جزاكم الله خيرا على كل خدماتكم التي تقدمونها لكل الحيارى واليائسين، وأبارك لكم التصميم الجديد والمبدع لموقعكم المبارك.
أما الاستشارة فهي من أجل أحد أصدقائي (25 سنة) مقبل على الزواج، والمشكلة التي أود مساعدته فيها هي أنه -كما أخبرني- تعرف على فتاة وأعجب بها ظاهرا وباطنا، ولكنه لم يأخذ وقته الكافي في التعرف عليها، وهو مصمم على الزواج منها، وطلبت منه التريث ولو أدى ذلك به إلى تأجيل الزواج إلى السنة المقبلة، ولكنه رفض بحجة الحاجة الماسة إلى الزواج، وأنتم أدرى مني بمدى حاجة شباب أيامنا هذه إلى الزواج.
ألححت عليه بتأجيل القرار الحاسم بالارتباط لفترة عندما أخبرني بأنها تصلي ولكنها لا ترتدي غطاء الرأس أمام غير المحارم! وأخبرني أيضا أنها طلبت منه أن يسمح لها بلبس الملابس العصرية خارج البيت وقبل منها هذا!.
وأنا أعرف صديقي هذا حق المعرفة فهو يحب التدين شكلا ومضمونا ظاهرا وباطنا، ولكن الشيء الذي جعله يقبل بهذا هو إيمانه القوي بأن صلاح الباطن أهم من صلاح الظاهر، وهذه فكرة سليمة وصحيحة وأيدتها معه وأيدها معنا وقبلنا المنطق السليم، ولكنه رأى نماذج من الذين ظاهرهم يجذب، ولكن من عرف باطنهم نفر منهم نفورا.. وكلنا يعرف بعض هؤلاء.
حاولت أن أبين له بحسب علمي المتواضع أن المشكلة لا تنحصر في كونها رفضت غطاء الرأس أو رفضت ارتداء الملابس المحتشمة خارجا، ولكن المشكلة، في نظري، هي أن علاقتها مع الله الذي أمر بارتداء الحجاب والاحتشام قد يكون بها دخن! وهذا سيحكم علاقته بها طوال عشرتهما المشتركة.
وضربت له مثالا بأهمية وضع أوامر الله في المرتبة الأولى بالعلاقة الحميمة بين الزوجين؛ فقد يكون الزوج في لحظة من اللحظات في أمس الحاجة إلى معاشرة تطفئ جذوة شهوته، ولكن ملل زوجته قد يجعلها تعلن له رفضها بشكل أو بآخر، وطبعا إن لم يكن بها عذر حقيقي كالتعب من العمل أو أشغال البيت أو مرض، فإنها إن لم تكن تنظر لتلك العلاقة على أنها تعبد وتقرب إلى الله وأيضا تخشى لعن الملائكة لها حتى تصبح فإنها لن تهتم بحاجته الماسة إليها.
وكيف لا ولم تخف من قبل من الحديث الذي يتحدث عن الكاسيات العاريات وكيف أنهن ليس فقط لا يدخلن الجنة ولكن لا يجدن ريحها الذي يشم من مسيرة كذا وكذا.. وهذا وعيد بالعذاب وليس فقط لعن من الملائكة الذي يمكن أن يستجيبه الله أو لا.. وأنا هنا لا أقطع بأن المتبرجة ستدخل النار؛ فهي على الأقل تصلي، ولكنني تطرقت إلى حاجة الطرفين في الأسرة إلى أن يكون المرجع الأساسي في علاقتهما ببعض هو التعبد لله واتقاء غضبه.
وهناك مثال آخر على خطورة عدم التمسك بثوابت الدين ويبرز عند وقوع الطلاق -لا قدر الله- خصوصا فيما يتعلق بحضانة الأولاد؛ حيث إننا نرى في أحيان كثيرة حروبا طاحنة وانتقامات وضغائن بل ومكائد، وهناك من النساء من منعت زوجها السابق من رؤية أولاده الذين من صلبه، وهذه من أكرمهن.
أنا لا أطلب منكم أن تنصحوه بعدم الزواج من غير متحجبة ولكن أن تزيدوا من تركيزكم على مدى أهمية الدين في استقرار الحياة الزوجية.
أتمنى أن أجد عندكم ما يصحح لي أو له وجهات النظر قبل "وقوع الفأس في الرأس" كما يقال، ولو أن المقام مختلف تماما، فنحن أمام زواج وليس اعتداء.
وجزاكم الله خيرا.
