تحياتي إلى كل فريق عمل الموقع.. وجزاكم الله كل خير عنا جميعا..
أكتب إليكم عن زوجي الذي دفعني زواجي منه إلى القراءة والبحث الكثير في مجال علم النفس، حتى أستطيع أن أفهمه وأتعامل معه، فالواقع الذي لا يمكن -بل من الغباء- إنكاره هو أننا مختلفان جدا، لذا لن ألصق أي اتهامات بأي منا، فربما ليست المشكلة في الشخصيات، بقدر ما أن المشكلة في الارتباط بين هاتين الشخصيتين بالتحديد.. لكن نظرا لوجود أطفال، ونظرا لأنني أحاول الحفاظ على البيت بأقصى ما أستطيع، أبحث هنا عن طريقة للتفاهم، لعلها تجعل الحياة مريحة، إن لم تجعلها سعيدة، ولدي الكثير من النقاط أود التحدث إليكم عنها، وأريد مشورتكم في طريقة التعامل أو التعايش معها.
أولا: (الإنكار): زوجي لديه قدرة عجيبة على إنكار المشاكل والعيوب مهما عظم حجمها، ولا أعرف حقيقة هل يعرف ويدرك هذه المشاكل وينكرها، أم أنه أصلا لا يراها ولا يدركها، فقد اعتدت منه على سماع جملة واحدة مهما كان حجم الأزمة (مفيش مشكلة)، بداية من إنكاره لعيوبه الشخصية، إلى عيوب وأخطاء المحيطين بنا، وخاصة طبعا من أهله، إلى الأشياء التي تحتاج إلى إصلاح في منزلنا، إلى الخلافات العميقة التي بيننا، حتى إلى بعض ما يحتاج إلى تقويم وعلاج في سلوك أطفالنا.
ودعوني أضرب لكم مثالا يوضح لكم حجم إنكاره الذي قد يتسبب في خراب بيتنا إذا ترك له العنان، فقد كنا نعاني مثلا من مشكلة في الإنجاب دامت حوالي العامين منذ بداية زواجنا، وهو منكر لاحتمال وجود مشاكل، ومكتف بأن كل شيء سيكون على ما يرام (هكذا بمفرده)، وأني أنا التي أتعجل الأمور ولا أطيق صبرا على أي اعوجاج، لا أخفيكم سرا، فأنا فعلا بطبيعتي أنشد الكمال في كل شيء، ولا أحتمل الأشياء الرديئة أو أنصاف الحلول، وأعرف أن هذا شيء غير صائب في كل الأوقات، وأعي ذلك وأحاول السيطرة عليه بقبول بعض الأشياء غير المؤثرة على علاتها، لكنه للأسف بتصرفه هذا معي يزيد من حدة طبعي، وليس العكس.
فأنا أعرف الآن تماما، وبعد 6 سنوات زواج، أنني لو لم أنتبه إلى المشاكل أو الأخطار بنفسي وأسعى لحلها أو تقليصها، لما فعل ذلك أحد بدلا مني، لأنه ببساطة سيقول الجملة نفسها المعهودة بمنتهى راحة البال (مفيش مشكلة)، أعرف أنه في بعض الأحوال يكون لهذه الخصلة ميزة، ألا وهي أن زوجي في معظم الأحوال ليس له طلبات، أو بمعنى آخر يتقبل الأشياء دون مواصفات خاصة دائما، لكن الإدراك والإحساس بالمشكلة عامل أساسي ومحفز أصلي لحلها أو لتغيير الوضع.
وبما أن زوجي ينكر دائما كل شيء فليس لدي أي أمل نحو أي إصلاح أو تقدم حتى في علاقتنا الشخصية، فأول خطوة أفعلها كي أقترب منه أن أدرك عيوبي التي تضايقه لأصلح منها، أما هو فلا يدرك أي عيوب به أو بعلاقتنا، أو يرى أننا على أحسن تقدير يجب أن نعيش كما نحن و(بلاش وجع دماغ).
ثانيا: قد تبدو هذه المشكلة بسيطة، ولكني فعلا أرغب بشدة في فهم ما وراء تصرف زوجي هكذا، فقد لاحظت تمسكه الشديد بملابسه وأدواته القديمة، بل الرثة أحيانا، حتى إننا بعد زواجنا بقليل قمت بعمل جرد لدولابه فأخرجت منه كميات من الملابس التي لا تصلح أن يقتنيها شخص في وضعه ومركزه، ولا أقصد ملابس الخروج فقط، بل إن الأمر يمتد إلى ملابس النوم والملابس الداخلية، بل "الشرابات" أيضا، وبحسن نية قمت (بالتفريط) في بعض هذه المقتنيات الغالية إلى المحتاجين، وكانت الثورة العارمة، فكيف لي أن أتصرف في أشيائه الجيدة التي لا يزال معظمها جديدا.
