الزواج للجميع .. انتفاضة اجتماعية: الجمهور مبدعًا مشاركات
بسم الله الرحمن الرحيم،
الإخوة الأحباب في "موقع مجانين"، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله خيرا على هذه المجهودات الجبارة التي أسأل الله أن تكون من أخلص العمل وأصوبه إن شاء الله، اسمحوا لي أن أشارك في التعليق على المشكلة التي أسميتموها: الجنس للبعض أم الزواج للجميع ؟.. خبرة ملتزم، وإن كان التعليق متأخرا فمعذرة.
بداية.. أؤكد أن قصة ذلك الأخ مست نفسي واخترقت كلماته قلبي وازددت يقينا بأن مشكلتي يقع فيها أغلب الشباب إن لم يكن جميعهم، وهذه الأقوال التي نسمعها عن انصراف نظر الشباب وبخاصة الملتزمين عن هذه المواضيع إن هي إلا وهمٌ على وهمٌ؛ فالمشكلة متغلغلة في المجتمع بشكل متزايد، ولقد قرأت اقتراحه الذي أسماه "الزواج للمراهقين"، وقرأت تعليقاتكم وتعليقات المشاركين ، والتي تم نشرها بعنوان : الزواج للجميع .. انتفاضة اجتماعية : الجمهور مبدعًا مشاركات ... فرجاء تقبل اقتراحاتي:
أولا: إن مشكلة بهذا الحجم وبهذا التأثير على عماد المجتمع ألا وهم الشباب يجب أن يتبنى حلها جهة مسؤولة تتابع الحل وتمهد الطريق وتزيل العوائق، وأنا أعتقد أن الحركة الإسلامية بما تملكه من شعبية متزايدة ومصداقية عالية لدى الجماهير هي المنوط بها حمل هذه الأمانة وهذا العبء؛ فالحركة الإسلامية (التي أعتز بانتمائي إليها) رغم جهودها المباركة في شتى الميادين، فإنها ما زالت تقف بعيدة عن كثير من المشاكل الاجتماعية التي تهم الشباب خاصة، لذا فأنا أقترح أن تنزل الجماعة إلى الميدان الاجتماعي ووضع مشكلة الزواج في بند أولوياتها، وأعتقد أن الحركة لو قدمت من شبابها نماذج يُقتدى بها في مسألة الزواج المبكر لسار المجتمع على نفس الدرب وبدأت المشكلة في الزوال.
ثانيا: لاحظت في مشكلة الأخ ومشاركات الجمهور التركيز على الناحية الجنسية من الزواج، وكأن هذا الميثاق الغليظ ما هو إلا علاقة فراش آخر الليل وكفى! إن الزواج هو علاقة بين قلبين قبل أن يكون علاقة بين جسدين. إن كل جنس يحتاج إلى الآخر ليرى فيه السكن والمودة والحب والراحة النفسية التي ينشدها وتأتي العفة بعد ذلك، إن حصر قضية الزواج المبكر في مسألة العفة والإشباع الغريزي يحط من قدر القضية، ويوهم المتابعين أنها نتاج رغبة جنسية عارمة لدى بعض الشباب الذي لا يعرف الصبر.
ثالثا: يجب أن ترافق الدعوة إلى الزواج المبكر دعوة لنزول الشباب المبكر إلى سوق العمل؛ فمثلا في المرحلة الإعدادية يبدأ الطالب في العمل الصيفي، ولست أدعو كل طالب لأن يكون نموذج (بلية) الميكانيكي! فسوق العمل مليء بالأعمال المختلفة، وأحسب أن هذه الخطوة مفيدة في اتجاهين: الكسب المادي، والتعامل المبكر مع الحياة، وإعطاء من يعمل خبرة واسعة مبكرة ستعينه في موضوع الزواج.
