سي السيد وبنت الشاطئ: شرق المتوسط
السلام عليكم
بمشاركة مني على رد الأخت لبنى من لبنان التي حملت مشاركتها عنوان "سي السيد وبنت الشاطئ.. شرق المتوسط"، أود أن أبارك الوعي الذي تحمله بثنايا روحها؛ ذاك الذي لم يدفعها للضحك؛ لأن واقع الحال لا يرحب بموقع قدم لضحك أو استهزاء.
لا يمكننا أن ننكر أن المرأة العربية المسلمة تحديدا قد انتفضت من سباتها الاجتماعي، وراحت تتفاعل مع محيطها بشكل إيجابي، ولا أنكر كذلك أن أغلب الخطط التي طرحت لما يسمى "تحرير المرأة" قد وضعتها حكومات ذات أيدلوجيات فكرية مغايرة لواقع الهوية الاجتماعية خاصة.
شخصيا.. لا أرغب أن أسمي هذه الانتفاضة بالـثورة النسَوية؛ ذلك لأنها لم تشمل المرأة فحسب، ولأنني ضد النشاطات القائمة على توجه جنسي بوجه آخر. ومرة أخرى أؤكد أن التغيرات الاجتماعية الطارئة إنما هي نتائج لتدخلات استعمارية بمحاولة منها لحماية أوضاعها الاجتماعية ذاتها. ولا يمكننا استقراء الحالة الاجتماعية العربية دون إدراك أبجديات المشكلة الاجتماعية الغربية.
من الجدير بالذكر أن تساقط الثوابت الاجتماعية الغربية يعود جوهريا لتساقط مفهوم الإنسان عينه ليحل محله مفهوم الإنسان أيضا، لكنه إنسان خاضع لأحكام الصيرورة والنسبية والآلية الاجتماعية، إذا كان الإنسان "شيئا" ومجرد "شيء" فهو بهذه الحالة كيان مركب من ذرات وعناصر كيمائية قد اشتركت -وفق ظروف فيزيائية معينة- وأنتجت لنا هذا "الشيء" الذي أسميناه إنسانا ... الشيء هنا لا ينتمي لأي دائرة سوى دائرته المادية، وبالتالي فهو مساوٍ للنبات والحيوان والجماد. سائلية مادية تامة تذوب فيها كل الاعتبارات والفروقات المنطقية الضرورية ليبقى الإنسان صفحة بيضاء قابلة للكتابة والمسح أبدا بلا غرائز بعالم بلا ثوابت... كل شيء متغير كل شيء متحلل، وكل شيء يصب بوعاء العدم والمصير المادي المتغير، الإنسان يُعامَل وفق الفلسفة الوجودية الغربية على أنه كيان كافر بكل تجاربه التاريخية منذ بدء الخليقة، وأن المجتمع الإنساني بحاجة لخوض تجارب حداثية كي يستمر بعملية التطور.
التطور هنا مسألة غائية بحد ذاتها لا بحد الضرورة المشروعة للتطور ومقاييسه. بكلمة أخرى: التطور تيمنا بفكرة التطور لا رغبة بحياة أفضل تحقق أهدافا مسبقة وواضحة. لكن كيف سيصل إنسان المادة لحياة منشودة ما دام لا يمتلك أي معايير ثابتة لها؟ إذن لا بد أن يربط هذي المعايير فيه هو، لا أن يربط نفسه بمعايير خارج طبيعته ... وكيف لا والإنسان الغربي يؤمن أن السعادة هي غاية البشرية، ورغم موافقتنا النسبية لهذا فإننا نختلف بتعريف السعادة؛ حيث إن الآخر يفسرها على أنها البحث عن الملاذ وعيش حياة المتع أو ما يسمى Hedonism بينما نفسرها نحن بكل ما يساعد الإنسان على الوصول للكمال والفضيلة والاستقرار الاجتماعي والروحي السليم.
