أنا شاب في السابعة والعشرين من العمر سافرت إلى تركيا قبل سبع سنوات لإكمال دراستي العلمية هناك.
بعد حوالي سنتين تعرفت على فتاة في نفس الجامعة التي أدرس فيها ووقعت في حبها، كما أنها هي الأخرى وقعت في حبي. قبل أن أتعرف عليها مررت بعلاقات كثيرة، ولكن ما شعرت به نحوها وحتى تلك اللحظة جعلني أشعر بجمال الحياة وهدفها. إنني أومن أن الحياة بلا حب ليس لها معنى، وما أعنيه بالحب هو كافة أنواع الحب، فما بالك بالحب بين رجل وامرأة؟
أعود إلى موضوعي، وإلى مشكلتي فبعد سنتين ونصف تخرجنا في الجامعة معًا وهنا بدأت المشكلة؛ فعندما قررنا أن نتزوج لم يوافق أهلي، والسبب أننا من ديانتين مختلفتين فأنا مسيحي وهي مسلمة، بالمناسبة هي أصغر مني بسنتين، ونحن متفقان كليًّا على كل شيء، ابتداء من الأولاد وانتهاء بكافة المفارقات الدينية التي قد تسبب بعض المشاكل على الصعيد الاجتماعي، أما على صعيد المستوى المادي والاجتماعي فنحن متقاربان كثيرًا. وبالنسبة لأهلها فهم ليسوا معارضين بل على العكس فهم متفهمون جدًا لعلاقتنا.
بعد أن أنهيت دراستي ونظرًا للظروف والضغوطات من الأهل قررت أن أعود إلى بلدي لأقوم بخدمة العلم، وفي هذه الأثناء لم نقطع علاقتنا، فاستمررنا في مبادلة الرسائل والاتصالات الهاتفية؛ حيث إنني نُصحت من قبل بعد الأصدقاء بأن المسافة والزمن قد يجعلانني أنساها، ولكنني على العكس فبُعدها عني زاد شوقي لها، ولم ينقص من حبي لها ولو ذرة كما هو الحال بالنسبة إليها.
والآن وبعد مرور سنتين ونصف على فراقنا عدت إليها؛ لكي نتزوج وأستقر في بلدها، ولكن أهلي ما زالوا مُصرِّين على موقفهم؛ بالرغم من أن أبي وأمي مثقفان فإن مجتمعنا لا يزال لا يتقبل الزواج من دين آخر، على الرغم من أنني لن أعيش في بلدي الأم، كما أنه لا يوجد مشكلة بالنسبة للزواج في تركيا بالنسبة لدينين مختلفين، فالزواج فيها مدني.
أنا أطلب نصحكم ومشورتكم، فأنا مُصرّ على الزواج بها؛ لأني مقتنع تمامًا بعلاقتي بها وبحبي لها كما هو الحال بالنسبة إليها، ولكني لا أريد أن أتزوجها بدون أهلي الذين يصرون على عدم حضور زفافي، بالرغم من أنهم في البداية لم يسمحوا بهذا الزواج فإنهم بعد ذلك وبعد أن رأوا إصراري وافقوا، إلا أنهم وكما قلت سابقًا لن يحضروا حفل زواجي، وبالنسبة إلى أهل الفتاة فلا أظن أنهم يحبذون فكرة عدم التقدم لطلب يد الفتاة من قبل أهلي.
فماذا أفعل؟ وفقكم الله على هذه النافذة القيمة.
ملاحظة: أرجو عدم ذكر اسمي إن أمكن.
وشكرًا .
6/8/2024
رد المستشار
أخي الكريم، نعم.. هكذا الحب يغلب العقل، واعتبارات المجتمع أحيانًا ليصل بالإنسان إلى صراع داخلي أو خارجي تكون عواطفه فيه في كفة، والنظم التي يعيش فيها في الكفة الأخرى.
لنا إجابات سابقة عن الزواج مع عدم موافقة الأهل، ونعتقد أن الإلحاح عليهم من شأنه أن يغير موقفهم، خاصة وأنت تبدو مُصِرًّا على مطلبك.
أنا فقط أريد تنبيهك إلى جوانب قد تكون خافية عليك، وعلى فتاتك وأسرتها.
يا أخي، أفهم أن منطق الحب يتسع لقلبين مشتعلين به رغم اختلاف الديانة فهو منطق تغلب عليه الاعتبارات العاطفية، أما الزواج فله منطق آخر يتداخل فيه العاطفي مع الاجتماعي والديني.
