السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كنت قد قرأت المشكلة المعنونة بعنوان "كثيره يقلب الحال.. وقليله ينعش الفؤاد"، وأحسب أن فيها الشيء الكثير لكي أعقب عليه، بوصفي متابع مستمر لصفحة استشارات مجانين.
يؤسفني يا أختاه أن تنعي لنا، نحن المسلمين كافة، مشكلة ما زالت مستمرة منذ عقود وعقود. ويؤلمني أن أراك تجودين بصبرك وآمالك بمواجهة معركة وضعك المجتمع قبالتها، وسلبك أسلحتك الضرورية للصمود (وسأوضح هذه النقطة لاحقا إن شاء الله).
غريب حقا هو موقف العالم، وأغلب مثقفينا العلمانيين والليبراليين من الحجاب يا أختاه! وكأنهم يكنون ثأرا للإسلام أو يطلبونه بقتيل أو جريمة، إذ يناصرون كل معول يعزم على هدمه وليتهم يتبنون هذا الموقف وفق ثقافة صحيحة أو منطق سليم، بل هم يعكسون تربية غير إسلامية قد تلقوها بطفولتهم ليس إلا. وغريب تارة أخرى هو إصرار أغلب نساء الأمة العربية على رفضه (للحجاب) بشكل مطلق أو تغافلي أن صح التعبير؟ أعتقد أن رفض الحجاب، أو ظاهرة اللاحجاب، بالمجتمع إنما هي انعكاس طردي للذهنية الثقافية وضحالة عمق الفكر الديني بمجتمعاتنا.
المجتمعات العربية، لتأثرها بالأيدلوجيات والنظم الحياتية الغربية، تفرض نوعا من "الإرهاب الاجتماعي" على المرأة أسوة بالغرب. ورغم اختلاف صيغة فرض ألوان هذا الإرهاب الاجتماعي بين مجتمعات الغرب والشرق المتغرب إلا أن النتيجة واحدة، وكلا الإرهابيين سيلتقيان بنقطة واحدة هي تهميش الأنثى واختزالها لجسد لا سواه. الإرهاب الاجتماعي، كتعريف سريع، هو نوع من الأنماط والتقاليد والأفكار المفروضة اجتماعيا على الفتاة، وتطالب الأخيرة باتباعها بالحسنى لكي تفوز بلقب "فتاة عصرية" أو "فتاة طبيعية" أو "فتاة غير معقدة"، ومن ترفض هذه الأنماط الاجتماعية توصم بالتخلف والظلامية والهمجية والتقوقع النفسي، بل وتعامل كإنسان من الدرجة الثانية كما أستشهد هنا بالمجتمعات الغربية التي عايشتها منذ المرحلة الإعدادية وحتى الجامعية الراهنة! النمط الاجتماعي المطلوب بظل الإرهاب الاجتماعي، يفرض عادة قوانين العري والإباحة والدونية على المرأة، لا بل يحاصرها على نحو عنيف من التقاليد حتى! فالرجل الأمريكي، غالبا، لا يتزوج المرأة قبل أن يقيم معها علاقة جنسية وعاطفية لعوبة نوعا ما، ورغم امتعاض المرأة من استهتار الرجل إلا أنها تجاريه وتتبعه مضطرة لكيلا يتخلى عنها ولا يمزق الحلم الذي تمنته طيلة عمرها، بأن يكون لها أطفال وبيت وزوج وجو أسري تمارس فيه أمومتها الجميلة.
الإرهاب الاجتماعي العربي بطريقه -للأسف- لنتائج كهذه بالعقود القريبة إذا ما بقينا مكتوفي الأيدي، وإذا ما تخليت أنت وأنا وهذا وتلك عن إسلامنا. وعلى أي حال، فالإرهاب الاجتماعي العربي اليوم يفرض أنماطا ونظرات اجتماعية قاسية على المحجبة، ويعامل غير المحجبة برقة أكبر ومزاج أفضل. وتزيد بعض المحجبات الطين بلة حينما يخلعن الحجاب فور توصلهن لمرتبة اجتماعية أو علمية راقية، وكأن الحجاب عار أو "موضة قديمة" عفى عليها الدهر ونسى... وبالتالي فإن النظرة الاجتماعية العربية، بشكل عام، قد تمحورت لتوصم أي محجبة بالجهل والتخلف، وتطري على أي متبرجة بصفة الثقافة والمحصول العلمي و"العصرية" إن صح التعبير. وقصة العصرية هذه طويلة وحزينة، وإذا كان الغرب يريد أن يصدر إلينا أفكاره بكل الأصعدة، كان علينا أن نتهيأ لاستقبال طامات اجتماعية متكدسة لأن هذا ما يمتلكه الغرب بشكل عام.
