وصلنا من سهد 18 سنة طالبة ثانوية عامة مصر مسلمة
أود أن أبعث لكم بمشكلة تخص أخي وهو في العشرينيات من عمره، فلقد نشأنا والحمد لله نشأة إسلامية، وربانا والدانا -كما أعتقد- على السلوك القويم، وأخي كان دائمًا مضرب المثل في التدين. المشكلة أنني اكتشفت بما لا يدع مجالا للشك أن أخي الملتزم يشاهد كل شيء مخالف من أفلام أو مسلسلات، كما يشاهد صورًا إباحية وجدتها بالصدفة على الحاسوب، وكنت أرتجف وأتعجب وأذهل من هول ما يغيّر أخي بالليل هذه أولى المشاكل.
والمشكلة الثانية أن أخي عندما ينزل للصلاة في المسجد يجلس على سُلّم العمارة حتى ينتهي وقت الصلاة، ثم يرجع؛ لنعتقد أنه أدى الصلاة جماعة.. أما طوال اليوم فهو الأخ الملتزم، وهو على الرغم من كل هذا فهو يحضر الكثير من مجالس الدين، وأنا أخاف على أخي من غضب الله من جراء ما يرتكب من مخالفات، ولكني لا أستطيع مواجهته، وأنا لا أعرف ماذا أفعل، مع العلم أن والدي لن يصدقني.. فأرجو أن تشرحوا لي سبب ما يحدث، وكيف أتصرف مع أخي؟ أفيدونا وشكرًا.
2- ووصلنا من عزة 18 سنة مصر ثانوية عامة مسلمة طالبة
السلام عليّكم،
مشكلتي هي بأن أختي التي تكبرني بسنة تتحدث مع الشباب، أولا كان الحديث عن طريق الإنترنت، ولكن منذ قترة قصيرة لاحظت بأنها تتحدث معهم هاتفيًّا، وقد سمعتها يومًا وهي تتحدث مع الشاب، وعندما حاولت أن أتحدث معها في هذا الموضوع أنكرت هذا الشيء وحلفت بالله بأنها لا تفعل، وقالت بأنني أتهمها في شيء من المستحيل أن تفعله.
وجميعنا في المنزل يعرف بأمرها حتى أمي تعرف ذلك، ولكن لا نستطيع أن نفعل لها شيئا، ووالدي دائم السفر في ظروف العمل، وأنا خائفة جدًّا؛ لأنها ربما تحاول التحدث مع أي شاب في منتصف الليل أو أن تواعده في مكان ما، أتمنى منكم الحل.
3- ووصلنا من جنان 20 سنة طالبة جامعية كلية الهندسة مسلمة مصر الهوايات تكنولوجيا الكمبيوتر والمحمول
مصدومة ... ماذا أفعل!
أكتب إليكم رسالتي هذه وأنا تحت تأثير الصدمة؛ فأرجو أن تراعوا ظرفي هذا، وتأخذوها بعين الاعتبار، وأرجو قبول عذري إذا وجدتم ركاكة في صياغتي لمشكلتي هذه.
أنا شابة أبلغ من العمر 20 عاما شبه ملتزمة، أهوى التكنولوجيا وسأعززها بدراستي لهندسة الاتصالات إن شاء الله، لدينا في منزلي جهازا كمبيوتر أحدهما في غرفتي، والآخر في غرفة والدي الذي كنت أعتبره قدوتي، وهو يبلغ من العمر 55 سنة، ولم يستخدم الإنترنت إلا حديثا عندما تحسنت أمورنا المادية؛ لكني قبل فترة وجدت أن والدي يستخدم الشات أو المحادثة عبر الإنترنت، مع أنه لم يكن يستخدمها سابقا، وبدأت أشعر أن في الأمر ريبة؛ لأنه كلما دخلت غرفته وجدتها مغلقة بالمفتاح من الداخل مع أنه لم يكن يغلقها قبل استخدامه للشات، وعندما ينسى -أحيانا- إغلاقها أجده يسارع إلى إنهاء الشات ويلتف إليَّ ليسألني ما إذا كنت أريد شيئا، وإذا أطلت المكوث عنده في الغرفة يطلب مغادرتها إلى غرفتي.
