الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
أنا صاحب مشكلة "الزواج.. أستاذ وتلميذة أم شريك وشريكة؟!" وإني أتوجه بكلمتي للدكتورة فيروز عمر لقد ضغطت على المكان الذي يؤلمني تماما؛ فكيف لطائر كسير الجناح أن يحلق في فضاء أحلامه؟ إنني أنتظر بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي تشاركني فيه رفيقة المستقبل تخطيطي لبناء صرح الحياة، لكن "قل عسى أن يكون قريبا". وأما ما ذكرت من تحدّ فلعله يكون باعثا للهمم ودافعا لي ولزوجتي المقبلة -إن شاء الله- للعمل والجد؛ فيعود النفع ليس على نطاق أسرتنا الضيق فحسب بل على المجتمع كله إن شاء الله.
جزاك الله خيرا على نصائحك التي سأضعها نصب عيني، ودعواتك التي أسألك منها المزيد. وأطمئنك بأنني لم أنس الاستخارة قبل شروعي في هذا الأمر، وكذلك الاستشارة. وإني أريد أن أنتهز هذه الفرصة لأعرض عليكم بعض تصوراتي وآرائي والتي أتمنى أن أجد منكم تقييما أو تصويبا لها أو لبعض ما فيها:
1) لا يمكن لأب يحب ابنته ويتمنى لها السعادة أن يزوجها قسرا ممن تكره، ولا أعتقد أن رجلا عنده ذرة خلق وكرامة يرضى بأن يرتبط بشخص لا يبادله الرغبة والإعجاب.
2) إذا وجد المرء فتاة يرتضي دينها وخلقها وأعجب بصفات فيها؛ فهي ضالته المنشودة بغض النظر عن سنها. وأما أن يتعمد رجل الزواج بفتاة صغيرة ليتحكم فيها ولا يقيم لشخصيتها اعتبارا ظنا منه أنه ليس لها رأي ولا شخصية بعد، فهذا تقدير خطأ لا تحمد عقباه.
3) ليس من المناسب أن يوصف من جرى عليه القلم وكلفه الله -وهو العليم بخلقه سبحانه- بأنه طفل قاصر، حتى وإن كان كذلك بحكم القانون الوضعي، ثم ألا يحرمه هذا من الاستفادة من أخصب فترات حياته؟ إن الإنسان لا يُقيَّم بسنه بل يقيم بدينه وعقله وتربيته وسلوكه، كم كان عمر أسامة بن زيد حين أمره النبي على جيش فيه أبو بكر وعمر؟ وكم كان سن محمد الفاتح لما فتح القسطنطينية؟ على مثل هذا ينبغي أن تربى الأجيال. وإن الإنسان سرعان ما يتعلم ويكتسب الخبرة في الحياة إذا خاض تجربة عملية تتيح له ذلك ولم يكتف بمرور السنين عليه.
4) فارق السن بين الزوجين مسألة نسبية تختلف باختلاف المجتمعات والأشخاص، ولا أعتقد أن تحقيق دعائم الزوجية من المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف يعتمد على فارق معين، وقد تزوج قدوتنا صلوات ربي وسلامه عليه من تكبره بـ 15 سنة وتزوج من تصغره بـ 45 سنة؛ ليقتدي كل بما يناسب بيئته ويوافق احتياجه النفسي وظروفه الخاصة، هكذا أتصور مسألة فارق السن، ولا أظن أن الفارق يعد كبيرا إذا لم يتعدَّ العقد.
5) الإنسان في الحياة بين معلم ومتعلم ومرشد ومسترشد، وليس بالضرورة أن يكون الأكبر دائما هو المعلم والأصغر هو التلميذ، ألم يكن ابن عباس مستشارا لعمر رضي الله عنهم؟ ألم يكن كبار الصحابة يسألون عائشة عن الفرائض والأحكام؟ فالزوج إن كان في مقام المعلم لزوجته في جوانب من الحياة فهو بلا شك محتاج إلى إرشادها ومشورتها في جوانب أخرى، ثم إن العلاقة الزوجية ليست علاقة تعليم وتعلّم فقط بل إن جوانبها أوسع من ذلك بكثير.