وذهلت.. أي أشياء يتحدث عنها تلك؟! وكيف توصف بالجديدة إذا كان بعضها أخذه من والده أصلا، والبعض الآخر أقل ما يجب قوله إنها ذابت من الغسيل!!
ونظرا لأن زوجي ممسك ماديا بعض الشيء، وللحقيقة فإن دخلنا ليس كبيرا أصلا، فظننت أن المشكلة في أنه ليس لديه ملابس جديدة، فقد لاحظت فعلا هذا أثناء خطوبتنا، حتى في بداية زواجنا، ومع أنه عريس جديد، لم يكن بدولابه سوى قطعتين أو ثلاثة جدد، فأصبحت أهاديه أنا ومن مالي الخاص بملابس وساعات، بل أحذية جديدة أيضا، وفي المناسبات المختلفة، إلا أنه وللصدمة الثانية لم أجده يلبسها أو حتى يقترب منها، بحجة أنه يحب أن يكون لديه دائما شيء جديد في الدولاب، حتى لو ظل هذا الشيء (بل الأشياء كلها) في الدولاب من الصيف إلى الصيف مثلا دون أن يلامس جسده.. لماذا؟ لا أفهم!!
حاولت أن أسأله فكانت إجابته أنه "مفيش مناسبة يلبس لها حاجة جديدة"، والمشكلة أن زوجي أصلا غير اجتماعي، وليس له أصحاب تقريبا، وبالتالي ليس هناك مناسبات أصلا في حياته، بالإضافة إلى أنه بالكاد يخرج من البيت باستثناء مرة أسبوعيا يخرج معنا كأسرة، وهذه طبعا ليست بمناسبة تليق بأن يرتدي لها ملابس جديدة. حتى في البيت فإنه دائما يفضل ارتداء "البيجامات" القديمة الرثة المبقعة، بحجه أنه يرتاح فيها، وأنه حر فيما يلبس؛ لأن هذا شيء شخصي يخصه وحده.
حاولت أن أتكلم معه في أنني أحب أن أراه مهتما بنفسه من أجل نفسه أولا؛ لأنه ما زال شابا في منتصف الثلاثينيات، وأنه يجب أن يهتم بمظهره داخل البيت قبل خارجه من أجلي، فهذا من حقي أن أرى زوجي يفتح النفس، ويتعجب عندما أكون بلا حماس إذا اقترب مني وهو في ملابس تشبه ملابس مبيض المحارة!! لا أعرف لماذا مع أنه أصلا وسيم وجسمه ممشوق وببساطه جدا يستطيع أن يكون جذابا ويجعلني أنا من أتودد إليه. طبعا بعد الفشل الذريع في محاولات الإقناع، حاولت أن ألفت انتباهه بأن أهمل أنا شخصيا في مظهري في البيت، فأصبحت لا أرتدي أي شيء يفتح النفس، وأعقص شعري دائما فوق رأسي، ولا أضع أيا من مساحيق التجميل أمامه... ولا حياة لمن تنادي.
ولم تطل هذه الفترة لأني أصلا لا أحب أن أكون رثة الحال حتى داخل المنزل، فاستخدمت الأسلوب العكسي وأصبحت دائما ألبس له ملابس لافتة وزاهية وعلى الموضة (في البيت طبعا)، وأهتم بزينتي على قدر ما يتاح لي من وقت، وأحاول أن أصبح كل يوم بشكل أمامه لعل هذا يحرك شيئا ما بداخله ليغير من نفسه... ولكن أيضا لا جديد.. وعلى سبيل المثال اضطر إلى شراء بدلة جديدة من أجل فرح أختي، هذا لأنه لم يكن لديه سوى بدلة واحدة أخذها من أخيه الكبير، المهم اشترى البدلة طبعا بتوابعها من قميص وكرافت، وكانت المفاجأة يوم الفرح، أنه لبس البدلة لكن مع قميص وكرافت قديمين؛ لأنه يحب أن يحتفظ بالجديد لمناسبة أخرى، والتي تقريبا لن تأتي لأننا لا يتم دعوتنا إلى أفراح أصلا.