رابعا: إن كان الأخ صاحب المشكلة قد دعا إلى زواج المراهقين؛ فأنا أعتبره زواجا مبكرا جدا، وأحسب أن لدي تصورا آخر قد يفيد في هذه القضية: وهو تبني الخطبة المبكرة التي ستؤدي حتما لزواج مبكر في سن معقولة.. والسن الجامعي أعتقد أنه السن المناسب لبدء الارتباط بالخطبة، والخطبة توفر لكلا الطرفين إحساسا نفسيا بالارتباط؛ فتحصر التوجه العاطفي في شخص واحد، وتشعر كل طرف بمدى المسؤولية الملقاة عليه، ومع ظهور الحافز وهو الزواج بعد (3-4) سنين سيسلك كل طرف سبيل المسكنات الجنسية مثل العفة والتسامي وتوجيه وتفريغ الطاقات مثل الصائم المتعبد الذي ينتظر لحظة الإفطار.
خامسا: عمل حملة شاملة لتوعية الآباء بالمشاكل التي يمر بها أبناؤهم من جراء تأخير الزواج، والفوائد التي ستعود على الأبناء وبالتالي على المجتمع من التبكير في الزواج.
سادسا: عمل حملة مماثلة لتوعية آباء البنات حتى يخففوا من طلباتهم عند زواج بناتهم.
سابعا: يجب على المجتمع كله أن يدرك أنه الآن ييسر الحرام ويعوق الحلال، وما في ذلك من مخاطر الانهيار له.
ثامنا: أعتقد أنه مع بدء الوعي الاجتماعي بالمشكلة ومع تبني الحركة الإسلامية للقضية مع كثير من رجال الفكر والأقلام الحرة.. يجب أن تصدر فتاوى من رجال الدين لتوجيه جزء من أموال الزكاة للتيسير على الشباب في أمر الزواج، وأتصور أنه من الممكن في كل مدينة أن يتم حصر دقيق للشباب الراغب في العفة ولا يملك الماديات المناسبة، وذلك من خلال هيئة تطوعية من الأمناء والشرفاء، وتوجيه هذه الأموال لهم.
وختاما، فإن هذه القضية تمس جيلا بعد جيل من الشباب الذين يفترض فيهم أنهم عماد البلاد وأساس الدعوات وطلائع النصر؛ فالشباب يعيش أزمة رهيبة.. وأنا أقر أني شاب مثل كل الشباب أعيش تحت ضغط نفسي وتسحقني بين جنبيها الرغبات. أنا شاب تكويني نار الرغبة وتحرقني الشهوة ويضطرم في قلبي حب طاهر وبداخلي عواطف مشتعلة، وأسأل الله أن ينقذني من هذا الحريق النفسي الهائل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
4/1/2024
رد المستشار
أخي الكريم ، هممت أن أزيدك من الشعر بيتا بالتذكير في الجوانب الاجتماعية الأخرى التي تهملها الحركة الإسلامية، ولي كتابات سابقة مستفيضة في ذلك، أرى فيها أن الحركة ينبغي أن تراجع خريطة أولوياتها وأساليب عملها على ضوء تراكم خبراتها خلال العقود الماضية، وعلى ضوء المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، وربما إذا فعلت تجد نفسها أقرب إلى التغيير الاجتماعي، وأقدر عليه منها إلى التغيير السياسي الذي أصبحت تضع فيه أغلب طاقاتها رغم أنه سبيل مسدود في أغلب الأحيان، وشبه مسدود في أحسنها!!
ولكنني أشفقت على هؤلاء الذين تعلق عليهم الأمة الكثير من الآمال والأحلام دون أن تمنحهم الدعم الكافي، أو الحماية اللازمة، أو تدخل معهم في شراكة تحاسبهم وتتطور معهم، وتعطيهم كما تتوقع منهم، وربما يسكت الناشطون في الحركات عن هذه الوضعية المختلة ضاربين على صدورهم بعد كل طلب.. قائلين: نحن لها.. نحن لها.. والواقعية عندي أفضل من الوعود والشعارات، التي تكرس عجز الناس، وتنصلهم من المسؤولية، واستقالتهم من الفعل؛ لأن هناك دائمًا من يناط به هذا الفعل، والعمل عندهم من واجب الحركة بعد أن تخلت الدولة!!
وأنا أقول إن جزءا من أزمتنا هو أن هناك من ينهض منتدبًا نفسه بديلا عن الأمة، وكما عدنا خائبين في نهاية مطاف استبدال الأمة بالدولة، نكاد أن نعود كذلك إذا تصورنا الحركة هي "البديل" الصحيح.
