السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أثابكم الله خيرا عن مجهوداتكم في هذه الصفحة وسدد خطاكم نحو الخير والحق.. اللهم آمين.
أستميحكم عذرا فلدي مداخلة على مشاركة الأخ "مسلم - مصر" المعنونة "العفة المستحيلة: أمتنا في عام.. نقد ودفاع "مشاركة".
لا أدري يا أخي ماذا أقول لك سوى الدعاء الخالص لك بالخير والسداد بداية، أما بعد ذلك فلي عتاب صغير أتمنى أن تتقبله بصدر رحب. وأنا أقرأ تقريرك "أمتنا في عام" أشعرتني بأن الدنيا ظلام دامس ولا يوجد فيه أبدا شق ضئيل يدخل منه النور! وكما قال د. أحمد لقد رصدت السلبيات ولم ترصد الإيجابيات. وبالتأكيد هناك أحد سببين لهذا:
أولهما: ألا تكون فعلا هناك إيجابيات! وهذا لعمري باطل مطلق لقد قال الحبيب المصطفى فيما معناه بأن الخير في هذه الأمة لا ينقطع أبدا، والله إن هذا الحديث الشريف وحده يخرجني من أشد حالات اليأس والإحباط التي تصيبني من آن لآخر كلما تفكرت في حال أمتنا الراهن.
ثانيهما: وهو الأرجح من وجهة نظري أن عينك قد تعودت على التقاط السلبيات وتضخيمها وعدم ملاحظة الإيجابيات أو التقليل من شأنها إذا ما رأيتها. وأنا لا ألومك بشدة فهذه الحالة تصيبنا من آن لآخر، لكن الخطأ ألا نقوم نظرتنا من آن لآخر.
لقد تكرم الأخ العزيز د. أحمد بطرح الكثير من الإيجابيات المضيئة والتي تعد النصف الممتلئ من نفس الكأس الذي لم تر أنت منه إلا النصف الفارغ! ومع ذلك لي أيضا بعض المداخلات: أنا الآن في السادسة والعشرين من عمري، فلسطينية مسلمة من أسرة ملتزمة والحمد لله. عندما أفكر في مراجعة كافة مراحل حياتي ومقارنتها بالأجيال الجديدة أجد أن الكفة ترجح لهم في كثير من النواحي.
مثلا.. هل كان وعيي الديني والوطني في طفولتي بدءا من سن الثانية وحتى العاشرة، وحددت هنا سن العاشرة تحديدا لأنها بداية الانتفاضة الأولى الغالية، هل هذا الوعي هو نفسه وعي أطفال اليوم في أعمار ما بين الثانية إلى العاشرة؟ قطعا لا.. لو نظرت للجانب الديني مثلا.. كنت أرى والدي ووالدتي يصليان، لكنني لم أكن أعرف كثيرا عن الصلاة! كنت أرى أمي محجبة، ولكن كان هناك الكثيرون من أقاربنا غير محجبات! ولم يكن موضوع الحجاب يناقش أمامنا.. مثله مثل كثير من أمور الالتزام الأخرى التي إن كنت أراها مطبقة أمامي، إلا أنني لم أكن أشعر بها أو كونها مطروحة كنقاش وفهم.
ما أريد قوله بأن الالتزام في أسرتي كان موجودا منذ البداية، وكنت أراه كشيء مسلم به منذ صغري لكن لم أكن على وعي به! وهذا بالتأكيد ما يصنع من كل منا مسلما بالوراثة ليس إلا.
أحمد الله على نشأتي في أسرة ملتزمة وتعودي على حس الالتزام حتى لو كانت بدايته بهذه الطريقة.
لكن دعنا ننظر للواقع الآن.. مواضيع الحجاب والصلاة وسيرة الرسول، وذكر كلمة "الإسلام" ومخافة الله أصبحت أكثر وضوحا وانتشارا في عصرنا هذا.. على الأقل في بلدي أصبح الحجاب أمرا شبه مسلم به، وأحيانا تطلب الفتاة الصغيرة أن تتحجب حتى قبل أن تبلغ الوعي الديني حتى لغير الملتزمين أصبح أكبر.. الفتاة غير المحجبة تعلم أن الحجاب فرض وتعلم حكمه لكنها لا تقوى على تنفيذه لأسباب ما، قد تسوّف في أمر الحجاب لكنها لا تنكره.. الشباب الذين لا يصلون يعلمون حكم الصلاة وعندما تنصحهم يقولون سواء برغبة صادقة أو باستهزاء "الله يهدينا".