10/1/2025
رد المستشار
الأخ الفاضل، أشكر لك إخلاصك وحرصك على مستقبل صديقك، وجزاك الله خيرا على تلك المشاعر النبيلة.
المشكلة يا صديقي الكريم ليست في اختيار صديقك لزوجة غير محجبة رغم أنه متدين، بل المشكلة في فكرة اختياره لزوجه وشريكة حياته والتي سيجمعه بها عمر وحياة دائمة؛ فللأسف الشديد أصبح الشباب الآن يبحث عن الأنثى ليكمل نصف دينه، فكما قلت إن احتياجات الشباب إلى الزواج تدفعهم إلى الاختيار السريع وإتمام الزواج بشكل سريع أيضا.
وتكون نتيجة هذه السرعة في الاختيار النسبة المرتفعة لحالات الطلاق في السنة الأولى للزواج بين شباب العالم العربي، وازدياد نسبة المطلقات والمطلقين بين أبنائنا، ولعل الشباب لا يدركون أنهم يتضررون بالطلاق مثلهم مثل الفتيات تماما وأنه سيخسر أيضا مثل الزوجة التي طلقها وخاصة عندما يتقدم من جديد لطلب الزواج من أسرة جديدة؛ فبالطبع سيسألونه عن أسباب الطلاق الأول، وكيف يضمنون لابنتهم أنها لن تطلق هي الأخرى والكثير من الشكوك والأقاويل التي ستحوم حوله الأمر الذي سيدفعه للتنازل وقبول أشياء لا ترضيه.
إنني أردت بتلك المقدمة أن ألفت نظر الشباب إلى خطوات خطيرة ربما لا تكون في حساباتهم عند الاختيار.
الزواج يا صديقي ليست وسيلة للإحصان فقط؛ فالإحصان جزء من أهداف الزواج، ولكن الذي لا يدركه الشباب هو أن الإحصان الكامل يتطلب رغبة ومشاعر وتواصلا جيدا بين الزوجين في حياتهما اليومية يدفعهما للقاء حميم وودود يتحقق به الإحصان المقصود.
وهذا التواصل لن يأتي بين زوجين يرى طرف منهما أن الطرف الآخر ينقصه أشياء يحبها ولا يقبل التنازل عنها؛ لهذا السبب جعل الإسلام الكفاءة أحد شروط الزواج، وليس هناك كفاءة تحقق النجاح في الزواج أكثر من الكفاءة الدينية والفكرية؛ فكيف يعيش زوجان وكل منهما ينتقص دين الآخر أو يراه متزايدا.
فكثيرا كنت أرى بعض الشباب الذي يرغب الزواج من منتقبة على سبيل المثال لاقتناعه الشديد بالنقاب ثم يقبل عروسا غير منتقبة وغير مقتنعة بالنقاب من الأساس ويقول إنها ستتنقب بعد الزواج، ثم لا تلبس أن تدب الخلافات بينهما بعد ذلك ويدخلان في حوارات ومجادلات لا تنتهي إلا بالخصام واتهام كل طرف للآخر بالجمود أو التسيب وهكذا.
والزواج في أساسه شراكة ومودة وحب لا مجال فيه للمجادلات والمشاحنات التي تملأ القلب بغضا وتزيل أي أثر للحب، والطبيعة البشرية تميل بالفطرة إلى من يشاركها وحدة المبادئ والأهداف وتنفر مما يخالف أفكارها ومبادئها؛ فكيف تقبل الحياة الزوجية والتي بطبيعتها فيها الكثير من الاختلافات وضغوط الحياة، مع شخص مختلف معه في المبادئ والأفكار؟.
والمشكلة الحقيقية التي يقع فيها الشباب والفتيات هي العجلة في الاختيار، مع أننا إذا رجعنا إلى تراثنا الإسلامي لوجدنا أن اختيار الزوج أو الزوجة كان أمرا مهمًّا وقرارا مصيريا لا يندفع وراء الإحصان فقط؛ إذ كان هناك هدف وبحث عن زوج يحمل نفس الأفكار والمبادئ، بل إنه في بعض الأحيان كان يتنازل الشخص عن رغباته الخاصة مقابل أن يضمن الاستقرار والهدوء الذي يرغبه بالزواج.
