وردتنا عبر مريد الموقع استشارتان في موضوع الزواج من جنسية أخرى:
المشكلة الأولي من "نادر" المصري عن شقيقته 32 سنة:
بسم الله الرحمن الرحيم تحية طيبة وبعد،
ما أود الاستفسار بشأنه يتعلق بشقيقتي وليس بي شخصياً. تبلغ شقيقتي من العمر حوالي 32 سنة، وهي فتاة عاقلة ملتزمة خلقاً وسلوكاً. منذ نحو 6 سنوات وبحكم عملها تعرفت إلى شاب فرنسي وبغض النظر عن جنسيته وديانته، هو شاب محترم، خلوق ومؤدب، تعرفت عليه أنا وزوجي عن طريقها، وكان الشاب مفاجأة بالنسبة إلينا؛ لأنه وهو الفرنسي والذي بلا ديانة كما يقول هو عن نفسه (يقول: إنهم مسيحيون لكن أهله ليسوا متدينين، ولا يذكر أنه قام بزيارة الكنيسة في حياته) لذا فهو خام فيما يتعلق بالديانات، ولم يكن يؤمن بشيء
إنما هو على درجة عالية جداً من الأخلاق وملتزم بسلوكه بصورة تدعو إلى الاستغراب، فهو مثلاً لم يقم في حياته بأي علاقة محرمة، ويرى أنه إن كان ولا بد فيجب أن يكون ضمن إطار الزواج ومع المرأة التي يرغب في أن يقضي حياته معها... وإلى غيرها من الأخلاق التي عز توافرها في كثير من شباب المسلمين. الخلاصة أن هذا الشاب أحب شقيقتي وأحبته، وأفهمته أنها لا يمكن أن تتزوجه؛ لأنه غير مسلم، وعليه أخبرني أنا بذلك بأنه يود أن يتعرف على هذا الدين، وأنه ليس لديه سوى فكرة مشوشة لا يستطيع أن يقيم بها رأياً عنا أو عن الإسلام سوى ما يراه في الظاهر، وهو حسب رأيه جيد، وأننا لا نختلف في كثير من الأمور، وعليه فقد لجأ زوجي إلى أحد أصدقائه من الشباب المتدين، والذي درس في الولايات المتحدة بمعنى أن لغته تساعده بالشرح والإيضاح أفضل منا نحن، وكذلك حتى يكون الأمر محايدا.
وكانت هذه أول مرة يعلم فيها هذا الشاب عن الدين الإسلامي وعن سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وكيفية نزول الوحي وغيرها من الأمور التي أثرت به لدرجة أن تدمع عيناه (هذا ما أخبرنا به صديق زوجي والذي رأى في هذا الشاب خامة طيبة) المهم أنه بعد أقل من سنة غادر البلاد ليلتحق بعمله في بريطانيا، وهناك تعرف إلى بعض المسلمين الذين ساعدوه في التعرف أكثر على الدين إلى أن أسلم رسمياً بعد مرور سنتين وربما أكثر قليلاً من معرفتنا به، عاد بعدها ليطلب من شقيقتي الارتباط به. كانت العقبة الآن هي مفاتحة الوالد والوالدة في الأمر، وهو ما قامت به أختي. والدي رجل متعلم وهو إنسان رائع ولا يهمه في هذه الدنيا شيء قدر سعادتنا. كان لديه اعتراضات كثيرة ليس الدين أحدها طالما أنه أسلم مقتنعاً بذلك وقام بذلك بعيداً عن أي تأثير منها، إنما انصب اعتراضه على اختلاف البيئات والحضارة وما سيثيره هذا الأمر من كلام من الأهل علينا، وهل هي قادرة على تحمل الغربة، وأن تعيش في بلاد غريبة، وأن تربي أبناء في تلك البلاد وغيرها من المخاوف التي يرى بأنها سوف تأثر عليها، ويخاف أن تندم على هذا الزواج، وطلب منها ألا تستعجل وأن تعطي نفسها أكبر فرصة ممكنة لتدارس الأمر والتفكير به، وعليه مرت سنتان وهو في بريطانيا وهي في.......، وكان يتصل بها هاتفياً ويرسل لها الرسائل ويتذكر جميع الأعياد والمناسبات، ويقوم بما يقتضي الذوق القيام به، يهنئ بقدوم رمضان، ويبارك في الأعياد وغيرها.
