السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
من هنا أبدأ.. تخرجت في الجامعة.. جامعة الرذيلة والفحشاء والفتيات الجميلات. فمشكلتي كانت وما زالت في النساء. فأنا أعشق النساء وأهواهن حالي كحال الشباب.. وفي الوقت ذاته غير قادر على الصبر؛ فإما الزواج، وإما الانحلال الخلقي، ثبتني الله.. ولكن لا أستطيع الزواج لأسباب؛ منها أنني أتطلع لإكمال دراساتي العليا.. فأنا أعيش في وضع نفسي تعيس؛ فأنا غير مقتنع وغير مرتاح بمهنتي كمدرس.. مع ذلك فالأوضاع المادية لا تسمح بمتابعة دراساتي العليا (الماجستير). فإن استطعت أن أتزوج أصلا ضاعت فرص الدراسة لالتزامات الزواج كما تعلم.. معظم مرتبي الشهري يذهب لمصاريف البيت؛ فأنا مكلف بمساعدة الأهل.
والمشكلة العظمى تكمن في تكاليف الزواج التي إن فكرت بها أصابتني هموم الدنيا؛ فأتيقن أني سأبقى عزبا مدى الحياة. فلو وفرت كل راتبي لاحتجت على الأقل سنتين لذلك.. والناس هنا لا ترحم.. فأبو الفتاة يحمل شعار "فاظفر بذي المال والجاه تربت يداك ويداها".. أصبح الشاب المتدين خارج اللعبة تماما؛ لأن الأب بدون المال لن يضمن مستقبل ابنته وسعادتها.
أرجوكم أحتاج إلى استقرار نفسي وعاطفي.. أحتاج إلى إشباع رغبتي في الحلال، إني أغرق.. يوما بعد يوم يزداد الأمر سوءا.. أنا شاب وسيم.. فقد تعرضت في الجامعة إلى كثير من النظرات الجريئة من الفتيات؛ فبفضله تعالى اجتزت الكثير منها.. ولكن الغريزة الجنسية إذا ما عدمت طريقا حلالا فمن السهل الوقوع في الحرام حتى مع العودة إلى الله.. لا بد من الزواج.
سؤالي هو: كيف السبيل إلى ذلك؟.. الرجاء الإجابة بموضوعية وإعطاء حلول واقعية مفيدة، شاكرا جهودكم العملاقة..
حفظكم الله.. وثبت خطاكم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
16/4/2023
رد المستشار
الأخ الكريم، مشكلتك تجسد واقعا بائسا لا مفر لنا من العمل على تغييره بكل السبل والوسائل الممكنة، هذا الواقع يعاني منه الكثيرون في مختلف أقطار الوطن العربي، ورغم مرارة هذا الواقع الأليم فإنني لا أجد في نفسي أي تقبل للهجة المتشائمة التي تتحدث بها ويتحدث بها الكثيرون من شبابنا؛ لأنني لاحظت من خبرة السنوات السابقة أن من يستسلم لهذه النغمة الحزينة المتشائمة ويظل يعزف عليها فلا ييسر الله له أموره. وعلى العكس من ذلك وجدت توفيق الله حليفا لمن يسعى بدأب لتغيير واقعه حتى وإن غابت أي بارقة أمل في البدايات، والله سبحانه وتعالى يقول "أنا عند ظن عبدي بي"، فكيف تصل ويصل غيرك إلى هذه الدرجة من التشاؤم، وفي الحديث: "ومن يستعفف يعفه الله"، ونص الحديث واضح وصريح: من يسعَ للعفاف بدأب فحق على الله أن ينعم عليه بما يريد وأن يقر عينيه به.
والتساؤل المطروح هو: كيف نسعى للعفاف؟ أعتقد أنه لن يكون أمام الفرد منا إلا سبيلان: إما سبيل العفاف الفردي أو سبيل العفاف الجماعي، ولكل طالب للعفاف أن يختار بين أن يجمع بين السبيلين أو أن يكتفي بالسبيل الفردي، مع الأخذ في الاعتبار أن السبيل الجماعي وإن كان ظهوره أبعد إلا أن تأثيره أعم وأشمل وأعمق وأجدى.
وسأبدأ معك في سبيل العفاف الفردي، وعناصره تتمثل فيما يلي:
1- الحرص على العفة وغض البصر والسلوك القويم.
