الوسواس
السلام عليكم، أنا شخص تربيت مسلما محبا لله ورسوله، لكن - ربما في سن الـ١٢ - بادرتني أولى الشكوك حول الثوابت وأصبحت مستمرة جدا في سن الـ١٨ تقريبا، أصبحت أشك جدا بثوابت العقيدة جميعها لمدة لاتقل عن ١٠ سنوات، ولكن لم أشرب أو أزني ، تم تشخيصي بالوسواس القهري وقد قال لي الدكتور (مشكلتك ليست في الوسواس فقط بل في شخصيتك الوسواسية أو الشكوكية) لم أفهم عليه، وحينما سألت الدكتور عن حُكمي لو كنت مسلما فلا أتذكر إجابته أو كأنه أجاب على مضض، وطبيب آخر أخبرني بأنني وسواسي فلا يستطيع تصنيفي حاليا. أنا تعب جدا فلا أصلي سوى الجمعة أحيانا بسبب وسواس النظافة والدين (لماذا أخدع نفسي لو كنت كافرا حقا؟)، فهل سأدخل النار بحسب هذه المعطيات؟
١- شخصيتي شكوكية أي أنني أشك في كل شيء ولدي اقتناع بألا أحد يستطيع الإيمان بالله ١٠٠% أو حتى ٩٠ % ، لأننا عقولنا قاصرة وحواسنا كذلك. والدليل : "وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي".
٢- ما ذنبي هنا فيما يتعلق بشخصيتي وطريقة تفكيري مادام سببه بيئيا ، كيميائيا ، أو وراثيا؟! أنا لا أجحد الله تكبرا ، ولكني مقتنع بعدم استطاعتي الإيمان بالجنة وكأنها فوق سطح بيتي أو كأنني أراها بكلتا عيني أو أعتقد جازما بها واثقا منها وكأنها ملموسة، حتى وجودي بحد ذاته أعتقد به لنقل ٩٨% (لا أكترث بنسبة ال٢ %) فكيف إذن الجزم بتلك الأمور الغيبية؟ تعبت من البحث ولم أجد دليلا دامغا حول الله يطمئنني ... فلو سألني شخص حول إيماني ربما سأقول (لا أعلم ربما مسلم ولكن متشكك ، ولكن أعتقد بنسبة أكبر الإيمان أو أنني أتمنى ذلك أو لا أعرف إن كانت النسبة أكبر)
3- إنني أكره أفكاري لكونها وسواسية وتخيفني، ولكن شخصيتي شكوكية بطبعها ولا أستطيع الجزم، فهل أنا مؤمن؟ حسبما علمت فالوسواسي يفر من أفكاره ولكنه معتقد جازم بإيمانه، أنا أحاول الفرار أو البحث ولكنني لست معتقدا جازما بإيماني أو لنقل أنني أخوض بها ، لنقل أن إيماني ٧٠% أقل أو أكثر . فهل أنا في حكم الوسواسي المسلم أو الكافر؟
4- ربما ستكون إجابة حضرتك بحديث الرسول حينما أخبر الصحابة بأن وساوسهم هي من صميم الإيمان . ولكني لا أشعر بأنني منهم، بل أنني متشكك من الصميم في كل شيء ، لا أشعر بأنني كغيري مسلم مدعي بجزمه المطلق بالإيمان بالثوابت، فإما أنني أخدع نفسي أو أن الجميع يخادعون أنفسهم فلا أحد فعليا يستطيع الإيمان بالله ١٠٠% أو حتى ٩٠ % (لأن لو كان ذلك لما وجدنا تلك التصرفات السيئة أو لرأيناهم يصلون المساجد فجرا من غير تكاسل فقضية جهنم مخيفة).