الآن وبعد مرور هذه السنوات ما زال أهلي مترددين وحائرين خائفين أن يكون في الأمر حرمة دينية وخائفين أكثر من كلام الناس والعائلة بالتحديد، وخائفين عليها من الغربة. أختي مقتنعة به جدًّا، وبالنسبة لها هو ليس زواج حب وغرام فقط، بل ترى فيه نصفها الآخر، وترى أنها لو عاشت الدهر كله فلن تجد من يمكن أن يحبها ويقدرها ويهتم بها ويفهمها كما يفعل هذا الشاب، وإنها لن تتزوجه دون موافقة واضحة وصريحة من والوالد والوالدة، غير أنها إن لم تتزوجه فلن تتزوج غيره، وستلغي موضوع الزواج نهائياً، وهي مدركة جيداً لكل المخاوف التي تحدث عنها إلا أنها ترى أن الغربة ستكون صعبة في البداية، ولكنها ستنشغل بحياتها فيما بعد، ولديها مخططاتها لما تنوي أن تفعل، كما أنها ترى أن الالتفات لكلام البشر الذين لا هم لهم سوى الكلام لا يعنيها، إنما تدرك أن الوالدين سيعانيان إلى أن تهدأ الأمور، وهي مشفقة عليهما، وأنا مشفقة على الجميع. والدتي طلبت مني استشارتكم في الأمر وأخذ رأيكم الشرعي، وهل هنالك أي حرمة دينية في هذا الأمر علماً بأن هذا الشاب يصلي وحفظ من السور القصار ما يعينه على صلاته ويصوم رمضان من قبل أن يعلن إسلامه رسمياً، وهو شاب خلوق جداً لديه شهامة وأخلاق رجال يندر رؤيتها هذه الأيام.
قد تسألون كيف حكمت عليه، في الفترة التي كان يقيم فيها معنا، فقد دعوناه إلى منزلنا مرات كثيرة، وكان زوجي يخرج معه باستمرار، أطفالي ما زالوا يذكرونه، كان يلاعبهم باستمرار وهو يعشق الأطفال. أسرته مترابطة، فوالداه يقيمان معاً وعلاقتهما جيدة، من كلامه، شقيقته متزوجة ولديها طفل واحد وتعمل، ولديه أخ يكبره غير متزوج، وهو الصغير في إخوته، خلال الفترة التي عمل فيها هنا، كان والداه يسألان عنه ويتصلان به باستمرار، وتعاني أمه من متاعب صحية، وهو ما كان يكدره عندما يعلم بأنها مريضة، أو أن صحتها ليست على ما يرام، كل هذه الأمور كانت تثير حيرتنا أنا وزوجي لما نعرف عن الغرب من التفكك الأسري وعدم ترابطهم وهو ما رأينا غيره مع هذا الشاب. أرجو ألا أكون قد أطلت عليكم (وقد فعلت) ولكن لحيرة الوالدين قد شرحت ما أمكنني؛ لكي تفيدوني برأيكم الكريم في هذا الموضوع. ختاماً أرجو، شاكرة لكم فضلكم، الحفاظ على سرية الاسم
وأتمنى لو لتقوموا بالرد على عنواني البريدي دون عرض المشكلة في الموقع، وإن كان ولا بد فأرجو عدم ذكر الاسم أو البلد أو الجنسية. وفقكم الله وجراكم عنا أحسن الجزاء.
6/2/2023
المشكلة الثانية من "بدور" من الأردن 26 سنة:
السلام عليكم
ما أود أن أناقشه فعلاً معك يا دكتور، هو الزواج من غير ابن البلد، فلقد تواردت لي وأخواتي أفكار كثيرة عن هذا الموضوع، ولعلي أقتنع ببعضها، فمثلاً لنأخذ المثال الذي لدينا، في أن هناك أخًا قد يكون مرشحًا للزواج من مصر، وأنا من الأردن، هو يعيش في بيئة مختلفة جداً عن البيئة التي أعيشها، من حيث العادات والتقاليد، والأريحة في التعامل، وغيرها من الأمور.
قد يقول قائل هذا ليس مهم؛ لأن الجامع بيننا المفروض أن يكون الدين فقط، ولكنني أشعر أن هذا غير منطقي، فبالإضافة للدين يجب أن ننظر للبيئة والحياة التي من حولنا، وهل نستطيع أن ننسجم معها أم لا؟؟
أحب أن أسمع ردكم؛ لأنني أرى أنكم تنظرون للأمور بكافة جوانبها، كما هو الدين الصحيح؛ حيث إنه صالح لكل زمان ومكان، لا كما يتناوله الكثيرون بجمود تام جزاكم الله ألف خير.
10/2/2023
رد المستشار
أجد نفسي سعيداً ببعض المشكلات والأسئلة؛ لأنها تفتح من الأبواب ما يكون في فتحه خير كثير، وبمقدار ما تمس المشكلة قطاعاً عريضاً من الناس، فإننا ننفعل بها، ونتفاعل معها أكثر، أحب أولاً أن أعلق على بعض النقاط قبل أن ألخص لكم مجموع آراء أعضاء الفريق تجاه المسألة التي نحن بصددها هنا.