إذن إذا كان الحال كذاك الذي أسلفنا مع إنسان المادة فعندها ما الذي يجبره على أن يفكر بحال المجتمع بعد قرون من يومه؟ ولماذا عليه أن يربط ذاته بقيود ومسؤوليات كالزواج ما دام يتمكن -بكل بساطة- من اقتراف جريمة الزنا دون مساءلة من أحد أو تدخل؟ ما دام سيتلاشى بهذا الكون بعد فترة قصيرة، عندها ما الذي يمنعه من أن يعيش حياة الملاذ واللعب واللامسؤولية الاجتماعية؟ إن لم يكن هناك إله فكل شيء مسموح ... بخضم هذه الفوضى -فوضى ضياع الإنسان تربويا وأسريا ومصيريا- أي قانون سيبقى بهذه الغابة عدا القانون الذي يحمي "الأنا"؟ والقانون هو المشرع الوحيد، عندها يتحول الأخلاقي من شعور يحتازه الضمير لنص يوافق عليه القانون أو لا يوافق. أخلاقي أن يتزوج رجل مثيله، ولا أخلاقي أن يتزوج رجل امرأتين، هذا هو القانون الأشد رعبا على العقل والضمير الإنساني.
بعد هذه التوطئة.. هل يمكن لحركة نسوية غربية أو عالمية أن تفلت من جنون المادية؟ هل يمكن ألا نلاحظ الدور المسنود سينمائيا للمرأة مؤخرا؟ المرأة التي تلْكُم الرجل فترديه أرضا تقفز بالهواء لأمتار تصطاد الرصاص بحد سيف صيني رفيع، حتى أفلام الكارتون لم تنجُ من وحشية النسوية المتأثرة بالفلسفة الوجودية؛ فأرى أخواتي الصغيرات متسمرات أمام مسلسل كارتون لفتيات رشيقات يقمن بمهام تجسسية، ويقاتلن بها عشرات الرجال بشكل تافه يبرز ضعف الرجل وعجزه أمام الـ Superwoman أمنعهن من مشاهدة هذا البرنامج فأفاجأ بآخر أنكى منه وأردى.
النسويات بلغن بتطرفهن حدا لا يطاق، ولا يمكننا أن نكتم هناك أصواتا رجالية متطرفة كثيرة بدأت تعلو بالعالم الغربي، بل إن هناك منظمات مثلية معادية للجنس الأنثوي قد بدأت نشاطات تلفزيونية بالمجتمع الأمريكي. وقد حذر النقاد من هذه الظاهرة المتفشية التي تحاول استقطاب تعاطف الرجل الطبيعي مع الشاذ المتأنث ... ولأول مرة شهدت أمريكا افتتاح أول قناة للرجال "سبايك" بعد أن شهد التاريخ الأمريكي افتتاح ما يزيد عن عشرين قناة نسائية لا هم لها ولا شُغل سوى شتم الرجل وسرد قصص الدموع والتعاسة من قبل نساء مظلومات مسحوقات معذبات.. إنه هولوكوست القرن الحادي والعشرين سيدتي.
الكُتاب بعض المعانين من تطرف المرأة لم يعودوا يكتبون بالرموز بل صار النقد عاليا ووصلت لرغبة جامحة بإبعاد المرأة من الجيش والسلطة القانونية والشرطة، حتى إنك تتخوفين من انتكاسة اجتماعية عربية، بينما أنا أؤكد لك أن الانتكاسة قد تكون عالمية، وقد لا نلاحظها فورا، إلا أننا سنشهدها مأساوية بعد عقود .. المرأة ستتألم كثيرا وهذا يحزنني ويقلقني، قد لا تصدقين أن بعض الجنرالات المتطرفين صاروا يناصرون إرسال الإناث للحروب، والتعليل أن قتال الذكور بساحات الحروب لقرون مديدة أدى لنقصانهم وتغلب عدد الإناث عليهم، وهذا ما يرفضه المسكلانيون (المتطرفون ذكوريا).
المشكلة أولا وأخيرا تكمن بالتخبط العشوائي وتبني النظرة الصراعية الطبقية التي انعكست على الجنسين بفضل الجماعات النسوية، وكذلك لخلط الأدوار بينهما بعد أن شمرت المرأة عن ذراعيها قائلة "سأدخل عالم الذكر"، جاهلة أن عالم الذكر ليس بالعالم الوردي الذي تتخيله؛ بل هو عالم تفكير معقد وصراعات مملة وطويلة الأمد مع كل المخاطر. وشخصيا لا أومن بوجود "عالم ذكوري" و"عالم نسواني" بل كلا الجنسين يعيشان بعالم واحد.
