مشكلتي هي العصبية فعندما كان عمري 12 سنة لم أجد من والدي الحنان والأبوة: لا يتبادل معي الكلام، ولا يسأل عني إلا عند حدوث مشكلة، ولم يكن يضحك معي، وكان يفضل بعض إخواني علي، ولم أستطع أن أثبت شخصيتي، وكان عصبيًا،
وعندما وصل عمري 23 سنة أحسست أنني معقد وأخاف من الوقوع في الأخطاء،
وعندما وصل عمري 25 سنة وجدتني أغضب من أتفه الأسباب، ولا تعجبني بعض التصرفات في البيت وخارج البيت، وأغضب من بعض التصرفات الهمجية وبعض الألفاظ وعدم الاهتمام بالنظافة وأهتم بالمواعيد بدقة، وعندما أهتم بأمر تجدني مشغول الفكر والقلب وكثيراً عندما أغضب أكتمه في قلبي عندما لا أستطيع فعل شيء،
ومما يضايقني أنني كثير الإحساس
ولا أجد من يفهمني.
19/10/2023
رد المستشار
شكراً لك يا أخي على بوحك لنا ببعض خصوصياتك رغم أنني قرأت خطابك بصعوبة، وأنتهز الفرصة لتنبيه الأخوة والأخوات الذين يراجعوننا، أن يراجعوا أسئلتهم قبل إرسالها لأنها تصلنا مليئة بالأخطاء الإملائية وتبدو أيضاً كما لو كانت هناك بعض الألفاظ قد اختفت فيكون علينا عبء قراءة مشكلة مكتوبة بلغة تشبه "العربية" ... فالرجاء وكما طلبنا أن تكتبوا دائماً أكبر قدر من المعلومات الصحيحة عن المشكلة، أطلب منكم أن تكتبوها بلغة سليمة... "إملائياً على الأقل" أرجوكم.
نعود لمشكلتك... وأقول لك صحيح أن طفولة كل منا لها تأثير كبير على تكوينه النفسي، وشخصيته إلا أن الاستسلام الكامل لهذه المرحلة وحدها، ومعطياتها السلبية ـ أو حتى الإيجابية ـ ليس اختياراً سوياً، ويتعارض مع مبدأ المسؤولية الفردية لكل إنسان عن أفعاله، وهو مبدأ أصيل في الإسلام كما تعرف.
صحيح أن المولود يولد على الفطرة.. وأبواه يهودانه أو ينصرانه... إلخ الحديث.
لكن هذا لا يعفيه من مراجعة هذا عندما يبلغ سن التكليف والمسؤولية، ومن ثم إجراء التغييرات التي يراها مناسبة ولازمة على شخصيته ومسلكه، ومن أخطار الاستسلام لسلبيات الماضي ـ دون النقد الإيجابي له، والتعلم من دروسه، والنضج بناء على ذلك ـ أننا نرى الكثيرين وقد توقف نموهم ونضجهم النفسي عند مرحلة معينة، ومن معالم الصحة النفسية مواصلة النضج والتغيير تجاوباً مع ازدياد رصيد التجارب والخبرات، واختلاف الاهتمامات والملكات التي تحدث للإنسان في مسيرة حياته.
وأرى أنك يا أخي مازالت متردداً في اجتياز مراحل النمو النفسي، وتحتاج إلى مراجعة نقدية إيجابية تعرف بموجبها مجموعة من الحقائق أذكر منها:
أولاً: شدة الأباء في التعامل وجفاؤهم تكون غالباً انعكاساً لحرمان عاطفي تربوا عليه وهم صغار؛ فكانوا مجرد صدى لصوت الماضي؛ لأنهم لم يحاولوا تغيير أنفسهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تكون شدة الحرص هذه تعبيراً خاطئاً عن الحرص الزائد على المصلحة، ويتضح هذا جلياً أمام عيون الابن الناقم والده لشدته ـ عندما يصبح أباً فيجد فيه شدة ـ منبعها الحرص ـ على أبنائه يستغربها، ويصعب عليه مغالبة النفس فيها.
ثانياً: أن الأسرة ـ وإن كانت المحضن الأول والأهم ـ ليست هي كل العالم، فإذا كانت أكثر تأثيراً ـ بسلبياتها وإيجابياتها ـ في مرحلة الطفولة فإنها ليست كذلك في مرحلة البلوغ والمراهقة والشباب، وتساهم الدوائر الأخرى التي يتحرك فيها المراهق والشاب في تكوين شخصيته، ومنحه الشعور بالتحقق، ومساعدته في إنضاج نفسه بأكثر مما تساعده الأسرة أحياناً فأين تأثير هذا البعد ـ الغائب عندك ـ في تكوينك؟!
ثالثاً: من علامات النضج المرونة فهي من الحكمة، أما التشديد فيستطيعه كل تافه فارغ، ولا أحد يختلف معك على أهمية احترام المواعيد، أو النظافة، أو سلبية الألفاظ السوقية، والتصرفات الهمجية، لكن رد الفعل على هذه الأشياء، والتعامل مع الأمور بأوزان نسبية مناسبة ـ غضباً أو نقداً أو انشغال بال ـ علامة من علامات المسؤولية؛ لأن وضع التوافه والعظائم على قدم المساواة في الاهتمام يعني عدم النهوض بالأعباء كما ينبغي؛ لأن طاقة الإنسان تظل محدودة، ولا يمكن أن تستوعب "كل" هذا الغضب تجاه "كل" السلبيات بـ "كل" هذه الشدة.
رابعًا: إن "الغضب السلبي" يملأ النفس بالحسرة، ويشعل فيها معارك طاحنة وخاسرة باستمرار مما يخلق معه شعورًا بالمرارة والرثاء للنفس، كما يخلق إحساساً بالبطولة الزائفة يكون من شأنه حجب الكثير من الحقائق عن الإدراك، ومن آثار "الغضب السلبي" هذه الحساسية الزائدة التي تشكو أن أحداً لا يفهمها.
خامساً: أنت طبيب نفسك تدري تاريخك، وتعرف عيوبك، وتملك إرادتك، فقط تحتاج إلى توجيه طاقتك إلى النواحي الإيجابية بدءاً من نقد ذاتك في الماضي والحاضر، ومروراً برؤية حقائق الحياة، وتجاوز الندوب والعثرات، والتعلم من التجارب والخبرات، ومواصلة النضج الذي من علاماته استكشاف متعة الفوضى، و"أحياناً"، الترويح عن القلوب؛ لأنها إذا كلت عميت، وعندها لا نرى شيئاً ـ على وجهه السليم ـ بداخلنا أو في العالم.. وشكراً.