(1) معرفتنا بالعالم تتضمن مجموعة من الأباطيل والأساطير تجعل تعاملنا معه مضطرباً، وإدراكنا له مشوشاً، وتمهد للتخلف القاسي الذي نعيشه عما يريده الله منا ولنا، وعما كان عليه آباؤنا وأجدادنا الذين ضربوا في الأرض عن علم وفهم ووعي فكانت لهم قيادة الحضارة، وسادوا الدنيا عن جدارة واستحقاق، فكرتنا مثلاً عن الانحلال الذي يملأ الغرب والتفكك الأسري، وقلة العناية بالدين والأخلاق ... إلخ.
هذه الفكرة أكذوبة شريرة شاعت في الأذهان والأفهام، وكانت مقدمة لانبهار نفر من شبابنا بالغرب، فقد تبين لهم مع أول احتكام لهم أنهم ليسوا كما نظنهم "بلا أخلاق أو قيم".
وباختصار فإن الانحلال كمناخ عام تساهم فيه وسائل الإعلام، ومؤسسات أخرى كثير، لا يعني أن الأفراد قد صاروا مجرد عبيد للشهوات، ووحوش ضارية لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً بحيث تكون مفاجأة عندما نري أوربيًّا محترماً!! ما هي مصادر هذا الوهم والخلل في تصورنا عنهم؟! هذا مبحث هام لا أعتزم القيام به الآن، ولكن يكفي التنبيه إليه.
(2) من اللافت أن التفكير بطريقة "نحن وهم" بمعنى أننا مصدر الفضيلة والأصالة والأخلاق والدين، وهم منبع المفاسد والتفكك الأسري ...إلخ.
هذا الأسلوب في التفكير والتصنيف مختل وضار، ويخفي عورات هائلة لدينا في التصورات والممارسات، والمحصلة أنهم بسبب المكاشفة والشفافية، وتسليط الأضواء على العيوب – "الأمر الذي يزيد عن المعقول أحياناً" – نراهم يعدلون من مسارهم، ويصححون بعض أخطائهم، بينما نحن للأسف يختلط عندنا الأمر؛ فنمارس التستر بدلاً من الستر، ونهرب من مواجهة عيوبنا مختبئين وراء عبارات تمجيد الذات، والاستعلاء دون عمل أو إنجاز يذكر، فهل هذا هو استعلاء الإيمان أم استعلاء الجهل والحماقة؟! .. لا يمكن إطلاق حكم عام على غرب أو شرق، أو أمة أو فرقة أو جماعة، أو حتى عائلة أو أسرة بأنها كذا أو كذا، والسياق الاجتماعي والثقافي المتحلل بسبب تحرره وتفلته من كل قيد مرفوض أو معقول، لا يعني فساد الناس، بل تبقى الفطرة السليمة هي الأصل في جميع الخلق، وبعد ذلك نرى التصرفات ونحكم على أصحابها، ولكن ليس بلون بشرة، ولا بجنسية، ولا حتى بالانتماء اسميًّا إلى دين أو قطر أو فئة من الناس.
(3) مازلت أتأمل وأتعجب حين أسمع عمن يتحدث عن "الغربة" في هذا العصر ... وأرجو أن يشرحها لي أحد ممن يتحدثون عنها:
أية غربة، وقد أصبح المسلمون – ولله الحمد – في كل مكان على وجه الأرض، وأصبحت المراكز الإسلامية، والمحال التجارية العربية هي القاسم المشترك في كل العواصم الأوربية.
هل أتحدث بلغة الأرقام والإحصاءات عن بلد مثل فرنسا، وهم يقولون إن اليوم الذي سيكون للبلاد فيه رئيس من أصول غير فرنسية "خالصة" قد صار وشيكاً للغاية، وإنه حين يحدث هذا فسيكون معبراً عن أغلبية السكان هناك!! عن أية غربة نتحدث في عصر الاتصالات التي يمكننا معها الآن أن نرى، ونتحدث، ونتبادل الرسائل الفورية، والمحادثات الممتدة عبر المسافات والحدود، في الهاتف، وعبر شبكة الإنترنت... عن أية غربة نتحدث في عصر سيكون – عما قريب – نشاطه الاقتصادي الأكبر هو "السفر" حيث ستنخفض أسعاره، وتسهل سبله، وقد بدأ هذا بالفعل.
عن أية غربة نتحدث في ظل نظام عالمي سيصبح الموظف فيه متنقلاً بين الفروع سنة في "بيونس أيريس"، وسنة تالية في "صنعاء"، وثالثة في "كراتشي"، وذلك حين تسقط القيود عن التجارة، والتوظيف عبر القارات يا أخواتي مفهوم الزمان والمكان اختلف تماماً عن ذي قبل، وينبغي أن نفكر بناء على هذا الاختلاف، وفي إطاره مستفيدين من أدواته وآثاره.