ما الحل؟ شخصيا أعتقد أن الحل بيد المرأة التي عليها أن تقدم احتراما أكبر لواجبها الأمومي، وأن تنظر للعمل كوسيلة حياة لا "تحد" مع الذكر. العمل للمرأة مسألة محمودة بحال توافر شروطٍ أغلبنا يعرفها، إلا أنني ما زلت لا أفهم كيف تسمح أم لنفسها أن تترك أطفالها عند الحاضنة لتعمل، خصوصا عندما لا تكون بحاجة للعمل أو لا تكون مجبرة عليه، لا سيما بعد أن يكون عملا ذا محيط لاأخلاقي؟
الحال لن يُصلح بمقالة أو طرح لقضية، إنه بحاجة لجهود حكومية جدية لتثقيف المرأة بحقوقها الإسلامية، وإكسابها حقا بالعمل والإدارة وفق احترام لأولويات اجتماعية أساسية لا غنى عنها كالأمومة أو الأسرة أو الحشمة. الرجل لا يستثنى من هذه الشروط؛ بل إنه يحتاجها بأكثر مما تفعل الأنثى لكثرة وسهولة انحرافه نحو الخطيئة.
أعتقد أن المرأة الإيرانية قد قطعت مسافة شاسعة بالمسيرة؛ فهاهي نائبة وزير للجمهورية ووزيرة وبروفيسورة، مع كل هذا هي أمّ تحرص على سلامة أسرتها! أكرر: لست ضد عمل المرأة بل أنا ضد دفنها بالمنزل، إلا أنني ضد أن تُسحق الأسرة تحت حافر العمل هذا، خصوصا عندما يكون بلا فائدة اقتصادية. لست ضد إصلاح حال المرأة، لست ضد منع العنف عنها، لست ضد رقيها، إلا أنني أنشد رقي المجتمع ككل؛ لأن المرأة لن ترتقي بلا رجل راق لجانبها والعكس صحيح.
الإنسان المسلم بجنسيه بحاجة لتثقيف وتفجير للطاقات، والعمل على وتر الإنسان سيغنينا عن التمايز الجنسي الذي هو نتيجة بائسة لأقلام استعمارية بائسة.
قبل الرحيل.. سر شرقي صغير.. المرأة أجمل معنى عرفته كرجل،
لا تصدقي أن هناك رجلا يكره المرأة، كلهم يكابرون.
3/11/2022
رد المستشار
زادت منك الجرعة هذه المرة يا ابن الرافدين!! قضيت ساعات في المرة السابقة أحاول فك رموز لغتك الأكاديمية الصعبة، وتبسيط أفكارك وتراكيبك لأشرح لجمهورنا عن "النسوية" تاريخًا وآفاقًا، فلا تنتظر مني أن أفعل هذا برسائلك في كل مرة (أبتسم). سأجرب هذه المرة أن أترك رسالتك في متناول الجميع ليتفاعل معها من يريد بما يريد "دون واسطة".
فقط ألفت الانتباه إلى أن المشكلات الاجتماعية المتفاقمة في الغرب قد وصلت إلى طريق مسدود، ولا أعتقد أنه ما يزال أمامهم أي خط رجعة!! اللهم إلا بتغيير جذري، أو نقلة في "النموذج المعرفي" Pavadibdm shift، ولا أحسب المعطيات اللازمة لهذا متوافرة، وبخاصة مع الحال المتردي الذي يعيشه المسلمون؛ كون الإسلام هو الوحيد الذي يمنح الفرصة لإنجاز مثل هذه النقلة!!
المحنة ليست في "النسوية" وأفكارها -على خطورة الطرح- ولا في النسبية الأخلاقية أو الفلسفية -رغم مرارة الحصاد- وليست في المادية التي تجتاح حركة البشر عندنا كما عندهم، ولا في أن كل هذه الفوضى قد أصبحت مدججة بالسلام والتقنية فإذا هي تسحق تحت سنابكها كل الضعفاء الذين لا يملكون حيلة، ولا يستطيعون سبيلا.. المحنة الكبرى هي في انحطاطنا نحن، فما زالت بيننا وبين الإسلام المنقذ للبشرية مسيرة ألف سنة!! حتى نفهمه، وألف سنة أخرى -ربما- حتى نستطيع تطبيقه وتقديمه لغيرنا!!
لا أريد أن أستدعي طقوس البكائيات والحسينيات -بمناسبة ما يحدث في العراق- ولكن الحقيقة قاسية يا سيدي، والجهد المطلوب كبير، وأعمارنا قصيرة، نسأل الله السداد والتوفيق، فالظلمات بعضها فوق بعض، والتشوهات مذهلة!!
أسعدتني كلماتك، وربما نتناقش إذا حضرت في شهر العسل مع زوجتك، أو تقابلنا يومًا ما، أما اليوم فها أنا ذا أنشر مشاركتك، و"ذنبك على جنبك" كما يقول المصريون.