السلام عليكم..
- سأصف لك تجربتي في غرفة الدردشة ربما تضيء لك شمعة في سعيك لفهم وتحليل الخيانة الإلكترونية، أنا فتاة في العشرين من العمر، عازبة..
وإذا تأملنا قصة ذلك الرجل التقي الذي تآمر عليه بنو إسرائيل فأرسلوا أجمل غانية لإفساده، وفي ليلة ماطرة طرقت الغانية الباب على الرجل العابد، وكان يصلي، فلما انتهى أدخلها وغض بصره عنها؛ فملابسها شفافة ملتصقة بجسدها من البلل، عاد إلى الصلاة والشيطان يوسوس له، وكان كل مرة يطرد فيها شيطان الإغواء، استلقت المرأة أمامه، واستعرضت جسدها، فحسم المسألة مع نفسه بأن قال لها: إن كنت تريدين العصيان فيجب أن تتحملي جزاء العاصي، توجه عندئذ إلى القنديل ووضع إصبعه في النار وما زالت نفسه تحدثه بالمعصية وهو يضع الإصبع تلو الآخر في النار، ويذكّر نفسه بأن نار الله يوم القيامة أشد قوة من نار الدنيا بسبعين مرة حتى امتلأت الغرفة برائحة أصابعه العشرة المحروقة.
خطر الإغواء في هذه القصة حسي واضح، أما في غرف الدردشة فهو خطر كامن يتربص، قوامه جذب الناس إلى علاقات إنسانية بين الجنسين مجرد تعارف "بريء"، وتبدأ دردشة في شتى الاهتمامات والمواضيع، وتستمر يوما بعد يوم فتجد في نفسك تعلقا ومتابعة لأخبار إنسان معين، وبما أنك لا تعرف عنه غير ما يقول لك فإن نسبة قبولك له واعتقادك بأن بينكما "صفات مشتركة" تزيد، ربما هو استخفاف بخطورة الحديث مع رجل أجنبي، وسبب الاستخفاف قد يعود إلى اعتقادك بأنك في أمان في منزلك، وأنه لا أحد يستطيع أن يجبرك على شيء، ولكن الشيء الوحيد الذي لم تحسب له حسابا هو تعلق القلب بفلان أو فلانة، وخيالك يلعب دورا كبيرا في إكمال الناقص من شخصية الطرف الآخر.
وبالنسبة لي كان هناك فضول جنسي أردت الحصول على المعرفة من بعيد، ماذا يريد الرجل من المرأة؟ لماذا تثيره أجزاء معينة من الجسم؟ كانت حماقة، ولكنها علمتني أشياء ليس لأحد في أسرتي جرأة الحديث عنها معي، ولقد كنت أؤنب نفسي كثيرا، ولكن بعد أن اقترح عليّ الزواج عن طريق الإنترنت أمام الله "زوجتك نفسي..." كان هذا الغطاء الأخلاقي في وجه تأنيب الضمير.
وبعد ذلك كنت أستمر حتى أرضي ضميري؛ لأني أخذت المسألة بجدية، شعرت بأنني لو انقطعت فسيكون انقطاعي اعترافا بأن ما فعلته كان معصية، ولن يكون هناك فرق بيني وبين من تعاكس بالهاتف أو تقبل المغازلة في الشارع، أوهمت نفسي بأنني حقيقة متزوجة، ولكن إلكترونيا! كنت أشفق عليه؛ لأنه وحيد وكبير في السن ومريض، وفكرت أكثر من مرة بترك عائلتي إذا لم يقبلوه، عشت في عالم خاص بي؛ فبدأت أفقد الوزن، وأتخبط في الدراسة، وعندما كان الاشتراك في الإنترنت ينتهي كنت أضرب عن الطعام حتى يجددوا اشتراكي.
بعد مرور الوقت أدركت أن العلاقة مبنية على الكذب، وأنني طوال هذه العلاقة المزعومة لم أبح له بهويتي الحقيقية، شعرت بعدم جدية الموضوع، وأنني لا أستطيع تحمل أعباء علاقة غير واقعية فتوقفت.
إقلاعي كان عقليا أكثر منه روحيا، هل هذا يعني أنني لم أتب فعليا؟ هل يجب عليّ مراجعة نفسي أكثر؟ لقد تعلمت أشياء مفيدة لم أكن لأتعلمها لولا هذه التجربة؛ فهل هذا ينافي مبدأ الشعور بالندم على حدوث هذه العلاقة؟ أنا لا أنوي العودة إلى الدردشة مجددا؛ لأنني أصبحت أعتبر محادثة رجل أجنبي في غرف الدردشة خلوة منهيًّا عنها شرعا، واعتبارها عكس ذلك هو ما أوقعني في هذه المسألة من البداية.
كيف أكون صادقة مع نفسي ومع الإنسان الذي سيكون زوج المستقبل؟ فقد أخطأت، ولكن لا أريد أن يكون خطئي سببا في فشلي في علاقة رسمية. كيف أطوي الماضي من ذاكرتي؟
أم راكان..
18/10/2022
المشاركة الثانية:
السلام عليكم، أنا أيضا مررت بهذه التجربة، أنا متزوجة، وفي غربة كان الفراغ يقتلني عرفت طريق الشات، في الأول كنت أظن أنها حوارات عادية بين الناس مفيدة وببراءة كنت مصدومة، وكنت أتقيأ ويكاد يغمى علي من شدة ما قرأت، "وشوف شو كاتبين"، وفي كل مرة أطلب أكلم بنتا ترفض لأني بنت، لا أنكر أنا غلطت الله يسامحني إن شاء الله، حكمت ضميري وعقلي واستعنت بالله ودعوته أن يسترني ويتوب علي من هذا الشات المشؤم، والحمد لله استجاب لدعوتي، تخلصت منه، أصبحت أسمع دروسا ومحاضرات دينية والحمد ولله. واكتشفت أن زوجي أنبل رجل وأشرف من لصوص الشات، هم حاولوا طلاقي من زوجي عدة مرات، حاولوا أن يدمروا حياتي، لكن الحمد لله، هداني الله، والله غفور رحيم..
