أسئلة دينية لأكثر من مستشار م
أسئلة دينية
معذرة على هذه الإضافة المنسية والتي ستكون الأخيرة إن شاء الله، وهذا من باب الطمع في كرم أخلاقكم وعلمكم. ومما نسيت أن أطرحه عليكم هو قول البارئ عز وجل: "أجيب دعوة الداعي إذا دعان" ونحن نعلم علم اليقين أن الله إذا قال أمرا فإن قوله الحق. خاصة في هذه الآية فإنه قال في الدعاء أجيب. مثلما يجيب الإنسان دعوة أخيه الإنسان، وبالتالي فإن الإجابة لا تكون إجابة إلا بالإجابة الفعلية اليقينية.
ففرضا لو لم يذهب هذا الإنسان إلى ما دعي إليه فإننا لا نسميها إجابة حتى ولو ألقى معاذيره. إذن فما بالنا برب العزة حينما قال أجيب وهي كلمة واضحة جلية لا تحتمل معنيين. فالله عز وجل لم يقل أجيب الدعاء ولكن أحيانا أدفع به مصيبة، وهنا في العرف اللغوي لا تسمى إجابة، وقال أجيب ولكن أؤخر الاستجابة إلى يوم الآخرة، وهنا كذلك لا تعد إجابة، خاصة وأن الفعل أجيب كان واضحا وفيه من الإقرار ما فيه والتأكيد على الاستجابة الفورية التي لا لبس فيها.
ومن هذا المنظور فإذا كانت هذه الآية الصريحة تحتمل هذا التأويل. فلماذا الآيات الأخرى الصريحة لا تحتمل تأويلات أخرى من مثل قوله عز وجل "قل هو الله أحد". أؤولها بأن الله أحد فقط في هذا الكون الذي يحيط بنا فربما هناك أكوان أخرى لها آلهة مثلما لنا آلهة. فهذا الأمر كذلك يثير في دواخلي اللبس. وفي آية أخرى قال تعالى "وجعل بينكم مودة ورحمة" فأين هي الرحمة في 50٪ من المتزوجين الذين لم يجدوا هذه الرحمة وكان مصيرهم الطلاق.
إشكالية أخرى. لغة القرآن دقيقة وليست كلغة البشر والله ينقل أخبار القدماء بكل دقة متناهية، ولكن أحيانا أجد أن في بعض القصص تتبدل بعض الكلمات على لسان قائليها على الرغم من أن الحدث والقائل واحد والزمان والمكان واحد. فمثلا قال رب العزة على لسان سيدنا موسى عليه السلام في سورة يونس الآية 80: "قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون" . وفي سورة طه الآية 66: "قال بل ألقوا". السؤال قال موسى ألقوا أم قال بل ألقوا، بإضافة بل إلى كلمة ألقوا.
وقس على ذلك آيات أخرى وما ينجر عنها من تقديم وتأخير وإضافة وحذف على القصة نفسها.
في الأخير أطلب من المجيب والقارئ أن يدعو لنا بالهداية والرشاد والإيمان. وفقكم الله.
1/10/2022
رد المستشار
أهلا وسهلا ومرحبا بكم أ."مسلم" دوما على موقعكم مجانين.
أبدأ إجابتي عليكم بدعاء من الله لي في الفتح، ولكم في التلقي والاستقبال، وأصلي على الحبيب الشفيع سيد العالمين والمرسلين؛ أما بعد.
أولا:- لأقسم رسالتك إلى عدة عناوين حسْب ما سألت عنه في استشارتك.
١- العنوان الأول:- (إجابة الداعي): يمكن أن تأخذ الإجابة على هذه القضية جهتين، جهة معنوية، وجهة لغوية.
* الجهة اللغوية:- هناك من العلماء من فرّق في اللغة بين أجيب وأستجيب، ف"أجيب" معناها أعم .. أي قد تكون الإجابة فيه ليست بالشكل الذي يتصوّره الداعي، بل وربما تكون بالمخالفة أصلا للدعوة .. و"أستجيب" يكون معناها أخص؛ لأنها الاستجابة تكون فيم اختص به الداعي دعائه، ونجد هذا في آيات كثيرة في سورة الأنبياء، فحينما استجاب الله -جل جلاله- لدعوة الأنبياء على الشكل الذي دعوا به، قال في مطلع كل آية "فاستجبنا له".