ما أريد قوله بأنه رغم أن شباب هذا الجيل يتعرضون لفتنة أشد ومؤثرات أقوى، فإن مقارنة الوعي الديني العام هذه الأيام بما كانت عليه مثلا قبل عشرين أو ثلاثين سنة نجد أن الكفة ترجح في مصلحة هذا الجيل.
لو نظرنا للأمة وما تتقلب عليها من صروف الدهر، وأنا في طفولتي ورغم أنني كنت أرى دوريات اليهود تمر أمامي في بلدي، فإنني لم أكن أعي وأنا في الخامسة مثلا ماذا تعني كلمة "احتلال" أو "جهاد" أو "شهادة"، بينما أنظر لطفل اليوم.. ابن أختي في الثانية والنصف من عمره وعندما يلعب مع أصحابه يحملون طفلا من بينهم ويقومون بعمل مظاهرة في البيت، مرددين "لا إله إلا الله.. الشهيد حبيب الله" .. لم نكن كأطفال مطلعين على الأحوال السياسية ولا نعرف أسماء من يتحكمون بالأمم.
لكن قل لي الآن أي طفل لا يعرف "بوش" أو "شارون" ولا يدعو عليه؟ أي طفل لا يعرف الآن أن هناك "أمريكا ظالمة" و"إسرائيل محتلة" في فلسطين، وأن هناك أطفالا ونساء وشبابا ورجالا يموتون، وأن هناك دمارا وعنفا وظلما من اليهود لهم؟ ما أريد قوله يا أخي بأن هذا السواد الذي تراه في حال الأمة ما هو إلا إرهاصات الفجر القادم، وما يجب علينا عمله هو أن نعرف كيف ندير الدفة لكي نسرع من بزوغ هذا الفجر، وأتمنى أن تؤمن أن كل فعل له رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه، وكما رصدت أنت الفعل السلبي، ورصدت ضخامته فلك أن تتيقن أن هناك فعلا مضادا إيجابيا ضخما بالقدر نفسه حتى إن لم يكن ظاهرا بالقدر نفسه، ومهمتنا هي أن نظهره ونقويه لا أن نعمم الإحباط والسلبية والسواد في نظرتنا للحياة!
بقي فقط تعليق واحد سيكون على مشاركتك الأولى يا أخي وأنا أقرأ هذه المشاركة بكيت لأجلك يا أخي، لقد جربت كل شيء يا أخي لتخفف من عذابك وحرمانك، لكن صدقني وأنا أقرأ مشاركتك شعرت أنك دون أن تدري تعذب نفسك أكثر وتقرب نفسك أكثر مما تحاول التخلص منه!! شعرت أنك عندما التزمت كان ذلك للتخلص من هذه العادة ومن التفكير بالجنس، عندما صمت وقمت بتجويع نفسك فعلت ذلك للتخلص منها، عندما قمت الليل وقرأت القرآن فعلت ذلك وأنت تفكر في نفس الأمر، حتى عندما انضممت للمجال الدعوي لم تكف عن اتخاذه سبيلا للتخلص من أزمتك تلك.
بالتأكيد أنا لا ألومك على ذلك فكلها وسائل صحيحة يجب الأخذ بها، اعتراضي فقط ينبع في تحديد الغاية والوسيلة، لقد أصبحت غايتك هي التخلص من معاناة التفكير بالجنس والشهوة والحرمان الذي تعاني منه، وأصبحت كل عباداتك وأفعالك وتفكيرك مجرد وسائل لتحقيق هذه الغاية. المشكلة أن أي "غاية" في العالم لا بد أن تستحوذ على تفكير صاحبها أكثر من الوسائل! هل تفهم ما أقصده؟ عندما نقول الله غايتنا يكون تفكيرنا دائما منصبا على الله، وأي وسيلة نتخذها لا بد أن تقربنا أكثر من غايتنا وتذكرنا بها أكثر وأكثر، عندما تكون غايتي "النجاح" فهذا يعني ألا أكف مطلقا عن التفكير بالنجاح، وهكذا دواليك مع كل غاية أخرى، إذن أنت ودون أن تقصد استخدمت تلك الوسائل كلها لتذكرك أكثر بمشكلتك وتجعل حياتك كلها تتمحور حول هذا الأمر وبذلك فبدلا من أن تعالج نفسك زدت من تشبث مشكلتك بك!