وبعد أن تزايدت شكوكي قمت بزرع برنامج للتجسس في جهازه يقوم بتسجيل كل ما يكتبه، وعندما يغادر المنزل أرى ما يكتب، ولأنه كان يكتب باللغة الإنجليزية فلم أكن أفهم المكتوب كثيرا، ولكني وجدت فيه عبارات تثير الريبة، ولكني مع هذا أحسنت الظن، وقلت لعله في محادثة عامة، ولعل بعضهم كان يتحدث بتلك العبارات.
ولكني اليوم ذهبت لتشغيل جهازه؛ لأن جهازي به عطل ما، وبينما أنا أقوم بمعاينة محتويات الكمبيوتر وجدت مكان البرنامج الذي يستخدمه ففتحته ثم فتحت المكان الذي نستقبل فيه الملفات، فإذا بي أصدم صدمة عنيفة عندما وجدت صورة جنسية فاضحة، وأغلقت الجهاز فورا، وتسارعت نبضات قلبي، وشعرت وكأن الدنيا قد أظلمت عليّ وأصابني الدوار، وأصبت باكتئاب شديد، ولم أدر ماذا أفعل؛ فكتبت لكم هذه الرسالة عسى أن أجد لديكم الحل الشافي، فأرجوكم أسعفوني إذا كان لديكم حل لمشكلتي هذه.
4- ووصلنا من أم مها 28 سنة ليسانس آداب ربة منزل مصر مسلمة
السلام عليّكم ورحمة الله وبركاته،
جزاكم الله ألف خير، المشكلة هي أني أعرف أننا في عصر الفتن، أخي الأكبر منى متزوج ويشاهد الصور الخليعة على جهاز الحاسوب، لا أعرف لماذا يفعل ذلك؟ علما بأن زوجته جميلة، أريد أن أعرف السبب الذي يجعله يشاهد هذه الصور؟ نحن نعرف ما في هذه الصور، الرجل يأتي المرأة من الدبر، هل من الممكن أن تطيع الزوجة زوجها في معصية الله؟ مع العلم أني مسحت هذه الصور من جهازه عدة مرات، لكنه يعود، ماذا أفعل؟ فكرت أن أخبر زوجته، ولكني أخاف أن تفهمني خطأ، مع العلم أن عنده بنتا عمرها ثلاث سنوات،
لا أحد يعرف عنه شيئا إلا أنا، ماذا أفعل؟
أرجو منكم الجواب بسرعة.
12/10/2022
رد المستشار
الأخوات الفاضلات سبق لنا وقد عالجنا موضوع أسئلتكم، ولكن يبدو أن الأمر يستحق تعميقا وتوسيعا.
الأصل المعروف هو أن الإنسان مفطور على الاختيار بين الخير والشر، وهو مؤهل بطبيعة خلقته لفعل هذا أو ذاك "وهديناه النجدين" .. "إما شاكرا وإما كفورا". وهذا الاختيار والقدرة المطلقة عليّه هما مناط التكليف، فلا يكون الحساب في الآخرة فاعلاً أو عادلاً إلا إذا كان الاختيار محررًا: يرغب الإنسان ويفعل مسؤولا عن نيته ورغبته وفعله .. والإنسان يعيش في محيط أسرته والجماعة الاجتماعية التي تحيط به، له عليّهم حقوق ولهم عليّه واجبات. وقد اضطربت الحضارات والثقافات في الإجابة عن سؤال العلاقة بين الفرد والجماعة، وظل السؤال التاريخي معلقا -وما زال- كيف نحترم خصوصية الإنسان واختياره دون أن نضر بالجماعة وسلامتها؟ وكيف نحمي المجال الجماعي العام في الأسرة وغيرها دون أن نخلّ بحرية الأفراد في الاختيار؟!
سؤال صعب كما نرى، وتنوعت المواقف في الإجابة عنه؛ ففي حين تطرفت الحضارة الغربية الحديثة مثلا في تقديس الفردية، حتى وصلت إلى حدود خطيرة تمزقت فيها الوحدات المختلفة من أسرة وغيرها، على منهج احترام رغبات الإنسان الفرد، يمكن أن نجد لدينا نحن النقيض غالبا، حين تكتم الجماعة بسلطاتها المختلفة فوق أنفاس الفرد، بدعوى الحفاظ على القيم وسلامة المجموع، والتضحية بكل شيء في سبيل ذلك، ولو كان هذا الشيء هو الإنسان ذاته.. وكلا النقيضين ظالم، وله عواقبه وسلبياته.