يا أخي،
إن الشيطان كان للرحمن عصيا، استر على زوجتك لو كنت أنت مكانها كانت غفرت لك.
10/11/2024
رد المستشار
الأختان "إيمان" و"أم راكان"،
منذ ما يربو على السنتين وستة أشهر وفي أعقاب نشرنا لإجابة الخيانة الإلكترونية محاولة للفهم والتحليل، وصلتني منكما المشاركتان المرفقتان، وكانت مشاركة إيمان "مختصرة وسريعة" رغم أهمية تفاصيلها لو كانت أفاضت، ومشاركة أم "راكان" كانت أيضا سريعة، ولكنها أكثر استفاضة وتحديدا.
والآن راجعت ماذا لدينا هنا؟ غياب الوسائل والطرق والدوائر التي يحصل فيها اللقاء الطبيعي بين الرجال والنساء يبدو سببا بارزا، وحب الاستطلاع والفضول وخطوات الشيطان وخداع الذات والمكابرة والاستخفاف بالمخالفة والاستغراق فيها بدلا من الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه، ونمو العلاقة بين طرفين على خلفية الألفة والغوص في تفاصيل الحياة تحت شعار التعارف البريء الذي ينقلب تدريجيا إلى غير ذلك، وغياب مصادر محترمة وعلمية للتعرف على الجنس والثقافة الجنسية السليمة بشكل شرعي ونافع وألاعيب الضمير، وتداخل ما هو إنساني بما هو شيطاني كما نحن دائما، وما أروع وصفك: أعباء علاقة غير واقعية.
وعلاقة هذا كله بالتوبة ومراجعة الذات في لحظة صدق قد تطير دون استثمار لسبب أو لآخر، وموقف الزوج حين يكتشف هذا فيفقد الثقة في زوجته وفيما بينهما من ميثاق كان يظنه غليظا.
لا انفصال يا "أم راكان" بين عقلك وروحك، لا تتشككي في توبتك ما دام إقلاعك نهائيا ودون رجعة، ولا تعارض بين أن يكون في الشات نفع ما بالتأكيد، ولكن إثمه حين يمارس بالشكل الذي حدث معك هو أكثر من نفعه، وأضراره لا حدود لها، والندم على خطأ ما وقع لا ينفي الاستفادة من دروسه، والخلوة الإلكترونية -إذا صح التعبير- أخطر من الخلوة الطبيعية الواقعية من زاوية الاستخفاف والسهولة، وعدم تقدير العواقب، والماضي لا يزول من الذاكرة، ولكن تنطوي صفحة بصفحة، والحسنات يذهبن السيئات.
نحن في أشد الحاجة ليس فقط لتقوية اتصالنا بالله سبحانه وإحياء تقاليد الضمير، ولكن أيضا لاستعادة شبكات الصداقة والأخوة في الله؛ لتقوم بدورها في الدعم المعنوي والإنساني والاجتماعي الذي نحتاجه جميعا أكثر من أي وقت مضى.
نحن في أشد الاحتياج لدوائر نشاط خيري وثقافي واجتماعي وسياسي تنجح في اجتذاب العازفين عن المشاركة العامة؛ الذين يعانون من الوحدة والوحشة والاغتراب والحاجة إلى أنيس وجليس، يغيب حيا مؤمنا ناصحا؛ فيحضر إلكترونيا بعواقبه الوخيمة.
إن الشيطان مع الواحد -كما في الحديث الشريف- وهو عن الإثنين أبعد، ونحن أصبحنا نعيش مثل الغربيين الذين يعيش كل منهم حبيس الغرف المغلقة في عمله أو مسكنه، وصارت الإنترنت بالتالي جزءا من حياته الاجتماعية، عبرها يتقابل مع الآخرين ويعرف عن العالم.
إن استعادة دائرة المجال الاجتماعي العام المنضبط بما شرعه الله سبحانه من قيم وحدود وأخلاقيات صارت فريضة؛ لأن التقاليد السائدة في بعض بلداننا بالإفراط في فصل الجنسين، وندرة الأنشطة الاجتماعية والثقافية أو عدم جاذبيتها، وفي بلدان أخرى بالتفريط في حدود الشرع وضوابطه أو في تحري النفع العام والعمل من أجله في هذا النشاط أو ذاك.. هذا الاضطراب الذي يكتنف دائرة اللقاء الاجتماعي والفعل الاجتماعي والنشاط الاجتماعي، هذا الاضطراب والخلل يكرس من انزواء الأفراد، ويضاعف من شعورهم بالعزلة، ويسلمهم فريسة سهلة للذبح على أعتاب الفضاء الإلكتروني، ولكي نتجنب هذا المصير المشئوم على خلفية الجهل والفضول؛ فإنه ليس أمامنا أيضا سوى تقديم معرفة سليمة بالحياة، والإنسان، والعالم، وأنشطته.
وشكرا لكما.
واقرئا أيضا:
الخيانة الإلكترونية: جريمة وعقاب؟ أم خبرة ونضج؟!
الخيانة الإلكترونية.. غواية الخجلاء
الخيانة الإلكترونية ... زوجة في جحيم