جرب أن تغير من الأوضاع قليلا.. اجعل غايتك "رضا الله"، وفي هذه الحالة سيصبح التخلص من هذه المشكلة هو مجرد "وسيلة" أخرى للتقرب إلى الله، ستتساوى في هذه الحالة مع كافة الوسائل التي اتخذتها أنت من قبل وستصبح عبادة، عندما تقوم الليل أو تصلي أو تصوم "ولا تجوع نفسك" ستقوم بذلك خالصا لوجه الله كعبادة، عندما تترك "العادة السرية" ستتركها كعبادة، عندما تغض البصر ستفعل أيضا كعبادة وعندما تقوم بالعمل والدعوة الإسلامية ستفعلها كعبادة أيضا.
وكافة هذه الوسائل ستسند بعضها بعضا، صلاتك وصيامك وقيامك ستساعدك في تطبيق عبادة ترك العادة السرية والمعاصي وغض البصر وهلم جرا.. وترك هذه المعاصي سيساعدك في الاهتمام أكثر بالعمل الدعوي الإسلامي، وعملك الإسلامي سيسهم أكثر في رغبتك في تقوية إيمانياتك من صلاة وصيام وقيام وترك للمعاصي قدر المستطاع لكي تكون قدوة صالحة كداعي لدينك.. كما ترى هي حلقة مستمرة كل وسيلة فيها تسهم في دعم الوسائل الأخرى، وكلها تقربنا أكثر من الغاية وهي رضا الله، وتذكرنا بغايتنا أكثر فيصبح الهاجس المسيطر علينا هو كيف نقترب من هذه الغاية بتحسين وتقوية هذه الوسائل وليس بالتفكير المرضي الدائم بالوسيلة بحد ذاتها!
أرجو ألا تعتبر كلامي نظريا، وحتى لو كان نظريا فكل تطبيق أو اختراع في العالم بدأ بنظرية، ولو لم تكن النظرية صائبة لما نجح التطبيق بجدارة. دعنا نعدل من أولوياتنا ونظرياتنا ونتأكد من صوابها لكي ينجح التطبيق!
أخيرا أخي الفاضل، أرجوك لا تسقط في فخ التعميم، لا تقل الكل.. الكل.. الكل.. قد يأتي يوم أحاسبك أمام الله أنا أو غيري ممن عممت عليهم هذه الصفات، وأقول يا ربي.. اتهمني بأنني كذا وكذا مثل الباقين وأنا لست كذلك!!
أخي الفاضل، الخير موجود والصالحون والصالحات موجودن بكثرة من حولنا والحمد لله.. فقط عوّد عينيك على رصدهم! ابحث عن الضوء.. لا تبحث عن العتمة! ولك مني خالص الدعاء الصادق بأن يوفقك الله ويريح بالك وجميع المسلمين إن شاء الله.
آسفة على الإطالة،
ودعواتي الدائمة للقائمين على هذه الصفحة بالخير والسداد.
10/1/2024
رد المستشار
الابنة الكريمة، هل مللت كثرة ما قرأت لي في اعتذاري عن التأخر في الإجابة على بعض المشكلات أو المشاركات التي تصلنا؟!
رسالتك وتأخري في الرد عليك فرصة جيدة للاعتذار فسامحيني، وأحيانًا كما ذكرت سابقًا أترك الرسالة عامدًا لبعض الوقت، ولأسباب متعددة، وأحيانًا أو غالبًا أشعر أن الإجابة رزق يفتح الله به علي بعد القراءة الثانية، أو الثالثة، وأحيانًا أجيب على السؤال فور استلامي له.. وهكذا.. وتجويدي يأتي على حساب سرعتي، ورسالتك لم تكن بعيدة عن هذا ولا ذاك، ولن أطيل عليك وعلى القراء فقصتها معي من وقت استلامها حتى إجابتها، وأنا أحمد فيها تماسك العرض وحسن الأسلوب، وهذا يفرض علي شكرًا مجددًا للأخ الذي جعله الله مفتاحًا للخير برسالة الجنس للبعض أم الزواج للجميع؟.. خبرة ملتزم، ثم برسالته: العفة المستحيلة: أمتنا في عام.. نقد ودفاع مشاركة وهكذا تكون الرسائل، والمشاركات.
الابنة الكريمة، أشعر أحيانا أن الرسالة المصقولة بعناية، المصفوفة بعمق وترابط تحمل في طياتها تحية وتحديًا، فأما التحية فهي بالإدراك أن هذا الكلام "المرتب" كما يقولون بالشام ولعلكم تقولون ذلك أيضًا بفلسطين، "الكلام المرتب يحترم عقل المستشار، ويحفزه ليرد على هذه التحية بأحسن منها، ثم تحدي التحليل الجيد بما يكمله فتزيد المتعة والفائدة عبر مباراة السؤال والجواب، ولأن رسالتك جيدة أرجو أن تكون إجابتي كذلك".