ولعل الرجل العربي اللاديني قد أمسى Americanized (متأمركا) حقا إذ صار يفكر بنفس طريقة الرجل اللاديني بالغرب المتمثل بالولايات المتحدة اليوم، إذ إن الرجل اللاديني يسعى، بكل زمان ومكان، لامتهان الأنثى ونيله لأكبر حصة مادية منها وبكافة الأوجه، وحتى لو اضطره الأمر لأن يوهمها بالتذلل لها أو أن يلهيها ببريق الحريات أو "التحرير النسوي" أو "رفض جندرية الثقافة والتأريخ" كما دعا جارودي سابقا، ومهما كانت الحجة فهي مقبولة ما دامت الأنثى ستقع فريسة النزوة اللادينية وفلسفاتها التي تعظم اللذة وتجعلها رمزا للحياة، والتي تقدس الحريات غير المسؤولة، والتي ترفع الفرد على الجماعة. وبما أننا أمة تعاني من "تخلف" مزمن والحمد لله، فإن اتباع الأقوى (التبعية الفكرية كما يسميها الروائي المفكر نجيب الكيلاني) كان ديدن أغلبنا طيلة قرون، ولا فرق لو صفقوا لهتلر ونازيته أو هتفوا لستالين وشيوعيته أو لشيراك ووجوديته الملحدة أو لبوش وليبراليته المتوحشة، فلا فرق ما دام الأقوى راضيا عنهم ولا تندهشي لو أخبرتك بأن هناك من يتغزل بشخصية المجرم إريل شارون نفسه، وقد صادفني سوء الحظ بالتعرف إلى أفكارهم عن كثب.
إذن، نحن أمة تقلد الغير، وتتبعه بشكل عشوائي، ونحن أمة هوايتنا هي جلد الذات (وأعترف بأنني أجلد الذات الآن بحكم الضرورة) بأي وقت ولأي سبب مهما صغر أو تفه... الآن، أنت تتألمين لابتعاد دائرتك الأسرية عنك، وكذلك الدائرة الاجتماعية المتمثلة بالأقارب والأصدقاء. والحقيقة أنك لو قفزت عاليا بسماء الفكر، وأطلقت نظرة فاحصة على موقعك وأسرتك على الأرض، ستكتشفين بأن عائلتك وأسرتك وأصدقاؤك القليلون هم المحصورين وهم المنعزلين عن الدائرة الأكبر، ألا وهي دائرة المجتمع الإسلامي،، من ملاحظتي لسردك للوقائع، ألفيتك لا تتعاملين إلا مع دائرة ضيقة من الأشخاص، ولا يتعاملون بدورهم إلا مع أفراد معينين يشاركونهم ذات الأفكار وذات النشاطات.
ما هو مطلوب منك الآن يا أختاه هو الآتي، وأرجو أن تفكري بكلامي جيدا، وأن تنفذيه بحذر ودقة:
أولا: حاولي أن توسعي من دائرة تعارفك لتشمل أفرادا أبعد من أسرتك وأقرب للطبيعة الثقافية للشارع الإسلامي، ولا أعتقد بأن مدرستك تخلو من بضع تلميذات مؤمنات ومجتهدات ومحجبات أيضا لا؟ هكذا لن تنفي الشعور بالوحدة فقط، بل وستكونين بمعركة رسالية إيمانية كما هي بداية المسلمين، لو لم تعرفيها فأهيبك أن تقرئي سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وكذلك مشاهدة فيلم "الرسالة" للمخرج العالمي مصطفى العقاد، ففيه تعابير روحية سامية عن تفضيل الدين والمبادئ على الأهل والعشيرة، وعدم التخلي عن الأهل بالوقت عينه.
