب الآخرين هو أنهم لا يعرفون ماذا كانت رفيف الصباغ لا أقول بالنسبة للموقع وإنما بالنسبة للمناجزة اليومية للاستشارات على مدى 17 عاما فمنذ بدأ الموقع وحتى اليوم وأنا أتولى مسؤولية فرز الاستشارات التي يستقبلها الموقع لتوزيعها على المستشارين وإرسالها لهم ومعنى ذلك أنني كنت أراسل رفيف لأرسل استشارة أو أكثر أو لأستعجل ردها كل يوم لخمسة أعوام ثم كل يوم أو يومين على أقصى تقدير في السنوات الأولى للثورة ثم بعدما تدهورت الأحوال المعيشية حتى في دمشق، في نفس الوقت الذي زاد فيه طلب الموسوسين لردود من رفيف وقد مثلت اكتشافا بالنسبة لهم، بدأت يرحمها الله تشتكي من الحمل وتطلب مني أن أجيب بنفسي وهي تراني قادرا لكنني نادرا ما تجرأت إلا ربما في الفترة الأخيرة، وأما ما استمر على مدى السنوات فكان أن أرسل لأسألها في أمر فقهي يخص استشارة أرد عليها أو مريضا أو مريضة من مرضاي كنت كثيرا ما أستفتيها لمريض أو مريضة عبر الواتساب وصاحب السؤال معي فترد غالبا في الحال. كانت يرحمها الله تشكل دعما مستمرا لعملي مع مرضى الوسواس القهري الديني لما يقارب العقدين من الزمان ويبدو أنني طمعت في استمراره أبدا فلم أحسب للموت حساب!!
![]() |
عندما دخلت قسم الاستشارات التي تنتظر الرد بعد رحيل رفيف بيومين وكان بحوزتها حوالي 52 استشارة تنتظر الرد، كان قاسيا جدا عليّ أن أرى صورة الصفحة الثالثة وكل ما فيها استشارات تحمل اسمها، وكلها ينتظر أصحابها إجابة رفيف.. هكذا بدا جزء من الصفحة: كما في الصورة أعلاه، آلمني ذلك أيما ألم، وفكرت كيف أن كل واحدة من هذه الاستشارات كنت أرسلتها لرفيف إما لأنني أريد تعلم شيءٍ منها أو لأن أصحابها شدَّدوا في طلب رد منها، أو ببساطة لأنني لا أستطيع الرد على الأسئلة الفقهية الخالصة، بدأت تراودني الأفكار بأن الله جل وعلا غاضب عليّ وعلى الموقع فكم مرة بعدما قرأت ردا من ردودها كتبت لها أقول "يا رفيف أنا أعتبر معرفتي بك دليلا على رضا ربي عليَّ"، فهل رحيلها غضبٌ علينا.. أفقت سريعا واستغفرت الله واستعذت، وانتبهت لخللٍ كبيرٍ في تفكيري فموتها يرحمها الله لا يغير شيئا من أن معرفتي بها دليل رضا من الله علي ولو لنذر يسير من الزمن لكن الله أدام فضله علينا برفيف 17 عاما، رغم ذلك من لي بمن يتطوع من نفسه ليراجع ما ينشر على الموقع يوميا ليصوبنا فقهيا ولغويا؟ رفيف كانت من أكثر الناس قراءة للموقع تعلمت منه ما ربما أمكن لأي موقع نفساني تقديمه لكنها يرحمها الله قدَّمت لنا ما لا يمكن لأحد أن يقدمه.
لم يقتصر الألم على ذلك وإنما كان عليّ أن أبدأ في إبدال اسمها باسمي أو باسم د. مسعود صبري وكم كان مؤلما أن أفعل كنت أشعر بالذنب وبالحزن ولا أفهم الشعور الأول (إلا أن يكون عقدة الناجي أي الذنب الإيثاري) ولا أستوعب الثاني أي الحزن الذي لم أشعر بمثله منذ زمن طويل خاصة أثناء عملية الإبدال التي لم أستطع إكمالها إلى اليوم، وسأقول لكم لماذا؟ بأن أصف ما يحدث على صفحات الإدارة الداخلية للموقع مثلا: كنت قد أجبت واحدة من استشارات رفيف غير المجابة وحين هممت برفعها هكذا كانت تبدو أجزاء الصفحة، الصورة الأعلى هي البداية، ثم عندما أظلل اسمها في المنتصف وتظهر الصورة الأدنى ثالث مراحل عملية الإبدال المؤلمة فيا ترى.. يا ترى إلى متى يظل الموقع يذكرني بمن فقدها وفقدناها جميعا أنا والموسوسون.