مثال آخر أننا قامت بيننا مشاجرة قريبا؛ لأنني طلبت منه شراء شراب أسود آخر ليبدل فيه مع الذي يلبسه في العمل، والذي يرتديه طوال الأسبوع ونغسله الجمعة لينشف ويرتديه السبت ثانية، بحجة أن شرابه هذا مريح ومناسب ولونه ظريف (ملحوظة: الشراب نفسه منذ سنتين تقريبا) .. بدأت أعتقد أن الملابس الجديدة "بتكهربه"، وفعلا هو يحاول أن يتهرب منها والتمسك باستماتة بالملابس الرثة دون أن يعترف لنفسه حتى بأنها عفا عليها الزمن، ودائما الجملة النهائية أن هذه حرية شخصية لا دخل لي بها، إلا أني لاحظت أني فعلا بدأت أفقد إقبالي عليه، وشيئا فشيئا أجد نفسي لا تقع عيناي على ما يحفزني إلى أي شيء جيد بيننا، خاصة عندما أنظر إلى من هم في مثل سنه من الرجال حولنا، فأجدهم أكثر حيوية وشبابا وجاذبية لا لتميزهم الشخصي، ولكن لاهتمامهم البسيط بأن يكونوا كذلك.
ثالثا: وتلك من أخطر نقاط الأزمات والخلاف بيننا، وهي أن زوجي منسحب بصفة عامة، من أي شيء، ينسحب بعيدا عن الناس حتى أقاربه، بعيدا عن الخروج والتنزه، بعيدا عن الاجتماعيات، بعيدا عن المشاكل، حتى بعيدا عن العلاقات الإنسانية عامة، وعني وعن أولاده خاصة، فهو على استعداد أن يعود من عمله ليأكل وينام ثم يصحو ليجلس أمام التلفزيون بقية اليوم دون كلمة واحدة، حتى مع أولاده الصغار، قلت له بصراحة ذات مرة إنني وحيدة وأنا معه، فأنا لا أشعر بوجوده حتى ونحن في نفس الغرفة، فحتى بصرف النظر عن حاجتي إليه في مشاركتي مسؤولية الأولاد، فأنا أحتاج إلى من يؤنسني، خاصة نحن نعيش بعيدا عن كل أقاربنا وأهلنا في محافظة أخرى.
وطبعا مشكلة المشاكل أنني أحاول الخروج لتغيير الجو ولاكتساب بعض الصداقات والمعارف الجدد لعلها تملأ فراغ حياتنا، وأقابل دائما بالرفض منه؛ لأن هذا ليس مريحا بالنسبة له، حتى مع اتفاقنا على حل وسط، وهو الخروج مرتين أسبوعيا، مرة معه ومرة بمفردي مع الأولاد، إلا أنه يتحين الفرص ليعرقل هذه الاتفاقية، ولا يهتز له رمش وهو يقول لي لن نخرج هذا الأسبوع لأني سأشاهد مباراة في التلفزيون، أو لأني ببساطة "ما ليش مزاج".
أبذل مجهودا جبارا لإقناعه بأن هذا وضع يخنق، وأنه حتى إن لم يكن يهتم بحالتي أنا، فهو يجب أن يفكر في أولاده الذين يجب أن يخرجوا ويلعبوا ويكون لهم أصحاب، إلا أنه لا يرى ذلك لأنه يعيش في منتهى الراحة دون كل هذا ودون أي معاناة، فأين المشكلة إذن؟!!
وأخيرا أود أن أعطيكم خلفية عن البيئة التي نشأ فيها زوجي، فهو تربى بين أب منسحب أيضا، نادرا ما كان له دور في حياتهم وبين أم متسلطة إلى حد كبير، ولا أعرف... ربما أصبحت كذلك لتدير دفة البيت الذي تهرب منه زوجها، والتي تتصف أيضا (أي أم زوجي) بالبخل الشديد والتقتير على نفسها وعلى من حولها رغم ممتلكاتها العديدة (وهذا أيضا بشهادة الكثيرين غيري، مع إنكار زوجي أيضا)، إضافة إلى أنها غير متعاونة إطلاقا في أي شكل ولا حتى في أن تسأل عن ابنها أو أحفادها هاتفيا، فهو دائما الذي يتصل بها، بقيت معلومة قد تفيدكم في تحليل وضع زوجي، وهي أنه اعتاد ارتداء ملابس أخيه الكبير منذ الصغر. لا أدري هذا كان من باب ضيق ذات اليد وقتها (مع أني لا أظن ذلك)، أم من باب الشح الذي يبدو أنه وراثي في هذه العائلة.
أعتذر للإسهاب والإطالة، لكنني اختصرت كثيرا في حقيقة المعاناة، لكن بالله عليكم أنتظر مشورتكم في كيفية التعامل لا الحل، فأنا أعرف (أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، لكن هل التصرف الأمثل هو أن أستسلم وأقبل الوضع على ما هو عليه، وأقبل أن أكون أنا المحرك الأول لهذا البيت من الباطن، أم أظل أحاول وأحبط هكذا ما تبقى لي من حياة..