ستكتشفين، وأنت بخضم التعارف على صديقاتك المؤمنات، بأن عائلتك لن تعاملك كظاهرة فريدة وغير مرغوب فيها، بل كواقع يزحف نحوهم. وسترينهم يتهامسون بدهشة داخلهم: "انظروا إليها، لم تعد تلك التي أردنا أن نلقنها الدرس، بل عادت لتلقننا هي الدرس ولكي تفرض علينا واقعا ماثلا وقوانين يجب أن نلاحظها بحال وجودها بيننا". لقد انزعجت أنت لأن تلك الفتاة أبت أن تخلع قميصها لرغبة ابن خالتك أمامك، واعتبرت هذا "رفضا" لوجودك، والحقيقة أنها إشارة "نصر" لحجابك ولمبادئك التي صارت تفرض عليهم والتي صارت تفرض قدسيتها أيضا. وكاتب هذه السطور لا يتردد برفض دعوة صديق على مأدبة إن كان فيها خمر أو لحم غير مذبوح على الشريعة الإسلامية، ومن يعتقد بأنني "متزمت" أو "متشدد" فليوفر دعوته لغيري؛ لأنني لن أنزل لقوانين سفرته بل سأفرض قوانين سفرتي ما دامت المأدبة تشملني، ومن يرفضني فإنني غني عنه وعن صداقته التي لم تحترم شعوري الديني.. هكذا سيكونون أشد تهذيبا معك، لا بل ستسري لهم روح النظام والمسؤولية الدينية بلا شعور.
الآن، وبعد أن فرضت شخصيتك عليهم وضرورة احترامها، تابعي العملية، ولكن مع قراءة وتفكر واطلاع. أنت لن تكسبي معهم أي جولة لو كانت ثقافتك قاصرة على الصلاة والحجاب، فماذا لو سألك أحدهم عن غرض الحجاب الاجتماعي الذي دعا الإسلام لجعله فريضة؟ أو يسألك عن سبب حرمة الخمرة التي يعتبرها دينك محرمة؟ إذن، الإطلاع الصحيح والثقافة الإسلامية الغنية هي التي ستوفر لك الأسلحة الممتازة والذكية... ادخلي لساحات الحوار على الإنترنت العربية وتحاوري بقضايا العصر، ولتجعلي هموم الأمة وهموم الثقافة الإسلامية هي همك الأول لجانب دراستك، وبعدها ستكتشفين (وخذيها من مجرب)، إنك بالكاد تملكين الوقت لسهرات عائلية أو صداقات لهو أو لعب صبيانية أو حفلات وغيرها، بل قد تستهزئين بكل هذا وتنشدين نشاطات أشد أهمية وأبعد فائدة وتسلية. ستتحولين لإنسانة جادة وعميقة الغور، بل إن سلطة حضورك ستفرض على الكل احترامها وربما صار التعامل مع كلماتك كنصائح يجب تنفيذها.
ما تعيشينه واقع عاشه العراقيون بعقود مضت، حيث كانت الشيوعية تفتك بالمجتمع الغافل، وكان المتدين منبوذا غير مرغوب فيه، إلا أنهم لم يستسلموا وانتهوا بفرض الإسلام العظيم كمرجعية دستورية كما رأيت مؤخرا، وتحولت أفكار الشعب رأسا على عقب وأمست أفكاره إسلامية متآخية وجميلة. يمكنك التأكد من مقولتي بمطالعة هاتين القصتين للشهيدة آمنة الصدر لأثبت لك بأن مشكلتك ليست فريدة، وأن هناك وسائل للتعامل معها وستجدينها بالقصص المحشوة ثقافة إسلامية وحوارات غنية: الفضيلة تنتصر - الخالة الضائعة - موقع الشهيدة آمنة الصدر (بنت الهدى)
الخطوة الثالثة، بعد تقوية نفسك ثقافيا، عليك أن تباشري عمليات الغزو الفكري النهضوي المضاد، وتحدثي أقاربك بنقاشات خفيفة ومن ثم عميقة مهذبة. الشيء الوحيد الذي عليك مراعاته هو عدم فقدانك لأعصابك وعدم مهاجمة تصرفات الفرد، بل لتكن نقاشاتك عن مثلهم العليا كالثقافة الغربية والمجتمعات المريضة بالمخدرات والجريمة والعنف، وكذلك بأنظمتهم السياسية التهريجية. دعيهم يفقدون صلة التواصل مع ما يتبعون بشكل غير مباشر ومن ثم اطرحي الإسلام كوسيلة حياة عصرية تلائم جدية الحياة وشكلها العملي.. حجابك لا يعني بأنك غير قادرة على السباحة، ما دامت السباحة هذه بمسبح نسائي مغلق ومحترم.
