حوار الأديان في سوق الخضراوات.. ومضة أمل
المشاركة الأولى بعد الترجمة:
د.أحمد عبد الله، السلام عليكم ورحمة الله..
لقد قرأت إجابتك حوار الأديان في سوق الخضراوات.. ومضة أمل وكذا مقالك حوار الأديان.. أسئلة مشروعة وإجابات صعبة، وهذا جعلني أشعر بالاستياء حول الحالة في العالم العربي والإسلامي؛ وذلك لأن مفهوم الحوار يبدو غائبًا عن الكثير من لقاءاتنا وتجمعاتنا حتى على الإنترنت!!
وما يعنيني هنا ليس فقط ما يتعلق بتنوعنا داخل إطار الإسلام، ولكن أيضا الاختلاف بين الأقطار. نحن نعاني من عدم قدرتنا، أو بالأحرى عدم رغبتنا في الاستماع للطرف الآخر، ناهيك عن فهمه!! والأمثلة العلمية كثيرة كما في برنامج "الاتجاه المعاكس" أو غيره، أو المنتديات على الإنترنت... حاجتنا ماسة إلى دوائر تجمعنا كشباب عربي ومسلم؛ بحيث نتلاقى حول نقاط الاتفاق، ونناقش مسائل الاختلاف.
لقد قرأت في هذا المقال عن المنظمات التي تهتم بالحوار بين الشباب، ورفع قدراتهم المهارية والتنظيمية والإدارية، وتعطيهم الفرص لذلك وأكثر، ونحن أولى بهذا منهم؛ لأن الشباب أغلبية ساحقة بين عدد السكان في أوطاننا، ونحن نقلل من أهميتهم، بل نبالغ في تهميشهم!! لقد تحدثت يا دكتور أحمد عن الحوار مع أهل الأديان الأخرى، وأرجو أن تتحدث عن الحوار الداخلي بين الطوائف والمذاهب الإسلامية المختلفة، وبين أبناء الأقطار المختلفة، ودور الشباب في هذا كله.
المشاركة الثانية:
الأستاذ/ د. أحمد عبد الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
دفعني إلى الكتابة إليكم ما ذكرتموه من حاجة الكاتب إلى معرفة صدى كتاباته، وكذلك دفعني إلى التواصل معكم أسلوبكم في التحاور مع المتصفح؛ فقد أحسست أنك تحدثني وتسألني وتبدي رأيك بثقة.
يجب أن أعترف أيضا أنني مهتمة بحوار الأديان، ومعنية به بقدر ما يؤثر هذا الأمر في حياتنا وفي تنشئة أبنائنا في المدارس والمجتمعات التي يبدو أنها تتقولب بأسرع مما نستطيع أن نفهم أو أن نساير. لا مفر من حوار الأديان، إنه أمر مفروض وأمر مفروغ منه، وقد اتخذت التدابير لتخرج النتائج كما يجب وكما ينبغي!!
وأنتم تقولون: لا مؤامرة!! ولا صِدَام بين الحضارات.. فعلام اجتمع مؤتمر دافوس؟ وعلام كانت أجندة بومباي ضد موجة العولمة وآثارها الهائلة على العالم الثالث؟
10/4/2023
رد المستشار
أختي الكريمة.. أخي الكريم..
أدعو الله أن نكون في صفحتنا هذه -ومن خلال كل ما نكتب هنا وهناك- ضوءًا في ظلام المرحلة، وصوتا أقل وسط الضجيج والضوضاء التي نعيشها.
ماذا يمكن أن أضيف جديدًا على ما سبق أن قلته حول "حور الأديان" في مقالتي، وفي إجابتي: "حوار الأديان في سوق الخضراوات.. ومضة أمل"، وفي حواراتي السابقة على الموقع، ولقاءاتي مع الناس؟!
أنا عائد بعد أيام قضيتها في "لندن"؛ حيث شاركت في ندوة أعتقد بأهميتها، وكانت مخصصة لمناقشة الكتاب السنوي الذي صدرت منه عدة أعداد حول "المجتمع المدني العالمي"، وهو التقرير الذي أرى أنه من أكثر ما يكتب عن هذا الموضوع رصانة وعمقًا.