ونضرب مثالا على ذلك سيدنا جابر رضوان الله عليه هذا الصحابي الشاب الذي وجد نفسه مسؤولا عن تسع بنات هن أخواته اللاتي أوصاه أبوه عليهن؛ فعقد موازنة دقيقة بين رغبته كشاب له طموحات خاصة في الزوجة التي يرغبها وبين تلك البنات الصغيرات التي يحتجن إلى رعاية واهتمام، وتوصل إلى أن الزواج من البكر الصغيرة قليلة الخبرة بالحياة ربما يجر عليه مشاكل لا تحقق له السعادة المنشودة من الزواج ولا تكفل له رعاية أخواته اليتيمات فبحث عن من تشاركه الهدف والرؤية المستقبلية وهكذا نجح الزواج.
ومشكلة صديقك ومثله الكثير هي أنه لا ينظر إلى تلك النظرة المستقبلية لحياته، بل يقنع نفسه أنه قادر على إقناع الطرف الآخر وتغيير أفكاره، وكأن رأس الطرف الآخر هذا ستفتح بمفتاح وسيلقى فيه كل ما يتمناه الطرف الأول من أفكار.
أيها الشاب عليك بالروية والهدوء، واسأل نفسك هذه الأسئلة عندما تجد الفتاة التي ترغب الزواج منها:
- هل هذا الشكل وتلك المواصفات الشخصية ترضيك (كالطول ولون البشرة ومقاييس الجسد) بمعنى هل تلك الفتاة تلقى قبولا لديك؟.
- هل أفكار تلك الفتاة وميولها ومبادئها في المجتمع وطموحاتها المستقبلية توافق مبادئك وأفكارك أم أن هناك اختلافات وتباينا واضحا في أفكاركما ومبادئكما؟.
- هل تدينها الذي هي عليه الآن يوافق تدينك الذي أنت عليه (لا تعلق آمالا على المستقبل)، والتدين لا يشمل التدين الظاهري فقط بل التدين الباطني أيضا كحسن الخلق وهدوء الطباع والوفاء وغيره؟.
- هل أسرة تلك الفتاة وتربيتهم وأسلوبهم في الحياة وطباعهم يتوافق مع طبيعة أسرتك وتربيتك أم أن هناك فجوة كبيرة واختلافا واضحا بين الأسرتين؟.
- هل تجد قبولا وترحيبا من أسرة الفتاة بك وتجد مثله عند أسرتك لتلك الفتاة أم أن إحدى الأسرتين لا ترغب في ذلك الزواج؟.
- هل أنت متفق مع تلك الفتاة على الخطوط الأساسية لحياتكما من حيث عملها مثلا أو سفرك أو انتقالكما إلى بلد آخر بعد الزواج؟.
- هل هناك عيوب واضحة في تلك الفتاة ولكنك على استعداد للتعامل، وهذا يتطلب منك معرفة جيدة وواضحة حتى تستطيع معرفة إذا كان عيبا أم لا، وهل أنت قادر على التعامل مع ذلك العيب كما هو أم لا؟.
- هل أنتما متفقان على الأمور المادية وكل طرف يعرف بوضوح إمكانياته وإمكانيات الطرف الآخر وموافق عليها؟.
عندما تجد أن تلك الأسئلة لها إجابات واضحة ومحددة لديك امض في سيرك متسلحا بالدعاء والاستخارة حتى تصل إلى التقارب الروحي الذي تشعر معه أنك تحب أن تكمل هذا الزواج وتمضي فيه، ولتكن على علم أنك ستجد بعد الزواج اختلافات بينكما في طريقة الحياة؛ فلا يوجد زوجان مهما كان بينهما من توافق وتقارب يحملان نفس الطريقة في الأكل والنوم وغيره، ولكن التفاهم والمودة والحب سيجعلان تلك الاختلافات مقبولة ولا تسبب إزعاجا.
إن الزواج قرار مصيري يتطلب أن نتدرب على كيفية اتخاذه ونعقد الدورات التي تؤهلنا لتلك المسؤولية، وإنني أتمنى أن يأتي اليوم الذي نجد فيه معاهد إعداد زوجات وأمهات ومعاهد إعداد أزواج وآباء مثل معاهد إعداد الدعاة، وأظن أنها لا تقل أهمية عنها. ومعذرة عن الإطالة، وتمنياتي لك ولصديقك ولكل شباب المسلمين بالزواج الصالح الموفق. وأنصحك بقراءة الروابط التالية التى لها علاقة بمسألة الاختيار عند الاقدام على الزواج.
واقرأ أيضًا:
في اختيار شريك الحياة.. الصورة الكلية أهم
خريطة طريق لاختيار شريك الحياة
ما يفعل الملتزم؟: زميلة في العمل!
أنا وزميلتي.. لماذا الحب ولماذا الزواج؟!
زميلتي في العمل والتعلق المرضي
وتابعنا بأخبارك