* وإذا نظرنا إلى الآية باعتبار آخر فإنها لم تكن تتحدث عن شكل وهيئة استجابة الدعاء من الله- جل جلاله- لعباده، بل كانت تتحدث عن معنى آخر وهو أنه لما سأل الصحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- "أبعيد ربنا ففناديه، أم قريب فنناجيه"، فنزلت الآية الكريمة توضح أن الله قريب يجيب دعوة الداعي، وإلا فيقول الله-جل وعلا- في آية أخرى يمكن أن تكون في لب سؤالك وهو عن هيئة وشكل الاستجابة "ويدع الإنسان بالشر دعاؤه بالخير وكان الإنسان عجولا" ... أي على ما تتصوّره حضرتك من الاستجابة على الشكل الذي يتصوّره الإنسان فكأنه يدعو بالشر ولا يدعو بالخير أبدا.
* الجهة المعنوية:- وهي لفتةٌ دقيقة يرعاكم الله:- إذا سلم العبد شأنه لربه، وآمن أنه الوحيد الذي يعلم أين الخير له؟، وذهب وتضرع له بالدعاء، لماذا يحاسب العبدُ ربه على الاستجابة التي لا ترضيه إذن، ألا يكون ذلك من التناقض؟، أي باختصار:- إن كنتُ كإنسان أدعو ربي بشيء ما، فنيَّتِي وقصدي بهذا الدعاء هو تحصيل خيرٍ لي... وإذا كنْتُ موقنا أن الله يستجيب للدعاء، أي يعطيني الخير الذي أوده، فلماذا لا أوقن أن الخير حصل لي، أيا كان شكله، حتى لو بمنع هذا الشيء الذي أودّه، فكم من عطاء كان في المنع.
٢- العنوان الثاني: (حقيقة الألوهية).
هناك تصوّر ما قرأته في رسالتكم عن معنى الألوهية، جاء ذلك في قولكم (قل الله أحد. أؤولها بأن الله أحد فقط في هذا الكون الذي يحيط بنا فربما هناك أكوان أخرى لها آلهة مثلما لنا آلهة. فهذا الأمر كذلك يثير في دواخلي اللبس)
- التصور لحقيقة الألوهية يعتريه عدة ثغرات لو أُغلقت سينضبط التصور تلقائيا بإذن الله تعالى.
- تصوّرتَ أن الألوهية شيء مثل الرئاسة، كل رئيس يمكنه أن يحكم دولة ما، وكثيرة هي الدول والرؤساء، وبالتالي فما الذي يمنع من وجود أكوان عديدة لكل كون إله.
- أولا:- لا يمنع العقل وجود أكوان عديدة، لكن يمنع العقل وجود آلهة عديدة، لأن الأكوان كلها حينئذ مخلوقة، ومصنوعة، وخلقها وصُنعها يتطلب خالقا وصانعا، فلو كثرت الآله، فلن يكون هناك كوْن، ولا أكوان أصلا، لأنه يتطلب منهم جميعا الاتفاق على خلق الأكوان التي يريدونها، وبالتالي يستحيل في العقل أن تتفق جميع الآلهة على خلق الأكوان بالشكل الذي يتصوّره كل واحد منهم، لابد أن يختلف الجميع ببصمته الخاصة، وإلا لم يكن إلها، وكان تابعا ولا مستقلا، وبالتالي، ستكون هناك قرارات كثيرة متخالفة، وحينئذ..
> إما ستنفذ إرادة الجميع .. وبالتالي لن يكون هناك كون أصلا.. لماذا؟، لأن كل واحد ييريد خلْق الكون على هيئة معينة.
> وإما لن تنفذ إرادة أحد من الآلهة وهذا يخالف قدرتهم جميعا، فالمفروض أن قدرة الإله لا يمنعها شيء، فإن لم تنفذ إرادة أحد فيدل على عجزهم جميعا، فيكونوا حينئذ ليسوا آلهة.