دون أن أدافع عن الأخ الكريم صاحب التقرير الأسود عن أمتنا، أحب أن تتوازن نظرتنا فلا نفرط في تضخيم السلبيات أو الإيجابيات، وما تذكرينه عن أحوال الأمة صحيح وزيادة، وهو يذكرني بإنسان فاضل التقيته وأولاده في منزله بعمان- الأردن، وكنت يومها في حالة نفسية لا يعلمها إلا الله -لا أذكر الآن السبب- وتناقشنا وإذا به وبأسلوبه الشيق المتدفق، والمنطقي المقنع، وعلى طريقة رجال الأعمال الناجحين يضع نقاطًا صحيحة على حروف كثيرة، ويربط الماضي بالحاضر.
وفي جلستنا هذه أوضح جليسي المفاجآت التي تلفت نظره ونظر جيله وهو في الخمسينيات والفوارق بين الوعي في زمن شبابه ووعي شباب اليوم، وأزعم وأوافق أن الفارق كبير، ولكن الثمن كان فادحا.
لقد دفعت الأمة وبذلت من دماء أبنائها وحرياتهم وسلامتهم واستقرارهم الكثير حتى يسترد البعض الآخر قدرًا من وعيه، وأنصار الجهاد الصحيح لا يكتفون بالطرب للدماء الذكية، التي تراق في سبيل الله سبحانه، وفي سبيل العزة والكرامة، ولكنهم أيضًا يتساءلون عن سبيل تقليل التضحيات وزيادة المكاسب، هذا من ناحية الكم في أي منطق سليم.
أما من ناحية الكيف فيبدو مقلقًا لي أن يتقدم العالم مائة خطوة في مقابل خطوة نتقدمها نحن في الاتجاه الصحيح؛ لأن معنى هذا أننا نتأخر عن غيرنا تسعا وتسعين خطوة؟!!
هل تتصورين مثلا أنه بعد كل تلك العقود فإننا ما زلنا نراوح وندور حول الحجاب بوصفه زيا ساترًا أكثر من تطبيقه كمنهاج يحرر المرأة في كل شئونها ويبرز إنسانيتها بستر أنوثتها، ويساويها بالرجل في المجال العام، فتكون على قدم المساواة في التنافس على الخير، والضرب في الأرض لعمارتها؟!
وعندي فإن ما نزداده في شأن المرأة وغيره يبدو "محافظة" أكثر منه "تدينًا"، والفارق بينهما كبير، وهذا حديث يطول.. فهل نفرح بالستر الجسدي ونكتفي أم ندرك أن معركة تحرر المرأة من الجاهلية والتخلف لم تكتمل بعد، وأن أهم جوانبها ما زال يحتاج إلى معارك أخرى بعضها ضد من يربطون الحجاب بالحجب عن ممارسة واجباتها في النطاق العام، بل عن التواجد فيه أصلا، ويزعمون أن هذا هو الإسلام!!
وهكذا فإن مشكلة الالتزام الشكلي بالإسلام أنه يخدع ويعطي صورة مغرية بأننا نتقدم، رغم أنه في حالات كثيرة يكون بديلا عن المضمون والمعنى والهدف الحقيقي منه، وهكذا فإن أشكال العبادة عندنا ظاهرة ومنتشرة من صيام التطوع إلى الصلاة والنوافل إلى العمرة والمتكررة والحج.. بينما الأمة يستبد بها الظلم، ويزري بها التخلف والفقر بأنواعه المادية والمعنوية وما زال فيها "صالحون" يموتون من التخمة والشبع، ومساكين يموتون من الجوع والمرض، وما زال الالتزام الديني حلية نلبسها، أو قيمة اجتماعية يتجمل بها أكثر مما هو منهاج حياة وحضارة، وفي حالة الجهاد في فلسطين وغيرها فإن اختيار الشهادة والاستشهاد يبدو من أبرز أسلحتنا، بعد أن صدأ سلاح الجيوش أو توجه لقمع الناس بدلا من ضرب العدو، ولكن في النهاية فإن اختيار الشهادة هو اختيار موت البعض ليعيش الآخرون، فإذا لم نجاهد بالحياة لنعيش أعزاء متحضرين متحررين فإن موت البعض منا يكون مدعاة لدخولهم الجنة، دون أن يحقق الهدف الاجتماعي والحضاري والإنساني العام المنشود.