2- السعي الدءوب من أجل امتلاك القدر الممكن أو المتاح من الماديات، وأنت تقول: معظم مرتبي الشهري يذهب لمساعدة الأهل، ويقيني أن هذا المال لا يعتبر مالا ضائعا، وأن الله سبحانه سيبارك لك فيما تبقى من راتبك إذا أحسنت إدارته والادخار منه، وحددت أهدافا بعينها تعتبر هي الأساسيات لبدء مشروع الارتباط، على أن تسعى أيضا للبحث عن عمل يدر دخلا إضافيا ولو كان عملا من المنزل.
3- البحث عن الفتاة التي ترضى هى وأهلها بالارتباط بمن كانت ظروفه مثل ظروفك، وأعتقد أن هناك الكثيرات من هؤلاء، ولكن المشكلة أننا نحجم مع فشل أول محاولة أو بعد أول رفض، ونتصور أن كل من حولنا مثل من رفضونا، فحاول مرة ومرتين وثلاثا، ولا تيئس من وجود من يقدرون قيمة الدين والخلق والعلم. وأذكر أن أحد الشباب كان يحكي عن قصة زواجه، وكيف أنه توجس من عبارة والد عروسه: "لا تهمنا الماديات.. نحن نشتري راجل"؛ لأنه سمع هذه العبارة كثيرا، ولكنه في هذه المرة وجد الكثير من الممارسات والتيسيرات التي تؤكد أن الرجل كان صادقا، ويعني ما يقوله.
4- لا بد من الموضوعية والعقلانية عند تحديد أولويات متطلبات الزواج، مع الحرص على البعد عن الكماليات التي ترهق كاهل العريس، وأذكر أن أحد الآباء حاول أن يوجه ابنته وخطيبها لهذا الأمر، فطلب منهما أن يحددا ما يمكن أن يساهم به كل منهما، فطلب منهما أن يكتبا قائمة بالأولى والضروري ثم الأقل أهمية، مع تحديد المبالغ التي تتوافر لكل من الطرفين، على أن يتم الشراء بترتيب الأولويات الموجود في القائمة، وبالنسبة لك ولكل من هو في ظروفك يمكنك البدء في منزل صغير بالإيجار بدلا من البحث عن منزل كبير، والاكتفاء بما هو ضروري جدا ولازم من الأثاث والأجهزة، والاستغناء عن الشبْكة الغالية، والاكتفاء بهدية رمزية، وكذلك التخلي عن تكاليف حفل الزفاف الباهظة والاكتفاء باحتفال صغير.
السبيل الثاني هو العمل الجماعي من أجل السعي الدءوب لإشاعة روح تيسير سبل الزواج، وأعتقد أننا الآن في مجتمعاتنا العربية في أمسّ الحاجة لهذا الجهد الجماعي، في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة، والذي أدى بالتالي لتأخر سن الزواج وازدياد نسبة العنوسة بين الشباب والفتيات على السواء، وفي ظل تقاليد بالية تعلي من شأن الكماليات، وتعتمد التفاخر والتباهي نمطا وأسلوبا في الحياة، ولن أنسى ما حييت تعليق إحدى الباحثات الأجنبيات على حالنا بأننا نكثر في جهاز العروس من الأشياء التي لا تستعمل، وقارنت بين حالنا وحالهم؛ حيث يمكن عندهم أن يتم الزواج "على البلاط". وقد يدعي الوالدان أنهما بالمغالاة في الطلبات يضمنون مستقبل ابنتهم، ولكن التساؤل المطروح هو: هل الماديات هى التي تكفل السعادة والاستقرار للفتاة؟!! وكم من فتاة تعرضت للإيذاء الشديد، واضطرت للتنازل عن كل مستحقاتها المالية حتى تحصل على حريتها؟!
هل يمكنكم تحويل المحنة الشخصية التي يعيشها شبابنا إلى منحة تعم علينا جميعا؟ وذلك بأن تتكون مجموعات عمل -سواء إلكترونية أو على أرض الواقع- تسعى لتيسير الزواج، على أن تعمل في المجالات التالية:
1. الحث على انتشار هذه الدعوة في المساجد والنوادي ومراكز الشباب، وغير ذلك من المنتديات والتجمعات، وبمرور الوقت وتنامي الحركة يمكن أن تعقد مؤتمرات مجمعة لتبادل الآراء والخبرات.
2. تكوين رأي عام مشجع على تيسير الزواج من خلال الروايات والمقالات والإنتاج الفني المختلف، ويمكن أيضا التواصل مع الفنانين والممثلين لإنتاج أغانٍ وأعمال درامية تحث على تيسير الزواج.