وكما تعلم أن المستقر طبقًا للشريعة الإسلامية أن المسلمة لا تتزوج بغير المسلم، ولو وقع مثل هذا الزواج لكان باطلاً من الناحية الدينية، وهذا يعني أن الإسلام يعتبر هذه العلاقة زنا، والأولاد أولاد زنا. وأحب هنا أن أتعرض لهذا الموقف الشرعي الذي يبدو للبعض قاسيًا،
لماذا يرفض الإسلام زواج المسلمة بغير المسلم، ويعتبر عقد الزواج - إذا تم - عقدًا فاسدًا، وأن الزواج بالتالي لم ينعقد؟!!
أقول لك: إن الزواج شأن ديني واجتماعي، وإن النظام الاعتقادي في المسيحية يرى أن البشر صنفان: مؤمن وكافر، فمن يعتنق المذهب الأرثوذكسي – مثلاً – لا بد أن يعتقد أن هذا المذهب هو الحق، وأتباعه - فقط هم المؤمنون، وباقي البشر كافرون، وإذا لم يعتقد هذا صار هناك خلل في إيمانه.
وطبقًا لهذا، فإن هذه الفتاة - طبقًا لما ينبغي أن يكون عليه اعتقادك - كافرة، أو غير مؤمنة.
أما النظام الاعتقادي في الإسلام فهو ثلاثي التصنيف إن صح التعبير - فهناك المسلمون، وهناك الكفار، وهناك أهل الكتاب، أو فهناك أهل الذمة، وهم اليهود والنصارى على الأقل؛ لأن هناك من الفقهاء من أدخل معهم نحلاً ومللاً أخرى من باب القياس.
وطبقًا لما ينبغي أن يكون عليه اعتقاد فتاتك فأنت من أهل الكتاب، بمعنى أنك لست مسلمًا، ولست كافرًا. فإذا قلت: الأمر أهون من هذا بكثير، فأنا أعتقد أنها مؤمنة، وهي تعتقد ذلك عني، أقول لك: هذا خلل في الاعتقاد، والخلل في الاعتقاد أمر يخشاه الإسلام، ويربط بينه وبين الخلل في السلوك بقاعدة شهيرة تقول إنه: من لا دين له، لا أمانة له.
والإمام ابن حزم يقول: ثق في المتدين، ويقصد من أي دين؛ لأن له معالم وقيمًا يرد إليها، ويحاكم أو يخاصم في ضوئها، ولا تخلو حياة من أزمات أو خلافات. فإذا كانت هي طبقًا لعقيدتك كافرة، فهل من العدل أن توضع أنت في موقع مَن يسمح لزوجته بتنشئة أبنائه على الكفر؟!
وهل من العدل بالمقابل أن يحرم هؤلاء الأبناء من فرصتهم العادلة في التعرف على الإسلام بشكل محايد لمجرد أن والدهم غير مسلم؟! وهو القوّام في الأسرة طبقًا لمفهوم الإسلام وفلسفته وشريعته.
فهل تنزع منه القوامة؛ لأنه غير مسلم، أم نبقيها عليه مع ما يحمله ذلك من احتمالات حرج وخلافات مع راعٍ مسؤول في بيته يسكت على ما يعتقده كفرًا؟!
إذا نزعنا القوامة منه أو أبقيناها فنحن بصدد أسرة مهددة مع أول خلاف، وأول منعطف، وأول أزمة مهددة بين الزوج وزوجته، أو الآباء والأبناء، وبدلاً من أن نبحث وقتها عن المخطئ أو المصيب يتحول الخلاف الأسري الاجتماعي إلى صراع ديني تتبادل فيه الاتهامات بالكفر، وتستخدم سلاحًا غير شريف، وأقوال حق قد يراد بها باطل، أو تستخدم مقدمة لظلم أحد الأطراف تحت شعارات دينية.
ولا تسمح المساحة هنا بالاستطراد في شرح أن الوضع لا يكون هكذا إذا تزوج المسلم من كتابية فهي في اعتقاده ليست كافرة، ولا يستطيع أحد اتهامها بهذا طبقًا للإسلام، كما أنه يكون القوام في الأسرة، فيكفل الحرية والرعاية لها، آمنت بالإسلام، أو ظلت على اعتقادها.
الخلاصة يا أخي، أنك قد تتفق مع فتاتك على الزواج وعلى ترتيب كل شيء من الإبرة إلى الصاروخ، وقد تحصل على موافقة أهلك كما حصلت على موافقة أهلها، وقد تنجح الزيجة- رغم بطلانها شرعًا - لبعض الوقت، لكنها تبقى مهددة فوق برميل بارود ينتظر شرارة بسيطة لينفجر.
أرى أن موقف أهلك أكثر حكمة من موقف أهلها، وأرى أنك في حاجة إلى مراجعة الأمر برمته؛ لأن مسؤولياته هكذا كبيرة، ومعاركه كثيرة، ومستقبله أقل ما يقال فيه إنه محفوف بمخاطر شديدة.
واقرأ أيضًا:
رفض الأهل ليس أهم الجوانب
R03;رفض الأهل وزلزلة قرار الاختيار