في حالتنا نحن، ضغطت أنواع الرقابة والاقتحام والتدخل في شؤون الناس على المساحة التي كانت مخصصة لنمو ونضج الضمير والتقوى وخشية الله، والعلاقة عكسية بين الرقابة الخارجية والداخلية، فإذا وضعوا عليّك شرطيا سريا عند كل مفرق، وتلصصت عليّك آلاف العيون لتقتحم تفاصيل حياتك، وتضع لك قوائم الممنوعات، وكأنك طفل لا تعرف الصواب من الخطأ، والحلال من الحرام، وقمعتك سلطة الأب والإخوة داخل أسرتك، ثم سلطة أصحاب العمل، وسلطة النظام الحاكم، وتكفلوا جميعا بتأديبك "وإرشادك" إلى الطريق المستقيم.. فماذا يبقى لك من معاني الحرية والاختيار، وهم قد حسموا سلفا لك المسار؟!!
هذا المناخ أنتج نمطا من الازدواجية أو بالأحرى النفاق، فبدلا من أن يكون الإنسان نفسه، أصبح كما يريده الآخرون، وبدلا من أن يصارح ذاته برغباته ويناقشها ثم يختار بنضج ومسؤولية تجاه الله سبحانه وتعالى، أصبح همّه أن يراوغ ويغافل الشرطة السرية في المنزل والعمل، والمسجد والمنتديات.. ولسان حاله أمامهم أنه مستقيم وقدوة، بينما هو ليس بالضرورة كذلك في باطنه أو داخل نفسه أو مغامراته السرية بحسب إمكانياته وظروفه.
وهكذا عشنا تدوس ضمائرنا الأقدام الغليظة، وتسحق حريتنا، وفي طريقها تدوس كل مقاصد الشرع الواضحة، ونصوصه الناصعة التي تحرر اختيار الإنسان من كل سلطان إلا من التقوى والضمير، "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، والتي تريده أن يعيش ويموت على بيّنة واضحة من أمره "ليحيا من حي عن بينه ويهلك من هلك عن بينه" ولا يكون ذلك إلا بإطلاق الحرية للاختيار .. عشنا يختلط عندنا الخاص الفردي، بالعام الجماعي لنتحول جميعًا إلى صورة مشوهة من الشرطة السرية التي تلاحق الضمائر، وتنبش في الأوراق والأسرار؛ بحثًا عن أي دليل أو حتى شبهة إدانة، ومن هذا المناخ الخانق هرب الكثيرون منا إلى ما ظنوه مناخًا يحترم الحرية، ويترك المجال للفرد ليختار، فإذا بالحرية تتحول إلى كابوس هناك -غالبًا- تعني الوحدة، وعدم التكافل، وفقدان المواساة والتناصح، والاغتراب والاكتئاب...إلخ.
ثم انفتحت بوابات في الحواجز التي كانت بين العالمين، وسقطت الأسوار الثقافية مع سقوط سور برلين، وأصبحنا جميعًا لأول مرة أمام اختيار.. نعم جزئي ولكنه حقيقي: من يرد مطالعة صور العورات يجدها متاحة أمامه بضغطة زر، ومن يرد أن يصاحب امرأة ساقطة، ويبادلها كلمات الغزل المكشوف يجدها متاحة بضغطة زر، ومن يرد أن يبقى لساعات يرى رجالاً ونساءً يتعاشرون كالبهائم بلا حياء يمكنه ذلك بضغطة زر، ومن يرد أن يرى أسوأ ما في الإنسان من غرائز حين تنطلق بلا رادع أو هدف يمكنه ذلك، ومن ترد أن تمارس الجنس في الهاتف يمكنها ذلك.