هل نحن ما نزال مصرين على أننا "هنا"، وهم "هناك" أم في الحقيقة أننا "هنا وهناك"، وهم أيضاً كذلك في عصر اختلاط الثقافات، وحوار الحضارات أو صدامها، وموجات الهجرة المتتالية، وليس معنى ركود الوجود العربي أو الإسلامي في العالم أنه منعدم، فهناك فارق بين الغيبوبة والغياب.
في إطار ما سبق سيسهل على أن أقول ما يلي:
إن تأثيرات الثقافة الأصلية لكل إنسان ستتقلص وقد تضمر، وربما تندثر إن لم يتفاعل بها مع العالم في موقعه الذي هو فيه أيا كان هذا الموقع من أرض الله، وخير لنا أن نتحدث عن سبل تعريب أوربا أو أسلمتها "ثقافياً"، من أن نكرر الحديث العاجز الممجوج عن "الغزو الفكري" و "الاختراق الثقافي" الأمر يحتاج إلى تفكير وإرادة، وتخطيط وإدارة ... وهو ممكن.
العبرة بالمعدن الأصلي للشخص، والتأثيرات التربوية والاجتماعية التي تعرض لها، فهذه الأشياء أكثر أهمية من جنسيته الأصلية، صفة مصري أو فرنسي أو أمريكي – في حد ذاتها – لا تعني الكثير، وربما في وقت قريب لن تعني شيئاً على الإطلاق في الدلالة على أفكار وأخلاق صاحبها!!
الإسلام أضحي في تطبيقات البشر وممارستهم، وعاءً واسعاً، وعباءة فضفاضة، والمسلمون – مثل كل البشر – فيهم البار والفاجر، والذكي والغبي ... إلخ، وطرق تناول الإسلام، والتعبير عن الالتزام به تتنوع من بيئة إلى بيئة، ومن شخص إلى شخص، وهي تتلون بالأذواق والطباع الشخصية.
التنوع والاختلاف في الثقافة أو الطبع يمكن أن يكون مقدمة لتحاور وتكامل كما يمكن أن يكون مقدمة للتنافر والتشاجر، والعبرة تكون بنضج الطرفين، وأصالة معدنها، ومدى استعدادهما للمرونة، وتقبل الاختلاف فيما لا حرام فيه ولا حلال، وهي مساحة واسعة جداً بالمناسبة.
وعليه فإنني أنصح من تسأل عن موضوع أختها أن تضع الأسرة أمامها الأمر بجوانبه الحقيقية لا المتوهمة من هواجس وأوهام فمثلاً:
هل درست أختك مدى قبول أهل هذا الأخ لها، وانسجامها معهم؟! هل استعدت في حالة الزواج – بتعلم لغة المجتمع الذي ستعيش فيه أم ستذهب لتعيش معزولة عنه؟! هل تفهم طبيعة التحديات والمشكلات التي ستقابلها وطبيعة الإيجابيات والتسهيلات هناك، وكيف تستفيد منها؟!
هل هي مستعدة للقبول ببعض التنازلات عن طباع تعودت عليها، واكتساب أخرى جديدة في التعامل مع الناس، والحركة في الحياة؟! هل هي مستعدة للحياة في مجتمع وسياق ثقافي مختلف مع ما يتطلبه هذا من تجاوب وتفاعل مرن؟!
هل هي مستعدة لغض الطرف عن تعليقات وأقاويل الناس من الأقارب والأصدقاء والجيران الذين سيعتبرون الموضوع فرصة للقيل والقال؟! وهي ظاهرة موجودة، وإن كانت تدعو للعجب إذا كانت أختك مستعدة لهذا، فعلى بركة الله، ولا يوجد طبعاً أي حرج شرعي في الارتباط بشاب أسلم، وحسن إسلامه، كما تقولين، بل ستكون هي خير عون له على استكمال جوانب التزامه بدينه، وستكون سبيلاً لاقترابه أكثر من الإسلام كثقافة، والعربية كلغة للقرآن، وسيكون زواجاً موفقاً بإذن الله بين متحابين، ولاحظي أختي الفاضلة وانقلي هذه الملاحظة إلى الوالدين الكريمين أن أختك لم تعد الفتاة الصغيرة – في مطلع العشرينيات من عمرها – بحيث يبقي أمامها مجال الاختيار والمفاضلة بين الرجال واسعاً، بل هي تعتبر بمقاييس مجتمعكم متقدمة في السن، وفرصها بالتالي أقل.
وأعتقد أنها في هذه السن تكون من النضج والحكمة بمكان؛ بحيث تختار لنفسها بعقل وعاطفة متوازنة متبصرة، وتمنياتنا لها بالسعادة على كل حال.