هذا خطأ قاتل ينبغي أن نتوقف عنه ليعود كل شيء إلى دوره وحجمه الصحيح، وليست الحركـة -في أحسن الأحوال- سوى باعث من بواعث الروح والأمل، ومشعل من مشاعل الضوء، ومصدر من مصادر التحريك قد يتعطل، وقد يفسده البعض أو يشل عمله لفترة قد تطول أو تقصر، فلا ينبغي تعليق كل المهام، والآمال والتوقعات، ورسم الخطط والبرامج المستقبلية على ضوء نجمة في السماء قد تخبو أو تغيب، أو تحجبها سحابات وغيوم.. والأمة خير وأبقى بشهادة التاريخ والواقع.
جميل إذن أن تساهم الحركة في هذا المشروع بما تستطيع، وبما لها من رصيد مصداقية بين الناس، ولكن من أهم فروض العين وواجبات العصر الذي نعيشه أن ينفطم الناس، ويتعلموا ويتدربوا على تنظيم أنفسهم، وإدارة شئونهم، وحل مشكلاتهم، وحين يحدث هذا سنرى عجبًا، ولا بديل عن تمكين الأمة من الفعل.
ودون الاستطراد في تفاصيل، أحيلك إلى نموذج الانتفاضة في ناحية التفاعل بين الأمة والحركة، وكيف يمكن أن يتضافر الفعل العادي اليومي المبدع مع التنظيم المسبق، والهيكل المحكم فيدعم كلاهما الآخر، وهذا ما أزعج العالم، أو الأعداء تحديدًا لأنهم يستطيعون دائمًا مواجهة حركة أو حركات مهما كانت، ولكنهم لا يستطيعون مواجهة الناس.. كل الناس، وأرى أن الحملة الشارونية الأخيرة تهدف فيما تهدف إليه إلى إعادة الانفصال والتمييز بين الناس والحركات لتسهل عملية إذلال الأولى، والبطش بالثانية، والنجاح في إفشال هذا الكيد بالمزيد من التلاحم بين هذه وتلك، هو هدف مرحلي هام أرجو ألا يضيع في غمرة المواجهات الحالية.
وأعود إلى ما تتحدث عنه -وكل الأمور مترابطة- لأتفق معك فيما قلته عن تفاصيل الحملة المنشودة، ومعالم الأطروحات المطلوبة فيها، والأطراف التي يمكن أن تشارك، والبرامج المقترحة ضمنها من أمثال برنامج لتشغيل الشباب، أو توعية الأسر، وقد تكون صيغة الهيئة الشعبية لتيسير الزواج مناسبة لبعض الأقطار والأماكن، ويكون غيرها أنسب منها في أماكن وظروف أخرى.. وأفكارك مطروحة للناقش والمشاركة والتطوير من الجميع.
مسألة أخيرة وطريفة بعض الشيء: وهي قولك بأن البعض يتصور أن ذهن الملتزمين منصرف أو ينبغي أن يكون كذلك عن مثل هذه الأمور.
وكثيرًا ما قلت أنا: أليس لهم قلوب تخفق؟ ونفوس تهفو؟!
لكن الفارق يظل كما أشرت أنت أن الحياة ليست زواجًا فقط، والزواج ليس جنسًا فقط، وزدت أنا مرارًا أن الجنس ليس جسدًا فقط.. وهكذا...
وفارق آخر أحب أن أشير إليه بين من يُفترض فيهم الالتزام، والآخرين وهو أن الملتزم -بحكم تعريفه- لا بد أن يكون على درجة من الوعي، ومندرجا في الفعل الاجتماعي اليومي، والنشاط الثقافي العام، وهذا هو معنى الأثر: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، وليس الاهتمام -كما تعرف- بمجرد ذرف الدموع، وتوتر النفوس، والنحيب على كؤوس اللبن المسكوب، ولكنه وعي وجهاد مستمر لتكون كلمة الله هي العليا في كل درب من دروب الحياة.. شكرًا لك.