بالمقابل: ومن يرد أن يُعرض عن هذا يمكنه أيضًا إن شاء، وحسبه الله هو مولاه.. نعم المولى، ونعم النصير البصير. عدنا إذن إلى الأصل حيث الحرية والمسؤولية والضمير، وانكشف الزيف والنفاق، وتوالت الصدمات لأننا لم نتعود على مواجهة الحقائق، ولكننا احترفنا المراوغة واعتدنا الكذب، وبدلاً من أن نفهم ما يحدث، ونتعامل مع ما يتيحه من إيجابيات وقفنا مشدوهين أمام المشهد الجديد؛ لأننا لم نتعود على الحرية، ولم نتدرب على الاختيار!! إنما تعودنا أن يختار أحد لنا، أو بالنيابة عنا، وتعودنا أن يسوقنا أحد ما كالقطيع إلى الخير أو إلى الشر، وتعودنا أن نراجع كل يوم صورتنا في عيون الآخرين، ورأيهم فينا، وكلامهم عنا. ولم نتعود على مراقبة الله سبحانه حقًا، ولا رجاء النجاة يوم السؤال.. يوم لا ينفع لا مال ولا بنون إلا من أتى الله – وليس الناس- بقلب سليم.
نحن ما زلنا في مرحلة الصدمة.. صدمة الاختيار.. أن يختار كل إنسان لنفسه كيف يريد أن يكون.. وهكذا كشفتنا المرحلة فظهر أن منا من يريد الدنيا، ومنا من يريد الآخرة.. وابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: لم أكن أعرف أن من صحابة رسول الله (صلى الله عليّه وسلم) من يريد الدنيا حتى نزلت آية: "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة". كشفتنا المرحلة لنقف أمام أنفسنا، وأمام بعض المحيطين بنا عراة من كل نفاق أو زيف أو كذب على النفس أو على الله.. فماذا نحن فاعلون؟!! ليس لأحد من سلطة أو سلطان على أحد إلا بالحكمة والموعظة الحسنة والنصيحة الفاعلة، وهو كما نرى سلطان أدبي معنوي يرتبط بالفاعليّة في الأداء أكثر مما يرتبط بالشكل:
أولاً: عليّنا أن نعمل فرادى وجماعات على تأكيد المعنى الناضج المتكامل للالتزام الديني لدى الناس جميعًا، ولدى من هم في موقع القدوة خصوصًا: أخ أكبر، والد، والدة، معلم...إلخ.
وليذهب إلى الأبد كل شكل من الأشكال البدائية السطحية التي اقتصرت على جوانب معينة، بما جعل أداء الطقوس الشكلية هو البوابة أو تأشيرة الدخول إلى عالم الالتزام والملتزمين، فإذا بهذا التدين المنقوص الهش ينهار مع أول اختبار أو هبة ريح.
ينبغي إعادة الاعتبار إلى مكونات أخرى مهجورة، وأصبح لا غنى عنها في من يريد الالتزام في هذا العصر، ومن هذه المكونات: الوعي والنضج، والقدرة على إقامة علاقات اجتماعية صحيحة وصحية، والبحث عن حقائق العلم، وآفاق المعرفة، بدلاً من قشور المسائل، والاستمتاع بالجهل!!
ثانيًا: احترام أسرار الآخرين "ولا تجسسوا"، والكف تمامًا عن الملاحقة السخيفة، والتتبع الأحمق لعوراتهم مهما كانت الأسباب والمبررات، فلنا الظاهر والله يتولى السرائر، "وكل أمتي معافى إلا المجاهرون". وإن كان هناك من رغبة صادقة في تقديم عون مخلص على الصلاح والإصلاح فلنبحث عن وسائل فاعلة لإيجاد الدوافع القوية، والإقناع المباشر وغير المباشر بأن "لباس التقوى ذلك خير"، مع القبول المبدئي باختيار الشخص مهما كان، والقبول لا يعني التمرير أو الموافقة النهائية، ولكن يعني الاعتراف بحق كل إنسان في أن يكون كما يريد هو، لا كما نريد نحن.. ولنتعاون جميعًا – بأفضل الطرق- على البر والتقوى، ونرفض التعاون على الإثم والعدوان.
ثالثًا: عليّنا تدعيم كل الوسائل والصيغ التي تطرح الإسلام على النحو الأصيل الفاعل في العصر بمتغيراته، ولتذهب إلى الأبد كل الوسائل والدعاوى التي جعلت من الإسلام صورة متحفية جامدة لا روح فيها حتى كاد الناس يهلكون جميعًا تحت ركام ورنين الخطابة، وقيود وأغلال الرقابة. ولنختر بين الحرية والمسؤولية من جهة، والشخصية الإمّعة التي عشنا بها طوال عقود من جهة أخرى، وتوابع هذا المناخ المفتوح كثيرة، ولا تصلح له تمائم ولا أصنام، ولا تسري فيها الكلمات الفارغة، ولا الأفكار الزائفة، ولا الشخصيات التافهة، إنما يصلح فيها – فقط – ما ينفع الناس في معرفة أو تطوير سلوك.