نعم.. نحن محتاجون لتغيير ثقافي عميق يعيد إلينا ما فقدناه من خصائص الشخصية المسلمة التي حولت مسار التاريخ، وقادت البشرية لقرون، وما فقدناه من هذه الخصائص كثير، وتحتاج استعادته إلى جهد كبير.. نحن نفتقد غالبًا لفن الإصغاء، ومهارات التفكير، والإقناع، وأساليب الدعاية وكسب الأنصار، بل نحن ممتازون في كسب العداوات والأعداء، ونظن أن الحق الذي ننتمي إليه -ولو بالاسم- يمكن أن ينطق من تلقاء نفسه.
ونحن لا نتحرى الحق بدقة قبل أن نبني المواقف، أو نخوض المعارك التي تسيل فيها الدماء، وأعطي هنا مثالا بسيطا حول الموقف من الشيعة، وقد كتبت في هذا الموضوع كثيرًا، مطالبًا بعدم التعميم أو الخلط بين شيعي معتدل عاقل، وآخر متخلف أو مجنون، وقلت إن التخلف أو التطرف أو الجنون يحدث للناس جميعًا شيعة وسنة، مسلمين وغير مسلمين، والتعميم والخلط منهاج لا يليق بمسلم؛ فكيف بمن يزعم الالتزام؟!!
وكنت أعتقد أن هذه بديهيات أعيد التذكير بها، ودعوت الأخ الذي أرسل يطلب الرأي في زواجه من فتاة سنية، دعوته -وقد قال إنه من أنصار التقريب- أن ينخلع من دواعي الفُرقة، ويعلن أنه لا يتمسك بمذهب دون مذهب، ما دام أنه أصلا يرى أنها كلها مذاهب معتبرة ومحترمة في اعتقاده.. فماذا كانت النتيجة؟!
لم يقرأ أحد ما كتبته بدقة، وذهبوا يردون علي ما في رءوسهم، ويستدعون من التاريخ، ومن الكتب المسمومة المنتشرة للأسف، وفيها السباب والسخائم ما يتعفف عن قراءته أو تكرراه كل آدمي يحترم إنسانيته، فضلا عن أن يكون منتسبًا لدين يدعو إلى مكارم الأخلاق.
والمطلوب في منهاج هؤلاء الإخوان بالتالي أن نؤاخذ كل شيعي بما كتبه فلان أو علان في القرن كذا أو كذا، أو كأنه مطلوب من كل شيعي عاقل أن يقسم لنا في كل لحظة أنه يعبد الله الذي نعبد، ويقتدي بالنبي الذي به نؤمن، ولا يتعبد إلا بقراءة نفس المصحف الذي نقرأ فيه!!
وحتى لو فعل هذا فسنقول له:
هيهات أن نصدقك.. أنت كاذب، وكلامك هذا تقية!!
هل هذه أمة تستحق النصر؟! وهل كلامي هذا يعني التسامح مع أي هرطقة أو كفر أو تخلف من أي مصدر كان؟! وهل نحن فعلاً نتكلم نفس اللغة العربية ونفهمها، أم أن هذه أيضا صارت موضع شك ونقاش؟!!
ونفس الكلام يمكن أن يقال على الاختلاف بين الأقطار، وبدلاً من أن نغض الطرف؛ لأننا في الهزيمة سواء، وكلنا في الهم شرْق، كما في القول المشهور، بدلا من أن نصدق مع أنفسنا ومع ربنا، ونبحث عن مخارج من التيه الذي نتخبط فيه، نجد من يتفاخر بأنه من هذا القُطر أو ذاك، ويشتم إخوانه؛ لأنهم من هذا القُطر أو ذاك، رغم أن بلاد العرب كلها محتلة وتابعة وتعاني، ولا محل هنا للفخر بانتماء إلى دولة محتلة سواءً كان حجمها كذا أو تاريخها كذا، أو كانت بلا تاريخ، وحجمها على الخريطة أصغر من عورة نملة.. كما قال الشاعر أحمد مطر.