لعبك للورق غير ممنوع لو كان لعبا بريئا لا يشمل مالا أو قوانين جنسية أو احتساء الخمر أو حتى ملاعبة من هو بذيء اللسان سيئ المعاشرة، أتفهم حرصك على أهلك وعلى والديك تحديدا، إلا أنك الآن تطرحين أنموذج الفتاة المسلمة بينهم، ونجاحك سيعيد الكثير من حساباتهم، خصوصا أن أغلب زوار الملاهي والبهارج يفشلون دراسيا واجتماعيا، ومثالنا بقريبتك المطلقة الشابة واضحا مع احترامنا لصلة القربى التي تجمعك بها... ولا تفهمي مني بأن الطلاق هو علامة فشل اجتماعي دوما، إلا أنه كذلك بالكثير من حالات طلاق اللادينيين أو المتزمتين دينيا على حد سواء، ولا نريد أن نكون من كلا الطرفين. نريد إسلاما واعيا يدرك بالضبط ما هو سائر نحوه، ونريد مسلمين ومسلمات مدركين لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، أنت تقودين نهضة، أنت أمام تحدٍّ مقدس، أنت مقاتلة حضارية بوجه قوي تبدو عملاقة لهنيئة إلا أن هزيمتها بسيطة ويسيرة بحال توفر الأسلحة المطلوبة. ربما لن يتغير الجميع، وربما لن يتغير أحد وربما سيتغير بعضهم.
لا تهتمي بالأمر كثيرا، واسعي بحياتك دارسة ومتزوجة من شاب متدين مثقف بدينه وقضايا عصره، ولتؤسسا أسرة صحية تكون لك العزاء بمن لم يهتدوا. ورغم هذا لن يموت الأمل، ولا يجب له أن يموت، إذ إن أقاربك سيقارنون بين عوائلهم المستقبلية المنحلة وبين عائلتك المتماسكة السعيدة والصحية. سيقارنون بين غفلتهم عن أبنائهم وبين متابعتك الذكية والواعية لشئونهم وتواجدك جاهزة لإنقاذهم من مخاطر الخطيئة والمجتمع، وكذلك التعامل مع مستجدات حياتهم العاطفية والدراسية. إذن أن مطالبة بأن تكوني مثالا حيا يتأثرون فيه اليوم وغدا وبعد غدا وحتى أطفالهم قد يتأثرون فيك. ونحن -المسلمين- مطالبون بنصرتك يا أختاه، ونصرة واقعنا أيضا. نريد كاتبا يروي مشاكلنا المشابهة، لا كاتب يبدع بنصوص سخيفة فارغة. نريد مخرجة سينمائية تطرح الواقع بشكل حضاري شفاف، ونريد مثقفين ومثقفات وحقوقيين وحقوقيات وآباء وأمهات يدركون كل صغيرة وكبيرة بواقعنا.
نريد طبا نفسيا إسلاميا بدلا من ذلك اللاديني، ونريد نظريات فيزيائية وفلسفية صحيحة وصادقة بدلا من تلك المبنية على تمحك داروين وهزليات الطبيعة. نريد أن نغزو العالم بعولمة الدين الحق والفضيلة والنظام، بدلا من عولمة الفوضى والحرية الحيوانية الكاذبة والإرهاب الأنجلو-أمريكي. نريد نهضة شاملة ومدوية يا أختي، وما هذه الشبكة الجميلة سوى بداية لأهداف أسمى وأجمل.