أنا في أمس الحاجة إلى رأيكم السديد..
وجزاكم الله خيرا.
10/4/2024
رد المستشار
هناك معلومة هامة ربما تكونين قد قرأتها في كتب علم النفس التي دفعك إليها الزوج، وهذه المعلومة هي أن هناك فارقا كبيرا بين (الأخلاق) و(الطباع)، فالأخلاق أمر يحتمل الصواب والخطأ ويحاسبنا عليه الله، وهو قابل للتغيير والتعديل، أما الطباع فهي أمور ليس فيها صواب أو خطأ، وهي صعبة التغيير جدا، إن لم تكن مستحيلة، وهي أمور غالبا وراثية لها علاقة بكيمياء المخ والجهاز العصبي.
وما تتحدثين عنه هو (طباع) لشخصية زوجك، وهذه (سمات وراثية.. كيميائية) لن أتوقف كثيرا عند تحديد نوع شخصية زوجك، هل هو أقرب للشخصية الانسحابية أم الاعتمادية أم الفصامية.. أم أنه مزيج من الثلاثة؟؟ لن أتوقف كثيرا هنا، لأنه يستلزم منك معلومات أكثر حتى يمكن أن نحدد بالضبط أي أنواع الشخصيات هو. ولكن ما أريد التوقف عنده هو سؤالك:
هل التصرف الأمثل هو أن أستسلم أم أظل أحاول؟ والإجابة في جملة واحدة هي: (القبول) هو القاعدة الأساسية التي يجب أن تستند إليها علاقتك به، ثم تأتي محاولات التغيير، في المقام التالي، ليس لتعديل شخصيته، ولكن لمحاولة الوصول للحد (الأدنى) الذي قد تستحيل الحياة بدونه. وعن (القبول) و(التغيير) أتحدث في السطور التالية.
أولا: القبول: يأتي القبول عندما تكون هناك من الإيجابيات في (الشخصية) ما يعدل السلبيات ويعين على تجاوزها... وعندما تكون هناك وسائل بديلة يمكن جبر الخلل من خلالها، وعندما تكون هناك جوانب (قوة) في (العلاقة) بينكما تعوض جوانب (الضعف) فيها، وعندما يكون كل من الطرفين مستبصرا بجوانب القوة في نفسه التي ربما منحها الله إياه لتعوض جوانب الضعف في الطرف الآخر، وكذلك جوانب الضعف في نفسه التي ربما يعوضها الطرف الآخر بجوانب قوته، هنا يصبح الاختلاف تكاملا، ويتقبل كل طرف الآخر.
لعلي ذكرت في النقطة السابقة 5 عوامل للقبول، وأدعوك أن تمسكي بالورقة والقلم لتسجلي تفاصيل رصيد كل منهما لديكما، وأعتقد أنك ستجدين رصيدا معقولا، والدليل على ذلك هو أنك -رغم شحنة الغضب الواضحة في كلامك- تحكمك فكرة الاستمرار في علاقتك بزوجك، وهذا يؤكد أن هناك رصيدا ما تستندين إليه.
ثانيا: التغيير.. وكما ذكرت ليس المقصود هنا تغيير الشخصية على النحو الذي تتمنين، وإنما الوصول للحد الأدنى من الأساسيات التي تستحيل الحياة بدونها.. فعلى سبيل المثال الحياة يمكن أن تستمر إذا ارتدى زوجك نفس الجورب طوال الأسبوع أو إذا ذهب لحفل العرس بقميص قديم، ولكن على الجانب الآخر ليس مقبولا ألا يتواصل الأب مع أبنائه، هذه -على سبيل المثال- نقطة تستحق الجهاد في سبيلها.
وأمامك طريقان أساسيان لمحاولة إحداث درجة من التغيير:
الطريق الأول هو: محاولة تغيير أفكار زوجك بكل وسائل (الإقناع) السلمية المتاحة، والطريق الثاني هو (الثواب) أو المكافأة له كلما أصدر سلوكا تسعين له، بحيث إن هذه المكافأة (تعزز) هذا السلوك لديه بالتدريج.
ولكن أهم ما يجب أن تعلميه قبل أن تسيري في هذين الطريقين هو أنك كمن يساعد شخصا (مشلولا) لعمل (علاج طبيعي)، فهو عندئذ يحرك أطرافه (ضد) طبيعة مشلولة بداخله، فلا تتعجلي الثمرة، واسعدي بكل تقدم مهما كان طفيفا.
وأخيرا.. الأمل موجود في إمكانية إحداث درجة من التغيير، والدليل على ذلك أن زوجك بالفعل يستجيب لبعض الاتفاقات بينكما ولو بدرجة.. فاستعيني بالله ولا تعجزي.