5- في الفترة ما بين ٢٠ إلى ٢٨ تقريبا كنت مترددا فمرة أكون ربوبيا ، لا إراديا أقرب للإلحاد ، متشكك ، لا أدري أقرب للإيمان ، فمن أنا بينهم؟ لا أود حتى معرفة الإجابة لأنها تخيفني جدا ... المشكلة أن في تلك الفترة كنت مغترا أرى نفسي مفكرا والجميع مخدوعون، وكم تمنيت العودة للدين ولكن لا أمل فهو لأحلام الأطفال (هذا كان اعتقادي ولا أعلم ربما مازال باقيا للآن أو حتى بعدما علمت بوسواسي)
أسئلتي كالتالي :
هل أنا مسلم؟ هل سأدخل النار لو كانت موجودة (هاجمني الوسواس أو الاعتراض أو الشك وأنا أكتب)؟ هل الجميع يشعر بما أشعر به؟ (لا أود أن أكون المنبوذ الوحيد الذي يتلقى صفعات من الأسئلة في كل ثانية من حياته بشكل مستمر لا يخمد تقريبا) ..
وشكرا جزيلا
أثقلت عليك
25/9/2022
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "داي"، أو يا "Magdi Hunjul" كما سميت نفسك عندما أرسلت استشارتك ذاتها مرة أخرى، وأهلًا وسهلًا بك على موقعك
أصل الخطأ في قناعتك أنه لا أحد يستطيع الإيمان بالله 100%، هي عدم معرفتك بمسألة: هل الإيمان يزيد وينقص؟ فالإيمان يُنظر إليه باعتبارين: باعتبار التصديق واليقين بوجود أركان الإيمان: فهو بهذا الاعتبار لا يزيد ولا ينقص، إما مصدق وإما غير مصدق...، لا يوجد شيء اسمه مصدق بنسبة كذا أو بنسبة كذا...
كما يُنظر إليه باعتبار آثار الإيمان وثمراته والطاعات الناتجة عنه فهو يزيد وينقص، فالإيمان يزيد بالطاعات (الطاعات القلبية من خشية وذكر لله وخشوع.....، وطاعات الجوارح كالعبادات والاستقامة على سائر الأحكام). والدليل قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ))[الفتح:4]. وقوله: ((إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)) [الكهف:13]. وقوله: ((وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا)) [المدثر:31]. وغير ذلك من الآيات الصريحة.
الذي يعتمد للحكم على الإنسان بأنه كافر أو مسلم هو الإيمان بالمعنى الأول (التصديق). وهذا عند غير الموسوسين، أما الموسوسون فإنهم يشكون في قناعتهم، ويأتيهم من الأفكار والوساوس مثل ما يأتي لغير المؤمنين، فيظنون تلك الأفكار حقيقة واقعة بإرادتهم ويحكمون على أنفسهم بالكفر!! أو لا يعرفون هل هم في خانة المسلمين أم الكافرين كما هو حالك.
وأما المعنى الثاني (الطاعات والمعاصي سواء القلبية أو الصادرة عن الجوارح): فيتفاضل فيها أهل الإيمان، بمعنى أن هناك مؤمن (أو مسلم) عاصٍ، وهناك مؤمن طائع، هناك مؤمن إيمانه خافت في حياته، وهناك مؤمن إيمانه يضيء حياته كلها. ومن هذه الجهة يمكن أن تقول: إنه لا أحد يستطيع الإيمان 100% ولا حتى 90%، حسبما ترى من تصرفات من حولك. وبهذا المعنى سأل سيدنا إبراهيم عليه السلام ربه أن يريه كيفية إحياء الموتى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)) [البقرة:260]. فسيدنا إبراهيم كان مؤمنًا بالله تعالى مصدقًا بوجوده، وإلا لما قال له في سؤاله (رب أرني) إذن هو معترف بربوبيته. ثم إنه أجاب عن حصول الإيمان لديه بكلمة (بلى) إذن هو مؤمن، ولكن ليطمئن قلبه. فيزداد إيمانًا وطمأنينة، برؤية قدرة الله تعالى على إحياء الموتى عيانًا.... وهناك وجوه أخرى من الاستدلالات بهذه الآية لإثبات أن المراد زيادة الطمأنينة، وليس أصل الإيمان، وأكتفي بما ذكرته لك.
الذي لا يصل إلى حد الإيمان بالجنة وكأنها (على سطح بيته)، مؤمن بالطبع، ويدخل الجنة، وأمامه الطريق رحبة لزيادة طاعاته وإيمانه إلى أن يلقى الله تعالى.