6) بالرغم من الصعوبات التي ستواجه الزوجين معا؛ بعد الزواج واستمرار الزوجة في الدراسة، فإنني لا أعتقد أن الدراسة والزواج ضدان لا يجتمعان بل على العكس قد يكون الزواج داعما للدراسة أحيانا (اللهم إلا دراسة الطب لأني جربت قسوتها)، ثم إن التعليم ليس للحصول على الوظيفة بقدر ما هو لتطوير الإنسان وترقيته وتوسيع مداركه للقيام بوظيفته في الحياة على أكمل وجه، وذلك لا يتوقف عند سن أو مرحلة دراسية معينة بل يستمر على طول العمر.
7) دور الزوجة في الحياة الزوجية هو تدبير البيت ورعاية الأولاد ودور الزوج خارج البيت من كسب ونفقة، لكن أليس من المعاشرة بالمعروف أن يساهم الزوج في أعمال البيت قدر المستطاع، ألم يكن قدوتنا -بأبي هو وأمي- عليه الصلاة والسلام (في مهنة أهله...) كما قالت أمنا عائشة رضي الله عنها، وهو من هو في مسؤولياته خارج البيت؟
أعتذر عن الإطالة وأرجو ألا تكون كلماتي قد تجاوزت الحدود المسموح بها للكتابة، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل،
وجزاكم الله خيرا.
19/5/2024
رد المستشار
الأخ الكريم،
هناك سؤال يستحق التأمل أريد أن أطرحه عليك: أليس غريبا أن ينكسر جناحك لمجرد أني وجهت نظرك لجانب أخر من الموضوع قد يكون غائباً عنك؟ أنت يا أخي لا تحتاج لمن يشجعك على الاستمرار في هذا الاختبار فأنت متشبع تماماً بالقناعة الكاملة به، ولكن ما تحتاجه -من وجهة نظري- هو أنك في أثناء سيرك في هذا الطريق عليك أن تراعي نقطة هامة، وهي "الفتاة" لأنها -كما ذكرت- في نهاية فترة الطفولة أو بداية فترة المراهقة، ولأن شخصيتها تتشكل في هذه المرحلة.
أنا لم أنصحك أبدًا بإلغاء الفكرة، ولكني فقط قلت تأكد من قبولها النفسي لك، ثم اجتهد ألا تبني علاقتك بها كما لو كانت بين أستاذ وتلميذ، وأنت أكدت في تعقيبك على أنك منتبه لهاتين النقطتين وتقتنع بهما على المستوى الفكري، والآن قد جاء دور التطبيق العملي لما تؤمن به.
وهنالك شيء باعث على التفاؤل في تعقيبك، وهو أنك تستند إلى نماذج سامية، وصور للقدوة المتميزة من تاريخنا العظيم، وعلى رأس هذا النماذج ذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم والسيدة خديجة وابن عباس وأسامة بن زيد رضي الله عنهم جميعا.
وعندما يضع الإنسان هذه النماذج نصب عينيه فإن هذا يكون دافعاً له للارتقاء أو الاقتراب منها على المستوى العملي التطبيقي في حياته الواقعية.
ولكن. قبل أن أختم إجابتي أذكرك بسؤالي الذي طرحته في بداية إجابتي، لماذا انزعجت عندما لفتُّ نظرك لنقطة قد تكون غائبة عنك؟ هل أنت عادة تغضب أو ترتبك عندما يقوم أحد بالتحفظ على جانب من رؤيتك؟.
وأخيراً أدعو الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يرزقك السعادة والنجاح في تحقيق آمالك في الدنيا والآخرة.