الكثير منا يصابون بجنون العظمة، وهي محض ضلالات وهلاوس يتخيلونها ولا أساس لها من الصحة، ولو أنصفوا لأحنوا رءوسهم، وغضوا طرفهم؛ لأنهم ينتمون إلى الأرض المحتلة، ولا يحق أن يرفع رأسه إلا من يقاوم، وهو لهذا فقط من حقه أن يرفع رأسه لأنه يقاوم، ولكن أرضه ستظل محتلة حتى يتحرر هو ونتحرر جميعًا من العقد النفسية التي نغطي بها عجزنا وفشلنا وهزيمتنا.
الذين يتشاتمون على الفضائيات وفي منتديات الإنترنت مثلهم كمثل المصابين بالعنة لا يستطيعون نكاحًا فيحاولون التغطية على ذلك برفع الصوت، واستعراض العضلات، والعضلات هنا ليست سوى أحبالهم الصوتية، وذخيرتهم من قاموس الشتائم وسوء الأدب، وصدق في شأنهم من قال: إن العرب ظاهرة صوتية!!
ولكنني يا أخي الكريم لا أحب التعميم، ولا أراه صحيحًا أو دقيقًا؛ فمن العرب من يستحق أن نفخر به، ولكن صوت الطبل الأجوف يكون أعلى.. معلنًا عن فراغه وخوائه، وطريقنا أن نبحث عن هؤلاء الأفاضل لننتظم معهم في شبكة عقلاء تتشابك هنا وهناك؛ لعل العملة الجيدة تطرد يومًا العملة الرديئة.
ونحن يا أختي الكريمة لسنا مجرد مفعول به، والقوم يقررون لنا في دافوس أو يقولون لنا كن فنكون!! فنحن إن شئنا تكون لنا إرادتنا وخططنا، والقوم يخططون في سرية حينًا، وفي وضح النهار غالبًا، والتخطيط يكون معلنًا، أما المؤامرة فهي شيء يوحي بالسرية والجهنمية، وصعوبة الكشف والدحض، والأمر ليس كذلك، وهم ضعفاء والله متهافتون، وليسوا بالقوة التي يحاولون الظهور بها، ولكننا أضعف منهم؛ لأننا نغفل عن مصادر قوتنا، ولا نستطيع أن ندرك أساليب حشد إمكاناتنا أو تجميع صفوفنا، والحوار بيننا هام ومصيري.
ولا أهتم كثيرًا بألفاظ من قبيل إثبات أو نفي وجود ما يسمى بصراع الحضارات، الذي أعرفه وأراه ويراه كل حي أننا محاطون بالأعداء من الخارج، ومنكسرون بأسباب ضعفنا من الداخل، ولكن ما زالت عندنا أسباب قوة ونهضة، ونحن في تخبطنا وغرقنا نحاول مثلا التعلق بالدين كما قد يتعلق الغريق بأي أمل. ولذلك فإن علاقتنا بالدين تحتاج إلى تطوير وتعميق، وعلاقتنا بالعالم تحتاج إلى فهم وتعميق وتطوير، ولنا في الدنيا أنصار كثيرون بعضهم جاهز وبعضهم محتمل، ونحتاج إلى مد الجسور في الداخل مع إخواننا الأصحاء العقلاء، وأيضًا مع المرضى بداء رفع الصوت وخوض حروب الكلام واللغو الفارغ، ونحتاج أيضا إلى مد الجسور مع الخارج، مع المسلمين هناك؛ لأن وجودهم ما زال في الغرب هشًّا ومتهافتًا، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، ونحن نحتاجهم وهم يحتاجوننا ليستقوي بعضنا ببعض.
ونحتاج أيضا إلى التواصل مع مناهضي الظلم وسلبيات العولمة لنقف ضد أعداء الإنسانية من المجانين والجزارين.
هذه بعض الملاحظات على ما تفضلتما به، وأرجو استمرار التواصل بيننا .