وباعتبارك موسوسًا، لا تستطيع الحكم على نفسك وعلى أفكارك، فسأحكم عليك من خلال عباراتك التي نطقت بها، فهناك عبارات لا يقولها كافر ولا متشكك، ولا ينطق بها إلا مسلم.
قلت:
- (لماذا أخدع نفسي لو كنت كافرا حقا؟ فهل سأدخل النار بحسب هذه المعطيات؟) الكافر يعلم نفسه أنه كافر، وأنت لا تعلم، إذن أنت مؤمن موسوس. والكافر لا يهمه أن يدخل النار ولا يسأل عن ذلك، لأنه غير مؤمن بها. إذا كان غير مؤمن بها أصلًا، فلماذا يخاف من دخولها؟! هي غير موجودة!! فسؤالك هل ستدخل النار أم لا؟ دليل على إيمانك بوجودها.
- (ما ذنبي هنا فيما يتعلق بشخصيتي وطريقة تفكيري مادام سببه بيئيا، كيميائيا، أو وراثيا؟! أنا لا أجحد الله تكبرا) كذلك هنا تحزن لأنك لست مؤمنًا (أو بعبارة أدق لا تشعر بالإيمان)، والكافر لا يحزنه هذا. وتقول: أنا لا أجحد الله تكبرًا، وترد ذلك إلى أسباب خارجة عن إرادتك. إذن أنت مؤمن والشك من الوسواس فقط.
- (إنني اكره افكاري لكونها وسواسية وتخيفني، ولكن شخصيتي شكوكية بطبعها ولا أستطيع الجزم، فهل أنا مؤمن؟) الكافر لا يكره أفكاره، ولا تخيفه، بل يتبجح بها....، وأنت لا تستطيع الجزم كسائر الموسوسين، كلهم هكذا!...
- (لأن لو كان ذلك لما وجدنا تلك التصرفات السيئة أو لرأيناهم يصلون في المساجد فجرا من غير تكاسل فقضية جهنم مخيفة) قد شرحت لك لماذا بعض المسلمين يقصرون في عباداتهم، وعلاقة ذلك بالإيمان، ولكن الذي يهمني قولك: (فقضية جهنم مخيفة). لو لم تكن تؤمن بوجود النار لما قلت إنها مخيفة! تؤمن بوجود النمر، فتقول إنه مخيف، أما إن زعمت أنه غير موجود، فلماذا تهتم؟! مخيف أو غير مخيف، هو غير موجود أصلًا، بل الكافر يصرح بأنه غير خائف، وبأن الذين يخافون من النار معتوهون لأنها غير موجودة أصلًا!
- (في الفترة ما بين ٢٠ إلى ٢٨ تقريبا كنت مترددا....... فمن أنا بينهم؟ لا أود حتى معرفة الإجابة لانها تخيفني جدا): نفس الكلام السابق: لا يخاف سوى المؤمن يا أخي، أما الكافر فلا يهمه شيء.... هو تحرر من الدين بإرادته معتقدًا أن راحته وذهاب خوفه يكون بهذا.
- (هل أنا مسلم؟ هل سأدخل النار لو كانت موجودة؟ هاجمني الوسواس أو الاعتراض أو الشك وأنا أكتب): الكافر حتى إن كان شاكًا لا يهاجمه الوسواس وهو يكتب، هذا شأن المؤمن الموسوس فقط، أما الكافر والشاك فيسأل هكذا: (هل يوجد نار يدخلها غير المسلم؟).
أخيرًا بالنسبة لقولك: (المشكلة أن في تلك الفترة كنت مغترا أرى نفسي مفكرا والجميع مخدوعين....) شيء معتاد في الفترة بين 15 و 30 عامًا أن يرى بعض الشباب أنفسهم مفكرين، يعرفون ما لا يعرفه الآخرون، ويفهمون ما لا يفهمونه، ثم عندما تزداد خبرة الشاب وتعامله مع الآخرين يستطيع وضع الأمور في نصابها، ويعلم أن هناك من هو مثله وأفضل منه.
اطمئن، فعباراتك لا توحي بأنك كافر أبدًا، إنما هو وسواس والتباس مفاهيم.
رعاك الله.
ويتبع >>>>: وسواس عقيدة + حديث نفس: العبرة بالعمل! م. مستشار