![]() |
في تلك الليلة أيضًا كم كان قاسيا وقد استقبل الموقع استشارة جديدة طالعتها وقررت إرسالها لفارسنا النبيل ومستشارنا الأنشط بلا منازع أ.د سداد جواد التميمي كم كان قاسيا أن يظهر لي اسم رفيف وبريديها الإليكترونيين بمجرد ما ضغطت لأكتب بريد المرسل إليه يعني مجرد وقوف الفأرة في خانة المرسل إليه تظهر رفيف الصباغ وكأن ياهو يذكرني ثم لما كتبت S ليظهر بريدا د. سداد الإلكترونيين وتظهر أيضًا رفيف الصباغ في جهات الاتصال المتعلقة... لكن واقع الحال أني على مدى 18 سنة وأكثر من أرسل إليه بريدا إليكترونيا هو د. سداد ثم د. رفيف ثم اسم يتغير بحسب من يعمل معي في التحرير و/أو التدقيق في الموقع وكان آخرهم أ. أحمد عبد الحفيظ وهو ... يا ترى إلى متى يظل ياهو يذكرني بمن فقدتها وفقدها الموقع
![]() |
منذ يومين سئلت سؤالا من مريضة فاقتضى مني أن أراجع مراسلات دارت بيني وبين رفيف بخصوص النقاش في نفس الموضوع، وبعدها بدأت أراجع ما كان من مراسلات بيننا بخصوص الكتاب، وحين قرأتها وجدتها تعطي مثالا جليا على نوعية ومستوى عمق الحوار الذي كان يدور بين طبيب نفساني وفقيهة مسلمين جمعهما الاهتمام بالجانب الديني والفقهي للوسواس القهري، على سبيل المثال أنقل لكم جانبا من المراسلات الخاصة بتصنيف الوساوس والقهور الدينية المقترح: السلام عليكم يا رفيف... تساءلت بيني ونفسي وأنا أقرأ ردك على الموسوسة محاولا تغيير الصياغة أمران الأول هو أين نصنف وساوس الحسد؟؟ الكلام الذي جمعته من فصلين من الكتاب هو بالنص: (وتشمل الوساوس والقهور الدينية:
أولا: وساوس العبادات -التطهر والصلاة والصيام- وتتضمن:
1- وساوس وقهور ما قبل العبادة
2- وساوس وقهور البدايات "بداية العبادة"
3- وساوس وقهور أداء العبادات:
4- وساوس وقهور المبطلات
ثانيا: الوساوس التعمقية في المسلمين وتتضمن:
1- التعمق في السؤال (في تحري الطهارة، في الأسئلة الغيبية والتشكيكية أو في الأسئلة الفقهية)
2- التعمق في الإحسان ....)
هل نقول إنها تدخل ضمن إحسان التعامل مع الناس؟ أم نضع ثالثا: وساوس وقهور دينية أخرى؟؟؟ وماذا تضعين في هذا البند عدا وساوس الحسد؟
وترد رفيف رحمة لله عليها فتقول: (يخطر في بالي الآن ألا تشبه وساوس الحسد، وساوس الخوف من ذبح أحد أو دهسه أو إيذائه بأي شكل من الأشكال؟ دعكم من حكمه شرعا... هناك نقطة مشتركة مع الوساوس السابقة. لكن كما قلت لكم، من وجهة تنسجم مع التقسيم الشرعي: هناك وساوس في الطاعات ووساوس في المعاصي، وتحت الطاعات أقسام وتحت المعاصي أقسام، منها ما يتعلق بالنفس ومنها ما يتعلق بالغير... ولعل الحسد والإيذاء عامة معصية تتعلق بالغير... هذا ما يتبادر إلى ذهني، ما رأيكم؟) فكان ردي (صدقت الحسد ضمن وساوس العدوان، والرياء ضمن وساوس النية، لكن ماذا عن إضافة وساوس متفرقات: الحسد والطلاق والغيبة؟؟؟ رأيك وهل من إضافة؟ أنا أنتظر ذلك)
وردت رفيف (باعتباركم تريدون الإضافة للتقسيم القديم وليس تغييره، لا يوجد حل إلا إذا وضعتم عنوان: وساوس متفرقة، ثم إن أحببتم تحت هذا العنوان يمكنكم وضع تقسيمات أخرى. هذا خير مخرج، أما أين نضع هذا الوسواس أم ذاك، فهو اجتهاد منكم ووجهة نظر خاصة لسببٍ ما ترونه مناسبا، قد يخالفكم آخرون، وربما خالفتكم أنا، ولكن هذا ليس مهما، المهم أن يكون هناك نوع اشتراك بين الوسواس والعنوان الخاص به) ثم يجيء توقيعها المميز
طريقنا لله....*....لا لاكتساب الجاه
