السلام عليكم ورحمة الله
بداية أود أن أقدم نبذة عني: أنا امرأة متزوجة وعاملة في نفس الوقت، أخرج من المنزل من الصباح حتى الثانية والنصف ظهراً يوميًّا، ولي طفل عمره سنتان؛ ولهذا فأنا أضطر أن آخذه كل يوم صباحاً إلى منزل والدتي، وفي اليوم التالي إلى منزل والد زوجي، وهكذا دواليك حتى نهاية الأسبوع، في بداية الأمر كنت أظن أن هذا سيؤثر على طفلي سلبيًّا، ولكنه –والحمد الله- على درجة عالية من الذكاء لا تستطيعون تصورها، وهو لمّاح، ونطقه سليم مائة في المائة، ولكني أعاني من عِناده المتكرر، فمثلاً أقول له: لا تفعل كذا وكذا، ولكنه عندًا يفعله، هذه نقطة، ونقطة أخرى تقلق والده ألا وهي أن طفلي أحياناً لا يرغب في أن يقبّله والده أو حتى يضع يده عليه، أو حتى يمزح معه –مجرد مزاح-، وحتى كأس الماء لا يقبل أن يشربه من يده، ويطلبني أنا أن أفعل له هذا، بالرغم من أن أباه حنون عليه جدًّا جدًّا، وأحياناً فقط يقسو عليه؛ إذا دعت الحاجة.
ملاحظة: طفلي يحب خاله حبًّا كبيرًا جدًّا، ويحب عمه أيضًا كثيرًا، لأنهما يلاعبانه كما لو كانا طفلين مثله، هذا بالإضافة إلى أن طفلي إلى الآن لم تنضبط عنده "عملية التبول" مائة في المائة، فهو أحيانا ينسى أو يتناسى لا أعرف، فهل كل مشاكلي ومشاكل زوجي مع طفلي سببها غيابي عنه مدة 6 ساعات يوميًّا، أم ماذا؟
أتمنى أن تردوا على أسئلتي في أسرع وقت ممكن،
ولكم جزيل الشكر
13/12/2023
رد المستشار
لماذا يحب هذا الطفل ذو العامين خاله وعمه، ويرفض التعامل مع أبيه.. نعم، إن أباه حنون جدًّا على حد وصفك في رسالتك، ولكنه يبدو أنه لا يجيد التعبير عن هذا الحنان، وهو ما يقع فيه كثير من الآباء، حيث تمتلئ قلوبهم بحب أبنائهم، ولكنهم لا يجيدون التعبير عن هذا الحب، في حين نجح الخال والعم في ذلك حيث يلعبان مع هذا الطفل، وينزلان إلى مستواه، ولا يكتفي الأب بعدم قدرته على التعبير عن حبه، ولكنه يقسو أحياناً على هذا الطفل، كما ذكرت في رسالتك عندما تدعو الحاجة، ونحن نرى أنه لا حاجة تبرر القسوة بأي حال؛ لأن القسوة تعني تجاوز الحد في التوجيه.
وإذا أضفنا إلى ذلك افتقاد الطفل لأمه؛ نتيجة لتركها المبكر له مما ولّد عنده شعورًا بعدم الأمان بحيث أدى ذلك إلى ارتباط شديد بك عند حضورك أمامه بحيث يرفض أن يقوم أي شخص بتأدية أي عمل له، ببساطة سبب سلوك ابنك تجاه أبيه وتجاهك هو عدم قدرة أبيه على التعبير عن حبه، وافتقاده لأمه، وبالنسبة لما تسميه عناداً فهو أمر طبيعي في هذا السن، حيث إن الطفل يريد برفضه للأوامر أن يعلن أنه موجود، وأنه شخصية مستقلة، فطالما تحكمتُ في التبول، وطالما أستطيع المشي، وبدأت أعبر عن نفسي بالكلام؛ فأنا يحق لي أن أقبل وأرفض وأختار.. وهذه نقطة مهمة يجب أن يفهمها الآباء والأمهات، بمعنى أن للطفل في هذا السن ذاتًا يحب أن يعبر عنها، ويحب أن تُحترم وتقدر بمعنى أن الآباء يجب أن يكفوا عن التدخل والتوجيه المستمر لأطفالهم؛ لأن هذا يشعر الأطفال بالتوتر، ويشعرهم بالعجز، فيجب أن يتعلم الآباء أن التدخل لا يكون إلا في حالة الخطر، أو القاعدة التربوية المطلوب مراعاتها، والمقصود بالخطر.. الخطر الحقيقي الذي يمكن أن يؤذي الطفل أو يوقع الضرر عليه، وليس الخطر المتوهم.. والقاعدة التربوية هي أمر متفق عليه مع الطفل مسبقاً يعرف حدود الخطأ والصواب فيه، والحافز والعقوبة التي تخصه، وليس أمرًا مفاجئًا للطفل، أما التدخل المستمر في حياة الطفل، وحركاته وسكناته وعناده.. فأمر يؤدي إلى توتر الطفل وعناده ... ولنتخيل نحن الكبار زوجة أو زوجًا وقد تدخل أحدهما في حياة الآخر بالصورة التي نتدخل بها في حياة أطفالنا.. إن الزوجة التي يتدخل الزوج في كل تفاصيل حياتها لا بد وأنها سترفض ذلك حتى من باب العناد.