نعم.. وبلا فخر لدينا ذخيرة عامة فمن يستعدون للموت في سبيل عزة أمتنا، ولكننا لا نمتلك ذخيرة مثلها ولا نصفها ممن يهبون الحياة لتحقيق نهضتها، وإذا كان الدم الزكي الطاهر يعطي الأمل، فإن النهضة تحتاج أيضًا للعمل، وأغلبنا يكتفي بالفرجة قد يتمنى الشهادة، ولكنه لا يعمل كثيرًا لها، ولا يعمل شيئا آخر غير المشاهدة، وأحسب أن هناك مئات المواقف والاختيارات بين الشهادة والمشاهدة، بل إن حياة المسلمين في بناء حضارتهم قامت على الاستعداد التام للموت في سبيل الله والدين، ولكن من قبل ذلك عمل وتخطيط فاعلية دائمة لا تكل ولا تمل في البناء والتثقيف والتكوين والتشييد والإبداع والتنسيق، ولتقم حضارتنا على الرغبة في الموت العزيز إلا بمقدار ما يكون نهاية محترمة لحياة ذاخرة معطاة.
أعرف أن هذا كلام قد يقوله البعض، ولكن واقعنا ما زال متواضعًا -إن لم أقل بائسًا- في ترجمة هذه المعاني، فما زال الخير في تفكيرنا لا يتجاوز الذكر باللسان أو كفالة يتيم أو دفن ميت أو مساعدة محتاج مما هو أقرب لمفهوم الإغاثة ولم نتخط هذا بعد -إلا نادرًا- إلى حيث التنمية والعمران بمعناه الواسع، إن ملايين المسلمين ما زالوا غير مستوعبين أن تعليم جاهل، أو تشغيل عاطل، أو تأهيل عامل، أو تكوين باحث، أو إبداع عمل ترفيهي يمتع ويفيد، وغير ذلك من الأنشطة التي يحتاجها هي من الفروض الغائبة، والجهاد البنائي الذي لن يعود الإسلام أو يقود إلا به، وبالتالي فإن نظرتنا ما تزال متواضعة قاصرة إلى واقعنا في توصيفه وتفسير علل تأخره، وبالتالي في تصورنا للحلول والخطوات المطلوبة، ومتابعة بسيطة للخطاب السائد على شبكة الإنترنت مثلا تكشف أن الجادين مستغرقون في الحماس العاطفي، والصراخ التحذيري والبكائيات على من أو ما ذهب والعمل والتفكير الهادئ قليل، إن لم يكن نادرًا.
يا أختي الكريمة، لدينا طاقة يقظة لا بأس بها، ولكنها حتى الآن تفتقد إلى التوظيف والاستثمار الرشيد، ولذلك ننزف أكثر مما نتقدم، ولدينا أبطال أكثر مما لدينا من أفعال، وتيارات العزيمة والصدق والرغبة في عمل شيء نافع ومؤثر تكاد تتبدد في غياب "برامج" و"بروتوكولات" التشغيل.. إذا استخدمنا لغة الكمبيوتر، وهذا خلل ونقص يحتاج منا إلى إبداع وجهد لإصلاحه.
وأنت تقولين عن ذلك:
"ما يجب علينا عمله أن نعرف كيف ندير الدفة لكي نسرع من بزوغ هذا الفجر، وأنا أتمنى أن نركز التفكير والجهد في هذا الميدان؛ لأن الكثير مما يندفع في صدورنا من غصب، وما يبزغ في عقولنا من بدايات تفكير إيجابي سرعان ما يتوه في غمرة الانشغال بتفاصيل الحياة اليومية، والإغراق المعلوماتي المغري المدمر لكل من يستسلم له بديلا عن التقاط ما ينفع في بناء مسارات إدارة الموارد، وتطوير الأوضاع وما زال الحديث بيننا متصلا في هذا الصدد، فكوني معنًا".
وأعجبني تعليقك على الناحية الجنسية في رسالة أخينا: "الجنس للبعض" وهو صحيح تمامًا من الناحية العلمية، ولقد أسعدتني رسالتك وفتحت أمامنا أبوابا أوسع من الأمل بوجود أمثالك في أرض الرباط، وتنامي وعيك أنت في هذه السن، وأدعو الله أن يزيدك علمًا ووعيًا وإرادة وأن يكثر من أمثالك؛ لأن شمعة واحدة قد تضيء مساحة في العتمة، ولكننا نحتاج إلى شموع كثيرة لإضاءة ليلنا الذي طال فيكون موعدنا الصبح.. وعسى أن يكون قريبًا
ويتبع>>>>>: العفة المستحيلة.. قصة نجاح لله مشاركة4