* كل هذا الذي قُلْته يجب أن ننتبه فيه إلى الشيء المخلوق، أي للمادة!!، لأنها هي التي سيقع من خلالها معنى الخلْق والصُنْع، فالمادة وإن اختلفت وتنوعت وتشعبت...إلخ؛ فليست القضية وجود أكوان أبدا، إنما القضية في شيء يخص ويتحقق من خلاله حقيقة الألوهية فيها وهو (الصنع، والإبداع) ... أي من هو الإله الأول الوحيد فيهم الذي خلَق المادة من العدم بعد أن لم تكن موجودة.
- مستحيل كما وضحنا أن يتشارك الجميع في خلقها، لأن كل سيكون له قرار مختلف وبالتالي لن توجد المادة، ولن تخرج إلى الوجود، ومن هنا ثبت وجود واحد فقط هو الذي أبدع المادة من العدم، وهذا هو الإله الواحد الأحد الفرد الصمد-جل شأنه-، لأن المادة بالفعل موجودة، ومنها نحن، الذين نُجري نقاشا كهذا الآن ونعي ما نُناقشه.
- ثالثا:- (الرحمة بين الأزواج).
* تقريبا الحديث في معنى يشبه ما تحدثنا فيه في النقطة الأولى، وهو أن تصوّر الإنسان لشكل معين من المعنى الذي يسمعه ويتصوّره، فإنه يُسارع بهذا التصوّر لفرضه على الإله، بحيث يصبح ما يخالف تصوّره هو معنى من معاني التناقض في الدين، وفي كلام الإله
- الله يقول (وجعل بينكم مودة ورحمة)، نعم المودة والرحمة موجودة في هذا الميثاق الغليظ، لكن .. ما هو شكلها؟ بأي طريقة تكون؟ هل عدم وجودها في علاقة ما كما أتصوّر هو مخالفة الله -جل جلاله- لنفسه؟ ثم ألا يكون الطلاق من الرحمة في كثير من الحالات أصلا، وليس العكس؟ وبالتالي ومن خلال هذه الأسئلة المضادة للسؤال الأصلي، يتضح أن الرحمة معنى، ومعنىً إلهيٌّ بالأخص، لا يجب أن تأخذ تصوّرا ولا قالبا معينا من جهة الإنسان، لأنها أوسع بكثير مما نظن.
-رابعا:- (اختلاف الألفاظ في القصة الواحدة).
سأبدأ كذلك هذه النقطة بسؤال.. هل اختلاف الألفاظ في القصة الواحدة يغير من الحقيقة المقصودة في القصة، بحيث يُحدث فيها تناقضات ما؟، كلا؛ ربما يختلف اللفظ حسب السياق نعم، لكن لا يغير المعنى المقصود، بل كثيرا ما تتكرر القصة الواحدة في كثير من السور.. وذلك لتضيف زوايا أخرى لم تكن موجودة في السورة الأخرى، تتجمع لِتُعطي الإطار النهائي للقصة، أو يمون التكرار للتأكيد على المعاني المقصودة، وهكذا فكل سياق مختلف عن الآخر هو إضافة للقصة بشكل ما، وإلا ففي المثال الذي استشهدت به مثلا:- فلم يكن يتحدث سيدنا موسى العربية أصلا ولا قومه، وإنما نقل إلينا رب العزة القصة لإيراد المعاني والدروس التي تفيد أمة النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- فهل حدث شيء ما! مخالف؟؟ حين انتقلت القصة من لغة لأخرى، بالطبع لا، فهكذا الأمر.
* في النهاية .. أود أن أشكركم على الأسئلة التي تعكس ذهنا يحب المعرفة، وأسأل الله تعالى لكم فتوحا ترضونها، وترضون بها عنه -جل جلاله- .. دمتم سالمين، مرة أخرى أهلا وسهلا ومرحبا بكم دوما على موقعكم موقع مجانين، وفي انتظار المزيد من المشاركات
ويتبع>>>>>: أسئلة دينية لأكثر من مستشار م2