أتمنى لك حياة سعيدة ومستقبلا جميلا، وكوني على ثقة بأنك لست وحيدة بالمسيرة.
أشكر طاقم مجانين الرائع على إعطائي فرصة المشاركة بقضية هامة كهذه، وأسأل الله التوفيق لهم ولعامة المسلمين.
2/12/2022
رد المستشار
صدق ظني فيك إذن، أحسبك كذلك ولا أزكي على الله أحدًا. وأحسب أن ترددك في أمورك الشخصية إنما كان بسبب عمقك وتركيب ذهنك، فمن يعرف بعمق يتردد بحق، وهو يوازن بين متشابهين، ومشتبهات، وحين يتضح له وجه الحق يمضي فورًا، فهو أصلاً يعرفه، ولكن أصحاب العقول والضمائر لا يبدءون بالوضوح السطحي الذي يمتلكه الأحمق، ولكنهم يصلون إليه عبر معاناة التأمل وتقليب النظر فإذا برز أمامهم ميزوه بما عندهم من العلم أنار الله بصيرتك دومًا لترى الحق وسط غيره – ولو تشابه معه – وهداك الله دومًا إلى الحقيقة، وهدى بك الناس إليها.
أحسنت يا أخي في عامة قولك، وكشفت عن آفاق ندندن حولها ونقصدها فنبلغها أحيانًا، ويفوتنا الوصول إلى آخر المدى أحيانًا خشية الإملال أو بالقصور البشري المعروف ولكنني أيضا أحب أن أضيف إلى تحليلك بعض توضيح وتعقيب – لعله يفيد – فلم تعد معركتنا كما كانت بالأمس صراعًا ضاريًا وهجومًا ضاغطًا ينكر الإسلام وأحكامه، ويتهكم على زي المحجبة أو يسخر من شرائع الإسلام وشعائره فتلك معارك قد انحسمت أو تكاد بدماء أريقت وأعراض انتهكت، ومسارات أهوال خاضها القابضون على دينهم جيلاً بعد جيل، وفوجًا بعد فوج بذلوا الغالي والرخيص في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الكفر العقيدي والمعرفي هي السفلى، ومن أجل أن ينتصر الإسلام كما فهموه وآمنوا به
وما من شك أنه قد كان في فهمهم بعض قصور، ويحتاج هذا التاريخ إلى مراجعة ليس هذا موضعها معركة الحجاب أو حتى مرجعية الإسلام في كل نواحي الحياة قد صارت تاريخًا إلا في دوائر الطبقة العليا، أو دوائر ثقافية أو إبداعية تخاذل الملتزمون عن الدخول فيها احتقارًا لشأنها أو عجزًا عن معالجة شئونها، وأنا هنا بدوري لا أقلل من أهمية هذه الدوائر أو تلك، وتعرف أنني حريص على أن يتفاعل المسلمون مع عصرهم في كل أنشطته ومجالاته دون استثناء، فتلك عمارة الأرض التي يريدها الله سبحانه منا، والدخول إلى هذه الدوائر يستدعي تدريبًا خاصًا وتكوينًا يتجاوز عموميات فكرة وأسلوب "الدعوة" كما مارسها الملتزمون وما زالوا يمارسونها، وهذا التكوين الخاص يتضمن شقًّا ثقافيًّا واجتماعيًّا، وشقًّا فنيًّا تقنيًّا تعليميًّا في مجال كل تخصص دقيق مثل السينما أو الكتابة الدرامية أو غيرها.
أما الشق الثقافي والاجتماعي فهو على غرار ما تفضلت بمقترحات لتنفيذه، وهو خليط من مهارات التواصل والإقناع والحوار، وأساسيات التكوين الفقهي والنفسي والثقافي المطلوب لمبادرات من هذا النوع، ولدخول هذه الدوائر والطبقات بخطى ثابتة، وتكوين متين هنا أكتفي بتحيتك على مشاركتك المتميزة، وأفتح المجال للنقاش ... دمت لنا.