أذكر في بداية هذه السنة أن إحدى صاحبات سلاسل الاستشارات على الموقع سألتني بخصوص ما اعتدت قوله وكتابته على الموقع من أن سجود السهو لا يسن للموسوس، هل هذا الحكم أو القول صحيح؟ فحدث أني كتبت العبارة على جوجل فطلعت لي السطور التالية في الموسوعة الفقهية والتي أخذتها نسخا وأرسلت أقول لرفيف: (المُوسوسُ لا يَسجُدُ بمُجرَّدِ الوَسوسةِ في الصَّلاةِ، إذا لم يَشُكَّ في عددِ صلاتِه، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة والحنابلة، وحُكي الإجماعُ على ذلك؛ وذلك لأنَّ الوَسواسَ يَخرُجُ به إلى نوعٍ من المكابَرَةِ فيُفضي إلى زِيادةٍ في الصَّلاةِ مع تيقُّنِ إتمامِها ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/394). هذا عن الموسوعة الفقهية، في حين حضرتي عمال رايح جاي أقول وأكتب سجود السهو لا يسن للموسوس!! أكيد مش أنا صاحب العبارة ولا إيه؟ يعني صدقا إسباغ الوضوء لا يسن للموسوس ذي أنا أقولها اجتهادا لكنني فرحت عندما سمعت مقولة سجود السهو لا يسن للموسوس بل أنا قست عليها إسباغ الوضوء) فكان رد رفيف الصباغ: (عند المالكية فقط هناك سجود سهو للموسوس وأظنه يختلف عن سجود غير الموسوس، فهناك حالات يكون السجود قبل السلام عندهم وهناك حالات يكون بعد السلام....) ولكني لا أتكلم على هذا البتة لأن ثلاثة مذاهب لا تطلب هذا، وسجود السهو للموسوس فيه ما فيه من الناحية العلاجية) فسألتها مستوضحا (يعني أنا أتحمل وحدي القول على إطلاقه سجود السهو لا يسن للموسوس) ردت (لماذا تتحمل وحدك؟ سجود السهو لا يسن للموسوس كلام صحيح فأنتم لم تقولوا إنه لا يسن بالإجماع) فسألتها (إذن وإسباغ الوضوء لا يسن للموسوس؟ هذا أنا كنت أقوله كرأي فقهي) فقالت يرحمها الله (أما اسباغ الوضوء لا يسن للموسوس فهذا من عندكم استنادا لما فهمتموه من مجموع احكام الموسوسين) أخشى الا اكون فهمت إشكالكم بدقة؟ فرددت بل فهمته بارك الله فيك فاستطردت (من الممكن أن نخرجها على قولهم: الأولى للموسوس الأخذ بالرخص، ومن الرخص الاكتفاء بأدنى حدود الفريضة، فالأولى للموسوس ألا يأتي بسنة إسباغ الوضوء... أي ليست سنة في حقه) جيد هكذا؟
وعلى الياهو أيضًا كثيرٌ كثير مما يبين قدر ما كانت تقوم به من تدقيق وتصويب فقهي لغوي لما أكتب وكل ذلك وهي ما تزال ترفض أن يوضع اسمها على الكتاب! ولم ترضَ إلا بعد لأي وبناء على نصيحة شيخها، مثلا قالت بعد مراجعة الفصل السادس (السلام عليكم: هناك أحاديث شكلتها وعزوتها إلى مصادرها دون أن ألونها باللون الأحمر، باعتبار أن الحديث بقي كما هو إلا التشكيل، كذلك عندما أحذف كلمة زائدة، أو أصحح خطأ مطبعيًا، أو نحويًا، لا ألون لأنه صعب في هذه الحالات، فأرجو الانتباه لهذا حتى لا تضيع التصحيحات)
ثم يظهر لي بينما أتصفح المراسلات مواساة رفيف لي عقيب وفاة والدتي رحمة الله عليها سنة 2015 وكنت ما أزال أراجع تصنيف الوساوس والقهور الدينية (السلام عليكم يا دكتور، كيف الحال؟ بالي مشغول عليكم، ففقد الأم ليس بالأمر السهل، أسأل الله تعالى أن يفرغ عليكم الصبر ويجزل لكم الأجر، وأن يشمل الوالدة برحمته ويجعلها في عليين) رحمك الله يا رفيف في موقفي ذاك كنت وحدي اليتيم العجوز الذي فقد أمه، لكنني الآن أقف ويقف معي الموقع وكلانا فقد أمه، كم سيكون من المحزن أن يغيب اسمك من صفحة استشارات تنتظر الرد، ومن يا ترى سيتحمل معي من بعدك أثقال الموسوسين على مجانين؟ قل العلم عند رب العالمين.
واقرأ أيضًا:
الكفالة الربانية للشام.. / مِنْ وَحْيِ المُنَاقَشَة...!