3. تسجيل الخبرات الناجحة لمن اعتمدوا تيسير الزواج منهجا، وكذلك خبرات من اعتمدوا المغالاة في متطلبات الزواج نهجا وسبيلا والمقارنة بين المسلكين ونتاج كل منهما.
4. تشجيع ودعوة رجال الأعمال والأثرياء والقادرين على توجيه جزء من مالهم -كل حسب طاقته وقدراته- لمعاونة طالبي العفاف؛ فكم من أموال تضيع فيما لا يفيد من حفلات باهظة التكاليف ومظاهر فارغة ما أنزل الله بها من سلطان، على أن يكون ما يقدم للشباب على سبيل القرض الحسن الذي يرده الشاب عندما تتيسر الأحوال، ولا يكون رد الأموال لصاحب الأموال، ولكن لشاب آخر يبتغي العفاف، وهكذا تتكون سلسة متصلة الحلقات من تيسير الزواج والمعاونة عليه.
5. الدعوة للتوقف عن الصورة المستفزة في الأعمال الدرامية التي تظهر الجميع وكأنهم يعيشون في قصور براقة؛ لأن هذا ينمي عندنا النزعة الاستهلاكية، وحب المظاهر والتفاخر، وبالتالي يجعل بدايات الزواج في منتهى الصعوبة.
6. هناك الكثير من مجالات الفعل التي يمكن أن يبدع فيها من يريد أن يتحرك في هذه المساحة، ومنها ما ذكر في "الزواج للجميع .. انتفاضة اجتماعية : الجمهور مبدعًا"، و"الزواج للجميع: البيضة والدجاجة.. الاستشهاد الحي"، مع مزيد من الابتكار والمزيد من تبادل الخبرات.
الأخ الكريم، ما أردت أن أقوله أنه يجب ألا تستسلم أنت ومن هم في مثل ظروفك لليأس، وأن تتعاونوا سويا على إشعال شمعة بدلا من الاكتفاء بلعن الظلام، على أن تتيقن أن الله سبحانه لن يضيع جهدك، وسوف يرزقك بمن ترتضيك زوجا لها وتسعد بك وتسعدك، وأتمنى أن أسمع منك قريبا أخبارا سارة. فتابعنا بالتطورات.
ويضيف د. أحمد عبد الله:
أريد فقط أن أؤكد أن الأجيال الجديدة من شبابنا تبدو أكثر تمردا على الأوضاع الظالمة القائمة، ومنها أزمة الزواج التي تصنعها أطراف عدة، ثم تذهب تشتكي من الفساد والتحلل والعري... إلخ.
وتمرد الأجيال الجديدة قد ظهر بالفعل بأكثر من شكل، منها اتساع نطاق من العلاقات العاطفية بعيدا عن أعين الأهل أو اعتراف المجتمع الذي يرفض هذا النمط من العلاقات، ويعجز عن إبداع الحل البديل، ومن أشكال التمرد ظاهرة الزواج العرفي بين الطرفين في عمر الزهور، وهناك حالات مسجلة لزواجات عرفية أقل من 15 عاما!!
ولا أجد كثيرا أقوله بعد د. سحر غير التنبيه بأن البكاء والتباكي على الأحوال ليس من شيمة الأحرار، وفي فريق الحلول نفسه نماذج متعددة لزيجات قامت على الدين وعلى أقل التكاليف، ولا أذيع سرا إذا قلت: إن منها زيجة كاتبة سطور الرد عليك، وأقول هذا حتى لا نكون ممن يقولون ما لا يفعلون. وأجدها مناسبة للتذكير بفكرة "الزواج المبكر" -مع تحفظي على المصطلح- التي أطلقها أخونا، ودافع عنها دفاعا مجيدا رائعا، ثم غاب فجأة خشية أن يظهر، أو لعل له أسبابا أخرى منعته "رد الله غيبته".
ما زلت مهموما وأنا أرى جهودنا تتبدد في معارك بسيطة، وأفهامنا للدين والعمل في سبيله تقتصر على القشور، وأوقاتنا تضيع في مقاومة الآثار النهائية لأحوال نعيشها، والأولى أن نتعاون لخلعها من الجذور، وهذا ممكن كما في حياة كل الأمم، ولكنه يحتاج إلى عزم ووقت واستمرار... فهل نعلن الجهاد المدني لتغيير ما بأنفسنا ومجتمعاتنا؟! أم نجلس نتباكى ونشكو كيد الشيطان، ناسين أو متناسين "إن كيد الشيطان كان ضعيفا".
ويتبع >>>>>>: العفة المستحيلة: أمتنا في عام.. نقد ودفاع مشاركة