أما بالنسبة للتحكم في التبول.. فإننا لا نتوقع من طفل العامين أن يتحكم بنسبة مائة في المائة، وسيظل يفلت منه، المسألة ليست تناسيًا، ولكنها انشغال باللعب، هل أجبنا على سؤالك؟ أما زلت تحتاجين إلى إجابة مباشرة.. نقول: نعم، إن غياب الأم المبكر عن رعاية طفلها والاهتمام به –حتى ولو لمدة 6 ساعات- يؤدي إلى كثير من المشاكل بالنسبة للطفل.. إن الأم في السنوات الست الأولى من حياة الطفل عنصر هام في شعوره بالأمن، والثقة بنفسه، والثقة فيمن حوله.
إن أطفالنا أمانة في أعناقنا يحتاجون إلى رعاية حقيقية منا لا تستطيعها إلا الأم.. إن دراسات علم النفس أثبتت أن الطفل الذي تغيب أمه عنه أكثر عرضة للتوتر النفسي، والحركات غير الإرادية وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين.
إن التربية عملية طويلة صعبة مستمرة تحتاج إلى تضافر الجهود وتنسيقها بين الأم والأب.. أعانكم الله وشكراً لسؤالكم واهتمامكم.
ومن زاوية أخرى تضيف الأستاذة سمر عبده:
مشكلتك يقع فيها الكثيرون من الآباء والأمهات بصور مختلفة سببها واحد وهو الاعتقاد السائد "بخرافة المخ الصغير للأبناء" فيتعامل الآباء مع أبنائهم الصغار على أنهم لا يستوعبون أمورًا كثيرة، وأن تربيتهم ورعايتهم سهلة، في حين أن الطفل الصغير يتمتع بذكاء فطري قوي يجعله يتحايل أحياناً على الوالدين - في أمور تبدو بسيطة - لينال ما يريد.
فبالنسبة لأبنك ستجدين:
1- أولاً: بالنسبة لعناده: يكون للأسباب التالية:
- اشتراك عدد كبير في تربيته مع اختلاف أساليبهم في التربية، فما تمنعيه أنت يسمح به غيرك "جدة، جد، عم، خال...".
- عدم الحسم، فعندما تقولين: لا على أمر، ويبدأ هو في البكاء والصراخ فلا تجدين حيلة إلا الاستسلام لطلبه، وبهذا التصرف تغرسين فيه خصلة العناد.
- التدليل الزائد من جانبك، ربما لرغبتك في تعويضه عن ساعات غيابك.
- إلى جانب أن سن 2 : 4 قد يزداد فيه عناد الطفل مع والديه، فهو سلوك متوقع ويتطلب حسن تصرف.
وعلاج هذه المشكلة يكمن فيما يلي:
1- أن تقللي عدد المشاركين معك في تربية ابنك، أو على الأقل تتفقي معهم على أسلوب واحد متبع.
2- الاعتدال في التربية بين التدليل والحزم.
3- إياك أن تقولي: لا على أمر ما ثم ترجعي فيه مهما فعل ابنك بل تصرين على موقفك؛ فالرجوع يعني أنه إذا زاد عناده فسينال ما يريده.
4- لا تجعلي ضغوط العمل والحياة تؤثر على علاقتك بابنك، أو تجعلك تتهاونين في أموره، فهو أمانة في عنقك.
أما بالنسبة لعلاقته مع أبيه: فتصرفه طبيعي، وسيتغير مع الوقت، وتعلقه بعمه وخاله -غالباً - بسبب وجودهما معه فترة أطول، وعلاج هذه المشكلة يكمن في زيادة الوقت الذي يقضيه الأب مع ابنه لتقوى علاقتهما، وفي محاولات الأب المستمرة في التعبير عن حبه للطفل.