السلام عليكم
لقد بدأت مشكلتي عندما جئت مع زوجي إلى بلاد الغرب سعيا في تحصيل المزيد من العلم والشهادات، وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد دخل زوجي في دراسة تخصص لا يرغبه مع تراكم الديون علينا للدولة؛ فلم يعطه الأهمية ورفض الاستمرار في هذا المجال، وقد توجه إلى جامعة أخرى وإلى التخصص الذي يرغبه فرفض طلبه.
وزوجي الآن يتخبط بين العمل كسائق سيارة وإكمال ما بدأ به والانتقال إلى المجال الذي يرغبه، مع العلم بأن زوجي حاصل على الماجستير في الهندسة من بلده، كما أنه يقرأ القرآن عن ظهر قلب. وأنا من ناحيتي أشجعه على الدراسة، فبدل أن يكون هذا التشجيع إيجابيا على العكس يكون السبب في غضبه وتذمره.
أريد منكم النصيحة في كيفية التعامل معه، وفي الطريق السليم لكي يسلكه،
وجزاكم الله كل خير.
7/9/2022
رد المستشار
سيدتي الكريمة: في الحقيقة أنا عندما قرأت رسالتك وشعرت بالمحنة التي تمرون بها تذكرت قوله تعالى: "أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء" وتذكرت القاعدة التي يرددها أصحاب التجارب والخبرات يقولون: إن المحنة ما إلا بشارات بفرج قريب بإذن الله لمن صبر ولم يجزع، ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج.
واسمحي لي أن أبدأ حديثي من حيث انتهيت سيادتك في خطابك؛ حيث تقولين إن تشجيعك لزوجك يسبب تذمره وغضبه... أحسب أن هذه نقطة جوهرية في الموضوع أخشى أن نغفلها، فزوجك يمر بمحنة قاسية لا شك أنها تمزقه من الداخل: فهو من ناحية على وشك أن يفقد أمله في دراسة التخصص الذي يرغبه، والذي حلم به وخطط من أجله وترك بلاده ليصل إليه، ومن ناحية أخرى غير قادر على الوفاء بالتزاماته المادية تجاه بيته وسداد الديون المتراكمة؛ مما اضطره وهو الحاصل على الماجستير أن يعمل سائقا ليحل جزءاً من المشكلة، وهكذا أصبح زوجك بين شقي الرحى، الديون من ناحية وفقدان الحلم من ناحية.
كل هذا بالقطع ليس هيناَ عليه، وطبيعي أن يجعله "يتخبط" كما تقولين، وتخبطه هذا لا يعني أنه مستهتر أو أنه غير جاد، وإنما هو يعكس محنته التي تجعله جديرًا منك بكل مشاعر العطف والرفق التي يجب أن تشعري بها من الداخل أولا؛ لكي تستطيعي أن تعبري عنها وتترجميها لتصرفات ثانيا ... وحتى إذا افترضنا أن زوجك لا يحسن تقدير الأمور أو أنه غير جاد؛ فلعل الله جعلك سببا لتستخدمي رشدك وحكمتك في الأخذ بيد الغريق بلطف وشفقة وصبر، بعيدًا عن التقريع والتذكير بفشله، فتكونين مثالا للزوجة المخلصة التي تقف إلى جانب زوجها في محنته.
يقولون: إن الزوجات نوعان: نوع عندما يشكو لها زوجها من صداع في رأسه تقول له: خذ أسبرينه (مسكن)، نوع آخر تقول له: سلامتك.. الذي يشف من الصداع هو المسكن، ولكن الذي يحتاجه الزوج من زوجته هو سلامتك، أحسب أنك إذا جلست مع زوجك عدة جلسات وكانت بينكما هذه الروح الطيبة لن يكون اتخاذ القرار صعبا، بل أحسب إن أي قرار ستتخذاه سيكون موفقا.
وأول ما أنصح به هو أن تحددا بوضوح مدى احتمال قبوله في التخصص الذي يرغبه؛ فإذا كان الاحتمال بعيدًا جدا فلا داعي لإضاعة المزيد من الوقت وتراكم المزيد من الديون والسعي وراء السراب يحسبه الظمآن ماء، وعندئذ يجب أن نطبق القاعدة التي تقول: "إذا لم تكن ما تحب فأحبب ما تكون".
والإنسان في الحقيقة لا يعلم أين الخير فكثيرا ما يخطط الإنسان لشيء ويريد الله شيئا آخر، ربما ليثبت الله لنا دائما أنه يعلم ولا نعلم وأن مشيئته فوق كل تخطيط، وهناك عشرات القصص لأناس اختاروا لأنفسهم طريقًا فاختار الله لهم طريقا أخر؛ فحزنوا كثيرا ثم سلموا بما قضى الله، وبعد مرور الوقت وجدوا أن ما اختاره الله هو الأفضل، فحمدوا الله كثيرا وسخروا من حزنهم القديم.
ولا مانع إطلاقا من أن يضع الزوج في خطته على المدى البعيد أن يدرس التخصص الذي يرغبه، ولكن بعد الانتهاء من تخصصه الأول والوقوف على أرض صلبة. وكثيرون في الحقيقة قد فعلوا هذا، درسوا أكثر من تخصص ووفقهم الله.
وأخيرًا لابد أن لا ننسى الدعاء والاستخارة واللجوء الى الله ليهدينا إلى الصواب، ونحسن التوكل عليه والرضا بما يقدره لنا، وأن لا ننسى "إن مع العسر يسرًا".