رابعًا: نحتاج إلى تكوين أكثر تماسكًا ورسوخًا ومرونة لذواتنا وشخصياتنا بدلاً من هذا البناء الهش الفارغ من كل مضمون حقيقي، وأهم معالم هذا التكوين مراقبة الله، وابتغاء رضاه، قبل إرضاء الوالدين بممارسة خادعة بالنهار ثم الانقلاب بالليل، وقبل التماسك أمام الآخرين بالنفاق ثم هتك الحرمات في السر .. ومن معالم هذا التكوين أن نعرف أثر كل منكر يراه الإنسان أو يسمعه أو يقوله؛ لأن الناس يتعرضون لسيل من المعلومات والمواد التي ظاهرها المتعة والتسلية، وباطنها الضرر والعذاب، وهم يجهلون الآثار المدمرة لهذه الممارسات، وينشغلون فقط بمحاولة تأمين أنفسهم ضد هجمات الشرطة السرية المتلصصة المقتحمة، وهذا ملف هام نسعى لتطويره.
خامسًا: الأصل أن الإنسان مسؤول عن نفسه وأفعاله، "ولا تزر وازرة وزر أخرى" وأسلوب البلاغات البوليسية قد ينفع في إخفاء ظاهرة ما، أو جعل من يمارس الخطأ "أكثر حذرًا" في المرات القادمة، لكن البلاغات ليست علاجًا على الإطلاق، وعليّنا أن نتعلم كيف ننتقل من موقع الشكوى الطفولية إلى موقف العون والمشاركة في حل المشكلة بحسب الأسباب والظروف والأحوال والأدوار، سواءً داخل الأسرة أو خارجها، وعليّنا أن نتعلم كيفية تطوير مهارات وملكات الآخرين – وأنفسنا قبلهم – على استيعاب المتغيرات الجديدة، وعلى الاجتهاد في السعي إلى الله، والبحث عن الحقيقة، وتحصيل المعرفة، وفهم ألاعيب شياطين الإنس والجن، ومعرفة أبواب الخير والصلاح في هذا الزمان الصعب.
سادسًا: عليّنا أن نبتهج ونحتفي ونحتفل بكل بادرة طيبة تصدر عمن نحب، وأن نتغافل عما لا نشتهي طالما حدث في الخفاء – بعيدًا عن الجهر- فنحن بذلك ندعم حياء المخطئ، ومحاولته لإصلاح نفسه إن كان يريد ويفعل، أما الاقتحام الغبي لخصوصياته، والتجسس المشين على أسراره، والتلصص الخبيث لكشف عوراته فهو مذموم شرعًا، وعقيم عقلاً ومنطقًا، ولن ينمو ضمير سليم في مناخ من الشك والكراهية، أو العنف المعنوي واللفظي، أو الرعونة في التوجيه والإرشاد.. إنما ينمو في مناخ من الحب والحكمة والاحترام المتبادل.. فحذار من اللوم أو الفضح أو المواجهة أو إظهار الاشمئزاز على فعل حدث بعيدًا عن العيون؛ فلا يزيد هذا المخطئ إلا جرأة على الغي.
قبل كل ذلك وبعده نحتاج إلى حسن الاستعانة بالله سبحانه، والإلحاح في الدعاء لعله يرى ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس؛ فيمدنا بعون من عنده، وينظر إلى قلوبنا فيهديها إلى ما يحبه ويرضاه. إن المرحلة التي نعيشها تفرض عليّنا أن نمتلك الوعي بها لنعرف كيف السبيل إلى صراط الله المستقيم فيها.. ومعرفة الشرع في أصوله ومقاصده اليوم مثل معرفة الواقع في تحدياته ومعالمه.. كلتا المعرفتين فريضة، ولا عذر لغافل أو متغافل.
سينجو بعون الله وفضله من يعرف دينه حقًا، ويدرك زمانه فيسلك فيه صدقًا.. وليذهب الذين أرادوا أن يسوقوا الناس – أو يُساقوا – إلى الجنة بالعصا.. ليذهبوا غير مأسوف عليّهم، وليعد المجد للحرية.. فهكذا كان الأصل، وهكذا يريد الله.